الفصل الثاني

1820 Words
دقائق فصلت بينهما نهائيا دون أن تدرى أمانى أن فراقهما قد تعدى الحياة وفرض عليهما للأبد . عادت للمنزل بسيارة أحد الأقارب الذى تطوع بإحضار العروس الباكية ، فسدت زينتها تماما لكنها تبكى فرحة تجهل قيمتها بعد وتبكى فقدا لا يدركه اى من هؤلاء . ترجلت من السيارة ليستقبلها صراخ النسوة وعويلهن المعروف فى بيئتهم البسيطة إلى حد ما و التى لم تتمكن المدنية من تجاوز جميع حدودها الفكرية بعد فأصبحت مدنية الظاهر قروية الفكر و الجوهر . تقدمت ليزداد العويل ، تلفتت حولها بتيه إنها لا ترى من تهتدى به ، تقدمت للداخل نحو الدرج صعودا لمنزل حمويها وقد تركت الفتيات خلفها من شدة الفزع. دخلت من الباب بسيقان ترتجف رهبة ، هل ترهب الموت !!؟ ام ترهب الموقف !!؟ أم ترهب نظرات الحضور !!؟ هى لا تعى بشكل كامل حاليا لتفكر فتكتفى برجفة قلبها التى تسرى بين دمائها فيرتعد لها بدنها كاملا مع كل صرخة تشق القلوب. وقفت تتلفت حولها لتجد سوسن منهارة ويحيط بها بعض النسوة يشددن ازرها ليزداد وجيب قلبها الذى بدأت خفقاته تتحول للأنتفاض. لم تجد بجوارها أى من أسرتها لتتقدم حتى توقفت أمامها وقد عبر صوتها عن ارتجافها الداخلى الفزع _مين اللي مات؟ هااا!! مين يا جماعة؟ رفعت سوسن رأسها بقهر لترى حلم ابنها الراحل الذى لم يهنأ بتحقيقه _ عريسك يا عروسة، بدأت تصرخ بهستيريا وقد فقدت وعيها وادراكها _حسام مات يا أمانى وهينام فى حضن القبر ، هيبات ليلة عمره فى حضن القبر مش حضن عروسته استرسلت فى عويلها بينما بدأ صوتها يخبو بمسامع أمانى حتى تلاشى تماما ، تراها تصرخ وعقلها يرفض أن يستمع للصراخ ويرفض تصديق هذا الجنون الذى تفوهت به . هبت عمة حسام لتهزها بعنف وكأنها قتلت حسام رافضة تواجدها بينهم _ انت جاية تعملى إيه يا وش الفقر يا بومة؟ ابن أخويا مات قبل ما تتزفى له يا جلابة المصايب. جاية ليه هو احنا ناقصينك غورى وخدى نحسك معاكى. نفضت أمانى ذراعيها عنها بعنف _ ابعدى عنى يا ست أنت!! حسام عايش ودلوقتي ياخد لى حقى منكم كلكم، حسام مش هيسبنى ولا يتخلى عنى، حسام بيحبنى، سامعين!! بيحبنى ومش هيسبنى ابدا. اندفعت بهية والدة أماني التى وصلت للتو نحوها تزود عنها ضد تلك الأوصاف التى ترفض أن توصم بها ابنتها ،احاطتها بذراعيها بحماية _سيبى بنتى فى حالها كفاية بقا، حسام مات ده عمره وقضا ربنا بنتى مالهاش دخل بموته، انتو إيه مفيش فى قلوبكم رحمة!؟ ابتعدت العمة عن أمانى لتتشابك مع بهية ويعلو صياح النسوة وصراخهن الذى دعى أحمد للخروج من غرفة فقيده الغالى ليصيح _أخرسوا كلكم . توقف الصراخ وصمتت النسوة ليعلو صوته المهزوم حزنا _ اللى عاوزة تقعد بأدبها تقعد، غير كده فارقونا وسيبونا فى مصيبتنا. ثم نظر نحو أمانى بشفقة وقد تبدلت هيئتها وذبلت عينيها فى لحظات _ تعالى يا أمانى، ادخلى يا بنتى ودعى حسام، هو بردو جوزك وده حقك . ارتعشت سيقانها مجددا لكن تقدمت من الغرفة لتتحول خطواتها لهرولة ، أفسح لها المجال لتمر لغرفة حسام فتجده مسجى فوق فراشه وقد شحب وجهه وغابت أنفاسه الدافئة .جالت عينيها تحيط جسده بفزع وهى لا تصدق أنه هو نفسه حسام الذى كان معها منذ ساعات يهمس لها بمجون أشواقه لهذه الليلة التى ستعجز عن صده فيها وستعجز عن مجاراة أشواقه أيضا. اقتربت لتجلس بطرف الفراش وعينيها لم تفارق محياه بإنتظار إفاقته ونظره نحوها ،مدت كفها تهزه برفق وقلبها يرجوه أن يخبرها كما اعتاد أن كل شيء بخير مادامت هى بقربه. نظر لها أحمد بشفقة وهم بمغادرة الغرفة ليجد بدنها يهتز بشكل مريب وفى اللحظة التالية انكبت على وجهها فوق الفراش بل فوق ص*ر الجثمان فاقدة الوعى وكأنها تتمرد على هذا الفراق بضمة أخيرة وإن كانت بلا روحيهما . .......... افاقت أمانى فى اليوم التالى وقد شملتها رحمة الله فلم تعى لحظة خروج الجسد من المنزل . وجدت نفسها بغرفته ، لا تصدق أن أبيها تركها هنا، تحركت بضعف ولازالت تشعر بالدوار ، فتحت باب الغرفة لتطل بهيئة مزرية . كان ثلاثتهم يخيم عليهم الصمت التام ، صمت يتعا** مع الصخب الذى كان هنا بالأمس . هل قضى الأمر ؟؟ هل ألقمو القبر حبيبها ؟؟ وهل حرمت من توديعه كما حرمت منه ؟ وقفت تتبادل معهم نظرات صامتة ثم تردد صوتها المرتجف _فين حسام؟ جوزى فين ؟ انتفض حازم وقد ضاق ذرعا بوجودها ورؤيتها وبكل ما تحمله من شؤم جلبته عليهم، كان جمالها المبهر لأخيه ليس سوى غطاء خلفه الموت والفراق _ مش جوزك اخرسى بقا، حسام مات قبل الفرح لا انت مراته ولا عاوزين نشوف وشك . هزت رأسها نفيا بصدمة لكنه لم ير سوى أخيه الذى تركه بقبره منذ ساعات ليفرغ فيها كل شحنات ألمه وأحزانه _ولا تكونى حاطة عينك على الورث وفاكرة أنك هتتحسبى من الورثة؟ ده بعدك. زاد اتساع عينيها وترنحت وكادت أن تسقط مجددا لينهره والده الذى رق قلبه لها _حازم وبعدين معاك بزيداك بقا !! رفعت كفيها تضغط جانبى جبهتها متجهة للخارج بتلك الهيئة لتتجاوز الباب دون أن يستوقفها أحدهم . نزلت للشارع لتجد السرادق الذى طالما حلمت برؤيته هنا لكنه لم يقام لفرحتها كما الأحلام بل للع** تماما ، تركت فيضان حزنها يكتسح قسماتها البالية وتركت قدميها يحملانها دون الالتفات للنظرات أو الكلمات التى يرشقها بها البعض . وصلت للمقابر وهامت تبحث عن موضعه لتقف أمام القبر زارفة المزيد من الدموع وساكبة المزيد من الأحزان . ........ ضربت بهية كفيها وهى تنظر نحو فريد الذى قبل بترك ابنتها فى منزل والدى حسام متعجبة هذا الفعل غير المقبول برأيها ، لكنها لا تملك حق الاعتراض فقط تنفذ ما يأمر به فريد وتذمرها يجب أن تحتفظ به خلف شفتيها. رفع فريد عينيه ينظر لها _جهزى لى الفطار علشان اروح اجيب البت من عند حماها. عبرت عن حيرتها خوفا من إظهار الرفض _ وكان لازمته إيه تبات هناك؟ نهرها بحدة متهكما كعادته فهو إما يتهكم أو يتطاول أو يتعدى، لا مجال عنده للتعقل _كنت عاوزانى اعمل لها إيه؟ إذا كان الست قال مغمى عليها من الزعل! امال لو كان دخل عليها ولا بينهم كام سنة عشرة كانت عملت ايه؟؟ بنات قليلة الرباية!! اعترضت بإن**ار تشعر به ام فقدت ابنتها فرحتها وقد ظنت أن كارثة كهذه قد تلين قلب فريد المتحجر _ يا فريد البت بختها مال عاوزها تعمل إيه؟ لكن لا سبيل للين قلب مات مسبقا _وهو بختها اللى مال هيتعدل من نفسه! قومى يا ولية من وشى جتك الغم وانت غ*ية وبناتك طالعين لك. تحركت بهية من أمامه وهى تنتفض لما يلقيها به من سباب وما يصبه فوق رأسها من لعنات. ....... مر أسبوع كامل وهى تقف أمام قبره كل صباح تعاتبه وتلومه وكأنه سيجيبها أو سيدافع عن نفسه . لم تلتق اى من أفراد أسرته منذ وفاته ، تجاهلوا وجودها وكأنها لم تمر بحياتهم ولم يكن هذا الأمر بالذى يشغل تفكيرها فهى تحيا تخليه عنها وكأنه تخلى عنها بإرادته زادت حرارة الجو لتلملم أحزانها وتعود للمنزل ، منزلها الذى أصبح مأوى أحزانها الدائم حيث تختبئ من نظرات الناس وتستر من كلماتهم التى تصفها بالشؤم . دخلت لتجد أسرتها المكونة من والديها وشقيقتين تصغرانها ، استقبلتها نظرات أبيها الساخطة كالعادة والذى تلاها صوته الساخط _ _خلاص شبعتى من القعدة قدام القبر ؟؟ نظرت له نظرات فارغة من المشاعر كانت لترجف لها نبضات اى أب سواه _انا هروح النهاردة أسأل عن نصيبك من الورث ومش هسيبه . وكمان لازم نجيب العفش اللى فى القايمة كله ده حقك وكفيانا خسارة لحد كده. اومأت برأسها فأبيها كما جميع أفراد العائلة يفكر فى الخسائر المادية التى طالتهم دون أن يفكر فى خسارتها زوجها ، حياتها ، أحلامها وسعادتها اتجهت للغرفة التى تشاركها شقيقتيها وأبيها يعيد على مسامعها حديثه عن حظها التعس وما سيجلبه من سوء حظ لشقيقتيها والذى عليه هو دفع ضريبته . رفض حازم تسليم إرث أمانى وكان هذا سببا إضافيا لزيادة سخط أبيها وغضبه وكلما مرت الأيام وزاد تعنت حازم كلما زادت حياتها مرارا وأشعل أبيها فتيل غضبه الذى تحترق به وحدها وتطالها منه الإهانة والضرب والتجويع مفرغا فى ضعفها عجزه عن مواجهة حازم. لقد أخبرها حسام فى الماضى أن حازم هو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة فى منزلهم لذا لم تنتظر دعما من والديه فما دام حازم قرر ألا ترث فلن تفعل. وفى الجهة الأخرى أبيها الذى يصر على تسلم ارثها عن زوجها الذى نسبت إليه وإن لم يتم الزواج برأيه فهذا لا يبخثها حقها . ....... مر ما يزيد عن الشهر والحال يزداد سوءا وهى تزداد ذبولا وكل الصراعات من حولها لا تعنيها ولم تكن أحد أطرافها. صراعات ظاهريا حولها وواقعيا حول المال . استلقت فوق فراشها تعاقر أحزانها وتتراقص الذكريات أمام ناظريها . انشقت شفتيها عن بسمة شاحبة لا تظهر سوى لذكراه عودة للوراء ... ركضت أمانى تحتمى بغرفتها المستقبلية من مجون حسام الذى يلاحقها ، دفع الباب واقتحم الغرفة لترفع كفها محذرة _ اوعى تقرب منى، هصوت وامك هتطلع وتبقى فضيحة . ضيق عينيه مدققا النظر لعينيها بعشق صارخ _واهون عليكى تحرمينى من كام دقيقة جمبك ؟؟ انا براقبكم من الصبح وما صدقت اخواتك نزلوا، مش هبعد ولا هضيع الفرصة دى ، كمان أمى مش فى البيت نزلت وراهم وفكرتك مشيتى معاهم تقهقرت بخجل وقد تخللت كلماته لقلبها بلا حواجز _حسام مايصحش تبقى هنا خالص ،خلينى اخلص رص الحاجة علشان اروح بيتنا اقترب خطوة يحيطها بحنانه _هنا بيتك ثم أشار لص*ره المتشوق لقربها _وهنا مكانك فتح ذراعيه مقبلا عليها وقد عجزت عن دفعه عنها _وهنا المكان الوحيد اللى المفروض تكونى فيه يا حبيبتي ، بصى لى كويس . زاد قربا مع انخفاض نبرة صوته لتصبح همسا مثيرا _ده انا . حسام . حبيبك . جوزك. إحنا من زمان مستنين الفرصة اللى نكون فيها لوحدنا من غير اخواتك ولا مراقبة ابوكى اختلطت انفاسهما ليتابع تخلله أنفاسها بأنفاسه الملتهبة _ انا جوزك اللى هيموت من الشوق لحضنك . أمانى انت كل امانيا من الدنيا مش عاوز غير قربك نثر بعض أشواقه بين قسماتها التى أعلن الحياء سيطرته عليها ، ضم ذراعيه محتضنها بدفء أصهر مقاومتها التى تحاول التمسك بها لتدفعه بضعف يزيده احتراقا _حسام ابعد علشان خاطرى وكأنها تدعوه للمزيد لتزداد نثرات شوقه عشوائية وتزيد حرارتها اشتعالا مع زيادة جرأة لمساته أيضا وهو يتذوق بلهفة شفتيها شهقت بفزع لتهدأ ثورته قليلا دون أن يتخلى عن فرصته التى حلم بها طويلا فزاد قربه مهلكا كل ما يحول بينه وبين حبيبته من حواجز واهية. سحبها معه إلى دوامة ممتعة بتمهل ومراعاة دفعتها للأستسلام لكل ما يقدم عليه من تجاوزات فيزيد استسلامها من جرأته وتطلباته. انهمرت دموعها المضطربة ليلملم فوقها الدثار بندم يقطر من كلماته _ حبيبتي ماتعيطيش، انا جوزك يا أمانى وفرحنا كمان اسبوع مفيش حاجة حصلت ماتخافيش زادت نحيبا ليضمها بدفء _امانى انت مراتى متزعليش منى اوعدك يوم ولا يومين ونكتب الكتاب مش هستنى الحنة. علشان بس تطمنى اوعدك يا حبيبتي كفف دموعها لترتفع عينيها لوجهه فيبتسم بحنان _ كلها كام يوم على فرحنا وده بيتنا . إحنا فعلا فى اوضتنا . اوضتنا اللى قريب اوى هتجمعنا تانى وتشهد على سعادتنا وعلى شوقى وحبى اللى مالهمش اخر. أحاط وجهها بكفيه لينهل المزيد من ينع شفتيها مدثرها بأشواقه التى لم تهدأ ثورتها ليسرى الدفء بين دماءها وتتبع شغفه بشغف وجل لم تعد قادرة على صده أو مواجهته. انتفضت أمانى من ذكرياتها على صراخ أبيها الذى يسب حازم ؛ ذلك الجاحد الذى يرفض نقده ماورثت صغيرته من زوجها نهضت عن فراشها بتثاقل تقاوم الدوار الذى تشعر به ، تتجلد لتبدو ببعض القوة أمام أسرتها متجهة نحو المرحاض ، أغلقت الباب دونها لتطالع إنعكاسها الشاحب ، غمرت وجهها بالماء واعادت النظر ، اتسعت عينيها قبل أن تلطم وجنتها بفزع _يا مصيبتى!! انا ازاى نسيت الحكاية دى ؟؟ تسلل كفها لخصرها تتابعه عينيها قبل أن تعود لانعكاسها الذى يحمل المزيد من التعاسة المغمسة بالفزع .
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD