عثمان بحسم:
-لو على حميد الديب، أنا هعرف أتعامل معاه وننهي الحوار دا في أسرع وقت.
سكت لثوانٍ ثم ابتسم وهو يقول مادحًا ونظراته مُصلبة عليها بمحبة:
-الأهم من كُل دا، إني مبسوط من شُغلك يا سكون الفترة دي ولأول مرة أحس إني خلفت سند وضهر بجد!!
مطت "سكون" شفتيه ثم نظرت إليه بعتاب وراحت تتجه صوبه ثم تحتضن ظهره قائلةً بصوت هاديء:
-أنا وأخواتي طول عُمرنا سندك وضهرك يا حبيبي، بس إحنا كبرنا ومن حق كُل واحد فينا يختار حياته ويرسمها حسب شخصيته.
هز رأسه ثم أضاف بلوعة:
-أخواتك خذلوني يا سكون.
أومأت بالسلب ثم عدلت أحرفه بأُخرى مُصاغة بدقة:
-أخواتي روحهم فيك بس كُل واحد مشي في الطريق اللي شايفه لايق عليه.
تن*دت بضيق ثم تهدجت نبرة صوتها بحزن عميق وهي تضيف:
-متنساش إن عُمر مختارش اللي هو فيه، دا مفروض عليه!.
عثمان بضيق يسأل مُستنكرًا:
-وشروق؟؟؟؟
تن*دت "سكون" شوقًا لش*يقتها ثم قالت:
-شروق بتحب يا بابا وإنتَ أكتر واحد علمتنا إننا نتمسك بكُل حاجة بنحبها وعايزينا طول ما فيها فرحتنا وحضرتك نفس الشخص اللي خيرتها بين الشخص اللي بتحبه وبقائها معانا!!!، آسفة يا بابا بس حضرتك أتسرعت وقتها ومكنش قرارك صح.
تن*د بتأييد لكلامها ثم سألها بصوت سادر يود سماع إجابتها المُحببة إلى قلبه:
-وإنتِ يا سكون، طريقك مع مين؟!.
سكون بضحكة خافتة:
-معاك وفي ضهرك يا بابا.
أسرع بالربت على كفها الموضوع كتفه ثم قال بتوصية:
-المهم متأثريش أبدًا في جامعتك وحاولي توازني بين الشغل والجامعة.
استدارت ثم وقفت بجواره فأكمل بثبات:
-ميهمنيش التقدير في حاجة، إحنا محتاجين الشهادة بس.
سكون بثبات تقول مازحةً:
-تمام يا فندم.
•••••••••••••••
هناك في إحدى القُرى بمُحافظة "سوهاج" حيث المباني العتيقة ذات الطراز القديم والأزلي رغم التقدم والازدهار الواضح في المحافظة نفسها إلا أن هذه القرية لا تزال مُتشبثة بقيمها ولكن ثمة بيوت تُعد على أصابع اليد قد فضلت التطور عن البقاء في عصر قديم ومن بينهم بيت (كبير القرية) المسؤول عن كافة شؤونها ومخاطبة المسؤولين عند الأزمات والمُتحدث الرسمي بصوت أهل القرية.
داخل أكبر بناء في القرية وأكثر الأبنية حداثة والذي يليق بكونه بيت مسؤول القرية وداخل غُرفة بعينها، تقف فتاة عشرينية رقيقة الملامح أمام مرآة منضدة الزينة الخاصة بها، كانت تُعاصر مشاعر مُذبذبة كُسر فيها خاطرها وتعمق حزن قلبها اللطيف.
وضعت أصابعها ناحية حلقها المُلتهب بغصة تستحضر كلمات والدة زوجها سليطة ا****ن صاحبة التعابير الفظة التي تطيح بأنوثتها وتهشمها إلى أنصاف امرأة رغم توافر كافة المسميات والخِصال الأُنثوية بها؛ ولكن معايير الأ***ة لدى هذه السيدة تنحسر في امرأة ولَّادة في وقت سريع **باق السيارات تمامًا.
نزلت بأناملها حتى لامست بطنها المُسطحة والمشدودة في حُزن تتذكر غضب هذه السيدة الكبيرة عليها وتحريض ابنها على تطليقها والتخلي عنها في أسرع وقتٍ، كانت ثرثرتها كفيلة أن تصيب ولكن مع رجل لا يكن لزوجته المسكينة مشاعر تُذكر وليس حبيب قلبها (عِمران) الذي ينتفض ويثور أن أحزنها أحد أو لمس كبريائها بسوء ولكنه لا يثور أمام والدته؛ هو فقط يتغاضى عن حديثها السام ويعتبره هواء يتطاير من حوله ويصعُب رؤيته.
كانت تتلقى كلمات غليظة منها فيجمعهم ثم يُلقيهم في سلة المهملات المركونة في نهاية الذاكرة الخاصة بها ثم ينثر عليها كُل ألوان العشق، الاهتمام والدفء في علاقة زوجية ناجحة لا تتشوش مهما حدث.
-شروق!.
انتبهت بفزع وهي تجده يقف خلفها ثم يضع كفه الكبير على كفها القابع على بطنها، تدبرت ابتسامة خفيفة ثم قالت بهيام:
-وحشتني!.
عمران وهو يُقبل وِجنتها مُبديًا انتشائه من رائحة عطرها المُذهب ل*قله:
-لازم أوحشك، لأن شروق شمسي يلزمه نهار.
شروق وهي تبتسم ثم تُطأطأ رأسها في خجل:
-إنتَ فعلًا نهاري، وإنتَ مش موجود في البيت بحس بوحدة الليل ووحشته، بستنى نهاري يطلع.
رفع "عمران" كفيه إلى كتفيها ثم أدارها كي تواجهه بشروق وجهها الخلاب في زهو رغم تواضعها، قامت بوضع كفيها على خصريه بينما وضع وِجنتيها الناعمتين بين كفيه ثم قال بثبات مُدققًا النظر في لمعة عينيها التي تنم عن حزن صامت وانطفاء واضح في حماسها فور رؤيته:
-النهار جه بس الشروق مجاش!!.. ممكن أعرف السبب؟؟.
انف*جت شفتيها قليلًا كي تتحدث ولكنهما وجدا الباب يُفتح فجأة ثم دخلت "تماضر" الغرفة دون أن تطرق بابها أو تحترم خصوصيتهما كزوجين، حدق "عمران" فيها مصدومًا فتحدثت بصوت جاف:
-الهانم مراتك بنت الذوات بتعمل أيه في أوضتها والمفروض إن دا وقت تحضير الغدا؟؟؟.
أرخى "عمران" جفونه بعد أن طرح بالصدمة جانبًا ثم تكلم باستنكار من تصرفها:
-أيه اللي حصل دا يا أمي؟!.
تماضر بصوت يرتفع بجبروت:
-دا اللي لازم يحصل طالما مش عايزة تفهم عادات بيتنا، يلا يا هانم على المطبخ أبوكِ الحاج ميعاد رجوعه قرب.
انصاعت "شروق" باستسلام، خطت خطوتين لا ثالثة لهما حينما قبض على ذراعها بقوة جعلتها تقف في مكانها ثم تقدم من والدته قائلًا بلهجة حانقة:
-شكلك مش قادرة تفهمي إن دي مراتي مش واحدة من خدامينك!!!!.
تماضر بصوت حاد:
-يعني أيه مراتك!!.
عمران بحزم:
-مراتي؛ يعني كرامتها من كرامتي يعني تتعامل بالحُسنى وإنها هانم البيت دا وتتشال فوق الراس كمان، عرفتي يعني أيه مراتي يا أمي؟؟؟.
ضحكت "تماضر" بسخرية وهي تضع كفيها فوق بعضهما لحظة استنادها على عصاها ثم أكملت بكلمات غليظة وحادة:
-بتدافع عنها باعتبار إنها جابت لنا الولد؟! سلفتها أحسن منها في أية علشان تحمل وهي لأ مع إنك متجوز إنت وأخوك مع بعض في نفس اليوم!.
انف*جت شفتيه بصدمة كبيرة ثم صاح منفعلًا في دهشة:
-أنا مش قادر أصدقك؟؟ إحنا مكملناش أربع شهور متجوزين! يعني لسه عرسان، أربع شهور يا أمي مش أربع سنين!.
تماضر بإصرار ع**د:
-ولو، رواية مرات أخوك حسان حامل في الشهر التالت وهي متجوزة معاها في نفس اليوم، يا ريتك سمعت كلامي وخدت لك واحدة من البلد كان زمانها حامل من ليلتها.
عمران بصوت حانق يصيح فيها:
-وأنا عايزأستمتع بحياتي مع مراتي يا ستي ومش مستعجل، ممكن محدش يتدخل في حياتي مع مراتي نهائي وممكن بعد كدا تخبطي على الباب وتستني نسمح لك بالدخول!!.
تماضر وهي تستشيط غضبًا ثم ينبج صوتها بصورة كبيرة:
-عال يا ابن توفيق النوبي، قدرت عيلة من عيال البندر تعصيك على أمك.
عمران بتحدٍ وانفعال كبير:
-اللي بتغلطي فيها دي مراتي يعني احترامها واجب وفرض في البيت دا لأني سمعت كلام بين الخدامين معجبنيش وعرفت أن مص*ره للأسف "إنتِ".
سكت لبُرهة وهو يوجه لها أصبع سبابته بالاتهام ثم أضاف:
-إنك أمرتيهم ينادوها باسمها من غير ألقاب وفهمتيهم إنها هتساعدهم في المطبخ!!!!.
تماضر بلهجة صارمة:
-وهي متستحقش إلا دا.
أومأ برأسه في ثورة ثم قال وهو يندفع **يل جارف خطير نحو الباب:
-هنشوف دلوقتي.
خرج من الغرفة ثم وقف على أول الدرج وراح يصيح بصوت جهوري:
-كُل اللي في البيت يتجمعوا حالًا!.
تأجج داخل "تماضر" بلهيب الغيظ فحدجتها بنظرة قوية عدوانية قبل أن تستدير وتتحرك نحو ابنها فتجده يقول بعد أن تجمع كُل من بالبيت:
-مراتي اسمها شروق هانم النوبي مرات عمران بيه، وطول ما اسمي اتحط ورا اسمها كُل واحد في البيت دا هيشيلها فوق رأسه واسمع إن حد داس لها على طرف وأنا أندمه على اليوم اللي إتولد فيه، تمام!!!.
لم ينتظر ردهم فعاد إلى غرفته مرة أخرى ثم أغلق بابها بانفعال جامح ليستدير إليها بص*ر يخفق من الغضب نحو تنمر الجميع عليها والسبب أنها لم تحبل بعد أربعة أشهر من زواجها!! ما هذا الهراء!!
أخذ ص*ره يعلو ويهبط في انفعال ليباعد بين ذراعيه ثم يأمرها بلهجة جادة رغم ما يغمرها من حُب غطاه الانفعال من والدته:
-تعالي!.
هرعت مرتميةً بين ذراعيه فضغط بذراعيه على ظهرها في قوة بعد أن أقسم في نفسه أن يجعلها تحيا داخل هذا البيت برأس مرفوع وكرامة يهاب الجميع المساس بها خشيةً أن تطولهم براثن غضبه الكاسر.
••••••••••••
داخل قصر (عائلة) السروجي المُقام على طراز فاخر وعظيم يحيطه سور عال متين ويقف على بوابته مجموعة أشخاص من أجل تأمينه، تمدد في فراشه الوثير بعد وصلة نوم دامت لقُبيل العصر ولكنها هذه هي حياته الرتيبة التي ملأها الروتين بعد الحادثة المأساوية الأليمة التي تعرض لها، طالع شاشة هاتفه المحمول بشغف ثم قرر كتابة رسالة عبر موقع التواصل الاجتماعي "واتساب" علها تراها بسرعة وتُجيبه:
-صباح الخير، رجعتي من الشغل ولا لسه؟؟
انتظر للحظات ولم يجد ردًا منها فخمن انغماسها في العمل، تن*د "عُمر" بضيق من تكرار أيامه ولياليه التي لم يطرأ عليها جديد منذ ذلك اليوم المشؤوم إلا هي. تعرف عليها عن طريق موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك حيث بدأت العلاقة بسلامات سطحية عادية ثم تحولت مع الوقت إلى مشاعر مُرابطة وقوية؛ ربما هذا ما يُسمى بحُب؛ ذلك التعريف الذي لم يتعرف عليه في حياته أو يعيشه على الإطلاق وكيف يحوز به وهو قعيدٌ!!! فجماله وماله لم ينفعانه حتى الآن في الوصول إلى الحُب بل يلقيان في حجره من هؤلاء اللواتي يردن المال دون غيره فيما يُصر هو على نبش كُل مكان يدوسه مقعده بحثًا عن حب حقيقي؛ لا شفقة أو طمع!.
تململ على فراشه قبل أن يصله رسالة منها، كتبت فيها:
-لسه حالًا خارجة، وإنت؟!.
سرح في سؤالها له قبل أن يزفر باختناق يزيد مع كُل كذبة تخرج منه ولكنه تعمد أن يُخفي نسبه وعائلته كي لا تطمع فيه ولكن الكارثة الكُبرى أنه أخفى عنها عجزه عن الحركة راغبًا في أن يختبرها الاختبار الأقوى على الإطلاق (حُب الروحِ أو المظهر؟!).. لقد كان ينوي الالتقاء بها في يوم قريب ثم يخرج أمامها بحالته على أن يترك لها حرية القرار ومن خلال ما سوف تقرره سيتأكد إن كان حُبًا أو مشاعرًا إلكترونية وهمية.
كتب بسرعة:
-لسه مخرجتش بس قولت اتطمن عليكِ.
انتظر لثواني فكتبت له برمز تعبيري حزين:
-لسه بردو مُ**م على رأيك يا عُمر، أنا بس اللي مطلوب مني أبعت بك صوري بس أنا عُمري ما شوفتك؟!!.
زفر بحنق من إصرارها الذي يُزعجه، فكتب:
-اتفقنا منتكلمش في الموضوع دا تاني يا رويدا، أنا مش بطلع حلو في الصور وتليفوني رديء وعادي فيُفضل تشوفيني على الواقع.
أرسلت بسؤال مكون من كلمة واحدة:
-إمتى؟!
كتب باختصار:
-قُريب وقُريب أوي كمان.
في تلك اللحظة، فُتح باب غرفته وأمدت هي عُنقها قليلًا تتفقد حاله ليبتسم بسعادة ثم يقول:
-تعالي يا أمي.
تقدمت "نبيلة" داخل الغرفة بخطوات وئيدة؛ حيث عُرف عنها حُبها للحُلى غريبة الأطوار والتي تتخذ أشكال الح*****ت البرية المتوحشة، اِفتر ثغرها عن ابتسامة خفيفة ثم أردفت بصوت هاديء:
-كُل دا نوم يا عُمر باشا!.
عُمر بنبرة هادئة:
-أصلي سهرت كتير إمبارح، المهم الفطار جهز!.
نبيلة بنبرة ثابتة:
-من بدري.
أومأ "عُمر" بحسم ثم أضاف:
-تمام، يلا بينا يا ست الكل.
اقتربت "نبيلة" منه بهدوء ثم شرعت في معاونته على النهوض والجلوس على مقعده رغم رفضه التام في أن يرى أحدُ ضعفه عدا ش*يقته (سكون) التي دائمًا تعتني به بدقة وحُب.
•••••••••••••••
-مالك؟!.
أردف "تليد" يسأل بقلق حينما رأي صديقه يدخل إلى الشقة بوجه مُكفهر عابس، توجه "نوح" نحو الأريكة القابعة في بداية غرفة الاستقبال ثم جلس عليها قائلًا بصوت هاديء:
-ماليش يا عم، مبهدلني معاك من الصُبح مع واحدة منعرفهاش وتقول لي مالك؟؟؟.
ترك "تليد" مقبض الباب ببرود ثم توجه إليه قائلًا بلهجة حازمة:
-إنتَ بس اللي متعرفهاش يا نوح.
رفع "نوح" أحد حاجبيه ثم أضاف بصوت ساخر هزلي:
-تعرفها منين إنتَ، ما أنا مصاحبك من الثانوية العامة وعمري ما شوفتها في حياتك، وأمانة عندك يا نوح.. خلي بالك منها يا نوح.. أطلب مساعدتها يا نوح ناقص أجيب لك رقمها!.
تليد وهو يبتسم ابتسامة عريضة تتناسب مع معالم وجه صديقه المُضحكة ثم يرد ببرود جليدي:
-معايا.
نوح وهو يلتفت إليه ثم يصيح ساخطًا:
-ولم إنتَ معاك رقمها، مغلب نوح وسنين نوح معاك ليه، ما تكلمها إنت وتكمن عليها وتطلب مساعدتها، دا إنتَ صاحب لزج.
لم تتحرك تعابير وجهه الباردة ولم تختفِ ابتسامته الش*ية عن وجهه فيما أكمل الأخير بنبرة متذكرة فتابع:
-خُد الكبيرة بقى، لأن البنت اسمها وَميض مش الاسم التاني بتاعك دا…!!! أترش باين!.
حدق "تليد" فيه مذهولًا ثم انف*جت شفتيه بضحكة ساخرة يقول:
-أترش!.. الحنك دا يتسد خالص.. علشان الحنك دا بيرمي ق*ف!.
ضحك "نوح" بمرح ولكنه تفاجأ من عبارة صديقه التي تلت مزحته:
-اسمها وَميض مش كدا؟؟؟
اتسعت عيناه اتساعًا ثم صاح بصوت عالٍ:
-أيووووووة، هو دا بالظبط، بس لمؤاخذة إنت عرفت منين يا كبير!!.
انتصب "تليد" واقفًا في مكانه ثم تابع بصوت حاسم:
-قولت لك موضوع يطول شرحه، وأنا عندي حلقة دلوقتي يدوب ألحق ألبس.
نوح يوافقه الرأي على مضض:
-تمام يا سيدي، نشوف الحوار دا بعد الحلقة يا شيخنا.
تليد وهو يناوله هاتفًا محمولًا ثم يقول بحزم:
-ولحد الحلقة بقى ما تخلص هتاخد التليفون دا وتتابع الأخبار مع الشاب اللي هيكلمك.
نوح باستفسار وحيرة:
-مين دا؟؟
تليد بإيجاز:
-حطيته على باب المستشفى حماية ليها، يعني مجرد إجراءات روتينية.
تناول الهاتف منه فتحرك "تليد" صوب غرفته كي يتجهز للذهاب بينما كز "نوح" على أسنانه ثم تابع بغيظ:
-يا مثبت ال*قل والدين يااااارب.
مرَّت لحظات وانتهى "تليد" من ارتداء ملابسه واستعداده التام لتقديم برنامجه الأسبوعي (كمثلِ الأُترُجَّةِ) حيث تميز بين الناس بحُسن الخُلق والقبول مُعلقين أن الشبلَ لا يُمكنه أن يكون سوى أسدٍ في النهاية؛ فقد شبه والده في كُل شيءٍ حتى اتخذ نهجه في دعوة الناس للخير والصلاح وتمكن على سيرة والده الحسنة أن يُختار كواحدٍ من النماذج الخيرة التي من حقها أن تصل كلماته للجميع فتلقى نجاحًا باهرًا وتعاقدت معه قنوات تلفزيونية شهيرة لتقديم برنامجه الديني وصار أشهر داعية إسلامي في وقته.
