( سجينة )..!
- أرجوكِ .. إرحميني !
همسة تعبة و لكنها كانت كفيلة بجعلها تنتفض من فوق سريرها شاهقة بذعر واضعة كف يدها فوق ص*رها الذي يرتفع و يهبط بجنون ، تلفتت حولها تحدق بالغرفة المظلمة الا من بصيص نور دقيق تسلل من خلف الستائر القاتمة ، لتأخذ نفس عميق مغمضة اعينها ثم تزفره تزامنًا مع فتحهما مرة اخري ، ازاحت الأغطية من فوق جسدها ناهضة من فوق السرير .. لتتجه نحو النافذة الكبيرة تفتح الستائر الخاصة بها ؛ لتصطدم أشعة الشمس القوية بوجهها فتنع** بعينيها الغائرتين بخندق اسود .. فركت وجهها بيديها ب**ل لتسير بخطوات **ولة نحو المرحاض ، غابت لعدة دقائق لتظهر مرة اخري مرتدية روب الاستحمام ، و بيدها منشفة صغيرة تجفف شعرها القصير بها ، وقفت امام المرآه تمشط شعرها ببطئ و قد شردت عينيها للبعيد ، تن*دت ببطئ مدلكة رأسها ببعض الألم ، ربطت شعرها بمطاطة سوداء اللون ثم وقفت للتتجه ناحية الدولاب الخاص بها ، التقطت منه بعض الملابس لتبدأ بإرتدائها .. انتهت من ما كانت تفعل لتلتقط حقيبتها الصغيرة واضعة داخلها هاتفها و محفظتها ، و بينما كانت تلتقط مخفظتها من فوق المكتب اذ بيدها تصطدم بذلك الكتاب متوسط الحجم ، فترتعش من فورها ، لتمسك به متطلعه فغلافه بنظرة مبهمة سرعان ما تحولت لأخري ضاحكة بخبث يلمع بوضوح....
*****
- مش ملاحظة انك اتأخرتي علي جلستك بحوالي اسبوع ؟!
صرح " خالد " رافعًا احد حاجبيه ، لترتمي فوق الشالوزنج المريح قائلة بلامباله :
- و اية يعني ؟
هز رأسه بقلة حيلة ليتبعها جالسًا فوق مقعده الوثير ، امسك بدفتره و قلمه ذا الشكل المميز ، ليشير لها بيدها معقبًا :
- تقدري تتكلمي .
زفرت مغمضة عينيها لما يقارب الخمس دقائق ثم بدأت الحديث قائلة :
- انا قتلت عيلة " أرسلان " .
قطب " خالد " حاجبيه ببعض الصدمة و صمت تمامًا ، لتميل برأسها نحوه فتتابعه بجمود ، قطعت الصمت بينما تهمهم :
- مالك .. مكنتش تتوقع صح ؟
هز " خالد " رأسه ليتحكم في تعابير وجهه لتعود الي الحيادية مرة اخري ثم اجاب بتباطئ ..
- تقدري تقولي كدا .
- و هنا كان سر اللعبة !
****
... عصرًا ...
... قصر أرسلان ...
كانت " ثريا " تجلس الي جانب " مليكة " المسجاه علي سريرها الوثير ، تجاورها " سماء " التي تضع اللاصقة الحرارية فوق جبين تلك النائمة بعمق ، ملست " ثريا " فوق خصلاتها الناعمة بحنان بينما تتن*د بحزن علي ما آلت اليه الامور مع الصغيرة التي لا حول لها و لا قوة لتكون مستهدفة من احد اعداء جدها ، نطقت بهمس :
- طول عمرها كدا .. مصابة و الكل جاي عليها !
أممت " سماء " علي حديثها و هي ترمقها بحزن ..
- ساعات كتير بتصعب عليا اوي يا انطي .. يعني من صغرها و هي يتيمة الام ، الصراحة انكل " وحيد " مكنش محسسها بدا ابدًا بس ربنا افتكره هو كمان و سابها وحيدة كدا ..
لاحت نظرة عدم الرضا علي وجه " ثريا " بينما تقول ببعض الأنفعال :
- حتي أختها مسألتش عنها .. بقالها اربع ايام في السرير و حتي مكلفتش خاطرها تيجي تتطمن عليها ، البنت دي من صغرها و هي مش طبيعية بجد !
قطبت " سماء " حاجبيها بتفكير ، فقالت :
- مش ملاحظة حاجة غريبة يا انطي ؟
رفعت " ثريا " رأسها نحوها تتساءل عما يدور في ذهنها ، لتكمل " سماء " :
- يعني " سلا " طول عمرها باردة من ناحية
" مليكة " ، طول عمرها بيحصلها مصايب و هي مش بتدي اي reaction ، اشمعنا المرة دي اللي عملت فيها ال show اللي عملته دا ؟
- " قادر " .
اجابت بتهكم واضح ، صمتت لثانية ثم اكملت :
- " سلا " خافت ان اختها تخطف منها الانظار حتي لو كانت بحادثة فقررت تعمل كدا .. كمان عشان تظهر قدامه بصوره البنت الحنينة اللي كانت هتموت علي اختها !
هزت " سماء " رأسها مهمهمة بفهم .. دقائق من الصمت **رها صوت طرق خفيض فوق الباب ، سمحت " ثريا " للطارق بالدخول ليفتح الباب ببطئ ، تظهر من خلفه فتاة بيضاء البشرة بوجنتان متوردتان .. ذات شعر اسود قصير بالكاد يصل الي منتصف عنقها ، تغطي جبهتها غرة قصيرة تنتهي عند بداية نظارتها الطبية الكبيرة ..
ابتسمت لها " ثريا " و قالت مرحبة :
- " مرح " اتفضلي يا حبيبتي واقفة عندك لية ؟
ابتسمت لها " مرح " في المقابل لتتقدم الي الداخل ، جلست علي احدي المقاعد المجاورة لسرير " مليكة "
و بعد السلمات و الكلمات المعتادة اخرجت من حقيبتها السوداء ظرف ذا لون ابيض باهت مدته الي " ثريا " قائلة :
- النهاردة كنا بنختار النوتة اللي هنعزفها في حفلة التخرج ..
اخذته " ثريا " منها لتقلبه بين يديها ببعض الدهشة الي ان استقرت علي الاسم المدون فوق الظرف ، اكملت " مرح " حديثها ..
- " مليكة " للأسف مكنتش موجودة عشان تختار عشان كدا انا اختارتلها نوتة هي بتحبها و كان نفسها تعزفها من اول ما بدأنا دراسة في الكلية .. معرفش هي غيرت رأيها فيها و لا لأ ، بس اتمني انها تكون لسة حباها .
- white swan !
هزت " مرح " رأسها في حماسة لتخبرها :
- نوتة جميلة جدًا .. اتمني ان " مليكة " اول ما تفوق تسمعهالك .
****
- " فاضل " انا مش هرتاح غير لما اعرف مين اللي عمل في حفيديتي كدا .. اتصرف !!!
صاح " أرسلان " بعنف ليضرب فوق سطح المكتب بقوة فور ان انهي جملته ، زفر " فاضل " ماسحًا فوق وجهه بتفكير .
- انا من يومها و انا مهدتش و بدور ورا اي طرف خيط يوصلنا باللي عملوا كدا في " مليكة " .. مسابوش وراهم اي حاجة ولاد **** !
اردف " فاضل " ببعض الانفعال ، ليتابعه " أرسلان " بغموض من خلف عوينات الفضية ، اشاح بيده قائلًا :
- تقب و تغطس انت و اللي معاك و تجبلي قرارهم ، و مش هقبل بأعذار .. فاهم يا " فاضل " ؟
اخذ نفس عميق و زفره ثم همهم موافقًا علي كلامه و لكن هل رأي أحدهم تلك النار التي تكاد تلتهم ص*ره ؟!
*****
" سلا "
كان يومًا عصيبًا بالنسبة لي ، كان علي ان اظهر في ابهي حلة ، اظهر الرقي لذي تربيت عليه منذ صغري ، و احاول خطف انظار تلك العائلة التي من المفترض ان اكون عضو منها بعد عدة اسابيع ، لكن و كالعادة اتت شقيقتي لتفسد كل شئ كعادتها .. الجميع لديه هذا الشخص الذي دائما ما يخرب عليه خططه و مشاريعه ، لكن ان يكون هو نفس الشخص الذي دمر حياتك ؟
دائمًا ما كنت مدلله أمي و أبي ، لا يوجد سوي
" سلا " .. " سلا " هي محور الكون بالنسبة لهما ، الي ان أتت " مليكة " عندما كنت أبلغ من العمر 7 أعوام ، كانت صغيرة و ملائكية .. ظننتها ستكون لي ونس و رفقة ، لكن كل هذا ذهب أدارج الرياح حيث انها كانت هي السبب في موت والدتي .. كانت من المفترض الا تأتي ، امي كانت تعاني من مرض السكري ، اكتسبته بعد ولادتي ببضعه اعوام .. كان حملها ل " مليكة " يشكل خطرًا علي حياتها و لكنها اصرت أن يري جنينها النور حتي لو كان النور في حياته سيشكل عتمة و يسدل الستار علي حياتها هي ..
توفيت أمي و لكن لم يتركوني ، الجميع كان يعوضني غيابها إلا أبي الذي كنت في أشد الحاجة إليه .. كان دائم الإنشغال بشقيقتي ، أراهن انه أضحي يحبها و يفضلها عني و كل هذا بسبب انها كانت تفتقر للصداقات و تجاهد للانعزال عن الناس علي ع**ي تمامًا ، مما كان يجعل الفتيات في سنها يتنمرون عليها بقولهم " صُمٌ " ، أصبحت امقتها و اغتاظ منها حتي وصل بي الأمر بأن احث الفتيات و الفتيان علي مضايقتها و احيانا يصل الامر لضربها .. هل أخبركي بسرٍ ما ؟
ذات مرة كنت أنا السبب في **ر ساقها و أيضًا أنا من اوقعها عن عمد في المسبح .. و كانت تساعدني ناردين إنذاك ، رغم اني كنت أكبرها بما يقارب العشر سنوات لكنها هي الأخري كانت تكرهها و السبب اهتمام عمتي " ثريا " بها كثيرًا .. أليست حياتنا مثيرة للشفقة؟!
" مليكة " طفيلية .. تطفلت علي حياتنا جميعًا ، ليس من المفترض ان تكون موجودة بالاصل ، الان هي لم تكتفي ب أبي .. هي تريد " قادر " ، لن اسمح لها ،
" قادر " بموتي او ... بموتها !!!!
*****
حدق " خالد " بها ببعض الدهشة ليقول بينما يتململ في مقعده بتوتر :
- انتي ازاي عرفتي كل دا .. يعني زي ما بتقولي الكلام دا كان في مذكرات " سلا " !
- كل سم في قصر أرسلان تحت ايدي وقت ما احتاج منه حاجة بجيبه ، و كلام " سلا " دا مكنتش محتاجاه عشان يأكدلي نوياها ناحية اختها .
اجابت ببعض الجمود ، ليقطب " خالد " جبينه متسائلًا :
- انا مش فاهم كان هدفك اية منهم .. انتقام و لا تحمي " مليكة " اللي مش شايف اي صلة بينكوا انتوا الاتنين ، مش شايفة ان الموضوع مريب و في حاجة غلط ؟
نظرت له للحظه قبل ان تجيب قائلة بلمعه برود في صوتها :
- كل واحد فيهم اذاني بحاجة .. و اللي مأذنيش سبته و الدليل ان اكتر من نص العيلة لسة عايشين !
ثم اكملت و قد شردت عينيها للبعيد :
- اما " مليكة " ف زي ما تقول ان كنت مسئولة عنها ، معرفتنيش الا في اواخر ايامها .. بس انا من زمان معاها خطوة بخطوة .
صمت خالد لبرهه من الزمن يحدق امامه بتفكير و كانه يود ان يقول شئ ، ذم شفتيه بخط مستقيم و رفع رأسه لها ليقول بصوته الهادئ المخملي :
- اعذريني ، انا المفروض مسألكيش سؤال زي دا .. بس اية اللي خلاكي تلجأي لطبيب نفسي و تحكيله حاجة بالخطورة دي ؟
حدقت امامها لعدة دقائق ، كانت صامتة و شاردة ، كأنها تفكر في الاجابة .. زفرت نفس عميق ثم نطقت بنبرة يسمعها للمرة الاولي منها .. نبرة منهزمة !
- " مليكة " .. انا هنا بسببها هي مش هتهدي و لا هتستكين غير لما اعترف لشخص باللي عملته !!!
إذًا السر يكمن وراء " مليكة " ، وراء تلك المستضعفة في روايتها .. الطفيلية في رواية شقيقتها و اخيرًا الغامضة في روايته هو .. " مليكة " لغز كبير ، عليه حله حتي يفهم و يساعد تلك المجهولة امامه !!!
_ يُتبع _