الفصل الحادي و الخمسين

3549 Words
مازن مصطفى يالي من حمار .. كيف تركتُ القمر بعدما تنازل عن عرشه بالسماء وهبط على الأرض ليقف أمام العبد الفقير إلى الله في كامل بهائه ونقائه، ويضحك على مزحاتي السمجة. لماذا لم أكن مقدام مثل الديب، ولكني أقدمتُ وأكثر ونفذتُ كل الخطوات المالكية المتبعة لجذب الفَراش إنما طار الفراش بعيدًا قبل أن أحصل على رقم هاتفه. قلت الإطرائيات، دعوتها للمشروب، ض*بتُ من أجلها ولكنها اختفت قبل أن تثني على شجاعتي.  أوهام .. حسبتُ أنني وجدتُ ضالتي أخيراً، لما التقيت بفتاة جميلة هادئة بشوشة الوجه، ليست مصطنعة على الاطلاق، تبدوا من نفس طبقتي التي تصارع ل**ب لقمة العيش، لم تكن ترتدي الفساتين المكلفة أو المجوهرات الثمينة مثل كل من دعيي لحفل الزفاف، إنها أوهام بالفعل وما حدث كان حلماً انتابني والديب في أنٍ واحد فالجميلة الصارخة كانت مندوبة ملك الموت المكلفة بسحق روح الديب بينما أبى القدر وأمهله بعض الوقت ليصحح أخطائه. سأمتُ من عالم مالك السفلي وفتياته الصاخبات الراغبات بالرفقة بكل أنواعها بلا أي حدود مراعية للأعراف، عالم لم أكن أعلم بوجوده لولا مالك ومركزه الثقافي بالزمالك. كي أكون أحد زوار تلك الشقة أو حتى مقرباً من الديب دفعتُ ثمناً باهظاً وأصبحتُ خادم الديب ولما ارتقيت أمسيت سكرتيره وذهبت وظيفتي الأولى لرأفت. كلاً مضى واندثر لما اكتشفت حقيقة الديب الآسرة وحقيقته صديقاً صديقي لكل من اعتبره صديق ووبالاً كاسحاً يمضي من أعلى كل من رءاه عدوٍ. ومن جرائر الديب؛ اللواء جلال قرر معاقبة كل من اشتبه به بحادثة الزفاف وقد كنت من أوائل المشتبه بهم، تدرج عقابي من أسبوعين رفد من الكلية وحسم عشرون درجة من مجموعي الكلي، جزاء سقيم بالطبع يضع نقطة سوداء بملفي الناصع. أبي وأمي ثائرين علي وعلى تعلقي بمالك الذي أصبح طيار بالفعل بينما لازلتُ طالباً وسوف أذهب مستقبلي سدائاً من أجل صداقة الديب الغير مجزية. من أجل العفو قادني أبي لصحاري قاحلة على جوانبها جميع أنواع القبور؛ لمسلمين، مسحيين، أتراك وأجانب من كل شاكلة حتى الكلاب كانت لهم شواهد جنائزية رخامية، ثم أسوار عالية تلتف من حول أراضي خضراء وقصور شامخة تعتلى التلال.. سمعتُ المصطلح من الديب من قبل (كوباوند ) مجمع سكني وكان هذا أول ما رأت عيناي من الترف بخلاف الزمالك مسقط رأس الديب . جنح أبي بصحاري أخرى على أطرافها فيلات صغيرة وكبيرة وبعض القصور المحاطة بالأسوار العالية حتى توقف أمام فيلا شامخة من ثلاثة طوابق على بابها رقعة خشبية تحمل اسم اللواء جلال عبد المقصود. شيءٌ غريب لم أكن أعلم أن اللواء ثري الى هذا الحد فقد بدى عليه وعلي ولديه ملامح الفقر أكثر مني فما السر يا ترى؟ دخلت برفقة أبي للفيلا ثم ضغط أبي على زر جانبي لبعث المصعد الكهربائي إلينا.. مصعد لفيلا مكونة من ثلاثة أدوار!! ما هذا الترف بحق الله. فُتح باب المصعد بلا تدخل من أبي وبثق منه القمر في الثالثة عصرًا. تبتسم بسعادة وتقول بحميمية: - درش .. وحشتنى .. إزيك . أجابها أبي: - إزيك يا نوننا. - كويسة مين ده؟ تحول لي أبي وقال: - مازن إبني .. جوية . امتدت يد القمر من السماء ليصافحني وقال: - إزيك يا مازن ؟ ارتجفت يدي من هول الجهاد الذي يطلب مني على حين غرة ولست أهلاً به إلا أنني نجحت للوصول لهذه اليد البيضاء ذا العظام اللينة وقلتُ بذهول مخلوط ببعض البلاهة: - أهلاً وسهلاً مرحب. ضحكت، لابد أن تضحك من كلماتي الغ*ية وقالت: - بابي مستنيك .. باى يا درش . استوقفها أبي قبل أن تمضي وقال: - رايحة فين ؟ - عندى تدريب سباحة فى المدرسة . نظر لي أبي وقال : - وصلها يا مازن . - مفيش داعي أنا هاخد تا**ي استمسك أبي برأيه وهذا خير ما فعل بحياته أجمع بخلاف إنجابي لألقى القمر على سلم بناية. رضخت الجميلة وخرجت معي من فيلا اللواء لسيارة أبي السبعينية الولادة، لا ضير يمتلك أبيها لادا الجيش رغم وجود سيارة هيونداي حديثة في جراج الفيلا ليصبح لدى عائلة اللواء سيارتين وفيلا بحي راقي وقصر بدمياط وعليه أن ألتزم ال**ت المطبق. - إنت عارف المدرسة فين؟ ما هذا الغباء كيف سهيت عن سؤالها الي أين المطاف وتركت نفسي للتسكع بالصحاري. أجبتها: - لاء. تبعتُ إرشاداتها الدقيقة إلى أن وصلنا لصرح شامخ أخر كتب من أعلاه بالإنجليزية المدرسة البريطانية بالقاهرة، مدرسة خاصة يدفع لها بالإسترليني أو اليورو هل إنجلترا تابعة للاتحاد الأوربي، ما تلك الأسئلة الغ*ية التي تجول بخاطري في هذه اللحظة التاريخية، أين الشجاعة والاقدام. أتت تلكما الصفتين منها لما ترجلت من السيارة وأغلقت الباب من خلفها قبل أن أسارع لها وأطبق بنود الإتيكيت المالكي. العيون الزرقاء بانتظاري أمام باب مدرستها حتى فرغتُ من إغلاق كل منافذ السيارة المتهالكة وكأن أحد من ساكني التجمع الخامس المترفين قد يجن وي**قها ليعرضها بمتحف أثري لمقتنيات عائلة فورد الأولى. اقتربت من الجميلة فقالت: - إنت جاى لبابي عشان تعذرله ؟ أومأت بالموافقة فأردفت متعجبة بعض الشيء: - هو البُو** اللي كَلْته أفقدك النطق؟ ضحكتُ ثم قلت: - لاء أنا كويس. - ميرسي على فكرة . - دى أقل حاجة أعملها عشان حضرتك . - إسمي هنا. بالطبع وما قد يكون اسمها غير الهناء.. قلت: - اسمك حلو. ابتسمت وقالت: - ما أنا عارفة.. تحب تشوف التدريب؟ بكل تأكيد أريد أن أرى كل شيء يتعلق بالجميلة رغم كفري بأي علاقة قد تربطنا مستقبلاً، ابنة اللواء الوحيدة المدللـة الثرية، تدرس بمدرسة أجنبية مثل قسماتها أما أنا ناشئ الجمالية ولما ترقيت سكنت بحي القبة بإحدى المجمعات السكنية التابعة للجيش، طيار وأبي طيار لا يهم فأبيها ملقب بأنه بطل حرب الأفغان لأسباب لا يعلمها إلا الكبار حتى أن للواء عماً أكبر كان أحد الطيارين المكلفين بالض*بة الجوية في يوم الكرامة. اصطحبتن الجميلة لداخل الصرح المكلف, يشبه فندق خمس نجمات وليس مدرسة حتى, صالة شاسعة من أرضية لامعة قد تكون من السيراميك أو هذا الشيء المستحدث الذي يطلقون عليه بورسلين, حوائط بيضاء تظللها لوحات لشخوص لا أعرفهم لابد أنهم من صفوة المجتمع البريطاني, مكتب أمامي من الخشب البني, من خلفه فتاة جميلة عشرينية ترتدي بدلة حكلية تبتسم لنا بود مرحبة, ممر تغمره المزهريات الأرضية, تباً تعثرت بإحداهم وكدت أن أسقط ولكن تماسكتُ بحمدالله وأكمل تمشيتي مع الجميلة بالممرات وحتى ساحة ساشعة مكشوفة بها مغطس سباحة كبير والعديد من الفتية والفتيان بعمرها الصغير وأكبر, ومنهم الأجانب مثلها. تبادلت معهم بعض الكلمات الإنجليزية السريعة للغاية من شفاها المنمقة تضمنت اسمي فتعاقب على الفتيان وعرّفوا عن أنفسهم وبدئوا يسألوني عن دراستي بالكلية الجوية؛ حلم كل فتى. اجتذبوني من الجميلة التي تركتني برفقتهم وأذنت لتدريبها، وأجلسوني على مدرجات كاشفة لحمام السباحة. لحظات وخرجت مع باقي زميلاتها، جمعيهن ارتدين المايوه ما عدا هي ترتدي بدلة غطس سوداء تغطي جسدها من منبت كتفيها وحتى ركبتاها. حريًا بها التحشم فوجهها به غواية كافية قد تأسر رجال العالم أجمع. اصطفت المتباريات أمام حمام السباحة الكبير وصفَّر المدرب ففزن جميعاً إلى المياه الزرقاء، رقبتها تطفو على الماء كالحوريات، ينتهي المد ليبدأ من جديد وتنزح تحت الماء ثم تصعد قبل زميلاتها وتطفوا من جديد لتسابق باقي الحوريات كي تصبح أميرتهم وبالرغم من ذلك مدربها يصيح بها مشجعاً ومأنباً بنفس الوقت لأنها سهت عن أنفاسها وانشغلت بالتغلب على زميلاتها. أوقف المدرب التدريب وتوجه لها ليصيح: - تركيز يا هنا عقلك شغال مع جسمك.. إرجعي لحارتك. كيف جرأ على الصياح بأميرة حسناء عيونها تع** زرقة السماء ولم يعكرها صفو سماواتها الكلور، لطالما كانوا مدربي السباحة قاسيين حتى على الَفراش. لو يخرسوا لدقيقة لأرقب الفراش بهدوء إنما أسئلتهم لا تنتهي عن الطيران رغم أنني أخبرتهم إنني لم أرى طائرة إلا مجسمات جامدة إنما الف*ج قريب. انتهى التدريب ولازال المدرب على خشونته يصيح بالفراشة وتصغي باهتمام حتى انتهت أوامره واختفت مرة أخرى ثم عادت بعد لحظات. تبادلت مع زملائها بعض الكلمات السريعة مجددًا والتي جعلتهم ينفضوا من حولي على الفور بينما أنا على حيرتي من حول تلك الإنجليزية من الإنجليزية للغاية. - إنتي قولتلهم إيه؟ حدجتني بغرابة وقالت: - انت ما بتعرفش إنجليش؟!! أجبتها ببعض الخجل: - لا بعرف بس برضه ما فهمتش.. أصلك بتكلمى بسرعة أوي. ضحكت وقالت: - لما تروح أمريكا هتتبهدل أوى لازم تدرس إنجليش كويس. - أمريكا مرة واحدة.. طب قولي الأردن. لم تقنع بتواضعي العلمي وقالت: - بابى قال إنك شاطر واللى اسمه مالك ده اللى هيضعك إبعد عنه. - إنتِي عارفة مالك كمان ؟!! أومأت بالموافقة فأردفت: - هو خلاص سافر وبقيت لوحدى. - أنا خلصت يلالا نرووح .. جعت جدًا. ابتسمت للجوعانة وكأن من تملك هذا الجسد المتناسق لها غذاء بخلاف المياه النقية. قلتُ: - ممكن أعزمك على الغدا.. المرة دي معايا فلوس. - لا أنا اللي عازماك . خرجتُ مع الفراشة من مدرسة الزهور الأجنبية ومشيت بجانبها حتى وصلنا للسيارة وتلك أقسى طموحاتي، هذه المرة استطعت استباقها لباب السيارة الأيمن وفتحه لأجلها مقدماً فشكرتني بميرسي رقيقة كادت أن تفقدني الوعي إلا أنني تماسك والتفت لأركب بجانبها وانطلقت بالسيارة لإيداعها بيت أبيها من جديد. - أنا ممكن أساعدك تتعلم إنجليش كويس لو عايز؟ لا أعرف ماذا أقول فأنا بارع بالإنجليزية ولكن أريد التعليم الجيد بالطبع بصياغة بريطانية خاصةً منها ولكن ماذا بعد التعلم. لم أستطع المقاومة وقلتُ: - يا ريت بس إزاى ؟ - أنا عندى كتب سهلة جداً وسيديز كمان هديهالك . وافقت بترحاب وتبادلنا الهواتف والفيس وتويتر ثم ساد **ت مريح لم أتذوقه ما حييت، **ت تعلمت تعاليمه على مرر السنوات، إن عاد أبي معفراً بالغضب على آل البيت بال**ت المطبق حتى لا تطالهم عفرته، **ت ليلة الخميس ويا حبذا لو خرج الصبيان للتنزه حتى التاسعة مساءا إلى أن ينتهي أبي من تأدية مهامه، و**ت واجب على الجميع حتى أبي إن جاء راتبه منتقصٍ بشهراً ما وحينها تصب أمي غضبها على الجميع أما هذا ال**ت مغلف بشذى الورود وملون بابتسامته. تنظر لي الفراشة ولما أبادلها النظر والتناظر تذهب عن عيوني خجلاً وتعض على شفاها السفلية لتخفي ابتسام الورود. عاد الفراش لبستانه واستقلت الدرج رغم وجود المصعد الكهربي وأنا من ورائها حتى الطابق الثالث والأخير وقصر اللواء. وقفت بجانب أبي الجالس برفقة اللواء ويتبادلان الأحاديث المرحة إنما عندما راني اللواء عبست قسماته من فورها فأرخيت ناظري أرضاً وأعطيت اللواء تحيته العسكرية بتخوف وإن كان أبي مرؤوس اللواء أما هي زفت وحشتها لأبي مجددًا ثم سارعت للواء الجالس على أريكة بجانب أبي ووقفت من خلفه تحاوط عنقه بذراعيها وتقبل وجنتاه بينما تقول: - وحشتني قتل يا جلال. - وإنتي وحشتيني إعدام.. ياللا روحي إتغدي . أنزلت ذراعيها عن أبيها وتحول ناظريها لأبي وقالت: - وإنت يا درش مش هتتغدى معايا؟ - متغدي يا نوننا . - إتغدي تاني .. هعمل حسابك إنت و مازن . وكأن أبي في وسعه الرفض بعدما سمع تدليله من شفاها الرقراقة. شيء يدعوا للسخرية لم أسمع تدليل لأبي من قبل ولا حتى من أمي على سبيل الملاطفة. تركتنا الفراشة ودلفت لممر مغطى مدخله بستارة مخملية حمراء قانية وخلى الوجود من شذاها الوردي. - إتأسف يا مازن . انتزعني أبي من مراقبة الفراش فانتبهت وقلت: - أنا أسف يا فندم. لم يجيبني اللواء فجل ما فعله أشار لي بالجلوس بتملله لما يمسي غاضباً ثم قال: - اللى حصل ده عيب.. أنا مش عارف إزاى الواد اللى أسمه مالك بيقدر يقنعوا بالبلاوى اللى بيعملها . جلست بجانب أبي على كرسي من كراسي الصالون المذهب وقلت أسفاً: - صدقنى يا فندم ما حدش فينا كان يعرف هو ناوى على إيه .. إحنا حتى كنا بنحضر معاه بروفات الفرقة وعمرنا ما سمعنا الغنوة اللي قلبت الفرح دي. لم يبدوا على اللواء تصديقاً وقال: - هتكمل الأسبوع فى البيت ومش هيتذكر التأديب فى ملفك.. مرضي كده يا مصطفى؟ تن*د أبي بعمق حانقاً على حكم اللواء الجائر فأسبوع أخر بالمنزل سوف يفقدني الكثير من الدروس الهامة إنما قال أبي بسقم: - كويس يا جلال.. بالنسبة لحسام وأمجد ومالك؟ - دول بذات لا رجعه في تأديبهم.. أنا بعتهم لوس أنجلوس مخصوص عشان يطلع عين أبوهم وموِّصي عليهم كمان. - يا جدع بقولك عشان خاطري. - خاطرك على راسي وخطوتك عزيزة.. إنما ولاد الرفضي دول لازم يتربوا.. ده أنا مش عارف أحط وشي في وش أبو العروسة حط نفسك مكانه.. في حد في الدنيا يض*ب العريس وأهله ليلة الفرح.. ده منهم دخلوا المستشفى إنما هو زي الحيطة فرحان بطوله ابن المنشاوي.. قوم قوم نتغدا يا شيخ بلا منها السيرة البطالة دي. رغماً عني ضحكت لما تذكرت وجوه أقارب العريس بعدما طبعت عليها الأصابع المالكية الغليظة ب**تها الزرقاء المتفردة وحينها زجرني اللواء بنظرة غاضبة وقال: - إتف*ج على قلة النخوة.. بيضحك المحروس إبنك. ساندني أبي : - فرحان بزميله يا أخي .. الواد مالك ده ما جبتوش ولّاده.. صدقت يا جلال لما شفت فيه اللي محدش شايفه. ياليت أصابه ا***ى قبل رؤية آل المنشاوية جميعًا؛ قال اللواء متضرعًا ثم دعانا للمائدة الزاخرة، وحينئذ استطعت التلفت من حولي لأرى فيلا اللواء عن كثب. ثراء لا حد له, أثاث مذهب لم أراه إلا بالمسلسلات التاريخية ومحال الأثاث الفاخر التي تجولت بها مع أختي وخطيبها لما كانا ينتقيا أثاثهما إنما لم يقلى استحسانهما هذا الطابع من الأثاث لغلائه بالطبع, مرايات ساطعة داخل إطارات مذهبة أيضا, ثريات نحاسية عملاقة, شهادات اللواء الدراسية مخطوطة بشتى لغات العالم تغزو حائط بالكامل, هناك إطار واحد فقط مختلف الطراز فقد صنع من الجبلان وبالجانب من الأسفل كتب بخط أعجمي متناهي الصغر نقش يقول - لأنك أنت كنت أنا مشوقتك الوحيدة وإلا مات العشق – كان للواء عشيقة تستطيع التطريز الراقي ويدعي العفة والالتزام الديني أمام الجميع . لكزني أبي لما رءاني محلمقًا بالنظر باندهاش مثل ساكني المخيمات للأسقف المعلقة المزينة بالأنوار المبهرة وطلب منه النظر للأسفل على الدوام خاصة بعدما رأى نظرتي التائقة للفراشة. جلستُ للغداء مع اللواء لأول مرة، فلا يتناول الطلاب الطعام بمعية المعلمين أو بناتهن الحسناوات، لم تتعدى عيناي طبقي كما نصحني أبي وتمنيت من الله ألا تخذلني عيناي المتلهفة لنظرة أخيرة للفراشة ويرى الجميع توقي للمستحيل. كل ما استطعت رؤيته يد اللواء تض*ب على ظهر يدها الشمعية البيضاء لما وضعت شوكتها بيدها اليسرى مذكراً إياها بأن أصول الدين أفضل من أصول إتيكيت سرايات جدها الإتربي لباشا. لم تغضب البشوشة وتزايدت ضحكاتها الرقيقة بالمساواة مع مشا**تها لأبيها وأبي. العيون الزرقاء تنظر إلي، رأيتها بمرآة كبيرة مذهبة بالجانب ثم سمعتها تقول: - إنت في سنة كام يا مازن ؟ لم يعلوا ناظري عن طبقي وقلت : - سنة تانية. نظرت لأبيها وقالت : - هو شاطر يا بابي بجد ؟ حدجني اللواء بتقزز ثم قال : - لا طبعا حمار .. اللي يسيب نفسه مجرور يبقى حمار حتى لو متفوق في دراسته ضحكتْ بشدة على وصفي با****ر من كبير المعلمين وتلك شهادة لا تقبل دحض، بالطبع حمار من أحسب نفسي لآمل بالوجه البشوش، علي فقط بالاحتفاظ بصورتها الجميلة داخل ذاكرتي الجدباء عندما يجافيني النوم في كليتي، وليس هناك أفضل من التأمل بتدابير الخالق لما أبدع وصوّر. أخرجني من حموريتي قولها: - أنا نفسي أفهم إزاى أوائل الكلية أش*ية كده!! بتلاقى وقت فين للشقاوة؟ علا ناظريَّ إليها لا إرادياً متعجباً ثم أعدتهما على الفور لطبقي، يكفيني. تهتم لأمري تعرف من أكون، تعلم أنني من أوائل دفعتي، أنه المجد يا للفرحة مررت من عقل الجميلة كما أذهبت عقلي. عقلي اهترئ أكثر لما استمعت لتذمر اللواء من يومين التدريب لنوننا فبهذين اليومين يتناول اللواء غدائه مرتين، المرة الأولى مع زوجته والثانية مع نوننا لأن كلتاهما لا يتناولان الغداء بدونه. شيء يدعوا للتذمر حقًا, لا أتذكر أنني تناولت الطعام مع عائلتي بأكملها إلا بالأعياد, لا أتذكر حتى تناول طعام ساخن وكل ما أتذكره وأعاصره للحين هو تناول الأكلات المجمدة التي تبتاعها أمي وكيلة النيابة الإدارية وألقت بها بالمجمد والجائع يشوي جسده بالزيت الساخن أثناء تحضيره لغدائه أو عشاءه ولليوم لم تربطني علاقة ودية مع الزيت وطاسته وأصبحا ذراعيًّ شاهدا الإثبات على خيار أبي الغير موفق بالمرة, بينما اللواء دعانا اليوم على طاجن البامية والملوخية ومعشوقي محشي ورق العنب بدون دعوة كبيرة بل لم يكن يعلم مسبقاً بمجيئنا اليوم فقد اتصل به أبي قبل اللقاء بساعتين وكان اللواء متفرغ ودعانا للقهوة التي تحولت لغداء شهي ووجه مشتهى. انتهى الغداء بحمدالله قبل أن تخذلني عيناي وتهرع من خلف الفراشة بعدما عادت للاختفاء بجنبات المنزل. دعانا اللواء للشاي بلا الفراش يبدوا أنه لا يحبذ الشاي لأن غذائه رحيق الأزهار. أتى الشاي ومعه سيدتين إحداهما طويلة القامة جميلة للغاية لأنها تشبه ابنتها ولكنها خمرية البشرية، ترتدي حجاب رأس حريري بينما الأخرى قصيرة بيضاء البشرة ممتلئة القوام بانسجام ملتزمة بالحجاب بدورها تدفع تلك العربة الصغيرة الخشبية التي أراها بالأفلام العربية القديمة المحملة بالشاي والأطايب كما يحدث الان تمامًا. القصيرة تقدم الشاي للضيفين بينما طويلة القامة حيتني وحيت أبي لابد إنها زوجة اللواء التي تتهكم عليها أمي سراً وتلقبها بالهاربة لأنها بالفعل هربت من زوجها الأول وتزوجت اللواء أما الأخرى تبدوا الخادمة ولا شك. والي هنا تفاقمت نظرتي الدونية لحياتي المقيتة فللواء قصرًا بالتجمع الخامس ودمياط، سيارتين وثلاث جميلات يعلمن على راحته أجملهن تضع له السكر بفنجانه وأصغرهن تضع الكعك بطبقه وثالثتهن تسأل اللواء إن ما كان يريد شيئًا أخر فأشار لها بالذهاب بلا كلمات. ذهب كل شعور سيئ لما حللت على الأجواء مجدداً بعدما غابت للقليل من اللحظات، عادت ببعض الكتب والأسطوانات المدمجة، جلست بجانب أبيها ووضعت على الطاولة التي تتوسط الصالون مجموعة الكتب والأسطوانات ونظرت إلي وقالت: - خد دول عشان ما تلاقيش وقت للشقاوة. نظر اللواء للكتب ثم تحول لابنته وقال: - إيه دول يا نوننا؟ - دى كتب *انجليش اد*كوكشن* لمازن بيستعد عشان لما يسافر أمريكا يعرف يتكلم .. طِلع أبيض خالص في الإنجليش. أبي ينظر لي بخبث بعدما علم نياتي فهو على دراية بأن ولده ملم باللغة الإنجليزية وما يحدث الان محاولة عبثية للتقرب من الفراشة بينما اللواء ابتسم وقال بتهكم: - طيبه والله.. بقه دى أشكال تروح أمريكا ؟! طب مالك و أمجد الأمريكان حاطين عنيهم عليهم من زمان لكن الواد الأوزعة ده أخره أوي يمسح من تحت الطيارة. أضحكتها مزحة أبيها للغاية، تكبد وجهها، تهدجت أنفاسها إثر الضحكات التي لم تعد في وسعها منعها حتى أن اللواء ضمها لص*ره وربت على رأسها في حنان لتهدأ. تباً لكم مدللة فلم أرى اللواء يربت على كتف حسام يوماً وإن حدثت المعجزة يربت على قفاه بعنف ويلقبه بسنده المائل إن أخطأ وهذا إن لم يحرمه من إجازته الأسبوعية. تركتُ الدلال وابتسمت مجاملة للواء بينما الغضب يعتصرني فأبي كذلك يضحك ملئ فاه ويقول متضرعاً : - فال الله ولا فالِك أنا قد مصاريف أمريكا. لستُ حمار فحسب بل أنني حمار فقير وإن كنت من أوائل كليتي وخليفة الديب بشهادته .. فقير، لا يتمنى لي أبي أن أستكمل تعليمي بأرقى بلاد العالم تخصصاً بالطيران الحربي لضيق الحال الذي أعاني منه منذ ولدتُ. قبلتُ هدية الفَراش المحمل بشداها الوردي ونزلت من فيلا اللواء ناعياً أول وأخر لقاء مع الفراش. لا أعلم كيف شعرتُ بوجودها الطاغي وحينها جابت عيناي أعالي السماء الى أن رأيتُ ببلكون اللواء نجمة حظي بابتسامتها الشاسعة وقبل أن ألوح لها مودعاً أمرني أبي بحدة أن أركب السيارة في الحال ولما ركبنا قال: - والله ما هترجع غير لما جلال يض*بك بالنار ويريحني من ق*فك .. كله إلا هنا. حدجته بتعجب وقلتُ : - أنا إتكلمت ؟! - جلال وإخواتها معندهمش حتى النظرة مش الكلام يا سبع. حسنًا وما قد أفعله بأي حال مع الفراش، فهي أشفقت على حالي البائس ليس أكثر وأنا قبلت الإحسان. عدت للمنزل ودلفت لغرفتي التي حملت أخيراً رائحة بخلاف رائحة الحريق، فغرفتي مطلة على قصر قديم متهدم جعلوه العامة مقلب للقمامة وكلما اعتزموا تنظيفه أشعلوا به النيران ومن ثم تتصاعد الأدخنة العفنة إلى غرفتي ناعيه زمنٍ جميل ذهب وأتى بدلاً منه زمناً عبثي جعل قصراً مقلب للقمامة. تفحصتُ مجموعة الكتب وجدتها ليست مطبوعة بمصر أو أمريكا بل صناعة إنجليزية كمبريديجية مثل مدرستها البريطانية. حملتُ الكتب إلى طاولة الحاسب وأيقظته من سباته وولجت لحسابات الفراش ثم أرسلت لها صداقتي البريئة وانتظرت لثانية، دقيقة، خمسة عشر دقيقة ثم جاء إشعار جديد. قبلت صداقتي وأرسلت لي.. إزيك. تهللت أساريري وكتبت لها مجيبًا.. الحمدالله. وتوقف الإرسال. أي حديث قد أختلقه الان ليطيل من عمر المحادثة، فأرسلت: - الكتب بتاعك كويسة بس حاسسها صعبة. - مفيش حاجة صعبة.. ذاكر إنت بس وبطّل شقاوة. هاتفي يدق لابد إنها هى، مللت من المحادثات المكتوبة السقيمة وتريد سماع صوتي كما أريد. أخرجت هاتفي من جيبي ونظرت للشاشة المضيئة لم أجد رقمها المسجل بالفراشة بل وجدتُ ما أحبط أمالي. - أيوه يا ندي. سألت بلهفة: - عملت إيه؟ قلتُ بامتعاض: - هكمل التأديب بس مش هينزل فى الملف. قالت بعصبية: - ده مغرور أوى حتى بعد ما روحت انت وباباك لحد عنده.. بنته زيه على فكرة مغرورة أوى. استرعى الحديث الممل انتباهي على الفور وقلت: - إنتِي تعرفيها ؟ - أيوة بنت رخمة كده .. فاكرة إن مفيش حد زيها فى الدنيا بشوفها فى النادى بتلعب إسكواش زيك. وحينها عادت أمالي للسمو، أستطيع رؤية الفراش مرة أخري بعيداً عن اللواء والإخوة الشرسين لأنها تمارس الإسكواش وأصبح الان لدي أسبوع كامل من الفراغ سوف أقضيه بالنادي أملاً بلقاء الفراش ومشاركتها بعض الإهتمام البريء أيضا ولا غيره. انتزعتني ندى بثرثرتها عن شيئاً ما لم ألاحظه لما قالت: - ولسه لحد دلوقتى بيزِن عليَّ برغم إني قولتله إني مرتبطة. - هو مين ؟ - عمرو صاحبك. - اه .. عمرو كويس هو مش عاجبك ليه ؟ - وإحنا خلاص .. نسيت حبنا ؟ شعرت بالضيق وقلت : - ندا قولتلك خلينا أصحاب أحسن. - بس أنا لسه بحبك. لم أجد ما قد أجيبها به للحظات حتى قلت منهياً الحديث: - أنا ورايا مذاكرة تصبحى على خير. أنهيت عمل هاتفي لليوم فلا أمل بسماع هزج الفراش، كذلك لا أريد مكالمات أو رسائل لا طائل منها خاصة من ندا، لازالت تميل للتفوه بالحب والوحشة وإن ذهبا. عبرتُ، صرحتُ، وبالنهاية صرختُ فقد ذهب ما جاء بوقتٍ سابق ولا أملاً بعودته. لم أعد أشعر تجاها بشيء حميمي بخلاف إنها أمست أختاً عزيزة ولكنها لا تقبل رفض وأصرت أن تجعلني أحبها على حد قولها. أغدقت علي باهتمامها حتى خيل لي إني شرعتُ بحبها إنما حقيقة لم يحدث قط، فقط ألفتُ وجودها الدائم إلى جانبي. حدثتُ نفسي مراراً لم لا أحبها فهي فتاة جميلة هادئة وجارتي ولكن تسلل إلى الضجر حتى تملكني من تلك العلاقة بكل أشكالها إنما هي لا يتملكها يأس، فكلما تلمست مني الملل أغدقت علي بالمزيد حتى إنها قبلت مرافقتي، وهنا لم أستطع الإنكار أو الكذب واستغلال حبها أكثر من ذلك وقلتها ص**حة؛ لم أستطع حبها وعلينا بالانفصال على أن أظل أخًا صديق لها تجده كلما احتاجته. ظلت ندى على مقربة تحاول إعادتي لحبها بكل طريقة فشعرتُ تجاها بالأسى وظللت أنا الأخر على مقربة إلى أن رأيت الوجه البشوش ولم يعد في وسعي القرب من شيء غيره. عدت لحاسبي وكتبتُ لها: - بتلعبي حاجة غير السباحة ؟ انتظرت وانتظرت رغم أن حساباتها الإلكترونية مفتوحة للاستقبال ولكن لم تجيبني يبدوا إنها شعرت بالانزعاج لما اتخذ الحديث منحنى حميمي بعض الشيء. نصف ساعة حتى أجابت.. بلعب إسكواش. - أنا كمان بلعب إسكواش وهقضي أسبوع التأديب في النادي ومذاكرة إنجلش وهبطل شقاوة.  ***يتبع لم ينتهي الفصل ***
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD