- كريم: أهلا أهلا أهلا بأعز الحبايب أهلا .
- ضحكت بخفة قائلة: من يرى تفكيرك وعقليتك وذوقك الراقي ، لا يقول أنك أحيانا تشبه الأطفال في أفعالك.
- كريم: ومن قال لك أنني لست طفلا! الرجل الحقيقي بداخله طفل يلهو دائما ، الرجل خليط بين النخوة والجدية والطفولة.
- وداد: ومن أنت من بين كل هؤلاء؟
- كريم: سأقول لك ، تظهر نخوتي ورجولتي وقت غيرتي عليك عندما ينظر إليك أي شخص نظرة واحدة ، أما طفولتي فقط تظهر وأنا أحتضن منكبيك بيدي.
- وداد: ولكنني لست بحضنك ، وضحكت ومزحت معي كالطفل الصغير.
- كريم: من قال لك أن الحضن ملموس فقط ، الكلمة حضن همساتك حضن ، تن*داتك حضن ، وقتما أقول لك أحبك حضن ، ولكن الحضن الملموس فسيحدث قريبا جدا.
- وداد: أراك تحلم يا عزيزي ، فما تقوله لن يحدث أبدا ما دمنا لم نتزوج بعد.
- كريم: أنا أهاتفك الآن لأني أحضر لك مفاجأة.
- وداد: وما هي المفاجأة؟!
- كريم: أنظري من شرفة غرفتك الآن.
نظرت من شرفة غرفتي وجدت الشارع بأكمله مليء بالزهور والبيوت مزينة ، سواء بصور لي أو له ، رفعت نظري فإذا بكريم في الشرفة التي أمامي واقفا على سلم خشبي ، ويطلب مني ارتداء أجمل فستان لدي تحضيرا للمفاجأة ، ظللت أضحك بهيسترية ، فأنا أعرف أن كريم شقي ومرح وأيضا مجنون ، ولكن ليس لهذه الدرجة.
- أعطاني مجموعة من الأزهار قائلا لي ، للمرة الثانية: هيا ارتدي في خمس دقائق أجمل فستان لد*ك ، المأذون بالطريق.
- وداد: هل أنت مجنون يا كريم ، لماذا السرعة؟! أولا والدتي لا تعرف شيء وثانيا أنا...
- قاطعني كريم قائلا: والدتك تعرف ، لا تندهشا ،فهي قد نزلت من ساعات حتى تتقابل مع والدتي.
وبالنسبة للفستان افتحي الباب ستجدين عروسة ماريونيت صغيرة تشبهك كثيرا ، صممتها خصيصا لك ، ، لأنك بنظري أجمل طفلة.
ذهبت لأرى ما قاله لي وبالفعل وجدتها ترتدي فستانا ورديا ومزينة بالزهور ، لقد كانت حقا تشبهني وكأنها نسخة ثانية مني ، ضممتها إلى ص*ري وأنا أبكي من الفرحة ، وجدت هاتفي يصدح وكان بالطبع كريم لا غيره.
- كريم: صممت هذه العروسة أول يوم رأيتك به ، كنت دائما أضمها إلي والآن أنت تضمينها ، هل رأيت من قبل ملاكا يضم ملاك؟
- وداد: لا لم أر ، ولكن بعد كتب الكتاب ، سأرى إنسانة تضم ملاكا ، أحبك كثيرا يا كريم أحبك ، حقا أعشقك وأعشق حبك لي.
- كريم: وأنا أعشقك ، أعشق همسك ، أعشق حديثك ، أعشق هدوئك ، أعشق سكونك ، أعشق خجلك ، أنت أحن وأرق وأطيب ملاك رأيته في حياتي.
تم كتب الكتاب وكانت حفلة بسيطة للغاية ، وكان قرارنا هو عدم إقامة حفل زفاف ، يكفي سعادتي مع كريم هو ابني ووالدي وكل شيء.
كريم بالنسبة لي لم يكن مجرد زوج كان الروح قبل الجسد ، اتفقنا على أن نعيش مع والدته ووالده ، وأيضا قرار آخر وهو بتكلفة الزفاف ، سنذهب لفندق ونقضي شهر العسل ، وكان الاستقبال بالفندق خياليا أو أسطوريا كما يُقال ، شعرت أنني ملكة على عرش قلبه.
وأخيرا أصبحنا وحدنا ، كنت خجلة ومتوترة للغاية ولكنني متشوقة أن يضمني له ، جلسنا سويا نأكل وأجلسني على فخذيه و بدأ يطعمني بيده.
- كريم: هل تعلمين؟! منذ زمن وأنا أتمنى هذه اللحظة؟
احمرت وجنتي ونظرت تحت قدمي من الخجل.
- فأكمل: أنت خجلة الآن ، ولكن أكاد أجزم أنك بعد يومين فقط من زواجنا سيتذمر الجيران من صوتك ، ربما أصحوا من النوم لأجدك قد أكلتِ ذراعي.
ضحكت على إثر كلماته ولم أتكلم .
- كريم: أتعرفين منذ وقت طويل وأنا أحلم أن نرقص سويا رقصة هادئة.
- وداد: وأنا أيضا أحلم بذات الحلم.
أمسك كريم بيدي فأغمضت عيني واستسلمت ، حملني بين يديه وشعرت وكأني أطير متناسية خجلي ، وكأن السماء وضعت لي جناحين ، أنزلني ثم بدأنا الرقص على أغنية (وأنا بين إيد*ك) قربني إلى ص*ره ، ثم احتضني بقوة وأنا لا زلت مغمضة العينين أحلم فقط.
كانت تلك أجمل ليلة قضيتها في عمري ، فقد كان كريم العوض من القدير ، مر ما يسمى بشهر العسل ولكن معنا لم يكن شهرا ، بل كان شهرين قضيناهم في جنان عدن فوق السحاب ، انتهت إجازته واضطر أن يتركني حتى يهتم بعمله ، كنت أشتاق له كثيرا وأتصل به في اليوم آلاف المرات.
حتى حدث ما كنا نتمناه فقد رزقني الله بأجنة في رحمي ، نعم أجنة ، لم يكن جنينا واحدا لقد رزقني الله بثلاثة أطفال؛ كريم ، عمار ، ومحمود ، قررت ترك عملي لأتفرغ لهم وهذا ما حدث ، كانت الأيام تمر برتابة وفرح ، ولكن الفرحة أبت أن تكتمل ، ذات يوم شعر الأولاد بالمرض ، فأخذنا سيارته لأقرب طبيب ، كان يقودها بسرعة جنونية والساعة تقترب من نصف الليل ، وفجأة رأينا شجرة ملقاة بحرفية في منتصف الطريق تمنع حركة السيارة.
- نظر إلي كريم ثم قال: ما هذا؟ إنه كمين.
- وداد: تقصد أن هناك خطر علينا؟
- كريم: لا تقلقي ، لن يجرؤ أحد أبدا أن يمسسنك بسوء ما دمت حيا.
رجع كريم بسيارته للخلف ، فوجد أشخاص كثر في أيديهم أسلحة نارية يصوبون أسلحتهم تجاهنا ،
- كريم: اخفضي الأولاد في دواسة السيارة.
صرخت بهيستيريا من شدة الخوف ، صرخ بي كريم بدون وعي منه: هيا أسرعي ، لا وقت للبكاء.
استطاع كريم أن يعود للخلف بسرعة جنونية وأفلتنا منهم ، ولكن فتحوا النار علينا من كل حدب وصوب ، وبعد وقت ليس بالقليل ابتدأت السيارة بالدوران بنا شمالا ويسارا حتى فقدت توازنها وانقلبت بنا.
فتحت أعيني وأنا أتأوه ، وجدت أمي والعم محمود وزوجته وقد تغيرت ملامحهم كثيرا ، وكأن ألف عام قد مروا وكان معهم طفلين ، عمرهما بين الرابعة أو الخامسة ، كانت الرؤية ضبابية.
حاولت النطق ولكن لساني كان ثقيلا إلى حد كبير ، فجأة ابتسم الجميع وعلت الزغاريد من فم أمي وأم زوجي.
- سألتهم بنبرة ثقيلة: أين كريم والأولاد.
لم أجد أية إجابة منهم أعدتها ثانية وثالثة ، حتى قالت أمي: حمدا لله على سلامتك يا صغيرتي ، كريم الآن في ذمة الله وأنت فتاة مؤمنة.
كدت أن أصرخ ، ولكن صوتي المهزوز أبى أن يخرج ، فبكيت في صمت وكل ذرة مني متعبة ، لقد فطر قلبي حينها غبت عن الوعي لوقت ليس بالقليل من شدة الألم النفسي ، كانت أحلامي تتلخص في شخص واحد وهو كريم ، كل لحظة مرت بنا في الحادثة رأيتها تتكرر مرارا ، علا صراخي كثيرا ولكن بصوت مكتوم ، فتحت عيني ثانية لأجد نفس المشهد يتكرر ، وأنا في غرفتي في ذلك المستشفى.
نظرت أمي إلي وهي دامعة العين: لماذا تفعلين هذا بنا؟ لقد مر على تلك الحادثة خمس سنوات ، ألا يكفي خمس سنوات من الوجع والقهر ، خمس سنوات من فراقنا ، اشتقت إلى حديثك يا صغيرتي ، اشتقت إليك ، اشتقت أن أضمك.
تناسيت كلماتها وكل تركيزي كان على خبر موت حبيبي ، هل حقا مات؟ ألن أسمع صوته ثانية؟ ألن أراه؟ ألن يضمني إلى ص*ره؟ ألن.. ألن..
بكيت كما لم أبكِ من قبل ، حينها تذكرت أولادي ، سألتها عنهم ، أشارت إلى الولدين الجالسين معها: هذان كريم وعمار أولادك ، ألا تري كم هما جميلان؟
-وداد: ولكن أين محمود؟
- الأم: لقد كانت حرارته مرتفعة للغاية يوم الحادثة ، فلم يستطع الأطباء إسعافه حينها ، وتوفي.
- وداد: لله الأمر من قبل ومن بعد ، لله الأمر من قبل ومن بعد...
- الأم: لا تحزني يا صغيرتي فتلك إرادة القدير.
- وداد: هل لك أن تتركيني يا أمي ، أريد أن أختلي بنفسي.
- الأم: معذرة يا ابنتي أعلم بأن أخباري سيئة ، ولكن لا أريد أن تكوني وحيدة.
- وداد: معذرة يا أمي ، لبي لي رغبتي رجاء.
- الأم: حسنا يا صغيرتي.
تركتني أمي مع أطفالي ، نظرت لهم وأنا حزينة ، لقد ضاع كل شيء زوجي كان كل ما لدي ، لقد كبرا دون أن أضمهما إلى ص*ري ، حرمت من كل شيء يجعلني أشعر أني أم لهما ، استشعرت منهما نفور أو ربما خوف مني فهما لا يعرفانني ، وتلك كانت البداية.
ومرت الأيام والنفور يزداد ، كلما حاولت الاقتراب خطوة كانا يبتعدان خطوتين ، الفجوة بيننا تزيد مهما حاولت ، عدت إلى عملي وانغمست به ، حتى لا تحدثني أمي ثانية في فكرة الزواج مرة أخرى ، فأنا لا زلت أعشق كريم ولن أصير زوجة لغيره مهما حدث.
ومرت السنوات حتى أكملت الخامسة والأربعين من عمري ، وانقطعت الدورة الشهرية مما يدل على أنني وصلت لسن اليأس ، شعرت بالغثيان وبألم شديد أسفل معدتي وتلك كانت أعراض توقفها ، وذات مرة شعرت بألم شديد وأنا أزاول مهنتي ، فوقعت في إغماءة ، لا أدري كم من الوقت مر ، ولكنني استفقت لأجدنني ملقاة على سرير أبيض وطبيب يقف أمامي مبتسما.
- الطبيب: حمدا لله على سلامتك.
- وداد: سلمك الله ماذا حدث؟
- الطبيب: إغماءة بسيطة ولكنك بخير ، ولكن هل لي أن أسألك عن شيء خاص؟
- وداد: تفضل.
- الطبيب: هل أنت أرملة؟
- وداد: نعم أنا كذلك ، ولكن لماذا السؤال؟
- الدكتور: هناك شيء لم أستطع تفسيره ، هل لك علاقات جنسية؟
- وداد: ماذا تقول أيها الطبيب ، أنا طبيبة وكبيرة بالعمر كيف تجرؤ أن تسألني سؤال مثل هذا!
- الدكتور: أنا آسف جدا ، ولكن نتائج الفحص أثبتت أنك تحملين بداخلك جنينا ، أعدنا الفحص مرة فالثانية وعندها تأكدنا من النتائج ، حينها شعرت وكأني على شفا حفرة من الجنون ولم أجد تفسيرا لحملي.
- فقطع الطبيب حبل أفكاري حين قال: نحن ليس لدينا أية شك في أخلاقك ، ولكن هناك سؤال ليس له إجابة سوى عندك ، هل شربتِ مؤخرا مشروبا عند أحد الأصدقاء ففقدتِ الوعي ، لربما تعرضتِ للاغتصاب ولم تدرِ لأنك كنتِ في سبات!
ظللت أفكر ولكنني في الطبيعي لا أبيت خارج بيتي ، ربما ذلك الكوب الذي يعطيني إياه ابني قبل خلودي للنوم ولا أفيق إلا في صباح اليوم الثاني؟! أيعقل أن يفعل بي ابني هذه الفعلة!
شرحت للطبيب ما يجول في خاطري ، فنصحني أن أتعامل معهما بشكل طبيعي ، وأن أتصنع شربي للعصير المقدم منهما ، واصطنع النوم لكي أرى ماذا يفعلان بي.
وكان ما حدث هو الطامة الكبرى ، في المساء قدما لي العصير كالعادة ، فدلفت إلى غرفتي وأنا ممسكة بها ، وسكبتها من شرفة غرفتي ، وبعد نصف الساعة وجدتهم يدلفون إلى غرفتي بخطوات بطيئة ، يتحسسون طريقهم لكي لا يوقظوني.
همس الصغير باسمي فلم أجبه ، فظن أني غططت في سباتي ، وجدتهما يتقاتلان فيما بينهما عمن سيلمس جسدي أولا.
أيعقل أن يكون أبنائي بتلك الحقارة ، لو كنت ربيت كلبا لصار وفيا ، إن الخنازير أشد طهارة من بنوا آدم.
انتظرت حتى أصبحا عرايا كما ولدتهم أول مرة ، ثم ضغطت على زر الإضاءة حتى يعلما بأني متيقظة ، ظلا ينظران إلي والصدمة تعتلي قسمات وجهيهما لا يحركان ساكنا ، حينها وقفت وأسرعت إلى باب غرفتي وأغلقتها بإحكام ، وهما فقط ينظران إلي بإحراج ، سكبت على أرضية الغرفة الكثير من المواد القابلة للاشتعال حتى نحترق جميعنا أنا وهما وما أحمله في أحشائي.
ظلا يجريان يمنة ويسرة أمامي وأنا أحترق معهما ، ولكنني كنت أشعر بلذة الانتقام ، استيقظت لأجدني هنا مع أشباه بشر يتساءلون عن سبب جنوني ، لست مجنونة كما تظنون ، ولكن في العالم الحقيقي من هم أجن مني ، لا زلت لا أعلم كيف وصلت إلى هنا ، فهل لا زلت على قيد الحياة؟