- إذا، سنركز على دراسة المشاهد. كيف تصنع الشخصية، و كيف تقدمها أمام الكاميرا. سنركز على تحركات أجسادنا و التحكم في أصواتنا، و أكثر، كتدريب و مراجعة لما تعلمتموه من قبل عن التمثيل. كل ذلك لمدة شهر، قبل تجربة الأداء التي سيتم فيها إختيار وجوه جديدة لأجل الفيلم الذي تعمل عليه الشركة...
حرك إيان ذراعه و لمس بمرفقه مرفق روز. إلتفتت إليه، فابتسم لها هامسا.
- أ لم أخبركي؟
أومأت مبتسمة، فرفع كلا حاجبيه مرتين مفتخرا، فجعلها تضحك. لكن سرعان ما توقف كلاهما خوفا من أن يُعاقبا. أنزل ايان عينيه ليتحكم في رغبته في الضحك، و عضّت روز على شفتها السفلى لمنع إبتسامتها من الظهور.
***
- أضف بعض الملح.
- حاضر.
إلتحق آدم بالطاهي الثاني و تفقد طبقهه. تذوق قطعة خضار، ثم أومأ له و ربّت على كتفه.
- جيد.
ثم أسرع نحو الطاهي الثالث أمامه، تذوق الصلصة التي لا يزال يحركها على النار، ثم أغلق عينيه لبضع ثوان وهو يحاول إكتشاف ما ينقصها لتصبح مكتملة.
- أضف القليل من الثوم.
- حاضر.
إتجه نحو الفرن و تفقد الخبز الذي أعده قبل قليل، ثم بعدها تفحص طلبات الزبائن.
- آدم.
إلتفت عند سماعه إسمه، فلمح صديقه، صاحب المطعم يلوح له بابتسامة، فابتسم بدوه متسائلا.
- إريك! هل أساعدك في شيء؟
تبسم صاحب المطعم.
- تعال معي إلى المكتب.
***
دخلا المكتب.
طلب إريك من آدم القعود، ثم جلس من بعده أمامه.
- آدم، أحتاجك أن تدير المطعم لهذا الأسبوع. إبتداء من الغد.
- ماذا تقصد؟
- زوجتي في المستشفى، و ستنجب قريبا. أرغب في البقاء بجانبها. لذلك لن أتمكّن من إدارة المطعم لمدة.
إتسعت إبتسامة آدم.
- مب**ك عليك!
أومأ و شفتاه منبسطتان.
- شكرا لك.
ثم سأل بعد سكوت.
- إذا؟ ماذا قلت؟
- لمدة أسبوع؟
- أجل.
- و الصحفي الناقد الذي سيزور مطعمك؟
- أعتمد عليك في ذلك. قدّم له أفضل ما تتقن إعداده، أو وصفتك الخاصة، دعه يُعجب بطبخك و يكتب عنك. إنها فرصة.
إبتسم آدم في إرتباك.
- لا أدري. لست.. لست واثقا.
- أما أنا فأثق بك. هيا. لو كنت ستدمر سمعة المطعم لما فكرت في تسليمك مكاني. أنت محترف، موهوب و فنان. و أثق بك.
أرخى آدم بصره الذي يفضح حيرته على الأرض. حاول أن يفكر في الأمر لوهلة، ثم أفصح أخيرا.
- سأحاول ما في وسعي.
- أعلم أنك ستفعل.
***
إنتهت الحصة، همّ الجميع بمغادرة غرفة التدريب معدى إيان. كان لايزال جالسا يقرأ الحوار في **ت، و كانت روز آن ذاك على وشك المغادرة برفقة البقية، لكنها تراجعت عن ذلك عندما إنتبهت إليه.
تقدمت نحوه.
- أ لن تغادر؟
رفع بصره عن الأوراق بين يديه، ثم إبتسم لها إبتسامة لطيفة.
- ليس الآن. سأبقى هنا لبعض الوقت.
وضعت حقيبتها أرضا ثم إقتربت من موقع جلوسه.
- لتتدرب؟
أومأ و شفتاه لاتزالان تحتفظان بنفس الإبتسامة.
- أ لا يمكنك العودة إلى البيت.. و التدرب هناك؟
هزّ رأسه نفيا.
- أعيش في شقة صغيرة برفقة صديقين مزعجين.
تبسمت ضاحكة. فأضاف.
- من الصعب علي أن أتدرّب وسط تلك الضجة.
إكتفت بإيماءة صغيرة. قام من مقعده، إعتدل أمامها، ثم طلب.
- أ يمكنك البقاء قليلا؟ أقصد.. لنتدرب معا.
خيّم ال**ت لوهلة وهي تبادله النظرات.
- لما لا! ليس لدي شيء أفضل أقوم به على أية حال.
ثم أضافت قائلة.
- هيا إذا. أي جزء من الحوار تعمل عليه الآن؟
- هذا.
قدم لها الصفحة، فأخذت الأوراق منه، تفحصت النص.
- صعب بعض الشيء. دعني أتقمص الشخصية أولا.
- لك ذلك.
وضعت الأوراق على الكرسي، أغلقت جفنيها لمدة قصيرة، ثم فتحتهما لتصلهما بعيني إيان. تغيرت ملامح كل منهما. بدت روز خائفة، قد تبكي في أية لحظة. و بدى إيان جادا، حزين الملامح، و عيناه تع**ان تعبا و حزنا حقيقيين.
فتح شفتيه ثم قال بصوت متعب.
- علي.. علي أن أرحل.. الآن.
إقتربت منه و عيناها إمتلأتا دموعا.
- مجددا؟ ستتركني مرة أخرى؟
طأطأ رأسه قليلا كالمذنب ثم أجاب بنبرة هادئة.
- علي الذهاب. علي الرحيل. لكنني.. سأعود. أعدك.
مدت كفيها المرتعشتين إلى يده، ثم سمحت للدّموع أن تبلل خديها.
- سبق و وعدتني.. سبق و إنتظرتك.. طويلا. لم أعد أتحمل الإنتظار. لم أعد أتحمل الفراق.
رفع بصره إليها في تردد، تساقطت بضع قطرات من الدموع على خديه ثم تأفف أسفا، و قال بصوت شبه خافت صاحبته رعشة متوترة.
- أنا كذلك.. لم أعد أتحمل الفراق.. لم أعد أتحمل.. ماذا أفعل؟ أخبريني.. ماذا أفعل؟
إقتربت منه وهي تتفحص عينيه المتعبتين، بعينيها القلقتي.،
- إبقى.. إبقى معي وحسب.
تبادلا النظرات لوهلة، لي**ر إيان المشهد عندما إبتسم فجأة وهو يتأمل عينيها.
- مذهلة!
ضحكت روز في **ت، تراجعت بضع خطوات إلى الخلف ثم مسحت خديها.
- كنتَ ممتازا أيضا.
إنبسطت ملامحه، وهو يمسح آثار الدموع عن خديه كذلك.
- ممتازا؟ أ لهذا الحد أنا موهوب؟
- أنت كذلك بالفعل.
قال وهو يراقبها تمسح وجهها و ترتب شعرها.
- مع ذلك، أظنك أفضل بكثير.
- ربما. سأقبل مجاملتك هذه.
مدّ يده إلى خدها، و مسح ما لم تنتبه إليه أصابعها من آثار الدموع.
- لم أكن أُجاملك. أنت حقا محترفة.
تقلصت إبتسامتها عندما شعرت بأصابعه تلمسان خدها بلطف، و تجمدت مكانها وهي تدرس عينيه الزرقاوتين لثوان طويلة. إستيقظت من شرودها، و إبتعدت خطوة إلى الخلف.
- أظن.. علي.. علي الذهاب الآن.
أومأ لها.
- أراك غدا إذا؟
- أراك غدا.
إلتقطت حقيبتها، حملتها على ظهرها، ثم غادرت الغرفة بخطوات سريعة لكن حذرة، و كأنها هاربة تحاول جاهدة أن لا تثير الشكوك. خرجت ثم توقفت لبعض الوقت وهي تحدق بالأرض في **ت و كأنها مصدومة، ثم أخيرا رفعت يدها إلى ص*رها لتتحسس موضع قلبها. تمتمت لنفسها.
- عيناه. تلك العينان، تحملان نوعا من السحر.
***
دخلت الشقة لتجد آدم في المطبخ، يحرك خليطا على النار. وضعت محفظتها على الأريكة، ثم دخلت المطبخ فلاحظت فوضى تعم المكان. سألت وهي تتجول بعينيها المتسعتين في المكان.
- ما كل هذه الفوضى؟ ما الذي تصنعه؟
أجاب دون أن يرفع نظره عن الصلصة التي يُعِدها.
- أحاول صنع وصفة جديدة تنال إعجاب ناقد مشهور سيحضر قريبا إلى المطعم.
- أ ليس هذا عمل رئيس الطهاة؟
- صحيح. و أنا سأكون رئيس الطهاة لهذا الأسبوع.
تناول مل*قة صغيرة، غمس رأسها بالصلصة ثم قدّمها لروز.
- تذوقي و أخبريني ما رأيك؟
- حاضر. يا رئيس الطهاة!
أخذت المل*قة من يده، ثم تذوقت ما بها من خليط. قال و القلق واضح على معالم وجهه.
- لست برئيس طهاة بعد، كما أنني لست محترفا كذلك. و لا أدري ما إذا كانت هذه الصلصة ستفي بالغرض.
ثم إسنتنشق نفسا و سأل بملامح متوترة لكن متشوقة لسماع الجواب.
- ما رأيك؟
أغلقت عينيها لوهلة وهي تتحسس مذاق الصلصة، ثم فتحتهما وهي تفكرّ لمدّة و كأنها تفكّر في كلمات مناسبة لوصف ما تذوقته لتوها.
- لذيذة.
إستغرب.
- أ هذا كل شيء؟
أومأت و هي تسكب لنفسها كوبا من الماء. عقد حاجبيه.
- من يراك تفكرين يظنكي ستقدمين تقريرا عن الصلصة!
شربت من كوبها.
- إذا، تعدّ الطبق الرئيسي؟
أومأ وهو يسكب الصلصة في طبق بجانبه، ثم أسرع إلى الفرن و أخرج قطع لحم الدجاج دون أن يرتدي قفازات و**ية. و ما أن أخرج الصحن الزجاجي حتى شعر بحرارته تحرق كفّيه، فأفلت الطبق و وقع أرضا.
تجمدت ساقاه أمام الصحن الم**ور و كأنه غير قادر على الحركة. و من شدة الألم، أخذ ينفح على يده، قصد تخفيفه، لكن دون جدوى. هرعت إليه روز، أمسكت مع**ه، ثم سحبت كفّه إلى صنبور المياه، فجعلته يتحرك من مكانه أخيرا. فتحت الصنبور، لتنهمر مياه باردة على يده، فخف الألم قليلا.
أطبقت جفنيها وهي لاتزال تمسك بمع**ه، تن*دت ثم إلتفتت إليه، لتلتقي عيناها الغاضبتان، بعينيه الحائرتين.
- كم مرة ستحرق يد*ك فقط لكي تتعلم أن تنتبه؟
لم يجب، فتأففت.
- لطالما كنت غير مسؤول و لا تكترث لأي شيء! لكن يداك؟ جسدك؟ أ لا تكترث لنفسك؟ ألا تنتبه لخطواتك؟ أ لا..
إختفت كلماتها من بين شفتيها، عندما شعرت بذراعه حولها. ضمّها بلطف إلى ص*ره بيده السليمة، فتصنّمت مكانها لمدّة، ثم حاولت الابتعاد عنه بهدوء، إلا أنه سحبها إليه مجددا.
همس في أذنها.
- إبقي قليلا هكذا. أرجوك.
ففعلت كما طلب. و بعد تردد منها، رفعت يدها إلى ظهر، ثم ضمّته بدورها.
****