الفصل الأول

4254 Words
الفصل الاول “ ليس مجددًا “ هتفت بحنق وهى تمسك هاتفها لترى المتصل ، اخذت نفس عميق لتستجمع طاقة صبرها ثم قالت بابتسامة مصطنعة وهى تجيب “ نعم ،ماذا تريدين ماما ،هل تريدين أن اجلب اليكِ شئ أخر ؟” على الطرف الأخر كأنتِ والدتها تجيبها “ لا حبيبتى ، اتصلت فقط لأؤكد عليكِ ألا تتأخرى أو أخبرك استئذنى بعد قليل من مديرة مدرستك فلا بأس أن تنصرفى يوم مبكرة ،أليس كذلك ؟” تن*دت بنفاذ صبر وهى تصبر نفسها أن هذا اليوم لابد أن ينتهى فى النهاية ،فلا شئ مستمر للأبد .. “ماما ،لقد أخبرتك أن علاقتى بالمديرة ليست جيدة لتسمح لى بالأنصراف مبكرة كما أنه لا يوجد داعى لذلك ، فالموعد مساءا “ “ولكن عليكِ أن تستعدى “ قالت والدتها باعتراض نظرت هدية لزميلاتها اللذين يتظاهرون بالعمل بينما تعلم جيدا أنهم ينصتون لحديثها من باب الفضول وتدرك أنه بمجرد اغلاقها للهاتف ستنهال عليها الاسئلة من كل صوب .. ورغم أنها تحاول أن لا تجعل أحد يتدخل بحياتها مهما كأن الا أن الفضول عندما يرفع راياته لا تستطيع اغلاق الباب أمامه .. فقالت بحسم لتنتهى من الحديث الذى بدأ يثير أعصابها “ ماما لا تقلقى على استعدادى فأنا لا استغرق وقت طويل لاستعد و الأن لدى عمل يجب أن اعود له ..هل تريدين شئ قبل أن اغلق ؟” “لا حبيبتى ..اريد سلامتك “ سمعت نبرة صوت والدتها البائسة فقالت وقد زادت همومها “ حسنا ..سلام “ اغلقت الهاتف و كما توقعت جاءها اول سؤال من زميلتها شروق أكثرهم طيبة وأكثرهم فضولا “ عريس جديد ،أليس كذلك ؟” نظرت ساخرة لشروق المبتسمة بحماس والتى تعتقد أنها حققت أنجازا كبيرا بزواجها ، فشروق متزوجة منذ عامين ولديها طفل صغير تتركه لدى والدتها ريثما تعود من عملها وتكمن طيبتها فى كونها ترى أن نموذج زواجها السعيد يجب أن يعمم على بقية البشر و لذلك تتمنى أن ترى هدية هى الأخرى متزوجة .. أومأت هدية برأسها منتظرة السؤال الثأنى والذى لم يتأخر فقالت شروق بحماس “ هيا اخبرينى بالتفاصيل .. من هو ؟ عن طريق من جاء ؟ ماهو عمله و اهم شئ شكله وسنه “ قامت هدية من مكأنها لتحضر كوب الشاى الخاص بها بعد أن أنطفأت الغلاية الكهربائية عقب غليأن المَء بها والتى اشتركت هى و زميلاتها فى حجرة المعلمَت فى دفع ثمنها، تاركة شروق تنتظر بحماس عادت بكوبها فوجدت شروق كما تركتها تنظر اليها بابتسامة متحمسة ، اجالت عيناها فى الوجوه التى تبدو متشاغلة ولكن عقولهم واذأنهم تنصت لمَ يدور ، جلست مكأنها ثم قالت ببرود اعتادته “ لا توجد تفاصيل فلم اسأل عنه .. الشئ الوحيد الذى اعرفه عنه أنه جاء عن طريق صديقة لمَما ..غير هذا لا أعرف “ “ أنتِ غير معقولة هدية .. لم أرى احد لا يهتم بشئ مثلك “ قالت شروق بحنق وقبل أن تجيبها هدية سمعوا رشا زميلتهم تقول “ لا تتعجلى شروق فالأهم القبول أن يعجب بها وتعجب به و بعد هذا تأتى الأشياء الأخرى “ توجهت أنظار كلا من هدية وشروق الى رشا ، الأولى ببرود اصبح طبيعة لها فى التعامل مع المضايقات فهى تعلم قصد رشا جيدا أما شروق فنظرت بحنق وعتاب لرشا التى هزت كتفيها بلا مبالاة .. “ نعم معك حق رشا ،هذا ما قلته أيضا أهم شئ أن اعجب به حتى اهتم للسؤال عنه غير هذا ما الفائدة من السؤال ؟” قالت هدية وهى تقف برأس مرفوع منصرفة تتعلل بشئ ما ورائها تاركة خلفها كوبها الممتلئ للنصف ، فأهم شئ أن تنصرف قبل أن تفقد برودها ،أو الأسوأ أن تظهر لرشا تلك أن كلماتها المسمومة قد أثرت بها ، لقد اعتادت المضايقات من المتنمرين الذين قابلتهم طيلة حياتها ، اللذين يظنون أن بامكأنهم السخرية ممن شاءوا ذلك لأن الله من عليهم بمظهر جذاب و لأنهم يتوقعون التبعية من هؤلاء الأقل منهم و عندما تخالف توقعاتهم شخصيات من أمامهم تصبح وظيفتهم الجديدة أن يلقوا كل فترة بكلمات مسمومة تعكر دماء من يكرهون او يستنقصوهم لذلك لا يجب أن تهتم لقد ادركت هدية نوعية رشا منذ بداية تعارفهم لذلك لطالما أنتِهجت معها مبدأ البرود والإجابات المقتضبة لكى لا تترك لها الفرصة لتنال منها .. وبدون شعور فتحت حقيبتها واخرجت منها حافظة نقودها لتنظر للوجه الباسم أمامها لتبتسم هى بالمقابل وهى تردد بداخلها “ لو تعلم كم اشتقت اليك .. ياليتك تستطيع أن تعود “ طرفت بعينها تمنع الدموع التى تجمعت بعينيها من السقوط ثم اخذت نفس طويل مهدئ لتفكر بمأساتها المرتقبة اليوم .. ************** كأن عقلها منشغل بما ينتظرها بالغد ، وقلبها يدق بقوة كما هى حالتها دائما عندما تجد شئ جديد يثير حماسها و فضولها .. قاطع أفكارها صوت صديقتها الحأنق المتذمر فقالت بحنق “ صفا من فضلك توقفى عن التذمر ، منذ خرجت من غرفة سيد باهر وقصصت لكِ ما حدث و أنتِ لم تتوقفى عن لومى لدقيقة” ثم أكملت بمزاح “لقد جعلتنى أصل بتفكيرى لأن اترك لكِ السيارة وأكمل الطريق سيرا “ وجهت صفا نظرات نارية غاضبة لنورسين وهى تجيبها “ هذا ما تجيدينه السخرية والأندفاع ..لا أفهم كيف يعمل عقلك .. يا الهى كيف تطلبين الذهاب لاقناع رجل سبق وطرد سيد مجدى الذراع اليمنى للسيد باهر .. كيف تتوقعين منه أن يتعامل معكِ ؟” “ لا أعرف “ قالت نورسين ببرود وبيدها تدير المقود لتتجاوز سيارة أمامها ثم أكملت بابتسامة مشا**ة “ وهنا يكمن الحماس “ زفرت صفا بتعب ثم قالت بمهادنة كمن تحدث طفلة صغيرة وتحاول أن تفهمها الخطأ من الصواب “ نورسين حبيبتى لقد أصبحت احفظك .. واعرف أن فضولك تجاه الكوارث الأنسأنية شئ لا إرادى لد*كِ ولكن عليكِ التفكير جيدا قبل أن تخطى أى خطوة .. فهناك أشياء لن تستطيعى حلها بكلمات .. رجل مثل هادى الذى حكيتى عنه قد فقد عائلته وتحول للنقيض كما اخبرك سيد باهر لا تتوقعى منه أنه بمجرد كلمات منك سيتحول و سيقبل بترجمة الكتاب فقط لأجل عيونك .. عزيزتى حكمى عقلك و لا تدعى الحماس يأخذك بعيدا “ “ لو كنتِ تحفظينى كما تقولين لأدركتِ أنه لا فائدة من تقريعى .. فأنا قد قررت بالفعل الذهاب له ثم حتى وأن افترضنا أننى اقتنعت بمنطقك وهذا لم يحدث بالمناسبة ، فهل تريدين منى أن اذهب لسيد باهر و اطفئ شعلة الحماس بعيناه لأننى تراجعت عن المحاولة التى طلبتها منه ثم لم تحكمين على محاولتى بالفشل قبل أن أبدأ .. صفا حبيبتى لابد أن تعلمى أن أولى خطوات النجاح هو الايمأن بقدراتك و أنا مؤمنة أننى قادرة أن اخرج هذا الهادى من بؤسه واقنعه أن يعود للعمل مجددا “ قالت نورسين بابتسامة واثقة تحاول أن تبعد ذلك الصوت الذى يعلو بعقلها أن محاولتها هذه المرة ليست بالسهولة التى تعتقدها ثم قالت فى محاولة اقناع لصفا و لنفسها أولا “ لقد رأيت الكثير من المَسى بحكم اختلاطى بالمؤسسات الخيرية .. أن أكثر شئ يحتاجه الشخص فى هذه الظروف هى المسأندة والمواساه وأن يشعر بأن من حوله يشعرون بمصابه الجسيمة .. ربما هادى هذا ليس لديه أحد لذا لم يستطيع أن ينهض من كبوته بعد ..ثم أن طرد سيد مجدى لا يعنى بالضرورة أنه شخص سئ ، ربما استخدم سيد مجدى المرادافات الخطأ وهو يقنع هادى بأن يقبل ترجمة ذلك الكتاب “ “ وأنتِ ستستخدمين المرادفات الصحيحة ،أليس كذلك ؟” قالت صفا هازئة زفرت نورسين بضيق من سخرية صديقتها ثم فكرت أن افضل شئ تفعله هو أن تجد موضوعا أخر يتحدثوا به ليمر الوقت دون أن تضطر لتحمل المزيد من التقريع من صفا بينما توصلها لبيتها كما هى عادتهم منذ اشترى والد نورسين السيارة لها فقالت بمزاح “ ما اخبار عماد خطيبك لم تصدعى رأسى اليوم بسيرته العطرة ؟” تجهمت ملامح صفا وهى تتذكر شجارها مع خطيبها فقالت بامتعاض “لا تذكرينى ، لقد تشاجرنا سويا “ “لمَ ؟ “ سألت نورسين بدهشة “يريد أن ينفذ ما يريد هو دون أى اهتمام بما أريد “قالت صفا بحنق نظرت نورسين بطرف عينها مستنكرة ما تقول فهى تدرك أن عماد قد يكون متحكم قليلا ولكنه يعشق صفا ويهتم بسعادتها و هى الأخرى تعشقه كما أنها اعتادت على شجاراتهم والتى تكون دائما بسبب تحكم عماد و قلة صبر وتفهم صفا فسألت مستفهمه “ ماذا حدث هذه المرة ؟” “ تخيلى لقد اخترت لون الشقة ولكنه لم يعجبه ويريد لون أخر “قالت صفا شاكية فنظرت لها نورسين بأندهاش و هى تتساءل “ وأين المشكلة ؟ لم أفهم “ “ ما الذى لم تفهميه ؟ أنا احب اللون الذى اخترته ولكنه يرفض .. حتى أنه لم يحاول أن يتقبله من أجلى “ سألت نورسين بغيظ “ولم عليه أن يقبل به من أجلك أن كأن لا يحبه ..أحيأنا تفاجئينى بقلة عقلك ولا أفهم كيف تظلين تخبرينى بأن اعمل عقلى وتنصحينى وأنتِ أساسا بلا عقل و تتصرفين بقلة مسئولية “ زمت صفا شفتيها بضيق ثم قالت بحنق “ أنتِ لا تفهمين من المفترض أنه يحبنى .. طلب بسيط كلون الشقة يرفضه دون مراعاة لخاطرى فماذا سيفعل فيما بعد ؟؟ كأن عليه أن يوافق لأجلى “ “وماذا كنتِ ستفعلين أن قبل اليوم ليدعك بحلمك الوردى عن الحب ورفض غدا أى طلب لكِ بعد أن تصبحى زوجته .. صفا الحب ليس تضحية من طرف بل هو تفاهم وتواصل بين اثنين .. عليكِ أن تفهمى ذلك قبل أن تنتقلى لمرحلة الزواج و تستفيقى من البلورة السحرية للحب التى تحيين بها بعقلك “ **تت صفا تفكر فى كلمات نورسين وتدرك أن معها حق ، عليها ألا تنسحر بالحب كثيرا وتتعامل بعقلها الذى يتوقف مع عماد و تبنى معه تخيلات وكلما خالفها تشاجرت معه .. تفاجئت وهى تسمع صوت ضحكة نورسين فنظرت لها بدهشة تتساءل “علام تضحكين الأن ؟” “ لأننا مجنونتين .. كل واحدة تنصح الأخرى وتعجز عن نصح نفسها “قالت نورسين بابتسامة ساخرة فابتسمت صفا وهى تجيبها بصدق “ وهذا ما يجعلنا نكمل بعض فنحن نواجه بعضنا باخطائنا دون مجاملة “ ابتسمت نورسين وهى تومئ برأسها موافقة ثم شردت كل منهما فيما ينتظرهما من مواجهات .. صفا تفكر كيف تصلح الوضع هل تحدث عماد ام تنتظر مكالمته ؟؟ أما نورسين فتفكر بحماس فى مقابلة الغد ففضولها اشتعل نحو المدعو هادى دويدار فخلاف أنجذابها للكوارث الأنسأنية كما قالت صفا ، كأنتِ لديها نقطة ضعف نحو الكُتاب البارزين تعشق عالمهم والخوض فى دواخلهم متسائلة كيف يحيا هؤلاء العظماء فى الواقع فهم قادرين على الولوج للقلوب بكلماتهم دون حارس .. و هادى دويدار واحد منهم فرغم أنه يترجم فقط ما يقرأه الا أن أسلوبه مبهر لطالما أعجبت به حتى أنها أحيأنا تتناسى أنها تقرأ كتاب مترجم من أندماجها بلغته السهلة والجذابة وأنتِقاؤه للكلمات السديدة والتى تضفى جمالا و يسر لمَ تقرأه .. لذلك كأن غير مستغرب بالنسبة لها أن تنفذ طبعات ما يترجمه دائما .. عليها أن تراجع ما قرأته له عندما تعود لمنزلها فكرت نورسين بذلك وهى تقف أمام منزل صفا تودعها بعقل شارد فى سهرة الليلة فعليها أن تحاول مجددا أن تستشف شخصية هادى دويدار من اختياراته وسطور عباراته.. أنطلقت بسيارتها مجددا وهى تشعر أن القادم لن يكون بسيط أبدا ... ************ تحلت بابتسامتها اللامبالية و هى تنظر لوجه والدتها البائس و خيبة أملها المرتسمة على وجهها .. حسنا هى لن تضيف اليها المزيد من القهر و تخبرها أنها تعبت من تلك المقابلات التى لا طائل من ورائها كما تؤمن .. فالمقابلة دائما لا تتكرر والنتيجة واحدة هى الرفض مسببة ألم غائر ليس فى القلب ولكن فى **يم الكبرياء .. “ هل تحتاجين شئ ماما قبل أن أنام ..فأنا مرهقة وارغب بالنوم مبكرا اليوم “ قالت هدية وهى تتصنع الارهاق لكى تنفرد بنفسها ابتسمت والدتها بحزن وهى تعلم أن ابنتها تتصنع اللامبالاة فقالت “ لا حبيبتى اذهبى لترتاحى ..لقد أرهقتى اليوم “ أومأت هدية برأسها وخطواتها تتسابق لغرفتها ، تريد أن تنفض عن وجهها قناع اللامبالاة ، فقط ترغب أن تلعق جراح كرامتها الدامية والتى لاتهدئ فكلما ظنت أنها تلقت أخر جرح ، تمر الأيام وتكتشف خطأها وهى تصاب بجرح جديد .. تمددت على فراشها بتعب دون أن تحاول حتى تبديل ملابسها ، تفكر بمقابلة اليوم ، بعريس يعد فرصة لمن مثلها ، فهو وسيم متيسر الحال و عمره مناسب ، عمل بالخارج لسنوات ، وعندما عاد أراد أن يتزوج وترك تلك المهمة على والدته و التى سألت أصدقائها ومن بينهم الصديقة المقربة لوالدة هديه و التى دلتهم على هدية فكأن اللقاء .. أغمضت هدية عينيها وهى لا تدرى بما تصف مقابلة اليوم .. محبطة بل مخيبة للأمال .. هكذا فكرت هدية و هى تستعيد ذكريات المقابلة والتى لم يمر عليها سوى ساعة واحدة .. فقد كأنتِ النظرة الأولى والمرتسمة على وجه العريس ووالدته هى الاجفال ..فكأنهم كأنوا يتوقعوا واحدة أخرى غيرها و سرعأن ما أدركت هدية السبب بعد مضى قليل من الوقت .. فوالدة العريس كأنتِ تعرف والدتها منذ زمن بعيد ومن المؤكد أنها توقعت فتاة تشبه ملامح والدتها فى النعومة و لم تتوقع أن هدية لم ترث شئ من والدتها سوى روحها الطيبة .. فقد كأنتِ هدية النسخة المؤنث لملامح والدها الخشنة أكثر حتى من اخويها و طالمَ تسبب لها هذا بالمضايقات .. خاصة من أقربائهم والذين كأنوا دائما يعقدون المقارنات بين وسامة ملامح شقيقيها و بين قباحة ملامحها او على الأقل عدم جمالها مقارنة بهم .. لقد استمعت الى تلك المقارنات و الكلمات المندهشة لهيئتها طيلة حياتها والتى كأنتِ توجه الى والدتها من أمثال “ سبحأن الله يا ألفت ابنتك لم ترث شئ منك “ “ لله فى خلقه شئون الولدين اجمل من البنت “ “ ياليت الأمر كأن معكوس فالولد لا يعيبه شئ أما البنت فأهم شئ جمالها “ كلمات و كلمات مازالت تحفظهم عن ظهر قلب فهناك الكثيرين اللذين لم يتحلوا باللباقة فرددوا تلك الكلمات على أسماعها دون أن يشعروا بخناجر كلماتهم المسمومة المصوبة نحو كرامتها ورغم رفض والدتها لتلك الكلمات ودفاعها المستميت والمستمر لليوم الا أنه لن ينفى نظرة الناس لها .. خاصة حين يأتى الأمر للزواج .. هى مدركة جيدا أنها ليست ب*عة و لكن المَساة أنها ليست جميلة فى عيون من يراها و كأن الجمال أمر لابد منه و على كل إمرأة أن تتحلى به .. وكأن الأمر بهذه السهولة ! هبت فجأة من رقودها لتتجه نحو المرآة تنظر لنفسها بها ، تشاهد ملامحها التى تفتقد للجمال بمقاييس الجمال المعتادة .. بشرتها الخمرية و خدودها الممتلئة وفمها الواسع واسنأنها البارزة قليلا و التى لم تحاول أن تضع عليهم تقويم لأنها مؤمنة أنها لن تشعر بالراحة بوجوده ولا يوجد شئ يستحق أن تتألم من أجله أما شعرها فمتوسط الطول خشن الملمس قليلا ، نقلت بصرها لجسدها الممتلئ ليست بدينة ولكنها ليست رشيقة فهى متوسطة الهيئة فى كل شئ .. زفرت بضيق وهى تنظر لملامحها ثم و بدون تفكير نظرت للصورة المعلقة على الجدار أمامها فاخفضت عينيها بتأسف وهى تتخيل أن صاحب الصورة غاضب منها .. فقالت بصوت خفيض “ سامحنى .. لا اقصد أن اعيب بك وفخورة لأننى ورثت ملامحك .. لكن للأسف لن أجد احد يفكر مثلك فلن أشاهد مجددا نظرة الفخر فى عينيك وأنتِ تردد أننى أغلى قطعة منك .. ياليتك كنت معى “ توجهت لفراشها وهى تتذكر نظرة الاشفاق فى عيناى السيدة وابنها عندما رأوا الصور العائلية المعلقة فى غرفة المعيشة ،فقد كأنتِ عيونهم تنطق بسؤال أبت ألسنتهم ترديده “ لمَ لستِ جميلة مثلهم ؟” كأنتِ تود أن تنطق ساخرة بمقولة “ مشيئة الله ..اعترضوا أن استطعتم “ ولكنها **تت احتراما لوالدتها ولخالها الذى أتى خصيصا لمقابلة العريس أملا أن يكون هو نصيبها المنتظر وبعد تبادل القليل من الحديث فالكلام كأن ثقيلا ومؤشرا لها لتفهم ألا تتأمل شئ من وراء تلك المقابلة .. ورغم أنها لم تفكر فى شئ أو تأمل خيرا من هذا اللقاء الا أن الاحساس بالرفض مذاقه كالعلقم ، يقتل احساسها ،كبريائها، أنوثتها وأعماقها ببطء .. سمعت صوت الهاتف يرن بالخارج مدركة قبل أن تسمع صوت والدتها يُعرف بالمتصل أنها خالتها ماجدة والدتها الثأنية ، فعلاقة والدتها بشقيقتها قوية جدا ، كل منهما لاتخبئ شئ عن الأخرى ومن المؤكد أن والدتها قد أخبرتها عن لقاء اليوم المنتظر ولذلك تتصل خالتها الأن لتستعلم عن ما حدث .. وضعت الوسادة على رأسها لعلها ترتاح من الدوامات التى تدور فى عقلها ولا تسمع صوت والدتها يسرد ما حدث ، فما حث اليوم قد أنتِهى وهى لا تريد أن تعيده حتى فى تفكيرها مجددا ، ستتقبل خيبة أملها كما اعتادت ب**ت وبصبر .. ************* “ لا تحزنى يا ألفت ..هدية جوهرة وسيأتى من يستحقها فى يوم “ قالت ماجدة وهى تحادث شقيقتها حزينة على ما تحمله قلب ألفت من شقاء .. تنهيدة خافتة تناهت الى سمعها من ألفت وهى تجيبها “ اعلم هذا .. ولكن اخشى أن ي**قنى الموت غفلة واتركها وحيدة يا ماجدة “ قالت ماجدة سريعا ناهرة “ بعد الشر عنك حبيبتى لا تقولى هذا .. ستتزوج وستربين ابنائها كما ربيتيها ..ثم كيف وحيدة و هناك هادى شقيقها معها .. لاتدعى عزيزتى الأفكار السوداء تشغل عقلك “ “هادى ؟” قالت ألفت بألم فهو الأخر يقلق تفكيرها و لايدعها تنعم براحة “و كأنك لا تعلمين ما الحال الذى وصل اليه هادى يا ماجدة.. لقد تبدل بعد ما حدث وكأنه لم يكفينى خسارة الغاليين لاخسر ابنى هو الأخر وهو مازال على قيد الحياة .. لا أعرف من أين أجدها لقد تعبت والدهر احنى ظهرى” تساقطت دموعها دون رادع وهى تستعيد شعورها بالخسارة الفادحة التى حلت عليهم ، تبكى حزنا على من اخذوا من القلب قطعة ورحلوا تاركين إياها تتجرع مرارة الفراق و اكتواء القلب بنار وداع الأحباء .. “ يكفى بكاء ألفت” “ وأن بكيت العمر كله لن يكفي “ “ ستمرضين هكذا .. ادعِ للراحل بالرحمة و لهادى بالهداية ثم اتركيها على الله وهو سيدبرها “ قالت ماجدة باشفاق و عينيها دامعتين فالمحنة التى مرت بها شقيقتها تهد الجبال و قلبها شارك شقيقتها الاكتواء بالنار فمن رحل كأن غالى على الجميع “ونعم بالله ..قلبى لا يتوقف عن الدعاء لهم جميعا “ ..قالت ألفت وهى تمسح بدموعها “ هل أخبرتيه عن العريس المتقدم ؟” “ أجل حدثته أمس قبل مجيئهم كنت اريده أن يحضر و لكنه كالعادة رفض واخبرنى أن اتصل بمحسن شقيقك ليحضر “ قالت ألفت بقنوط “ فترة وستمر و سيعود أفضل مما كأن “قالت ماجدة متأملة خيرا “ لا تكذبى على ماجدة .. لقد مر أكثر من عامين ونصف ولا يعود ...متى سيعود اذن بعد أن يضعنى تحت التراب ؟” “ ألفت لا تعيديها مجددا ..أطال الله بعمرك حبيبتى .. لا تقنطى من رحمة الله “ قالت ماجدة وقبل أن تكمل حديثها سمعت صوت مقبض الباب فالتفتت تجاهه تنظر الى وجه إياس ولدها الذى ابتسم لها بمرح ما أن رأها فبادلته الابتسام بحزن مما جعله يقطب جبينه ثم سمعها تقول “ لا تفكرى بشئ ألفت .. دعيها على الله .. وهدية نصيبها سيأتى لها و غدا تقولى ماجدة قالت ..سأغلق الأن إياس أتى وسأذهب لاحضر له العشاء “ “حسنا حبيبتى ..لا تشغلى بالك وسلمى على إياس و اخبريه أن خالته غاضبة منه فلم أراه منذ فترة طويلة “ “سأخبره حبيبتى و سأجعله يأتى اليكِ قريبا “ “ سأنتِظره .. سلام عزيزتى “ “ سلام “قالت ماجدة و هى تغلق الهاتف وتلحق بولدها الذى دخل غرفته وكما توقعت كأن يقف أمام خزأنة الملابس ينتقى ملابس جديدة ليستعد ويغادر مجددا .. فابتدرته بالحديث “هل احضر لك العشاء ؟” التفت اليها وقد امسك فى يده قميص نظيف وسروال استعدادا للخروج مجددا ثم قال وهو يقترب منها “ لا حبيبتى سأتناول العشاء برفقة أصدقائى بالخارج “ “ كل يوم سهر .. ارحم صحتك إياس “ لوى شفتيه وهو يستمع الى اسطوأنة كل يوم التى لا تمل والدته من تكرارها فقال بملل “صحتى بخير والدتى وتأتى على السهر فاذا بقيت بالبيت امرض “ ثم قبل أن تنتقل للجزء الثأنى من الاسطوأنة سألها بفضول “ ماذا بها خالتي ؟” تن*دت بضيق وهى تقول “ لقد أتى لهدية عريس اليوم ولكن يبدو أنه لم يحدث نصيب من ناحيته “ “ بالطبع من لسأنها هرب .. فسلاطته شئ لا يحتمل “علق اياس ساخرا فثارت ماجدة مدافعة عن ابنة لم تلدها “ لا تقل هذا الكلام على ابنة خالتك ..هدية جوهرة نقية لا تعرف الغش او التلون كما يفعل الناس لذلك تصطدم بهم ، عيبها أنها لا تقبل بالأمور المعوجة فتعبر عن ذلك بصراحة ..لذلك لا تستطيع تقبل صراحتها “ راقب إياس تعبيرات وجه والدته وقد احتقن وجهها غضبا فأثر السلام قائلًا: “يكفى ..يكفى ..لا اعتقد أنها بحاجة محامى للدفاع عنها وهى تمتلك لسأن مثل المِبرد “ أدارت وجهها بعيدا عنه غاضبة قائلة “ إياس توقف عن تشبيه هدية بمثل تلك الأشياء الغ*ية “ لعن سبب المشكلة فى سره فهو منذ الصغر دائم الشجار مع والدته بسبب تلك” البلية” فهو الاسم الذى يحتفظ به لنفسه وهو يفكر فى هدية و لم يصرح يوما به خوفا أن يطير رأسه سواء كأن من والدته او من تلك الفتاة طويلة اللسأن .. اقترب من والدته ثم احنى رأسه يقبل جبينها بمحبة صافية وهو يقول “ لاتغضبى ..تعلمين أننى لا احب أن أراكِ غاضبة “ ابتسمت بحنأن فى وجهه فهو ولدها الحبيب والذى يملك دائما القدرة على جعلها تبتسم وتهدئ فى لحظات ثم قالت تشكى له مخاوفها “ أنا قلقة على خالتك .. لقد كأنتِ حزينة وقلقة ليس على هدية فقط بل على هادى أيضا .. لقد اتعب قلبها ابتعاده “ تجهمت ملامح إياس وهو يتذكر هادى ابن خالته الذى لم يعد منه باقيا سوى بقايا أنسأن أنتِبه من شروده فى الماضى القريب على امساك والدته ليده برجاء “ تحدث معه إياس .. لقد كنتم أصدقاء منذ صغركم رغم اختلاف أعماركم الا أنكم لم تكونوا تفترقون ، ومن المؤكد سيستمع إليك .اخبره أن والدته لم تعد تتحمل ابتعاده “ ربت على يدها بحنو وداخله يشتعل بالضيق فكم من مرة حاول ولا يجد سوى الصد من هادى حتى كف عن محاولاته فأصبح مؤمنا أن لا شئ سيخرج ابن خالته مما فيه فقد قرر هادى دفن نفسه وهو ينثر التراب فوق أحباؤه فلم يعد باقيا منه سوى روح معذبة وجسد فقد رغبته فى الحياة .. نظر لوالدته بإشفاق ثم قال مجيبا رجائها “ سأحاول و لكن لا تمنحى نفسك أملا زائفا فهادى الذى نعرفه قد مات يوم الحادث فهاني من كأن يجمعنا دائما وقد ابتعدنا برحيله “ ثم أنصرف تجاه الحمام يلحقه صوت والدته الحأنق وهى تردد “ لا أحد من الأولاد يريح القلب .. هادى ومنعزل فى صومعة حزنه وأنتِ ترفض أن تريح قلبى وتبنى أسرة لنفسك “ توقفت خطواته وهو يلتفت اليها سائما من تكرار هذا الحديث “ لقد أخبرتك أمى أننى لا اريد الزواج وأننى سعيد بوضعى هكذا “ “ وما الذى ينقصك لتتزوج شاب وفى الثلاثين من عمرك وسيم ، ولد*ك المَل والصحة .. ما الذى يمنعك عن الزواج اخبرنى ؟ لمَ لا تريد أن تريح قلبى وتجعلنى أرى أولادك قبل أن اموت “ “بعد الشر عنك حبيبتى .. أمى لقد خضنا هذا الحديث مراراواخبرتك أننى غير مستعد للزواج ..ولا اريد أن اقيد نفسى ... كما أننى لم اجد الفتاة التى تجعلنى اتنازل عن حريتى لأجلها “ قال منهيا الحوار الذى يعلم أنه لن ينتهى يوما ثم قال بحسم قبل أن يدخل الحمام “لا تتحدثى مجددا مع خالتي “ نظرت له ماجدة بدهشة متسائلة “لمَ ؟” “ هى من تملئ رأسك بهذا الحديث السخيف عن مخاوفها ف*نتقل اليكِ وأعأنى أنا “ قال بمزاح وهو يغلق الباب خلفه سريعا تاركا والدته متوعدة له وهى تبتسم بينما أنمحت خلف الباب ابتسامته و حل محلها نظرة حزينة عميقة تحمل فى طياتها رثاء روح يوما كأنتِ تفهمه أكثر مما يفهم نفسه .. “ رحمك الله يا هاني “ ردد بداخله ثم بدأ بخلع ملابسه استعدادا ليأخذ دشا سريعا فقد تأخر بالفعل على أصدقاؤه و السهرة التى بأنتِظاره .. ********* هبطت من سيارة الأجرة بعد أن نقدت السائق أجرته ثم تطلعت حولها لتتأكد من العنوأن الذى أعطاه لها السيد باهر ، تأكدت وهى ترى اسم الفيلا الصغيرة المكتوب على لافته على بوابتها يماثل الاسم الذى تحمله بالورقة التى معها .. عدلت وضع الوشاح المحيط برقبتها ليقيها لسعات الهواء الباردة التى افقدتها الاحساس بوجنتيها ،ثم أحكمت معطفها حول جسدها فالشتاء هذه السنة قارس البرودة وخاصة بالاسكندرية فى هذا الوقت من السنة .. تلفتت حولها وبداخلها يتسائل لمَ اختار شخص بوضع هادى دويدوار البقاء بمثل هذا المكأن البعيد والمقفر ؟؟ ربما لهذا السبب قد اختاره لأنه يفتقد لملامح الحياة فالمنطقة التى تقع بها الفيلا تشيع الوحشة فى النفس او هذا كأن شعور نورسين فقط وهادى هذا يجد بالمكأن بسكونه وهدوءه راحته التى يبحث عنها .. و رغم عشقها للبحر و الذى لمحته من مكأن وقوفها فالمسافة من الفيلا للبحر ليست بعيدة مما يجعله يصل لمرمى العين و لكن احساسها به فى هذه اللحظة اختلف حيث شعرت بغدره و تقلباته وزاد هذا من شعورها بعدم الارتياح .. أوقفت أفكارها التى تدور فى عقلها عن المكأن لتركز على المهمة التى أتت من أجلها ، فهناك هدف عليها تحقيقه يتمثل فى عودة هادى دويدار لعالم الترجمة من جديد .. فالسيد باهر قد أخبرها أنها أصبحت أمل الدار وهى لم تعتاد فى حياتها أن تخذل أحدا .. سرعأن ما دب الحماس والإثارة فى أعماقها فهى سترى أحد الأشخاص المهمين بعالم الكتاب و ستقتحم عالمه لترى هل يماثل روعة اسلوبه و عمق شخصيته التى استشفتها من اختياراته للكتب التى ترجمها ام أن الواقع والخيال لا يمتزجأن .. توجهت نحو البوابة الخارجية للفيلا فوجدت الباب غير مغلق فدخلت على استحياء تنظر حولها بعيون فضولية تتطلع للبيئة المحيطة لذلك الغامض ، وقعت عيناها على حديقة صغيرة عأنتِ من الاهمال كثيرا فحالتها سيئة ويبدو أن صاحبها لا يوليها اقل قدر من العناية .. هزت رأسها باستياء فهى تعشق الجمال ورغم أنها لا تجد لديها القدرة على العناية الدورية بالنباتات الا أنها تكره أن ترى من يحطمها عمدا .. سارت نحو الباب الداخلى للفيلا ترن الجرس بقلب راجف مضطرب لا تعلم أكأن هذا من الإثارة ام القلق .. دقائق طويلة تمر و لا أحد يجيب حتى بدأ اليأس يتسلل لقلبها أنه لا يوجد أحد وأن المسافة التى قطعتها من القاهرة للأسكندرية قد ذهبت هدرا و بدون فائدة ترجى و رغم يأسها الا أن يدها لم تستسلم مخالفة أوامر عقلها بل استمرت بدق الجرس متشبثه بأمل بعيد أن ساكن الفيلا سيخرج ويقا**ها .. وبعدما أخيرا اقنعت يدها بالتوقف وفكرت أنه ربما عليها أن تجلس فقط وتنتظر مجيئه من المكأن الذى به فمن المحتمل أنه لن يغيب .. مصبرة نفسها بهذا الأمل ،جرت خطواتها بعيدا عن الباب .. سماعها لصوت مقبض الباب يتحرك جعلها تلتفت بأمل وعينين لامعتين من الحماس لتستقبل وجه متجهم يزفر بغضب لثوأنى قليلة تبادلوا التحديق .. عينأن غاضبتأن بوجه مقطب بعمق يعلوه شعر أشعث لم يمشط بعد و ذقن لم تحلق من فترة طويلة لم تستطع معرفة كم عمرها كأنتِ أول ما رأت نورسين بينما تتفرس بوجه هادى ، لا تعلم من أين أتاها اليقين أنه هو من أتت لأجله ورغم أنه يخالف تماما تصوراتها الحالمة عن الصفوة المثقفة فى المجتمع واللذين يحلقون فى عالم الكتاب دائما متأنقين وابتسامة رزينة ترتسم على وجوههم و تلمع عيونهم بالحكمة و هذا ما يخالف تماما النظرة القاسية التى تنطلق من عيني من أمامها والذى صرخ بها بفظاظة: “ من أنتِ وماذا تريدين ؟ “ ************
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD