الفصل العاشر

1914 Words
انتهت وداد من حديثها لينظر لها الطبيب بابتسامة صفراء محاولًا بث الطمأنينة في قلبه بعد ما لاقاه في عالمه الموحش، تجمدت ملامحه وكأنه شخصٌ آخر غير التي كان يتحدث، صمت فصمتت الحناجر، انقطعت الأنفاس.. وغامت الأعين وكأنهم أوثان أثرية وُضعت أما الطبيب بالخطأ، أشار الطبيب إلى الجالس عن يمينه، لم يكن ينظر له وكأنه سارح في عالم آخر، حرك رأسه بحركة ميكانيكية وكأنه عروس مار يو نيت، ارتسمت ابتسامة باهتة وهو يقول: - أعرف أيها الطبيب بأنك عانيت معنا هنا ونحن جميعًا نقص عليك خطايانا، أعلم بأنك شعرت بالملل، فكما قلت كلنا نعاني وكلنا نحتاج إلى طبيب حتى أنت تحتاج أن تبوح بكل ما تعانيه، هنا منذ وقت طويل وأنت تسمع قصة قصة، أنا شخصيًا شعرت بالملل ولذلك أعرف بأنك مثلي ولكني أعدك بأن حكايتي ستكون مونسة لك، ستحب أن اكملها لك وستكون مشتاقا لكل حرف أبثه على مسامعك بشفتي، فكلماتي التي طالما كتبتها على الجدران بندف دمي الثائر بين شراييني، لم تكن عابرة أو هباءً تذروها الرياح بل أنها كُتبت بحفيف أجنحة روحي الصارخة والمتألمة، وها الآن وبعد رحلة قميئة معبقة بعبير الحزن والقهر والألم الخانق، لا أعلم كم مكثت فيها، ربما ألف يوم وكل يوم كاليوم الأول للدجال.. فكما تعرف أن يومه الأول بألف سنة، إذا أردت حقًا أن تعرف من أنا فلن أستطيع أن أجيبك، فأنا شخصيًا لا أعلم من أنا.. كيف كنت؟ ولا أعرف ما أصبحت عليه، ولا علم لي إن كنت بشري أم كائن رخوي، وربما أكون هلاميًا أو ربما يرقة لم تتحول بعد إلى ديدانة والتي ربما يتحول مصيرها إلى فراشة ملونة تتحرر في السماء، أنا فقط أشعر بأنني بحاجة إلى مساعدة أحد ما وأنت ايها الطبيب ستساعدني ولكني غير مسؤول عما سيحدث لك بعد أن أقص عليك خبري، أنا فقط أقوم بإنذارك قبل أن أبدأ في القص عليك. هز الطبيب رأسه بالإيجاب وكأنه يخبره بموافقته على تكملة حديثه، فالطبيب يظن بأن المتحدث مجرد مريضٍ نفسيٍ، وما يقوله مجرد خذعبلات أو هلاوس.. وبإيماءة أخرى وإشارة من يد الطبيب أدرك المري بأنه سيسمع حكايته للنهاية، فابتسم المريض ابتسامة صفراء وكأنه كان متوقعًا موافقة الطبيب فأكمل قائلًا: - المحاولة في مساعدتي والتخفيف عني، ولكن هنا قائدك سيكون الفضول، تلك الغريزة العفنة التي أوصلت بنو إسرائيل للكفر والفجور بعد أن كانوا خير أمة أنزلت للناس، فلك حرية الاختيار في أن تكمل أو لا، أنت الآن ما زلت حرًا، ولكن بعدما نبدأ لن تكون حرًا أبدًا، ستقع تحت رأيتي وستخضع لما أريد، سنغزو سويا الزمان والمكان، أريدك يا طبيبي أن تسبح معي عبر المسافات وأنت مغمض العينين، سترى ما لم تره من قبل، سنغوص معًا في الجحيم وسأكون دليلك المضيء الذي لا يضمحل نوره، وكأني قمرٌ دائري كامن في السماء وما عليك سوى اتباع أثره، حسنًا أرى أنك أغمضت عينك... شعر الطبيب بأن الغرفة تدور به في دوامة بطيئة الحركة، تفرعت ألوان الطيف أمام عينيه وكأنه أسرى به من كروية لهالات زُحل.. شعر بالغثيان وكاد أن يتقيأ ولكنه أحس بأن قدميه استقرت به إلى مكان لم يعهده من قبل، وجد رجلًا يمشى بخطى بطيئة يتكئ على عصا خشبية رفيعة قصير القامة حليق الرأس، يرتدي زيًا غير مألوف أشبه بزي قدماء المصريين، من بدانة جسده شعر بأنه كاهنًا حيث أن مقبض عصاه كان متشكلة على هيئة رأس أفعى لها عينان حمراوان من العقيق، وبصذر من فمها صوت يشبه الفحيح لتصيبه ريبة من هذا الرجل ذو العصا الحية، تساءل من هذا؟ هل هذا بشر؟ لتجيبه نفسه بل هو شيطان رجيم، قادته شجاعه بأن يناديه بصوتٍ عالٍ ولكنه لم يجبه، نظر إلى نفسه فعرف أنه مجرد طيب، قرر أن يتبع أثره رغم أن المكان خالٍ لا يميزة شيئًا سوى الظلام، ليتهادى إلى مسامعه صوت تمتمة عجيبة من العجوز ليخرج شعاعي نور من عينييّ عصاه فتهديه للطريق، أنارت العصا دربهم ليظهر على جانبي الطريق أشجار عالية وكأنها نخل منضود، تتساقط أرزاقها إثر هبوب الرياح المخلفة من دبة عصا العجوز، حتى توقف العجوز فجأة أمام بحيرة صافية، ولكن مصطفى لم يتبينها جيدًا من شدة الظلام، فنور العصا يكاد يريه وجه العجوز المرتجف.. أخرج العجوز من حزام عباءته ورقة بالية أشبه بالجلد البشرية! كانت سميكة رغم ما يظهر عليها انكماش، قربها إلى وجهه وهو يقبلها وكأنها شيئًا مقدسًا، بدأ في ترتيل كلمات غير مفهمومة بصوت أجش لكنه بنغمة رنانة "أقسم عليكم بأرواح الأولين الآخرين، أقسم بسم القدير رب جبريل وميكائيل بارئ النفوس ومُسقط الطاووس، أهيا، برقان، شراهيا، أهيا، شمهورش، نماهيا، أدوناي، أصباؤت، ميمون أبانوخ، زوبعة، أيا خدام الكواكب وحرس الألواح المسلوبة من حواء، بمهر كل مهير، ياروش ماروش فلك الحكم على كل شيطان نموش، منقادين لعظمتك يا ابنة برقان، بحق بهوش دردراش كوشا أشمخاطيل أن تحضر "كحلة" بداخل الأجساد ، لتأتي بنسل جديد في الوقت والساعة احضري بحق أبيكِ وكوكب عطارد، بارك الله في الرهط الشديد، وفي النسل الجديد، فليتفرق المعتدين وليبقى السليل حتى الزوال والرحيل" عصفت الرياح وماجت البحيرة تحت قدميهما لتحدث دوامات كادت أن تبتلع الكائن، ركع الكائن وهو يردد "لا مساس.. لا مساس.. لربة العروش وسيدة الإناث، صوت ضحكة صاخبة أجفلت مصطفى وجعلته يرتعش رغم علمه بأنه غير مرئي، مع ازدياد الضحك الصاخب تشكلت الدوامة على هيئة عرش ممرد بالإستبرق فوق صحن البحيرة، تجلس فوقه فتاة شديدة البياض كقطعة تلج جنوبية رغم لونها المشع إلا أن وجهها يشوبه الحمرة، عارية كوليدٍ نزل من رحم أمه توًا، يتشكل جسدها الناصع بثديٍ مطعم بحبتي عنب ورديتان وخصر نحيف وكأنها سمكة بحرية، تحدثت بصوتٍ مخيف قائلة: - لقد تلوت القسم المقدس لاستحضاري رغم أنه محرم عليكم بأن تقسموه علينا، لم يقسم بذلك من قبل سوى عُنق ابنة حواء لتحمي وليدها.. فماذا عنك أيها الكاهن؟! كان من من الممكن ان تستدعيني بالعزيمة المعتاد عليها وكعادتي كنت سأحضر، فأنتم الكهنة من أتباعنا.. أنتم شركائنا وحلفائنا إلى يوم الحاقة. - تنحنح الكاهن بخوف وهو يقول:الطريقة المعتادة لم تكن مناسبة بالمرة يا عالية المقام، فأنت لا تحضرين للبشر إلا في حالة طلبك لمطارحة الرزيلة. ثم تابع: عفوًا ولكن أقصد بأن غرضي لم يكن لذلك، لقد قارب عهد البشر على النهاية ولذلك تم استدعائي من عالمي لأنني الوحيد القادر على نطق القسم، لقد أصبح لكِ دورًا فعالًا في النهاية، وصلني أن ولاية عُنق قد انتهت وحان وقتك، ولكن دورك سيكون بتجسيد نسل جديد، عفوًا النبوءة تقول بأنه لا بد وأن تتزوجي من بشري... - اهتزت البحيرة وزلزلت الأرض إثر وقوفها وهي تقاطعه وتردد كلمات غير مفهومة بصوت جعله يرتجف، والطبيب يقف يتابع تحاورهما بقلبٍ خاشعٍ دون أن يرتد إليه طرفه حتى هدأ وجلست مرة ثانية وهي تقول: - وما السبب الذي يجعل ملكة ابنة ملك تتزوج من مخلوق فانِ، هل سنحكم الأرض بهذا النسل؟ - فأجابها بصوتٍ رخيم: لابد وأن الأمر كذلك، فما رأيك؟ شعر الطبيب مصطفى بأن الرؤية تتلاشى من أمام ناظره رويدًا رويدًا حتى وجد نفسه في مدينة لم يرها قبلًا حتى في أنامه تبدل الظلام الذي كان غازيًا للأجواء لضياء كاد أن يخطف بصره، الشمس ساطعة فوق رأسه، نظر تحت قدميه ليجد نفسه فوق البحر! ولكنه يرتفع فوقه مقدار إنشٍ أو أكثر وكأنه يقف فوق صرح سليمان الحكيم، سار وحده وجسده يرتعش.. يتفكر ويتساءل "كيف أنه منذ قليل كان بالمشفى وسط كتيبة كاملة من المرضى ليجد نفسه فجأة ينتقل من مكان إلى مكان آخر، هل أُسرى بجسده؟ أم أنه ينتقل آنيً عبر الأزمان، ولكن بأي زمن هو؟ هو يعرف بأن الشر دائم وأن عصر الظلام قد رفرف جناحيه واجتاح الأرض بعد أن بسط ظلاله محتلًا كرويتها، هاله ما رأي فمن الذي يقدر على بناء وتشييد مدينة بمثل هذا الروعة، حدائق معلقة ذات أشجارٍ عالية، تهتز أوراقها مع هياج الأمواج، وكأن المحرك لها هو الموج وليست الرياح.. نظر إلى أعلى في حقبه بعيدا عن الزمان ربما بعيدا جدا عن زمننا هذا ولكن لا أعلم أي مدي اتجاه هذا البعد، بعد في الماضي القديم ام في المستقبل البعيد لا استطيع أن احسم هذا الامر ولكن أكد أنها في زمان بعيد جدا وبعد أن ركبت معي على بساط الريح واتجه البساط نحو مملكه عظيمه وله سلطان ذو قدره وحيله على ممكلته العظيمه وإذا تري جنود المملكه الاقوياء مفتولين العضلات الذين يحرصون حدود المملكه وسورها العالي وتري معي جمال وروعه المملكه وحدائقها المعلقه واشجارها المتفرعه وانهارها الجاريه وبراعه البنيان والاتقان فيه واذ اسري بينا البساط إلى حيث مدخل المبني واذ دخلنا سويا وإذا نجد الخدم والحراص والعاملين يعملون بشكل منتظم وإذا تري التقدم التكنولوجي داخل القصر والذي يستخدم في وسائل الخدمه والترفيه والاتصال بين الراعيه كما تري النقوشات الحوائط وارضيه القصر المصنوعه من الذهب الخالص والمطلي بالفضه واذ تجد هذا الخليط يشع ضوء يكفي لاضاءه القصر دون الاحتياج لمصابيح أو شعل من النيران وها نحن قد وصلنا إلى غرفه الابنه الباره بابيه وقد تخللنا باب الغرفه المنقوش بالذهب والفضه وإذا وجدنا الابنه وهي جالسه امام المراه وتقوم بتدفير شعرها الاسود الناعم وإذا نراها من الخلف وهي جالسه على الكرسي امام المراه وتمشط شعرها امام ثم تقوم بتدفيره، كما تري غرفتها التي بها د*كور ونقواشات واكنك تري الطبيعه بام عينك وإذا تري جمال واتساع الغرفه المزغرفه بمواد وتقنيه تجعلك تنظر وكانك تري الطبيعه، انظر معي إلى جمال الغرفه واذ بك ويكأنك في رحله إلى جزيزه المالديف كما تري الشلالال ولا تسطيع أن تفرق بينه وبين الطبيعه، شلال من ماء عزب نقي كما يصور لك الخيال أن جدارن الغرفه وكأنه جدرانها نابت منهم اوراق الشجر من الذهب والفضه لا يمكنك أن تتخيل هذا الجمال إذا خرجت من القصر كما تري سريرها المرفوع من على الارض وكأنه محمول على الهواء والمفروش من الحرير الابيض، وإذا تري جمال الغرفه وجمال القصر ولا تسطيع أن تربط هل هذه تقنيه البناء ووسائل الخدمه التي يستخدومنها في الحراسه والعمل والاتصال بينهم هل كانت هذه التقنيه في العصورالقديمه ام أنها في علوم حديثه لم نكتشفها بعد ولكن دار في ذهني شئ مهم وأنا على بساط الريح من حيث حدود القصر وبعد أن رأيت الحراس بعضهم يركب الخيول ويحمل السيوف والبعض الاخر يركب وحدات ناقله هوائيه ويحملون اشياء لا ارها من قبل ولكن لا ريب أنها اسلحه حديثه وقد دار في ذهني اننا في رحله في زمان قديم ولكن عندما دخلت القصر ووجدت هذا الاعجاز في البناء والعمل والتكنولوجيا والذي الم اري مثيل له في حياتي وأنا الآن قد شت عقلي وقد تركت حسم هذا الزمان في نهايه الزمان وبعد أن انتهت الابنه من دفير شعرها وقد قامت من على كرسيها وهي ترتدي فستانها الابيض الطويل واذ نري وجهها الابيض وتفاصيل وجها الجميله والتي إذا اطلت النظر اليها لفقدت عقلك وضللت سبيلك ومكثت في التيه إلى ما انتهي بقاءك، ولكن هذا الجمال لا يوصف ربما لو احد قصه على ماصدقته وهل ياتري احد يمكنه وصف هذا الجمال وقد ضرب في عقلي بعض الاستفهامات الا وهي، هل هي تلك الحسناء من حور العين ام كاغيرها ربما لو اطلعت على عالمي المظلم الذي اعيش فيه لاضاءته إلى حيث انتهاء مدراك الابصار من جمال وجها وقد تشكل كل شئ فيها واكنها خلقت نفسها وبعد أن قامت واتجهت نحو باب الغرفه وقد فتح لها الباب تلاقائيه وقد خرجت من الباب واذ تمشي وفستانها الابيض مبسوط على الارض خلفها وكانها قطعه من اللؤلؤ تمشي على بساط من الذهب المطلي بالفضه واذ بها تمشي وتجول بين الجمال وزغرفه الحوائط والاشجار واورقها البارزه من الذهب والفضه وبعد أن قطعت مسافه طرقه إلى طرقه داخل القصر وكانها حور العين تتجول في جنات المجوفه بالاشجار بين الانهار والشلالات وكلما مرت ووجدت في طريقها احد من الخدم ينحنوا له تعظيما وتجليلا واذ نراها وقد لا تبتسم ربما يشغلها امر ما واذ تقول في خاطرها وقد رسمت تعبير الحزن على وجهها واذ بها تقول _قد دعاني أبي لأبره وأنا الأبنه البأره بأبي، ولكن اخبرني أبي اننا سندخل النار وتسئلت كثيرا لما سندخل النار، ولكن اخذتني الحيره كثيرا وكثيرا كيف لي أن ادخل النار وأنا اعيش في الجنه واي نار سندخلها وبعد أن اوشقت الابنه على وصولها نحو باب شرفه أبيها وقد فتحت لها سبع ابواب، باب تلو الاخر وبعد أن قطعت مسيره السبع ابواب قد وجودت أبيها في اخرالغرفه والتي طولها اكثير من مئه متر وهو جالسا ومتربع على عرشه العظيم وعلي رأسه التاج وامامه ابنائه والذي نراهم الآن اكثر من عشره أبناء وينحنوا له تعظيما وتجليلا ويقبلون قدميه ويديه ولكن الابناء فجأة قد شعره بقبول الابنه إلى أبيها وقد تنحو له عن الطريق وقد وصلت الابنه وقامت بالانحناء للاب وقالت له _تحيا ياابي
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD