نظر إلى ركن بعيد من الغرفة حيث الستارة المغلقة ، في الركن الأيسر منها ، وكأنه يتأكد من شيء ما ، ثم وجه نظره إلينا وما زالت الابتسامة تعتلي شفتيه ، تفحص وجوهنا جميعا ، فقد كان هناك ثلاثة فتيات من بينهم غادة كما سبق وأخبرتك ، وستة رجال كنت أيضا من بينهم ، كان يبدو أنهم في حالة اجتماعية متقاربة ، ولكن الوجوه شاحبة وكأنها دمى وليسوا من عالم البشر ، تلافى الطبيب التركيز في الوجوه اكثر مما يجب ، ثم طلب منا التعريف عن أنفسنا قبل الخوض في أية مناقشة معنا.
أشار الطبيب إلى أحدنا بأن يعرف نفسه أولا ، ثم يحاول إخراج ما بداخله ، فنظر إلى الطبيب متسمرا كأنه مصدوم باختياره كأول شخص.
- قال الطبيب مبتسما: لا تقلق نحن هنا جميعا لنساعد بعضنا البعض ، ولتعلم أن كل ما يقال في هذه الغرفة لن يعرفه أحد سوانا ، أما عن المرض فكلنا عرضة للمرض النفسي ، الحياة بالعموم مهيئة للمرض ، ولكننا هنا سنثبت أننا قادرون على تخطي كل ذلك ، هنا سنخرج جميعا أقوى لكل منا قدرته الخاصة في تخطي آلامه
الجميع انبسطت أساريرهم ينظرون إلى بعضهم البعض ، إلا فتاة كانت تجلس وحيدة ناظرة في الفراغ ، لقد كانت غادة..
نظر إليها الطبيب محاولا أن يدمجها معنا ولكنها لم تلاحظ نظراته ، فأشار للشاب الذي بجانبها أن يتكلم ، ابتسم الشاب قليلا ثم نظر للجميع وهم في حالة ترقب له ، وأخيرا تكلم الشاب قائلا: أنا جاسر ، أبلغ من العمر ستة وثلاثين عاما طيلة ، حياتي لم أسمع عن كلمة تسمى السعادة أو النعيم كما يقولون ، ولدت لأب وأم لم أرهما قط ، بشكل أوضح أنا ابن الملجأ أو كما يطلقون علينا ابن الفراش ، ابن ليلة ابن غلطة ، فالمعاني السوداء كثيرة.
فتحت عيني لأول مرة لأجدني وسط مجموعة هائلة من الأطفال ، كلنا في أعمار متقاربة نلهو ونلعب ولدينا حاكم في هذه الدنيا ، التي تقع داخل أسوار عالية ذات أسلاك شائكة ، إذا تماست إحداهما بالأخرى تحدث شررا تمنعنا من الخروج إلى العالم الحقيقي ، كانت أحلامي تتشكل في الوجود خارج ذلك السجن ، الذي يحكمه الرجل البدين ذو الشارب العريض.
كنا نصطف في طوابير يوميا ، ليلقي علينا خطابات تتلخص في بضع كلمات يحفظها عن ظهر قلب: أنتم لستم سوى فتات البشر ، أتيتم بالخطأ ، أنتم عار على هذه الحياة.
حين تجرأت يوما وسألته عما يحدث بالخارج ، ألقاني بوابل من السباب ثم .....
أغمض جاسر عيناه فانهمرت منها الدموع بغزارة ، والجميع مذهولين مما يسمعون عداي أنا!
حاول الطبيب الابتسام في وجهه ، ثم قال: لا عليك يا جاسر ، لا تقسو على نفسك ، خذ قسطا من الراحة ولتسمع باقي أخوتك هنا.
فكما قلت لك كلنا في هذه الدنيا نرى الكثير والكثير ، لا أحد منا أفضل من الآخر ، ليس المهم كيف أتيت إلى هذا العالم ، ولكن المهم ماذا تفعل ليراك العالم.
إذا كنت جئت في هذا العالم بالخطأ كما أخبرك مدير دار الأطفال ، فلتعمل جاهدا على إثبات ع** ذلك ، أحيانا نتائج الخطأ تكون في صالح المجتمع.
أتعلم كان هناك امرأة ولدت أكثر من ابن مصاب بمتلازمة داون ، وعندما حملت مجددا أرادت أن تقتل جنينها ، ولكنها لم تمتلك الجرأة لذلك ، وبالفعل ولدته ، لو كانت قتلته كما أرادت ، كانت ستندم حتما لأن ذلك الجنين كان بيتهوفن.
أوتعرف عليك أن تحمد الله أنك بعد مرورك بكل هذا ، لم تفقد رغبتك في الحياة وفي الخروج من غرفتك وممارسة حياتك العادية ، التعب الذي يجعلك تتجنب المناقشات الطويلة والعتاب الذي يستمر لـساعات ، التعب حتى من الرد على الكلمات اللطيفة ولو بـرمز تعبيري ، التعب من المناقشات والمجادلات والاستماع لوجهات النظر المختلفة ، التعب من تبرير مواقفك وأفعالك ولا تملك كلمات مناسبة لوصف ما يحدث بداخلك ، تتجنب الجميع بلا سبب واضح بالنسبة لهم لكنك تعرف أنك متعب من الناس وممن حولك ، لا تقصد العزلة ، لا تقصد أبدا أن تقول لهم أنك لم تعد ترغب في بقائهم معك ، لا تقصد أبدا أن تقول لهم أنك لم تعد تحبهم ، أو تغيرت مكانتهم في قلبك ، أنت لا تعاني من الحزن أو الاكتئاب ، لا تشعر بالفقد أو الحنين لأشخاص لم يعد لهم وجود في حياتك ، أنت لا تعاني من الوحدة أو شعور الغربة ، أنت متعب فقط ، تشعر بالتعب من أفكارك التي لا تهدأ ، من قلبك الذي يتألم ، من الناس والعالم... ومن نفسك .
ابتسم جاسر متحفزا من كلمات الطبيب مصطفى.
هز الطبيب رأسه مطمئنا إياه ، فأكمل جاسر كلامه بعدما تجرع رشفة من الأمل؛ كانت الأيام تمضي مثل بعضها ، لا يوجد عمال لنظافة الدار فقد كنا عمالا للدار ، أيضا الخدمة كانت ذاتية ، نحن ننظف والأكبر قليلا هم من يعدون الطعام ، لن أحدثكم عن الطعام الذي كنا نأكله ، فقد كان يبيت بالثلاث أيام ونأكله حامضا مجبرين عليه.
ذات يوم حاول أحد نزلاء الدار الأكبر سنا التحرش بأصغرنا سنا ، ولكن أحدا لم يتصدَ له حتى المدير لم يشغل به بالا ، صرخات الطفل كانت تقتلني ، ف**رت زجاجة مشروب غازي كانت لأحد الموظفين وقتلت بها المتحرش.
وهنا بدأت التدخلات ، أن يغتصب أحدهم شيء طبيعي ، أن يسلب شرفنا بالداخل لن يهمهم ، كل ما يهمهم ألا يقتل أحد تحت مسئوليتهم ، خصوصا وأنهم سيسألون عن الأعداد ، أما عن الشرف والأعراض فلا شرف لنا ، فنحن كما قال أبناء العاهرات
قتلته ولم أندم قط ، حتى حين ظل يضرب في ويعذبني ، لم أشعر سوى بلذة الانتصار لأنني شعرت بأنني أفضلهم.
ربطني في رجل أحد المضاجع بحبل سميك كمشنقة عشماوي ، معتزما أن يبلغ عني في اليوم الذي يليه ، ذهب وأوصد الغرفة علي وحدي ، أظن أنه قصد أن يربطني بذلك الحبل كي يخبرني بأني سأشنق ، ولكن شاء القدر أن يفتح باب الغرفة ، لأجد أن الطفل الذي أنقذته يحاول إخراجي من محبسي.
وجدته يمسك زجاجة م**ورة ويحاول قطع الحبل ، أعاد محاولته مرارا وتكرارا حتى نجح في قطعه ، ابتسم لي ثم احتضنني وهمس في أذني قائلا: إذا استطعت أن تخرجني وإياك من هنا فافعلها.
فكرت لدقائق فلم أجد أية فرصة للخلاص ، السور وأسلاكه الشائكة المتصلة بالكهرباء ، الحراس والمشرفين.. ولكن الموت لأهون مما أنا فيه.
أخبرته بأمر السور كي لا يفكر أن يهرب عن طريقه ويموت ، لقد كان صغيرا أكثر مما ينبغي !
- فكر قليلا ثم ابتسم وهمس قائلا: لم يعد السور خطرا ، أنت تقول أنه يحدث شررا إذا لامس بعضه البعض ، ولكنه لم يعد كذلك.. منذ يومين السماء امطرت ولامسته الماء ، ولم يحدث أي شرر لقد تمنيت أن ينقطع من الماء ولكنني كنت أبله.
- سألته: أكنت تفكر في الهروب من قبل؟
- أخبرني بأن اسمه يامن ، ولكنه ليس صغيرا كما أعتقد ، هو فقط مصاب بمرض التقزم لذلك يعتقدون بأنه صغير ، هو في السابعة عشرة من عمره رغم ذلك يظنه الكثيرون أنه لم يتعدَ العاشرة ، ولطالما حاول أن يثبت ع** ذلك ولكنهم لا يصدقونه.
علميا إن أثبت ذلك فسيخرج بعد سنة ، ولكن من يهمه أمر فتى في الملجأ؟!
في تلك الليلة كان الجميع في مضاجعهم نائمين ، الكل مطمئن ، فلا أحد يظن أن فتى في العاشرة مثله ، وفتى مثلي في الخامسة عشرة سيهربان من فوق أسلاك شائكة؟!
طلب مني أن أصعد أولا ، شككت في أمره ، فأخبرني أن أحاول ألا ألمس السلك الشائك ، حينما صعدت صعد خلفي ، ثم إذ به يحتضنني ، لامست يدي السلك فدوت الكهرباء به هو.
- بصوت مكبوت قال: لقد صعقتني الكهرباء أكمل الخطة فلا وقت لنجاتي ، هذا رد لجميلك ، أهرب.
قفزت أعلى السور وتلك كانت المرة الأولى التي أرى بها العالم الحقيقي ، سرت في الطرقات بلا ورق وبلا هوية ، لا أعرف أحدا ولا أحد يعرفني ، كانت الساعة تقترب من الواحدة صباحا ، اشتد البرد حتى ارتعشت أوصالي ، كنت أرتدي زي الملجأ القطني؛ بنطالا أبيضا وقميصا طبع عليه اسم الملجأ ، إذا لاحظه أحد بالتأكيد سيعرف أنني هارب.
ظللت في الطرق تارة أمشي ، وتارة أجري بلا أي وجهة ، حتى وجدت مجموعة من الناس متجمعة في مكان ما به كراسٍ كثيرة ، يضحكون ويلعبون ، وآخرين ممسكين هواتف محمولة كالتي كانت في أيدي مدير الدار والموظفين ، كانت لها لافتة كتب عليها (قهوة دعبس).
جلست بجوارهم ، فجأة دخل رجل متسائلا: أي مشروب تحب أن أقدمه لك؟
- قلت: لا أعرف ، مثلما تحب.
- ضحك ، ثم نظر إلى ملابسي بريبة ثم سألني: من أين أنت؟ فلم أجد إجابة ترددت كثيرا.
- فسألني: ما اسمك؟
-
قلت: جاسر.
- فسألني: أين كنت قبل أن تأتي هنا؟
ترددت فنادي على رجل آخر يبدو عليه الوقار ، كان يبدو أنه صاحب المكان ولكنه وقور أكثر مما ينبغي ، سألني؛ هل كنت في الإصلاحية؟ ورغم أن كلمة الإصلاحية ترددت على أذني مرة واحدة مند ساعات ، إلا أنني لم أكن أعرف معناها.
- قلت: لا لقد كنت في الملجأ ، وصدقني لا أعرف طريقا للرجوع إليه ، ولا أريد الرجوع إليه مرة أخرى.
طلب مني أن أحكي له ما حدث ، فأخبرته بكل شيء عدا أني قتلت ، شكرني على شجاعتي ثم احتضنني ولم أكن جربت ذلك الإحساس من قبل.
- سألني: هل تريد أن تعمل معنا؟
- فأجبت: لا أعرف ، ولكنني جائع ، فهل يوجد طعام؟
أخبرني أنني ضيفه لمدة ثلاث ليالٍ ، سأكون ملازما لهم في هذا المقهى حتى أتعلم كيف يعملون ، ثم أعمل وأ**ب رزقي ، لقد كان رحيما جدا علي ، ولكن الرياح دائما تأتي بما لا تشتهي السفن ، فذات يوم جاءنا زبون ، قدمت له مشروبا فالثاني ، وظل ينظر إلي ، ثم ناداني فلبيت ندائه ، سألني؛ أنت جاسر؟
- أجبته بترددي المعتاد: نعم.
أجابني بأنه يعلم أين كنت ، بل يعلم كل شيء عني منذ ولدت.
- سألته: كيف؟
أخرج من جيب بنطاله صورة رضيع أعطاني إياها ، سألني ، هل تعرف لمن تكون تلك الصورة؟
فطال صمتي ، فابتسم لي ثم ربت على كتفي ، سألته لم أجبك ولا أنت بمجيب حتى الآن ، الحل الوحيد أن تكون تلك الصورة لي ، ولكن لو كانت لي كما خمنت ، فلماذا لم يسأل عني أحد من قبل؟!
أهناك صدفة تجمع الأهل بابنهم عن طريق مقهى بطريق واعرة ، بعد أكثر من خمسة عشرة عاما؟ لا أظن.
طلب مني أن أكمل ولكنني صمت كثيرا ، عاود ابتسامته ، ثم أخرج أوراقا تثبت أنه كان سجينا قبل أكثر من خمسة عشر عاما ، أخبرني أنه سينتظرني حتى أكمل دوام يومي ليقص علي ما حدث.
ظللت أفكر هل كان أبي؟ لكنه لا يشبهني إطلاقا ، انتهى الدوام أخيرا ووجدته ينتظرني بسيارة ، ركبت معه وظللنا صامتين حتى وصلنا إلى مطعم شرقي ، طلب لي طعام لم أذقه من قبل ، كنت أتناوله بنهم ، لم يتناول شيئا منه ، فقط كان ينظر إلي مبتسما كنظرة أب اشتاق إلى ابنه كثيرا ، وأنا آكل حتى أتيت على كل ما على الطاولة ، ثم تجشأت فضحك كثيرا على فعلتي ، فضحكت أيضا فتلك كانت عادتي.
بعدما طلب كوبان من الشاي ، أخرج من جيب بنطاله صورة لرجل وامرأة يشبهانني كثيرا ، أخبرني أنهم والداي ، تزوجا منذ وقت طويل ، كانت حياتهم هادئة حتى توفيا في حادثة سيارة.
- فنظرت له ثم تساءلت: ولكن كيف نجوت من الحادثة؟
- أجاب: لقد تركتك أمك مع أبيها ، فطمع بثروة أبيك وألقاك بالشارع ، حتى انتشلك رجل ما وأودعك في الدار.
- بكيت كثيرا ، أهذا العالم الخارجي الذي حلمت بالولوج إليه؟ ربما بالداخل أرحم من الخارج ، فبالداخل غابة صغيرة نستطيع فيها حماية أنفسنا ممن يشبهونا ، أما بالخارج فغابة كثيفة لا ندري ، لها بابا حتى آخرها لا نعرفه ، سألته: من أنت؟
فأخبرني أنه من انتشلني قديما ، فعاودت سؤاله وكيف عرفت حكاية جدي؟ فأجابني بأنه رآه حين ألقاني ، ولكنه خاف أن أصبح قتيلا له ، فالملجأ خيرا لي من رجل لا قلب ولا دين له ، أما حادثه أبي وأمي فقد عرفها من الأخبار بالتلفاز نظرا لرفعة شأن أبي.
امتلأ قلبي غيظا على البشر أجمعين ، فكانت كلماته ساحرة بل مهونة جدا ، أتريد أن تنتقم من جدك؟
- قلت: نعم.
- قال: لا ، فقتله لا يجدي نفعا هو بالفعل سيموت ، ولكن الأفضل أن نأخذ أعز ما يملك؛ ثم أردف قائلا: جدك حين استولى على مالك ، تزوج من فتاة تصغره بثلاثون عاما أي في عمر أمك حينها ، وأصبح لديه أبناء ، سنحرق قلبه بقتلهم أجمعين.
أحببت فكرته أكثر مما يجب فطاوعته ، مر يوم والثاني حتى وجدته أمامي في محل عملي يبتسم لي ، اقتربت منه فأخبرني بأنه أتم الانتقام لي.
سألته حينها لما لم يتركني أفعلها بنفسي ، أجاب بأغرب إجابة قد أتوقعها ، إذا طلبت من الشيطان أن يقتل لك شخصا فمن القاتل؟
- قلت: الشيطان.
- قال: لا عقلك ، الشيطان ربما يوسوس لك ، ولكن دون إرادتك لن يفعل شيئا ، كنت أريد عقلك فقط ، ولذلك فقد انتقمت لنفسك أما أنا فكنت مجرد آلة ، أوفيت حقك صغيرا وحقك حين كبرت.
سألته هل هو شيطان ، فأجابني بأنه ليس شيطانا ولكنه مجيب للدعوات فقط ، ينفذ ما نريد لإسعادنا ، ثم مر من جانبي بسيارته ولم أره بعدها.
مرت سنة ، كانت أحلامي تتلخص في ثلاث شباب من سني ، أراهم كل يوم وهم يتساءلون لما قتلتنا؟! انقلبت حياتي إلى كابوس واحد ، تلك الرؤيا لم تتركني ، كنت أسير بين الناس فأراهم يتهامسون قائلين: ها هو القاتل.
مما جعلني أفكر؛ بما أنني أصبحت قاتلا فلماذا لا أقتل؟!
كنت أحاول كظم غيظي وإبعاد تلك الفكرة عني ، حتى أنني قمت بزيارة طبيب نفسي ، وأخبرته بكل شيء ، أبدى تعاطفه معي ، ثم أخبرني بطريقة علاج جديدة تشبه طريقه علاجك أيها الطبيب ، ولكن بصورة مختلفة؛ إن من يخطئ يعاقب ، من ينعتني بالقاتل يقتل ، كل ذلك مقابل ثمن الكشف فقط.
كنت أمر بين الناس وكأني مراقب ، أختار فقط من يزعجني فيختفي بعدها ، يأخذه أحد ما لمكان ما ، حتى جاء ذلك اليوم الذي علا صوتي فيه قائلا: لم أعد أريد هذه الحياة ، لا أريد المزيد من الموتى ، لن يقتل أحد بعد الآن ، سأكون الأخير.
لقد كانت لعنة ، ولكنني اكتشفت ذلك بعدما حاولت قتل نفسي بثوانٍ قليلة ، غبت عن الوعي ثم وجدتني هنا ، وطبيب أبله مثلك يريد أن يكرر ما فعله ذلك الطبيب ، ترى هل ستقتل الآخرين مثله؟!
ابتسم مصطفى ، ثم ربت على كتفه قائلا: يبدو أنك نجوت من موت محقق ، لا أعلم هل مت كما قلت سابقا وهذه روحك ، أم أنك نجوت ، كل ما أعرفه ، أنك ذا قدرة لا يجب الاستخفاف بها ، وهذا ما أريده.
نظر الكل نحو جاسر والطبيب ، حتى غادة أطالت النظر إليهما ، ربما لم أفهم شيئا ، ولكنني أعلم أن الليلة ستكون مليئة بالمفاجآت ، لا أظن أنه حي فوجهه الشاحب ونظرته للطبيب لا تبشران بخير..
وكأن الدائرة تدور بنا وكأننا في حلقة ملتهبة ، رفع أحدهم يرفع يديه ، إنه ذلك الشاب الأشقر ذو الملامح الأوربية ، أذن له الطبيب بالكلام ، فابتدأ كلامه بابتسامة بلهاء ، لا تخرج سوى من مريض نفسي أو شخص بائس محبط ، تحدث أخيرا قائلا:
لن أعرفكم بنفسي لأنكم لن تصدقوني ، فقد أتيتكم من فيلم أجنبي عرض عليكم مرات ومرات وقد استمتعتم به ، ولكنكم لم تدركوا أنه كان مجرد إسقاط أو ارتجال على حياة قد عشتموها ، أو ربما تمارسونها يوميا.
أعلم أن في عصركم من يتكلم يدخل المعتقل المظلم ، ولكن داخل فيلمنا المعتقل له شكل آخر ، تقام قرعة (بضم القاف) لأكثر شخص ابتاع أكلا من الأسواق ، أي أنهم يحسبون علينا طعامنا ، فيقول
أنا كنت بطلا في فيلم (the hunger game) من المقاطعة الثالثة عشر ، اختاروني ذات يوم أنا وفتاة من ذات المقاطعة ، في العام التاسع بعد الثورة التي يسمونها ثورة الخيانة ، لأخوض تلك الأل**ب كي تهنئ (بنام) بسلام دائم ، قبل أن أحكي لكم ما هي لعبة الجوع ، سأخبركم ما هو الجوع؛ أن تختفي أنهاركم ولا تجدون ولو رشفة واحدة تروي عطشكم ، أن يختفي الخبز من بلدانكم ، أن تنتهي صلاحية العملة وترجعون لعصر المقايضة ، ربما تضطر بأن تبيع أعز ما تملك مقابل رغيف من الخبز ، أن تصبح بناتنا جوارٍ لمن يدفع قوت يوم ، حتى لا يموت الباقون ، ربما حزرتم سبب اختيارهم لي لأكون داخل تلك اللعبة ، أجل لأني أتحدث كثيرا.
البعض أن الشخص البدين عبء على المجتمع ، رغم أن الحاكم ، وصانعوا الألعاب