كانت ملامحه خشنة رجولية ولكنه ما أن يضحك تظهر الناحية اللطيفة من شخصيته القديمة وقد امتلك علامة في جوهرها شيئًا سيئًا بالنسبة له أما الظاهر منها يزيده وسامة حيث يفرغ منتصف حاجبه الأيسر من الشعر فيبدو مقضومًا ومقسمًا إلى نصفين ولكن هذه الندبة قد زادته رجولة وجاذبية.
نظر إلى نفسه في المرآة مرة أخيرة قبل أن يترجل خارج الشقة مع صديقه ثم ركبا السيارة معًا ولم ينسَ "تليد" أن ي**ب مُباركة عزيز قلبه قبل أن يبدأ التصوير الذي ينتهي بقبول ونجاح ساحق بفضل هذه الدعوات.
-عِز الناس، واحشني يا بويا!.
وصله صوت متهدج بفعل السن رغم خشونته فقال بضحكة أصابت قلب "تليد":
-إنتَ اللي عِز الناس وزينتهم.
تليد يرد بصوت دافئ:
-ربنا يبارك لي في عمرك يا حاج، فاضل على التصوير نص ساعة، ادعيلي!!.
سليمان بصوت حنون يرد:
-بدعي لك تلاقي القبول في وش كُل اللي تقا**ه يا ابن الغالية ويجعل دعايا من قسمتك الحلو ويملى أيامك كُلها نجاح وسعادة طول ما إنتَ بتبرني وبتتقي اللي في قولك وفعلك.
تأثر "تليد" بصورة كبيرة فأُصيب قلبه بالارتخاء النفسي الذي أسفر عن رغبته في رؤية والده الآن والارتماء بيت ذراعيه فتابع بصوت متهدج مُشتاق:
-هخلص الحلقة وهاجي لك على طول، إنتَ واحشني ومش قادر أصبر على غياب حضنك ليا وعندي ليك كلام كتير لازم أقوله.
سليمان بهدوء:
-هستناك يا شيخ تليد، في أمان الله يا عِز الناس.
أغلق الهاتف بسعادة غامرة لا يحظى بها إلا في كنف والده، أصبح مُقبلًا على الحياة مُستعدًا لتقديم الحلقة بشخصيته المُتألقة، وصل في غضون عشر دقائق وما أن ترجل من السيارة حتى وجد شابًا يهرول صوبه ثم يقول بنبرة متهللة من السعادة:
-ممكن أتصور مع حضرتك؟؟؟.
أومأ "تليد" بحفاوة شديدة فالتفت الشاب إلى "نوح" ثم طلب منه بأدب:
-بعد إذنك صورنا مع بعض.
أعطاه هاتفه الخاص ففعل "نوح"، أبدى الشاب إعجابه الشديد بتواضع "تليد" ثم شكره وغادر وهو في قمة سعادته، اتجها مسرعين إلى موقع التصوير فلم يتبقَ سوى القليل على بداية الحلقة.
تن*د "تليد" بارتخاء ثم التفت إلى "نوح" قائلًا:
-اطلب لي من الكافتيريا كوباية شاي، قول لهم بتاعة أستاذ تليد.
أومأ "نوح" مُتفهمًا ثم توجه إلى الكافتيريا فأعد العامل كوب الشاي بسرعة كبيرة ثم وضع على سطحه قطع من "الأُترُج" مما جعل "نوح" يُحدق في الكوب ثم يتمتم بحيرة:
-دا كان بيقول أُترُج!!.. هي البنت اسمها أُترُج!!.
-في حكاية يا أستاذ نوح!!!.
رفع "نوح" بصره إليه ثم أومأ سلبًا وقبل أن ينصرف من أمامه قال العامل ببسمة خفيفة: