لا فرق في الحياة ما بين القوي و الضعيف ، المكتوب هو ما يلقاه الشخص مهما كانت قسوته و مرارته ، لم تُعرف الحياة بالرحمة ابداً ، فهى تقسي على صغيرها قبل كبيرها
...........................
في إحدى الاحياء الشعبية الفقيرة المعروف عن اهلها الطيبة و الأُلفة و تحديداً احدى البيوت القديمة المتهالكة المكونة من طابقين لا اكثر نجد سعاد ربة منزل بسيطة لا يتعدى سنها الثلاثين عاماً تقوم بالاعمال المنزلية اليومية المعتادة ، يشغلها التفكير فيما ستعده لغداء اليوم و ماتحتاجه من مكونات ... و بعد الاستقرار على اعداد وجبة السمك المفضلة لدى زوجها جلست قليلاً بإبتسامة رضا على وجهها تسترجع حياتها و التى تتمحور حول شخصين لا اكثر فهما من بقى لها فى هذه الحياة زوجها الحبيب احمد و ابنتها الصغيرة مريم والتى ملأت البيت بهجة و سعادة بعد زواج استمر لمدة ثلاث سنوات دون انجاب ليرزقهم الله بمريم بعد ذلك و قد كانوا فقدوا الامل تماماً
و بمجرد ذكرها نراها تأتى بصخبها المعتاد ، تدلف من الباب مسرعة الى حضن والدتها بعد غياب يوم كامل فى مدرستها فهى فى سنتها الثالثة بالمرحلة الابتدائية لتستقبلها والدتها بعناق عميق
مريم بصوت طفولى : امي اشتقت لكي كثيراً لما لم تأتى لإحضاري اليوم انتي وعدتينى بذلك ...... اين ابي ؟ أما زال بالعمل ؟ .... انا جائعة ....... امي انا ...........
سعاد مقاطعة بإبتسامة : كفاكي ثرثرة ..اباكي مازال بالعمل اذهبي الآن الى غرفتك بدلي ثيابك و سأحضر لكي طعاماً ...هيا اسرعي
ذهبت مريم الى غرفتها سريعاً فى حين توجهت سعاد الى المطبخ لتعد بعض ال**ندويتشات فهى لم تنتهي من اعداد الغداء بعد
سعاد بصياح : مريم ... ميما .... هياااا الطعام جاهز
مريم بصراخ : آتية
تأتى سريعاً لتناول الطعام لتستوقفها والدتها قائلة
سعاد بحذر : هل اخذتى علاجك ؟ ...بالطبع لم تفعلي هيااا اقتربي هنا لن تهربي مني
مريم بتذمر : لا هذا مؤلم ...لا اريد
سعاد وبيدها حقنة تضع بها بعض الانسولين مقتربة من مريم
سعاد : هيا مريم لن نعيد قصة كل يوم لا مجال للرفض اعطيني يدك هياااا
لتحقن يدها وعلى وجهها علامات الحزن والشفقة على ابنتها التى لم تتعدى السبعة سنوات ومصابة بمرض السكري منذ ولادتها .. فى حين ارتسمت معالم الالم على وجه مريم الطفولي
سعاد بإبتسامة : هيا الآن يمكنك تناول طعامك
لتومأ الصغيرة والدموع بعينيها وتشرع بالاكل ولم تنسى بالتأكيد سرد كل تفاصيل يومها بالمدرسة كعادة كل يوم
فى مكان آخر بإحدى شركات الاستيراد و التصدير
احمد بصراخ: ماذا تقصد بالإستغناء عن خدماتى ؟ عشرة سنوات اعمل بالشركة والآن تخبرني بكل بساطة عدم حاجتكم لى بعد الآن
سمير : سيد احمد لا علاقة لى بالأمر هذا قرار من الادراة بتسريح بعض العمال
أحمد : هذا قرار تعسفى لن ا**ت على هذا الظلم
سمير بشفقة : نصيحة منى لا تُصعد الامر الى الادارة ... ان فعلت هذا لن تحصل حتى على مكافئة نهاية الخدمة وسيكون قرار بالفصل بدلاً من هذا
ليتهاوى على المقعد بإستسلام
احمد بضعف : هذا ظلم .... ماذا افعل ؟ لا مص*ر دخل لى ولبيتى بعد تركي العمل هنا .... كيف سأنفق على ابنتى وزوجتى .... رحماك يا الله
سمير بتعاطف : ربك كريم و يعطيك من حيث لا تدري فقط توكل على الله وارضى بنصيبك ... سأحاول جاهداً ايجاد عمل لك قريباً ... فقط الآن حاول الاقتصاد فى إنفاق نقود المكافأة وسنرى ما يحدث فيما بعد
ليومأ هو ويغادر المكتب متخاذلاً الى الخزنة لأخذ مستحقاته
يصل الى منزله يبدو عليه الحزن والانهاك والكآبة لتستقبله زوجته بوجه بشوش لكن سرعان ما تلاحظ حزنه فتتلاشى تلك الابتسامة سريعاً وتتجه اليه بقلق لتحدثه ... لكن يسبقها جسد طفولى مر سريعاً بجانبها ليهجم على جسد زوجها ويتلقاه هو فى عناق عميق بث فيه حنان واشتياق
مريم بسعادة : واخيرااااا اتيت .... لكنك متأخر عن ميعادك نصف ساعة كاملة ... اين ذهبت ؟؟ اعترف الان
احمد بضحك : بل انتى من سيخبرني ... هل تبادلتى الادوار مع والدتك ؟ ..... الا يجب عليها هى سؤالى هذا السؤال ام ماذا؟
مريم ببراءة وتلقائية : بل يجب على انا سؤالك .... انا احبك اكثر منها ... كما انك اخبرتنى ان لى حق عليك اكثر منها ..... ثم اخذت تعد على اصابعها الصغيرة ..... انا من صلبك و احمل اسمك .. هى تسمى سعاد محمد البكري وانا مريم احمد على البنداري وانت احمد على البنداري
ليقهقه هو و سعاد بسعادة
احمد بفرح : تأخذين كلامي ضدى ..... حسنا لقد اقتنعت ... لد*كي كل الحق فى سؤالي
ليقبلها بقوة فتبادله هى الاخرى قبل ان تتركه سريعاً متجهة الى غرفتها وتستكمل اللعب بعرائسها
احمد بضحك : انتظرى سنة اخرى و ستُعلمكِ استجوابي وكل ما ينقصك من صفات المرأة المصرية الاصيلة ...... وانا فليكن الله معي وقتها
سعاد : ابنتك تحمل كل خصالك ألا تتذكر كيف كنت فى طفولتك ؟
أحمد بحنين : بلى اتذكر
لت**ت قليلا ثم تردف
سعاد بجدية : والان اخبرني ما بك ؟ لا تبدو بخير
يذفر هو بقوة و يجيب
أحمد بحزن : لقد استغنوا عنى ..... تم تسريحي من العمل
سعاد بدهشة : اتقصد انهم فصلوك ؟
أحمد بسخرية : ليس بالتحديد فقط اعطونى مكافئة عشرة الاف جنيه واستغنوا عن خدماتى
سعاد : وماذا نفعل الان ؟ انت تعلم لن نستطيع الاعتماد على هذا المبلغ لفترة طويلة ... تكاليف المدرسة وعلاج مريم هذا غير اعباء المنزل
أحمد بتعب : اعلم كل هذا لكن لا شيء بيدي ... بدءاً من الغد سأبحث عن عمل آخر وليوفقنى الله
سكتت قليلاً ترى حزنه و انهماكه فى التفكير لتلاحظ انها تزيد عليه احماله فقررت تهوين الامر قليلاً حتى و ان كان فقط ببعض الكلمات
سعاد : لا تقلق سيدبرها الله بمشيئته... هو لن يتخلى عن عباده المؤمنين فلندعو الله و نقدم ما فى استطاعتنا ونترك الباقي عليه وحده القادر على حلها ...... لتكمل بإبتسامة ........ هيا انهض واستحم حتى احضر الغداء .... انتظرناك طويلاً اليوم
كادت تنهض من جانبه لكن استوقفتها يده ليضمها بين احضانه بحب ويهمس لها
احمد : أدامك الله لى ... لولاك لكنت الآن غارقاً بأحزانى و همى ... فليحفظكم الله انتى و مريم ... انتم من تحييون حياتى وتملئونها بالسعادة
لتبادله هى العناق و ينهضا بعد ذلك هي لتحضير الغداء و هو للاستحمام
تمر الايام سريعاً حتى مضى على تلك الاحداث شهران كاملان لم يستطع فيهم الحصول على عمل مناسب
احمد بتعب : شهران ولا جديد ان استمر هذا الحال لن نجد ما يسد حاجتنا
سعاد بإحباط : لا ادري ما الحل لقد بحثت انا الاخري عن عمل لكن لا نتيجة ....مالعمل الآن ؟
احمد : لا اعلم .... لكن هناك شئ ما حدثنى عنه زميلى بالعمل
سعاد : عمل ؟
احمد : لا بل سفر
سعاد بدهشة : سفر ؟
احمد : نعم هجرة لايطاليا
سعاد بحذر : انت لاتقصد بالهجرة انها .........
احمد بتنهيدة : بلى هجرة ... هجرة غير شرعية
......................
يتبع .......................