أنهت هزان حزم حقيبتها ..نظرت إلى نفسها في المرآة و ابتسمت ابتسامة صفراء..كلها غضب و حقد و خبث..حملت الحقيبة و خرجت بعد أن أغلقت باب ذلك المنزل المهترئ و المهدد بالانهيار ..رفعت رأسها نحو السماء و قالت بنبرة انتصار" و أخيرا ..سينتهي هذا الكابوس..سأعيش الحياة التي لطالما حلمت بها..وداعا أيها المنزل المقرف..وداعا أيها الحي القصديري المتعفن..وداعا أيتها الأربع و العشرين سنة التي مضت من عمري في الذل و المهانة و الفقر..و مرحبا أيتها الحياة الجديدة..مرحبا بالعز و الجاه و الأموال..سآخذ ما هو حقي..سأسترد كل شيء هو لي..لن أرحم أحدا و لن أضعف أبدا..سأكون هزان الغنية منذ اليوم..هزان أخرى..ستحرق الأخضر و اليابس" مررت اصابعها خلال شعرها الأ**د الطويل و الذي لامس أسفل ظهرها و أخذت تجر حقيبتها خلفها إلى أن وصلت إلى موقف الباص..ركبته و أخرجت ورقة من جيبها..قرأت عنوانا مكتوبا عليها و ابتسمت بسعادة..غيرت الباص مرتين إلى أن وصلت إلى موقف سيارات الأجرة..ركبت احداها و وجدت نفسها بعد ربع ساعة أمام قصر فخم..قرات على اللافتة الخارجية اسم " أمين شامكران" ..تأملت القصر مطولا و قالت" بابا حبيبي..أنا هنا..لقد أتيت..ابنتك الأخرى أتت إليك..لقد حان وقت احتواءك لها..هذا من حقي..أليس كذلك؟" ..لمحت سيارة مرسيدس سوداء تتجاوز البوابة الحديدية و تدخل إلى الداخل..نزل منها رجل طويل القامة يرتدي بدلة سوداء و يضع نظارة شمسية تخفي عيونه البلورية..و من الجهة الأخرى..نزلت فتاة ترتدي فستانا أحمرا يصل إلى ركبتيها و تلمع مجوهراتها الباهظة تحت أشعة الشمس..نظرت هزان إليها و كانت كأنها ترى نفسها..انها أختها التوأم..نازلي ..تقدمت هزان بإتجاه أختها ..ألقت نظرة على فستانها الأزرق البالي الذي كانت ترتديه..و حذاءها الأ**د القديم..ابتسمت و هي تحدث نفسها بأن هذا كله سيتغير..انها مسألة وقت فقط..التفتت نازلي إليها و بقيت تتأملها مطولا..اقترب منها الرجل الواقف بجانبها و سألها" نازلي..حياتي..ماذا حدث؟ فيم تحملقين هذا؟" أشارت نازلي بإصبعها بإتجاه الفتاة التي كانت تمشي بخطوات بطيئة و تقترب منهما..التفت إليها و نزع نظارته و شهق بصوت مسموع و هو يرى هزان..قالت نازلي" ياغيز..انظر إليها..كأنها أنا" هز برأسه و أجاب" نعم..معك حق..انها تشبهك كثيرا..هل تعرفينها؟" قالت" لا..لا أعرفها..لنسألها" وقفت هزان أمامهما و قالت" مرحبا نازلي..كيف حالك؟" زمت نازلي شفتيها و أجابت" بخير..لكن..عفوا..هل تعرفينني؟" ابتسمت هزان و ردت" بكل تأكيد..أنا أختك التوأم..هزان" التفتت نازلي إلى ياغيز و قالت" ماذا؟ أيعقل أن ما تقوله صحيح؟ لماذا لم يخبرني أبي بذلك؟ لماذا أخفى عني هذا؟ " وضع ياغيز يديه حول كتفيها و همس" اشكم..ساكن أول..اهدإي..سنتأكد من الأمر..لندخل أولا" ثم التفت إلى هزان و قال" تفضلي هزان هانم" دخل الثلاثة معا فأخذت نازلي تنادي بأعلى صوتها" بابا..بابا..تعالى لو سمحت" ..من الطابق العلوي..أطل رجل خمسيني خط الشيب شعره و ملأت التجاعيد وجهه..سأل بقلق" نازلي ..حبيبتي.. ماذا حدث؟ لماذا تصرخين هكذا؟" ثم جمدت الكلمات في فمه و حملق بعيون متفحصة هزان التي كانت تقف بجانب أختها التوأم..تشبث الرجل بالحاجز الحديدي بقوة و تمتم بصوت مسموع" هزان..أهذه أنت؟" قطبت هزان جبينها و أجابته بصوت عالي" نعم..هذه أنا..شككت للحظة بأنك نسيت أن لك ابنة أخرى ..مع أنني متأكدة بأنك نسيتني طيلة سنوات..لكنني الآن هنا..هذا هو المهم" التفتت نازلي إلى هزان و قالت" غير معقول..هل أنت حقا أختي؟" هزت هزان برأسها و أجابت" نعم..أنا أختك التوأم" عانقتها نازلي و هي تقول" أختي..كم جميل أنك هنا..سيكون لدي أخت" ثم ابتعدت عنها و التفتت إلى ياغيز الواقف بجانبها و قالت" ياغيز..حبيبي..انظر..انها توأمي..أصبح لدي أخت" ابتسم ياغيز بسعادة و قال" نعم..هذا جميل" نزل الرجل الدرج و اقترب من هزان..مد يده نحوها فتراجعت إلى الخلف..بقيت يد أمين ممدودة..سأل" هزان..ابنتي..لماذا تبتعدين عني؟ اسمحي لي بأن ألمسك" رفعت هزان حاجبها استغرابا و قالت بنبرة غاضبة" ابنتك؟ هل تذكرت الآن بأنني ابنتك؟ بعد اثنان و عشرين سنة كاملة؟ أين كنت أنت عندما كنت أنام جائعة و أرتجف من البرد؟ أين كنت أنت عندما كنت أنذل بين الناس لكي أحصل على بعض الليرات التي لا تكفي للأكل و الشرب؟ أين كنت أنت عندما كنت أعمل هنا و هناك عند أناس بلا رحمة و لا شفقة؟ ما ذنبي أنا إذا كنت تطلقت أنت و أمي و اتفقتما أن تأخذ أنت نازلي و تأخذني هي معها؟ ما ذنبي أنا إذا كان كل واحد فيكما قد تزوج من جديد و التهى بحياته؟ ما ذنبي أنا إذا كان زوج أمي رجلا حقيرا خدعها و سلبها كل أموالها و تركنا للفقر و الذل؟ أنا الضحية الوحيدة في كل ما حدث..أنا" قال أمين" هزان..ابنتي..إهدإي..و اجلسي" جلست هزان و جلس الجميع قبالتها..اضاف أمين" هزان..أنا و فضيلة كنا نعشق بعضنا جدا..لكن المشاكل التي حدثت بيننا كانت أكبر منا..و حكمت علينا بالإنفصال..لم أرضى أن تأخذكما أنتما الإثنتين..فاتفقنا على أن تصطحبك أنت معها و تبقى نازلي معي..لم أقصر معها..و أعطيتها مالا يكفيها لكي تعيشا بكرامة..و بعد زواجها الثاني..انقطعت أخبارها عني..بحثت عنكما كثيرا..لكن دون جدوى..لم أكن أعلم بما حدث معكما..سامحيني يا ابنتي..أنا مستعد أن أعوضك عن كل ما مضى..المهم أن تسامحيني" طأطأت هزان رأسها و قالت" ذاتا لم يبقى لي مكان آخر لأذهب إليه بعد وفاة أمي..لقد بقيت لوحدي..أنا لا أريد أن أزعجكم لكن.." وضع أمين يده على يد هزان و قال" عن أي ازعاج تتحدثين؟ هذا منزل والدك .. لا تنسي ذلك..هذا منزلك الآن..مرحبا بك بيننا..هذه أختك و هذا زوج أختك..أعدك بأنني سأعوضك عن كل ما مضى..