هو ليّ 2".. الحلقه (1) ، بين مــدّ وجزر .
"إرتوينــا من الأحاديث حـــد الجشأ، ومن الأفعال نتلهــف عطشًا... أضنانا الفراق حــد الكلمٍ ومن النسيــان لا نبغـاهُ مسارا ، نستغيـث ألمــًا باحثيـن عن المفــر رغم أن مُسكن آلامنا قد يكون في النسيــان . هي حقيقه بحاجةً إلي التعـزيز ،ولكن قد يكون هذا التعزيز في حد ذاته إثم ، لأن من نرغب بنسيانهِ ، أهـدانا حُبـًا لا يموت مع الزمن ، لا يموت البتـــه ، فقط كُل ما بي ينهـار مُنذ أربعة أعوام وبقي ال**ـود لجسدي ".
أنهت قراءة هذه السطور المدونه داخل ورقه مُلقـاة في زاوية من الغُرفة بعـد أن قامت صاحبة الغُرقة بالضغط عليها بين قبضتها حتي إنكمشـت ، إنتصبت نــوراي واقفه وظهر علي وجهها شبح إبتسامة تحمل في طياتها قدرًا من الإشفاق علي حال صديقتها المكلومه والتي تنزف من جروح حُبها الذي دار عليه الزمن ومضي ولكنه لـم يمض داخلها البته ، تنهـدت بعُمقِ لتتجه بخُطي وئيدة ناحيه منضدة التجميل وتجد كتابًا قابعًا فوقها ، قـامت علي الفـــور بدس الورقة داخلهُ لتُطفيء بدورها أضـواء الغُرفة وتترجل للخارج مُرددة بحُزن :
- ربنا يهد*كي يا نسمه ، ويوجهك للي فيه الخير .
- يا ست هانم ، سليم بيه طالبني أستعجلك ضروري ؟!
وجدتها تهتف من خلف ظهرها بهذه الكلمـات ، إلتفتت نوراي لها لتُبادلها إبتسامة هادئة فيما تابعت أنهـار (المُختصة بشؤون الڤيلا وأمور الرقابة علي العاملين بهـا ) وهي تضع إصبعيها السبابة والوسطي علي فمها وبنبرة شاردة رددت :
- انا خمنت كدا يا ست هانم ، والله أعلم يعني هيعرفك علي وزراء جُدد .
قهقهــت نوراي في خفة تُطالعهـا بحنو بالغٍ لخفة ظلهـا ، فقد تبناهـا سليم من أحد الملاجيء وأصبحت تعمل داخل ڤيلا النجـدي وقد تكفل بتكاليف تعليمها حتي أصبحت في السنه الثالثه من كُلية الطب ، لم تكتف هي بذلك فقد رغبت في أن تكون جليسة لأطفالهما وخاصة نيروز فهي تعشقهـا كأبنه لهـــا بل وأكثر.
تابعت نوراي وهي تفرد ذراعيها جانبًا بيأس وقد برزت معالم الطفولة علي وجهها تبغض تصرفاته معها :
- سليم بجد هيجنني ، هو قاعد مع طاقم الوزارة بأكمله وبيتكلموا في مهنتهم المُبجلة ، أنا أقعـد معاهم وأسمع الملل دا ليه ! ، بجد عامل زيّ الطفــل الصُغير اللي خايف مامته تسيبه وتمشي .
رمقتها أنهـــار بنصف عين لتتبعها بغمزة وهي تقول بمرح :
- الحُب يا مــدام الوزير ، وبعدين لازم تتأقلمي علي كدا إنتِ مرات سيادة معالي وزير الثقافة ، يعني عوزاهم يقولوا عيد ميلاد ابنهم الاول ومش شايفين المدام علي الساحة ؟!
حركت نوراي برأسها يمينًا ويسارًا في ســــأم مما يحدُث ، ولم يتئني لها الفُرصة للإجابة حينما تابعت أنهــار بحسمِ :
- ما قولت ليّ صحيح ! ، فين عـــا** !
فتحت نـوراي عينيها علي وسعهمــا في تلك اللحظه ، لتهتف بإستفهــام :
- أنـــا اللي المفروض اسألك السؤال دا ؟! ، فين ابني يا تايهه ! .
انهار بنبرة مُضطربة :
- إنشالله عملية الإخراج عندي تكون مُتدهورة وأبات في الحمــام علشان ألحق نفسي ، إني ما شوفته من ساعة .
تقلصت قسمات وجه نوراي إمتعاضـًا من مُصطلحات أنهـار البائسه بحُكم وظيفتها المُستقبلية ، مـررت كفها علي وجهها تتحسـس حرارته من شدة القلق التي تسلل إلي أعماقهـا ولكنها توقفت فجأه ، تحملق بأنهـار ثم تهتف بكلمـــات تأكيدية :
- خلاص ، انا عرفت عـــا** فين ؟!
الإثنتــان في نفس واحـد :
- مع نسمــــه المُختفية من ساعـــة .
-------
( داخــل حديقة الڤيلا الواســـعة )...
إمتلأت بحشــد هائل من أصحـاب الطبقة المخمليـــه والوزراء إحتفالًا بمـرور عـام علي ولادة - عـــا** سليم النجـدي - ، أزدانت الأشجــار بعناقيد الضـوء المختلفه ألوانهـــا ، صدحت الموسيقي الهادئه في أرجــاء الحديقه وقد إلتفـت المقاعــد المُغلفة بحرير من الأبيض حــول حوض السباحة ، عج المكان بمن يُثرثر ، يلهــو ، ومن هم بطونهم هي همهم الأول ..فيما يذهب النـادل ويجيء لتلبية جميع المتطلبـات من قبل الحضـور ، وبعيدًا عن كُل هــذا الصخـب ، تجلس هي إلي مقعـد خشبي قابعـًا في نهايه الحديقه ، وقد إتخدتهُ صديقًا ، فهي باتت هائمة بكُل الجمادات في الآونه الأخيره .. تفصح عمـا بداخلها دون مواساة من أحد وكذلك لم تنس أن تتحدث إلي صغيرهـا التي لم تُنجبه ، هو فقط ابنهـا عشقًا ...
إرتدت بنطالًا من الچينز يعلوه سترة باللون النبيتي ، تحمل بين ذراعيها طفلًا في عامه الأول ذي ملامح بريئـه للغاية وشعرًا كثيفًا ، تنحنحت لوهلة لتمسك بأصابعه الصغيرة ومن ثم رددت بنبرة حانيـة :
- حبيبي جعان ؟! ، شكل مامي نسيتك ومشغولة بإستقبال الضيـوف ، بس انا بحب وجودك معايا دايمًا ، علشـان بتفكرني بحبيبي وكمان اسمك علي اسمـه .. تعرف أنه واحشني ومش بنسـاه أبدًا !.
تنهـــدت بلوعة وإشتيــاق ، تلألأت الدموع في مُقلتيـة ولكنها تماسكت لآخر لحظة عندما وجدت الطفل يبتسم لهـا وكأنه مُدركًا لمـا قالته وكذلك ضم أصابعه علي إصبعها السبابه وهنـا قامت بطبع قُبلة حانية علي جبينه ، لتُقاطعها نـوراي بحُب :
- لمّا بتقعدي معاه بتنسي نفسك يا نوسة ، يا تري دا حُب في ابني ولا حُب من سالف الزمان .
إبتسمـت نسمه رغمًا عنها ومن ثم وضعت الصغير بين ذراعي والدته قائلة بهـدوء :
- بحبه علشـان ابن نـوراي ، وبعدين ما تنسيش تأكليه تاني ! ، وإلا هعمل ثوره ضـدكم .. يالا أدخلي أكليه وانا هتمشي برا القصر شوية ، لأني أتخنقت من جو الحفله .
نـوراي بتفهم : ماشي يا قلبي ، هانيمه وأجي أتمشي معاكي ، لأن عاوزاكي في موضوع ضروري .
أومـات نسمه برأسها في تفهُم ، ومن ثم سـارت بخُطواتها لخارج القصر تعقـد ذراعيها أمـام ص*رهـا بشرود لتُفاجأ بصوت رجولي يُردد بمُغازلة :
- انا شايف ان سبب رفضك ليّا غير منطقي ! ، لازم تفهمي إني بحبك وعاوز أنسيكي الماضي .
رمقتهُ نسمه من فوق كتفها بثبـات ونظرات قوية دون ان تنبس ببنت شفةٍ فيما إقترب هو أكثر منهـا حتي أحكم قبضتهُ علي ذراعها قائلًا بشغف جليّ :
- انا بعشق كُل تفصيلة فيكي ومن واجبك تقدري دا ، علشـان هاخدك عافية .
تشنجت فرائصها في تلك اللحظه ، صرت بأسنانها في غضب عــارمٍ ، لتنزع ذراعها منه بمقاومة ضـارية ومن ثم والته ظهرها تدلـف داخل القصر من جديد مُرددة بثبـات وحــده :
- ردي وصل لك من زمان ، انا مش ناويه أرتبط يا أستاذ عــادل .
غـابت من امام عينيه ، بدأ الشرر يتطاير من أمامة في غيظٍ ليجد أحدهم يقبض علي ياقة بذلتهُ من الخلـف وراح يُردد بصوتٍ غليظـا يعبق بحرارة عميقة :
- عيب لمّا تبص علي مُمتلكات غيرك ، علشـان عارف أيه النتيجة ؟!
استئنف جُملته بنبرة تهديديه حاسمة للأمـر حينما قام بلوي ذراع الرجل خلف ظهره وراح يهتـف بصوت أجشٍ :
- ه**ر إيدك اللي لمستهـا ، وهسحقك .
لَم يتمكن عــادل من رؤية وجه الخ** هو فقط يسمع صوتًـا ينوي الانتقـام بكُل جوارحة ، ليهتف بنبرة مُضطربة مُحاولًا الإلتفات لرؤيته فيما وضع الأخر رأس عادل بين قبضتية مُثبتًا إياهـا بقوة جامحة ليهتف الأخير بتلعثمِ :
- إنت ميـــن ؟!
- أنا الموت ، يا تـــارك الصلاه .
-------
يقــف بحلتهِ الســوداء بل بكامل أناقتـهُ بين مجموعة من قــادة البلد والـــوزراء ، نمت لحيته أكثر من السابـق ، رغم إمتهانه لهذه الوظيفه مُنذ عامين ولكنه لا يجـد نفسه وسط هذه الإحتفالات ، فـ الوزيـر ما هو إلا شخص يسير وفق ما ترغبه الدوله ، محسوب عليه النَفس الذي يصدُر منهُ ، يشعر بتصنـع الجميع من حوله ، إرتدائهم قنـاع غير أقنعتهم الحقيقه ، متملقـون لأبعد الحدود ، باتت إبتسامته ذابلة مُنذ الحادثه الأخيرة ، يرغـــب في بقاء زوجته بالقُــرب منهُ في كُل دقيقه فـ وحدها الشيء الحقيقي في هذا المكان ، فهي لا تعـرف للتصنُع طريق ودائمًا يحمد الله بأنهـا معـه ، فهي من تمده بالقوة ليتحمل جُرعة النفـــاق الزائدة حوله ، وقد عُرف عنهُ عشقـه لزوجته وعدم تخليه عنهـا في كُل لحظة فشـل قبل نجاحاته ...
- ويا تري يا سليم باشـــا ، ناوي تقضي أجازتك السنه دي مع المـدام فين ؟!
أردف أحد الوزراء بهذه الكلمات بعد أن زفـر دخان سيارته في الهواء الطلق فيما إستند سليم بجذعه علي الطاولة قائلًا بثبـات :
- لسـه ما حددناش .
الــوزير يوميء برأسه مُتفهمًا :
- ياريت لـو تبلغنـا علشان نسـافر كُلنـا مع بعض ، ونبعد عن جو الشغل شوية .
اومـــأ سليم بدوره يسايره في أحاديثه ، بينما تابعت زوجته السيدة فيفيـان وهي ترمق سليم بنظرة يملاؤهــا الإعجـاب :
- بصراحة يا سليــم باشا ، أنا بحسد مـدام نوراي عليك ... إنتوا المفروض قصة حُبكم تتسطـر في الروايات .
نـــوراي بإبتسامة باهتة :
- ميرسي مـدام فيڤيـان ،
ثم نهضت واقفه وهي تجول ببصرهـا بينهم مُعلنة إنسحابهــا :
- بعد إذنكم طبعًا ، هنيم عاصـم .
هنــاك في مكـان آخر علي إحدي الطاولات ، سيـدات المُجتمع الراقي يجلسـن معـًا وقد أخذهن الحديث حول زوجـه سليــم النجدي ومـدي حُبه لهــا ، وأنه لم يتم إكتشاف ما يُفسد الرابط الموثق بينهمـا حتي الآن ليقاطعهن هو - أحد الصحافيين - قائلًا بش**ة وهو يرمق نـــوراي بقوة :
- بس أيه صــــــاروخ ، من حقه يحبها .
قاطعته إحدي السيــدات وهي تلوي شدقهـا إعتراضـًا عما قالهُ ، تابعت بعد أن نفخت شدقيها بعصبية خفيفة لتقـــول غيظًا :
- حتي إنت كمـان ، هنلاقيها منك ولا من أمجد العـزالي اللي طول الوقت عينه ما بتترفعش من عليهــا .
الصحفي بإنـدهاش :
- وزير البيئــه ! ، يـاااااه دا حديث الأربعـاء ، طيب وهي ! .
السيده وهي تُعنفـــهُ :
- إنت ع**ط يا بني ، الفـراغ قاتلـك للدرجة دي ، هي طبعًا مش شايفه غير جوزهـا ، هي دي محتاجه كلام !!!
-------
- كُنت عارفة إني هلاقيكِ هنـا ، ما هو يا إمـا في أوضه عا** ونيروز ، أو في أوضتك أو الرُكن الهـادي من الحديقه .
ولجت نــوراي داخل غرفة أطفالهــا ، لتجد نسمـه تنظُر إلي الصغير الذي نـام مُنذ وقت طويل .. فيمـا تجلس نيـروز إلي فراشهـا وقد فردت قدميها أمـامها تتطلـع إلي مجموعة الصــور الخاصة بجميع أفراد العائلة في محاولة لـلتمييـز وحفظ أسمائهم وبالفعـل نجحت في ذلك بكُل سهولة فهي إبنه الأربعـة أعوام ...
رفعـــت نيـروز وجهها تُطالع والدتهـا بإبتسامة مُشتاقة ، فهي شديدة التعلُـق بهـا ، وإن غـابت عنها لـفتره تبكي رغبةً في وجودهــا وبلمسـة أصابع نوراي لفروة شعـرها ، تغوص في سُبـات عميق يصاحبه طمأنينه لوجودهـا ، جلست نوراي علي الفـــور إلي طرف فراش طفلتها ، مـدت يدها لتُلامس أطراف أصابعهـا ذقن نيروز ، فيمـا أشـارت الأخري بأصابعها ناحيه إحدي الصورة ثم هتفـت لشـد إنتباة والدتهـا :
- شين ، دي مــامي .
إِفتــــر ثغر نـوراي بإبتسامة حانيه وهي تنظُر إلي صورتها بين كفي صغيرتهـا ، فكم تعشق إستدراكها لما حولهـا ، فهي طفلة شديدة الذكـاء ، تُتقن كُل شيء يمـر عابرًا إلي ذاكرتها وتحفظـه عن ظهر قلب ، وهـــذا غير أنهـا دائمًا ما تُفاجيء والديهـا بتنبؤاتهـا غير المقصـودة والتي تحدُث عقب تنبؤهـــا بدقائق قلائل ، بـــادرت نــوراي بإحتضانها في هُيـام ظلت تتنشـق عبير خُصلاتهـا الشقراء الحريرية ، تـذكرت في هذه اللحظه حديث زوجهـا حينمـا بكت إعتراضًا علي ما أصـاب جنينهـا ليُجيبهـا هو بكُل حُــب ورضاء :
-" صدقيني ، في إختلافهـا ميزة ، وبُكرا تندمي علي دموعــك دي .. دي هتبقي بنتنـا يعني هنحبها بكُل تفاصيلهـا ، مهمـا كانت مش مقبوله ".
أغمضــت عينيهـا بشرود قليلًا ، وســرعان ما إبتسمــت وكأنهـا تؤكد علي حديث معشوقهـا لتغمس وجهها بين خُصلات طفلتهـا وتُقبلهـا بعشق قائلـة بخفـوت :
- بحبـــــك .
وجـدت في تلك اللحظه أصابع إبنتها الصغيره تحتضن خصرهـا حيث تابعت نيـروز وهي تُطالع والدتهـا ببراءة :
- انا حبـك مامــي .
إبتعـــدت نـــوراي قليلًا في هذه اللحظه ، وجهت بصرهـا ناحية نسمه لتجدها مازالـت شاردة في البعيـد ، تعلم تمامًا إيلامـا تشرد ، ولكن مـا لا تعلمـه إلي متي سوف تشرد فيمـا ولي وفـــات ، لقد نسيت تمامــًا كيف تُعـاش الحياه ، أصبحت حبيســـة عملهــا وغُرفتهــا التي تُخلد ذكراه ...
نـــوراي بنبرة هادئه :
- نسمــه ، سرحتي لحد فين ؟!
تنهـــدت نسمه بآسي ، خانتهـا إبتسامتهـا لتتبدل بلمعـة عين قائلة بهــــدوء :
- بقالنا كتير ما قعدنا مع بعض واتكلمنـا ، محتاجه أفضفض معاكي كتير أوي يا نـــوراي ، إنتِ الوحيدة اللي ما بتقولي إني ماسكة في حبل دايب ، وإني لازم أنسي .
قطع حديثها طرقات خفيفة علي باب الغرفه أعقبهـا دخول أنهــار والتي بدورهـا تنثر البهجة في المكــان :
- الدوشــه فضت وأخيرًا .. حفلة جات علينـا بخسارة ، الحفلة كُلهـا كانت قاعدة عند البوفيــة ، وكُلهم رفيعين يا خوووواتي وبياكلـوا أد جحش ، إلا انـا لـو شميت الأكل أتخـن ، عمركوا شوفتـوا كدا واحدة بتتخن ع الريحة!
قطبــت نــوراي ما بين حاجبيهـا ، فيمـا ض*بت نسمه كفًا بالآخـر وراحت تتابع بضحك :
- خمستلاف كلمه في الدقيقة !، راديـو -أف أم - ، يخــربيتك .
انهــار بتبختـر :
- طيب بقولكم أيه ! ، أصل انا بصراحة كدا ما عجبنيش أكل الطباخين ، وبلعـومي واجعني وكُنت عاوزة أسلكه ، فـ عملت كيكة بالشيكـولاته .. علشان ناكلهـا مع بعض ..قـولتـ...
قبل أن تترك لكلماتهـا المجـال وجدت نسمه في أقل من الثانيـة تقف أمامهـا قائلة :
- يالا بينـا يا بنتي ، أصل انــا هفتـانه .
نــوراي بضحك :
- أمــال مين اللي كـان بيبكي علي الأطلال من شوية ، بس طالمــا فيها تشوكليت ، هنيم نيـرو علشـان الحضانة وأحصلكم.
-----------
- بابي مش تجيب جون فيـا ، علشان انا لسه صغير !.
أردف رامي بتلك الكلمات في براءة ، حيث يتمـدد علي الأرض واضعـًا قدمًا فوق الأخري ، يضع أحد ذراعيه أسفل رأسه ويمسـك بالأخري جهــاز التحكم الخـــاص بلعبة " البلايستاشن " ، حيث أنه يُقلــد والدهُ في كُل نفسٍ يتنفسـه ، تابع ماجـد بنبرة ضاحكة :
- الصغير ما يلعبش مع الكُبـــار ، يتف*ج وهو قاعد جنب مامته ، اللعب لـ الرجاله .
لـــوي رامــي شدقه بإمتعــاض ، يضغط علي أزرار اللعبة بغيظٍ من حديث والــده وبكُل لباقة تتخطي سنه الحقيقي :
- انا راجل وه**بــك ، واللي ي**ب التاني ينام في حُضن مـــامي .
رفـــع ماجد أحد حاجبيه ، أوقف اللعبة لدقائق ثم عـدل من وضعية جسده جالســًا ، ليقرب رأسه من رأس ابنه قائلًا بغيظ :
- كُله إلا مــراتي ، انا عارف إنك عملي الأ**د في الدُنيـا ، دا إنت قربت تشاركني في ليفة الحموم كمـان .
رامـــي بإستكمال أثـار دهشه ماجد لذكاء ابنه :
- ياريت كانت تيتا ،مامتك عايشه .
ماجد بتساؤل :
- ايش معني ؟!
رامي بإصرار : كُنت هتجوزهــا ؟!
فغــــر ماجد فاهه في دهشـــة ، تعبيرات مُختلفه تختلج ملامحه ، تارة يرفع حاجبيه بعدم إستيعـاب وتاره يلـوي شدقه وأخري يتفحص فيها ردود أفعـال ابنه ، حيث قــال ماجد :
- تتجـوز أمي يا رامي !
رفع رامي كتفيه لأعلي ثم أنزلهمـا بلا مُبالة قائلًا بطفولة قاتلة :
- طيب ما إنت متجوز مامــي ؟!
في تلك اللحظه دلفــت هي تحمل بين كفيهـا صينيه فضيـة مُطعمـه بالذهـب ، قامت بوضعها علي الطاولة ثم تابعت وهي تختـصر في غيظِ :
- الولد بقي بيقلدك في كُل حاجه يا أستاذ ماجد ، وكمان بتتراهنوا إن اللي يخسر يقعد بالفانلة .. إنتوا ناويين تجننوني ؟! ، انا مش فاهمه إنت خليتني أسيب الحفلة ، وأجي معاك في بيت بابا ناجي ليه ؟!
- جوووون ، جووووون ، وجبت جووون ، لقـد فُزت بأمي ، سيدة الجميلات .
قالهــا رامي وهو ينهض من مكانه مهرولًا ناحية روفيدا وبسرعة البرق ، قـــام بإحتضانها في سعادة بالغة فهو يعشق والدته حُبًا جم ، حُبًا يجعـــل ماجد يشتد غيرة منهُ ، يغــار من ابنــه عليهـا ، لشدة تعلق الإثنين ببعضهمــا ...
ماجد ضاحكًا :
- علمناهم الشحاته ، سبقونـا ع الأبواب ..ماشي يا رامي يا ابن الكلـ.... .
قاطعته روفيدا بغيظ :
- ما تقولش للولـد الألفـاظ دي يا ماجد .
في تلك اللحظه نهــض ماجد من مكانهِ ، ثم وقف قبالتهـا مُباشــرة فيمـا رفعت هي حاجبيه وراحت تُردد بنبرة مُضطـربة :
- ماجد ، خير ؟! ، الولــد واااااقف !
ماجد وهو ينظر لإبنـه : رامـــي ؟!
رامي وقد فهم ما يرغبه والـده ليهتف بنبرة عالية :
- بعشق أمــــك .
إنقض الإثنـان عليهـا لتعلو ضحكاتهم في المكـان ، مهمـا عاصرو من العراقيل والأزمــات يقابلـوها بالأمـل وضحكات تعلـو لتتراقص فوق كيد المشكلة ...
-------
- أمســـك يا رمضان ، دي مفاتيح عربيتي ، أركنها في الجراچ وأقفل البوابة كويس .
أمتثل رمضـان للأوامــر الصادرة عن سليــم ، حيث ردد وهو يوميء برأسه مُتفهمًا والإبتسامة لا تفارق وجهه :
- حاضي يا باشـا ، كان يوم صعب ، تصبح عيا خيي .
سليم بإبتسامة حانيه مُتذكرًا حب نسمه الشديد لهـذا الصبي:
- وإنت بخير يا أبو صيـــام .
دلـــف سليم داخل الڤيلا علي الفـــور ، ليجد والدته تجلس في بهو المكان تنتظـره فـ لم تخل عن عادتها تلك ، فـ هو الآن معالي وزيـر الثقافة ولكن مهمـا كبر ، يظل صغيرًا أمامهـا ، طالعته بإبتسامة حانيه ثم تابع بنبرة هادئه :
- كان يـوم تعب النهاردة يابني ، يتربي في عـزك وعقبال ما أشيل لك كـام عيل تاني ، إلهـي يسعدك يا سليم يا إبن بطني ويبعـد عنك ولاد الحـرام .
إقتـرب منهـا سليم فلم يؤمن علي كلامها أبدًا ، فلقد كان بحاجة إلي إحتضانهـا وتقبيل رأسهـا بعشق جــارف ، فدعواتها تلك هي التي تفتح له كُل الطرقات التي ظن انهـا لن تُفتح أبدًا ، بفضلهـا يُسخر الله له كُل ما هو خير ....
" وبالوالدين إحسانا " ، قد تكــون هذه النقطه الرئيسية نحو نجاحه حتي الآن ، بر والدته ، حماية ش*يقته ، عشــق زوجته ، حتي من هم ليسوا من دمـه تذوقوا جمــال حنانه وحمايته لهم دون مُقابل ...
السيدة خديجه بحنو :
- يالا يابني أطلع إرتاح ، أكيد بُكرا عندك شغل كتير .
أومـأ سليم برأسـه إيجابًا ، ليقطع حديثه مع والدته صوت قهقهـــات تصــدر من طُرقات الڤيلا المــؤدي للمطبخ ، عقد مـا بين حاجبيه بإستغراب فيما رفعت السيده خديجها كتفيها ثم أنزلتها كدليل علي جهلها بمصــدر الصوت ، ليتجه هو بخُطوات وئيـدة نحو المص*ر ليُصـدم ممـا يري !...
- ايه دا ؟!
قالهـا هو في صدمة من أمره ، فقد وجدهن قد لطخن بعضهن بحلوي الشيكولاته ، فـ أصبحت وجوههم أشبه بكعكة الـ "براوني " ، لا يظهر منهمـن سوي بؤبؤي أعينهن ، فيمـا تابعت نــوراي بمرح وهي تقترب منهُ :
- حُبــي ، كُنـا بنلعب .
رفع سليــم يده أمامهـا ليردعها عن الإقتراب منه ، لوت نوراي شدقها في حُزن في حين أخرج منديلًا ورقيًا من جيب بنطاله ثم بدأ في محو الشيكولا التي صبغت بهـا وجهها وقد عَبرت قسمـات وجهه عن الوعيد ، لتبدأن الأخريات في قهقهاتهن نتيجة رؤية وجهه ..
سليم بصـرامة :
- النـاس بتكبر وتعقل وإنتـوا بتكبروا وتتجننـوا ، حسابكم معايا الصبح ، يالا كُل واحدة علي أودتها .
قـامت نوراي بوضع يدهــا علي فمها لكتم ضحكتها وكذلك فعلن الأخريات ، وهنـا لانت ملامحه في حنو وقد تساير الغضب الذي أفتعله ليمزح معهن بسهولة قائلًا :
- مجانيـــن ، يالا تصبحن علي خير .
مــال بجذعه العلـوي إليهـا ثم حملها بين ذراعيه فقد إعتـادت هي منهُ علي ذلك ، مضـي صعودًا نحو الدرج ومـا أن وصل إلي الغرفه حتي قامت هي بإدارة مقبض الباب لتفتحـه ...
ولجـا داخل الغرفه ، قــام سليم بإنـزالهـا ، ومـا أن لامست قدماها الأرض حتي إتجهـت ناحية الفــراش فيما هتف هو بهـا بصوتِ أجشٍ :
- مافيش نـوم يا استاذه أوشيـــن غير لمّا تاخدي شـــاور ، مش ناقص خضـة بالليل .
ن**ت ذقنها عبوسًا ، بـدأت تنشج نشيجًا خفيفًا ليلاحظ هو عبوسهـا قائلًا بثبـات :
- خيــــر يا أوشين ؟!
نوراي بغيظِ : إنت بقيت قاسي أوي ، من ساعــة ما بقيت وزيــر .. انا عـاوزه سليــم بتاع زمــان ، حتي ما بقيتش بتضحك من ساعة عزيز المرشود ما خرج من السجن !
أغمض سليــم عينيه بضيق حتي تشكلت كـ خط مُستقيم ، توجه ناحيتها ثم ألــف ذراعيه حول خصـرها لترتفع قدمـاها عن الأرض قليلًا ثم ردد بنبرة ظفــر :
- اتمسكني ، اتمسكني يا اختي ، بردو هتاخدي شور يا سـوكة ، لأ عيسـوي اللي ما بيستحماش !
---------
" في صباح اليوم التالي،،،
إلتــف الجميع حول مائدة الإفطــار ، إستعدادًا لذهـاب الجميع إلي عملهم .. بـدأت السيدة خديجه تضع الطعـام في فم سليــم لتتأكد من أنه يتنـاول طعامه جيدًا ليستطع تحمل مشاق عمله طيلة اليــوم ، وهنـا تابعت نسمه بتساؤل :
- أمال روفيدا ورامي هييجوا أمتي ! ، دول وحشــوني أوي !
السيدة خديجه بهــدوء : النهــاردة بإذن الله ، ماجد **م انهم يقضوا اليوم في بيت ناجي الله يرحمه .. إنتوا عارفين انهم زعلانين من بعض أديلهم فترة وكان عاوز يصالحها .
جــاءت أنهـار تحمل بين يديهـا كوبًا زُجاجيًا من اللبن المخلوط بالزنجبيل ، فقد تعود سليم تناوله كُل صباح :
- كوباية اللبن يا بــاشا .
سليم بنفاذ صبر : بـــاشا ! ، باشا دي في الشارع مش جوا بيتنا يا أنهـار ، انا عاوزك تقولي أستـاذ سليم وبس ، ويا حبذا لو تقولي سليــم من غير اي حاجه خالص .
أنهــار برفض قاطع : لأ أبدًا، دا العين ما تعلاش عن الحاجب .
سليــم وهو يُطالعهـا بحنو :
- الموضوع لا عين ولا حاجب ، بس دا بيتي وبحب أحس فيه ان أنـا هو نفسي ، فهمتيني !
أومـأت أنهار برأسها إيجابًا ، بينمـا استئنفـت حديثه قائلًا :
- ويالا أقعدي أفطري معانا .
همت أنهـار أن تهتف مُعترضه ليرمقهـا هو بصرامـة أرغمتها علي الجلوس الفوري ، وهنـا تابعت خديجه وهي تُطالع نسمـه بحنو :
- نسمه في عريس متقدم لك ، إنما أيه يا بنتي شـاب حليوة وإبن نـاس .
هتـــف سليــم مُقاطعًا والدته بعد أن ألقي شوكته جانبًا لينقل بصره إلي والدته بعصبية خفيفة :
- مش مـوافق يا أمي .
خديجه بإستغراب : هو انا كملت كلامي يابني! ، ولا إنت تعرف عن الموضوع !
سليم وقد إنتصب واقفًا يُعدل من ياقة قميصه ، ليتابع بنبرة حازمة :
- لأ ما أعرفش ومش عـاوز أعرف ، بس كُل اللي يهمني دلوقت إن نسمه مش هترتبط بحد ، لأن هي مش عـاوزه .
تبادلت كُلًا من نسمه ونوراي نظـرات تساؤليه ، لردة فعلة الغاضبه تلك بينما تابعت خديجه بحُزن :
- يابني نسمه بنتي ، انا عاوزه أفرح بيها ، وأشوفها أحلي عروسه في فستانها مع واحد يحميها ويقدرهـا .. غلطت انا في أيه بس ! ، انا خايفه عليها العُمر بيفوت وهي لسـه دافنه نفسها بالحيـا .
سليــم بضيقِ : خليها في ماضيهـا يا أمي ، وماله !
في تلك اللحظه نهضـت نسمه عن الطاوله ، هـرولت بأقصي سرعة لهـا حيث الدرج فيمـا توترت نوراي قلقًا عليهـا لتستتبعهـا في الحال حتي دلفت خلفهـا داخل الغــرفة ، في حين تابعت نسمه ببكــاء :
- الموضوع دا تاعبنـي نفسيًا يا نـــوراي ، انا أقسمت إني مش هكون لحد غيره ، في حاجات ما ينفعش أحسها غير معاه ، هو أكيد مستنيني في الجنه ، يبقي ما ينفعش أخونه في الدُنيـا وأخيب أمله فيّا وأكون لغيره .
تلألأت الدموع في عيني نـوراي وهي تري إنهيــار صديقتها التي أخلصت في حُبهـا حد النـزف ،إبتلعــت نـوراي غصة في حلقها تستمع فقط لصديقتها التي تابعت بنبرة مُرتجفه :
-هم قالوا الدُنيـا مش بتقف علي حد ، بس انا حساها واقفه .
أسرعت نـوراي تحتويهـا بين أحضانهـا فيما أخذت الأخري تصرخ في إنهيــار يتقطع له نيـاط القلوب وفجـأه إبتعـدت قليلًا تردد :
- إنتِ عـارفة ريحته بقيت قريبه مني أوي ، انا مش مجنونة صدقيني ، بس حساه جنبي ما ماتش !!!!!
يتبع