الحلقة الثالثة (كشف سر الاختراع الغامض)

1773 Words
دارت أسئلتها في عقلي، وأجابت علم: حدث ذلك نتيجة للعلم المتوارث في عائلتك لعقود، فأجدادك ورثوا علمهم للأجيال جيلاً بعد جيل، وكان كل جيل يكمل ما فعله من قبله ويضيف عليه، ولأنها مجرد افتراضات واختراعات خطيرة بقيت في حيز العائلة؛ لأن وقوعها في اليد الخطأ قد يؤدي لكوارث، إلي أن نجح والدك في تحويل الافتراضات لحقائق، وهذا المعدن فريد استطاع والدك جعله يولد الطاقة بين ذراته نتيجة تفاعلات نووية محتجزة تحت غلاف صلب من معدن الصندوق، والعجيب أن تلك الذرات تعود للتجدد بمجرد انتهاء الانفجار. نقلت الإجابة إلي نيرة التي كانت الدهشة ما زالت تسيطر عليها، أخبرتني علم أن أخرج السترة المعدنية وأرتديها ولا أسمح لغيري بارتدائها ففعلت وكأن أبي هو من يأمرني، شعرت أن السترة تضيق لتناسبني وتلتصق بجسدي وكأنها جزء منه، كانت مريحة ومنشطة للجسد تدفع الدورة الدموية للعمل، بدأت تضيء بومضات وكأن دمائي تجري فيها. أجابت علم عما يدور في ذهني: الآن أنت أصبحت مفتاح البوابة، سألت بصوت مرتفع أي بوابة. قالت: توجه لمعمل والدك وستعلم كل شيء، ولكن قبل أي شيء احمل تلك المعدات التي ستعلم فاعليتها في الوقت المناسب. كانت علم تري بعيني، وتتكلم معي وتجيب علي خواطري وكأن شخصًا آخر أصبح بداخلي، جزء جديد أضيف لعقلي، لم يكن الأمر متعبًا أو مزعجًا، كنت متقبله بشكل رحب خصوصًا أنه هدية من أبي. أخذت تلك المعدات ووضعتها في السترة فاختفت، كان أمرًا غريبًا محيرًا، لكن لم يكن هناك وقت للحيرة، ارتديت سوار النقل وأخبرت نيرة أن تحمل الآخر وتحافظ عليه، وتلحق بي إلي المعمل، ذهبت بسرعة وجنبت الركام جانًبا، لمحت صورة لعائلتنا بين الركام كانت لأمي وأبي وأنا بينهما، كانت أمي مبتسمة، كان وجهها بملامح بين ثناياها قمر، كانت غاية في الجمال، لم يتفوق علي جمالها إلا ذلك الذكاء الذي أسر أبي وجعلها تشاركه حياته واختراعاته، رغمًا عني تساءلت هل حقًا يمكن أن أراكي مجددًا يا أمي، ظننت أن علم يمكن أن تجيب، لكن هذا لم يحدث، ويبدوا أن إجابة سؤالي هي عند الله وحده. أخذت الصورة، ضممتها لقلبي، نظرات نيرة إليّ كانت داعمة ومواسية وكأنها تقول لي أنا بجانبك، لم نتكلم عندها ولكننا تركنا المساحة لتتكلم عيوننا ولنستمع لهمسات قلوبنا، اختفت الصورة داخل السترة، فأكملت خطواتي، كان كل شيء مدمرًا، لا أعلم لماذا جعلني أبي آتي إلي هنا، لا يوجد شيء قالت علم: أطفأ الضوء وشغل إضاءة الجدران الإشعاعية. فعلت فانطلقت أضواء غريبة، كان من بينها حزمة ضوئية مختفية استطعت رؤيتها، قالت علم: ضع يدك علي قطعة الرخام التي يسقط عليها الضوء عموديًا. بدأت في الإضاءة وبدأت الأرض في التحرك ليظهر سرداب في الأسفل، نزلت ونزلت ورائي نيرة، كان سرداب حوائطه تدل علي القدم، يشبه السراديب التي بناها أجدادنا من المصريين القدماء؛ لكن يبدوا أن والدي وعائلته قاموا بتحديثه وأضافوا إليه الكثير من التقنيات من طريقة فتحه التي تعتمد علي المورثات، والضوء الساقط الذي يقرأ إشارات المخ وعلي أساسها يمكن تشغيل نظام الحماية أو تعطيله حسب سلبية الموجات أو إيجابيتها، هل تريد الخير أم الشر، هذا ما قالته علم وتابعت كلماتها: في هذا المعمل السري كان والدك يعمل علي اختراعاته، أضاء المعمل وظهرت كل نماذج اختراعات أبي، وظهرت لوحات جدارية لأجيال أجدادنا من العلماء، كنت أدور حولي وأنا أنظر لكل شبرًا، أدركت عندها أن هذا المعمل هو أسفل المتحف، بل به عدة أبواب سرية لدخول المتحف المجاور. كان المكان واسع للغاية، وكان هناك لوحات رخامية من أحجار قديمة تشبه كتابتها ما كتب علي حوائط بيتنا، كانت واحدة تقول (تحت شعاع الشمس الساطع ترنحت السيوف واشتبكت مص*رة دوي سيظل يسمع لآلاف السنين) كانت نفس الكلمات في بيتنا. واللوحة الثانية كان مكتوب فيها (الجهل هو آفة مميتة تحول نهار تقدم الأمم إلي ليل غابر من الخراب والدمار إياكم أن تصبح أمتنا أمة جاهلة فالعلم يقودكم للأندلس والجهل يقودكم للنهاية). وتقول اللوحة الثالثة (من ليس له ماضي ليس له حاضر أو مستقبل الماضي ليس مجرد تاريخ يدون بل هو دائر ض*ب الله به العبر والمواعظ وعلمنا به هو نور يساهم في اجتياز الظلمات). اللوحة الرابعة (هدف عائلتنا هو الرجوع للماضي ومعرفة التاريخ الحقيقي حتى لا نكرر أخطاء أجدادنا ونري كيف كانت نهضتهم وكيف ننهض نحن ليس لدينا الكثير لكن ما نعلمه أنه العلم ولذلك ستسخر عائلتنا نفسها لذلك الهدف). دارت كلمات اللوحات في ذهني وتذكرت ما جري من ثلاثمائة سنة وقوت ذاكرتي بوجود علم التي أرتني ما جري بالتفصيل من علم أبي به، وبدأ الأمر عندما بدأت دعوة اجتاحت العالم أجمع للمساواة، وأنه لا فرق بين كل الأعراق أو الأجناس أو بلد أو فقير أو غني أو جاهل أو متعلم، كانت دعوة ظاهرها أنها صالحة وبدأت في نيل تأييد جارف سحق رافضيها وابتلعهم، وبدأت ا****عات ثم الدول والعالم أجمع في رفع شعارها، لكن ما حدث لم يكن جيدًا فقد غسلوا عقول الناس وأفهموهم أنه يجب إزالة أسباب الفرقة بيننا، والغريب أنهم بدءوا بالتاريخ! بدءوا في حرق الكتب وحذف كل ما يتعلق به من معلومات، وعقاب من يجرأ علي الاحتفاظ بمعلومة كان مشهدًا مروعًا، لكنه نجح في طمث جزء لا بأس به من تاريخنا بعد أن استمرت الحملة والملاحقات لأكثر من مائة سنة. حملة شيطانية لا يعلم من بدأها وما هي أهدافه، لكن وجهها الحقيقي ظهر عندما تحولت المساواة لفحش ظاهر بين الطبقات، فأصبحت طبقة في السماء وأخري في أسفل الأراضين، ازداد فقر الفقراء وزاد الجهل والجرائم، تم سرقة أثارنا، سرقة حرفية فلم يعد لدينا لا معابد ولا أهرامات ولا قلاع ولا مساجد أو كنائس أثرية، كلها اختفي كأنه لم يكن موجود في الأصل، وصنف ذلك كأغرب ما حدث يومًا، انتزع من تاريخنا وجزء كبير من هويتنا، أضافوا الكثير من التاريخ المزور فاختلط الوهم بالحقيقة وصار علينا إما أن نتقبله كله أو نرفضه كله، وعندما بدأت المرحلة الثانية كانت علي الدين لكن الله تكفل بحفظ دينه وأرسل في النفوس المؤمنة القوة التي جعلتها صامدة، **رت حواجز الفرقة وتجمعت علي كلمة واحدة وأعلنت الحرب، هم أولياء الله علي أعدائه، كانت حربًا شرسة فكريًا وحربيًا ولكنها كانت معركة بقاء نكون أو لا نكون، **رت حواجز فرقتنا وخوفنا واحتشد جيش لا يخشي إلا الله، استشهد فيه الكثيرين حتى ارتوت الأرض وكتب الله النصر وبدأت من لحظتها كل بلد في أن تسلك الطريق الذي تختاره، واختارت بلادي طريق العدل والحرية والعلم حتى وإن كان ذلك بشكل جزئي غير مكتمل، ورغم ذلك لم نستطع استعادة ما محي من تاريخنا ولم نقدر علي استعادة آثارنا والتي بقي مصيرها مجهول إلي هذه اللحظة، عندها لمحت اللوحة الخامسة تقول (إن لم نستطيع استعادة التاريخ من الحاضر فلنستعده من الماضي فقط يجب أن نراه وندونه ). عندما قرأتها سمعت رسالة مسجلة في الشريحة بصوت أبي (هذه أمانتك فكن علي قدر تحملها فأنت أهلاً لها ). ابتلعت ريقي بصعوبة وتنفست الصعداء، كان الأدرينالين يتدفق في عروقي بصورة غير مسبوقة، بدت كل خلية في جسدي منتشية فخورة، تشعر أن لها قيمة، تقدر عائلتي وما قاموا به طوال حياتهم، الآن سأكون جزءًا من هذا الأمر، لم أشعر بالخوف أو التردد بل بشغف لاكتشاف هذا الماضي الذي لم يبقي منه شيء يذكرنا به إلا ملامح مبهمة من قطع أثرية مخبأة، خبأها الناس والأرض وكلها موجودة في هذا المتحف الذي أصبح أثمن ما تمتلكه بلادي. قالت علم ستجد في هذا الجانب بوابة حديدية عملاقة، لاحظتها كانت متصلة بغازات وأسلاك من كل اتجاه، وفي داخلها بؤرة من الأمواج التي تدور في شكل حلزوني مغلق، وخيوط منه تسري في الآلة بالكامل كالدماء كأنها كائن حي، وبجوارها سيف يبدو أنه أثري، قالت علم: كان هدف أجدادك الأكبر هو معرفة التاريخ الحقيقي، وكان الحل هو أن يروا الماضي بعيونهم ليتجنبوا زيفه، لكن مثل هذا الاختراع قد يغير التاريخ وقد يدمر أمم، لكن والدك نجح في اختراعه وهو أمامك، إنه آلة الزمن الأولي والفريدة في العالم. قالت نيرة: ما هذا الشيء؟ وما هذا المكان؟ لما جعلنا والدك نأتي إلي هنا؟ عندما أردت أن أجيبها أضاء سوارها، قالت في حماسة تص*ر من شخص حكيم وليس مندفع وكأن في عقلها قد ارتسمت خطة: لقد توقفت سيارة المجرمين ولقد حددت مكانها، علينا أن نذهب إليهم ونمسك بهم ونحاسبهم. كنت أريد أن أخبرها بما علمته، لكن ظاهر أتي مسرعًا يتن*د ولا يكاد يلتقط أنفاسه: علينا الفرار الآن، دورية الآلات تم تعطيلها، ولا أدري إن كان ذلك بفعل القسم أو المجرمين، وتم إبلاغي في القسم بأن أترك المكان وأذهب، ولا أدري أكان ذلك سليمًا من أجل انتهاء التحقيق وتحققهم من أمانكما كما قالوا، أم أنها خدعة يريدون بها إيقاعك في شبكة تحاك لكي تبتلعكم قبضتهم، عقلي يكاد ينفجر ولا أحد يدعمني، لكنني لن أتركك هيا بنا لننصرف في الحال فربما يأتون. قالت نيرة: هيا بنا يا ماضي، لما تثمرت في مكانك، هذا ليس وقت التفكير. قلت: لن أستطيع الذهاب. نظراتهم الغريبة اخترقتني، تبادلا التعجب بينهما وألقياه في قذيفة تجاهي. أجبتهم دون انتظار: يجب أن أحمي ميراث أبي وأجداده، ميراث هذه الأمة، يجب أن أدخل هذه الآلة لتختفي؛ لأنها لو بقيت هنا سيكون الهلاك والخراب في كل شبر. قالت نيرة: سأذهب معك قلت لها وأنا أنظر لوجهها، أحاول أن أحفظ ملامحه، أن أتشبع من رؤيتها فلا أدري ماذا سيحدث: لا يمكنك الذهاب، أريدك وظاهر أن تبحثا عن أمي، وأن تحاولا محاسبة المجرمين، وأن تكشفوا الحقيقة للناس، حاولا أن تفيقوهم من غفلتهم، أزيلوا تلك الغشاوة عن عيونهم لعلنا ننقذ هذه البلاد قبل فوات الأوان. أمسكت بساعدي ظاهر بكلتا يدي: قلت له عدني أن تحميها وأن تنفذ ما طلبته منك. قال وهو يتنفس بعمق يستعد معه لحمل جبل: أعدك أنني سأفد*ك وأفديها بحياتي، ولن أدع مكروهًا يصيبها. نظرت لعيني نبرة الدامعة: قلت لها لا تبكي، من لحظة رؤيتك أردت أن أخبرك بشيء، أردت أن أخبرك بأني أحبك، إن قدر الله لنا لقاء سأمضي ما بقي من عمري معك. كنت أريد أن أقول لها المزيد، لكن هذا لم يحدث فصوت جلبة في الخارج تقدمت فقاطعتنا، دخل مجموعة مسلحين يتقدمون مجموعة رجال ببذل سوداء ونظارات سوداء ولحي نسخت في وجه الخمسة رجال، بدأت جدران السرداب في استشعار موجات سلبية فبدأت بالهجوم بالليزر فاحترقت أجساد المسلحين ومحتهم، لكن الرجال الخمسة أحاطتهم هالة ضوئية انع**ت منها أشعة الليزر لتدمر مواضعها، وتدمرت أسلحة الدفاع. اختفيا كأنهما لم يكونا موجودين، اختفيا بعد أن أسعدت قلبي بكلمتها التي جعلتها زادي وصبري الذي أعتمد عليه لأنتصر في تلك المعركة، سأعود لكي يا نيرة فانتظريني، لم يهتم هؤلاء الرجال بهما مطلقًا ولا باختفائهما؛ فقد كانوا يصبون تركيزهم علي الآلة، أردت أن أماطل هؤلاء الرجال فقد كانت علم تقول لي طريقة تشغيل الآلة، كان المسلحون ينظرون إليها بشغف، وأطماع بشرية كونت من قرون فانطلقت في ملامحهم، قال أحدهم: هذه هي جوهرتنا التي انتظرناها طويلاً. ضحك ضحكة بلهاء ومعه أشباهه، كانت علم تقول: هذه الآلة تعمل بالحقبة الزمنية. قال أحدهم : والدك الأ**ق مات دفاعًا عنها، وها هو رحل وتركها لنا، وضحكوا مرة أخري. كنت أغلي من كلامهم الجارح كفقاقيع تخرج من بركان، كان كلام يمزقني من الداخل، كنت أتمني أن أقتلهم جميعًا، لكنها معركة خاسرة، لن تكلفني حياتي فقط بل ما أفني والدي وعائلته أعمارهم من أجل صنعه، اخترت الهدوء مرغمًا نفسي عليه، لن أسمح لغضبي أن يتحكم في مصيري، سأترك الانتقام لوقت آخر يكون فيه وجه القصاص العادل مؤكد التحقق. شردت في كلام علم الذي كان ككلام البشر وكأنه تطبع بنا فصار كلامها ككلامنا، في هذا الوقت كان يقول أحد الرجال: سنأخذ السلاح، أما أنت فلا حاجة لنا بك، وإن كنت لن تخبرنا بطريقة عمله سنعرفها بطريقتنا فيما بعد، أو يمكنك أن تقول وتشتري ثمن حياتك، وثمن عديمي القيمة اللذين كانا معك، وسنعثر عليهما بعد أن ننتهي منك.
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD