(1) الفصل الأول

1755 Words
ووسط بركان من الألم ودموعاً قد تحجرت مُنذ زمن ، ظلت كلمة واحدة تضوي بين أعماقه .. ليفيق علي دموع أبنته وهي تهتف بنبرة تحرق جوفها " مكنش ينفع أحكيلك يابابا ، كان لازم أوافق علي الجواز منه .. مكنتش هقدر أستحمل نظرة وجع واحده منك" فوقف محمود بضعف وأقترب منها : ليه يا هنا ليه مقولتليش ، ليه تحكمي علي نفسك وتحكمي علياا بالموت ويهوي بجسده ثانية علي اقرب مقعد يتمتم بألم : انا السبب يابنتي سامحيني  ! فترفع وجهها نحوها هاتفة : أسامحك علي أيه يابابا ... ومين الي يسامح مين ! محمود بألم : لاء يابنتي انتي اللي لازم تسامحيني ،كان لازم ده يحصل أنا اللي أفتكرت أن الذنوب ممكن تتغفر من غير ما الحق يترد لصحابه ، نسيت أن الدنيا بتصفي حسابتهاا قبل الرحيل ، حتي لو الحساب طال .. فأقتربت منه تنظر إلي هيئته التي **اها الحزن : بابا أنت كويس! فصدح صوته من خلفهما وهو يطالعهم بألم : هنا صدقيني انا بحبك ، كان لازم اعمل كده عشان انتي بتاعتي انا وبس ياهنا ، واقترب منها "أمجد " : سامحيني ياحببتي ! فطالعته وقد استوطن الخذلان قلبها : صدقني مش هنقدر نكمل مع بعض ياأمجد ، غلطتك صعبه اوي واكبر من اني اتحملهاا وانسي ... واظن الشهرين الي اتفقنا عليهم خلصوا خلاص ولازم ننفصل بهدوء ليرفع ذراعيه ويضمها إليه بحب متوسلاً : اللي بيحب بيسامح ، وعارف انك بتحبيني بس انا بغبائي ضيعتك .. أديني فرصه واحده ياهنا لتظل تنظر في بحور عينيه التي طالما عشقتها من أول يوم قد رئته فيه .... في ذلك السباق ، حتي تشيح بوجهها سريعاً فيتأملهاا بألم : يعني مافيش امل ياهنا .. لتظل صامته بين صراع عقلها وقلبها ، حتي يُذكرها عقلها بكل شئ ، ويبكي القلب الماً كُلما تذكر سبب تلك الزيجه ليتن*د بألم قائلا : أنا مسافر ياهنا ، بس تأكدي إن هيفضل عندي أمل إننا نرجع لبعض من تاني ... ويلتف لكي يرحل ، تاركاً قلبه وكيانه معها .. لتسقط دمعه من عينيه قد حاول إخفاءها تحت قناع الصرامه لتسرع في خطاها .. حتي وتقف أمام الشرفه ويظل نظرها عالقا بالخارج حتي رحيله ، فطالعها  بألم مودعاً وتبقي نظرات عيناهم هي من توحي بكل شئ ويظل أبيها يتأملها بشرود حتي زفر أنفاسه في حسره : سامحيه ياهنا ، سامحيه .. أمجد عمل كده عشان ده ذنب، وخلص فيكِ أنتي وكأن الزمن رجع من تاني عشان ياخد حقها من غير ما تبقي هي موجوده دلوقتي...الشخص اللي المفروض أنك تكرهيه ومتسامحهوش هو انا مش أمجد .. فتقترب من والدها : انت يابابا الي بتقول كده فحدق بها "محمود" وهو يحرك يده علي خصلات شعرِه التي ظهر الشيب عليها ، ويشرد في زمن قد عاد الان ليجبر الماضي بأن يعود بذكرياته لتبدء من هناا قصتنا .........." رياح الالم ونسمات الحب"  ......................... في وسط الهواء العليل ، ونسمات الرياح الهادئه ومنظر النخيل وهو يترنح بتحركات  ثابته .. جلست فتاة تشرد في ذكريات حياتها السابقه ، منذ أن توفي والديها الي أن جاءت الي تلك البلده لتعيش مع عمها الذي اصر علي أن تأتي للعيش معه ليس شعوراً بواجبه كعم ، بل للأستلاء علي ورث أخاه ، تلك الحقيقه التي اكتشفتها بعد أن خيرها عمها بأن تتخلي عن حلم عمرهاا لتصبح بطبيبه صيدلانيه ، او تتخلي عن ميراثها كي ينفق منه عليها، فهو لا يستطيع بأن يتكفل بعيشها معه وأيضا تعليمهاا لتفيق من شرودها علي صرخات بنات عمهاا وهم يأتون إليها راكضين لتبتسم لهم بحب قائله : كنتوا فين يانور فتجيبها "سلمي" الابنه الكبري من بنات عمها : كنا في المزرعه الكبيره يا أبله هنا ، شوفتي انا جيبت تين وتوت كمان ، بس الراجل ابو شنب ده زعقلنا وجري ورانا ، وكان هيمسك ريم ، بس أيه في الاخر وقعناه وحلف لو شافنا هناك تاني هيض*بنا لتضحك هنا علي شقاوتهم لتقول بصوت حنون لهم : طيب في بنات شُطار يعملوا كده مش عيب ، وكمان مش انا قولتلكم الي ياخد حاجه مش من حقه يبقي ده حرام لتقول أصغرهم (ريم ): يا ا**ه هنا احنا بنروح عند شجره التين والتوت بس ، وكمان ديه المزرعه كبيره اووي وفيها فاكهه كتير وحاجات حلوه اوي ... وتقترب منها سلمي قائله : وفيها حصان أبيض كمان لتضحك هنا بشده عليهم : لدرجادي المزرعه عجباكم ليقولوا البنات في صوت واحد : عجبانا اووي يا أبله ، ونفسنا ندخل نتف*ج عليهاا .. بس الراجل ابو شنب ده بيخوفنا اووي لتنهض هنا وتسير بجانبهم قائله:طيب يلا عشان اتأخرنا ، وزمان عمي رجع البيت ليقولوا الثلاث فتيات بصوت واحد : ييييييييه ، مش عايزين نروح ، كل شويه بابا يفضل يقولنا أمتا هخلص منكم ... هو بابا مش بيحبنا ليه يا أبله هنا لتتمتم هي بصوت خافت : هو مش بيحب نفسه أصلا ! .................................................. ............... وفي بيت يبدو عليه البساطه الشديده ، ولكن لا نجد فيه سوي الصراخ والسب لتصبح حياة هذا البيت كئيبه مثل أصحابه وبرغم كل هذا نجد حنان صاحبته التي يجعل لهذا البيت الموحش دفئاً ليصرخ احدهما بصوت عالي قائلا : فين البنات ياست هانم ، مش كفايه مخلفالي تلت بنات ، وكمان مش عارفه تربيهم ، البيت ده شكله عايز يتعدل من اول وجديد لتقف هي خائفه : حرام عليك ياصالح ، هما بناتي انا بس ما بناتك انت كمان .. ليقترب منهاا صالح بجمود: غوري من وشي ، كل لما اشوفك بتعفرت ، كان يوم أ**د يوم ما اتجوزتك واتبليت بيكي وبخلفتك يا ام البنات لتسقط دموعها بألم وهي تبتعد عن وجهه حتي لا يتحول خناقهم الي ض*با ، قد اعتادت عليه لتسمع صوت ضحكاتهم ، فتمسح دموعها سريعاا قائله : انتوا جيتوا ياحبايب ماما ! فتركض نحوها أبنتها الصغري ريم بحب : شوفتي ياماما انا جبتلك توت احمر ، ومرضتش اخلي نور وسلمي ياخدوا منه اي حاجه .. عشان ناكله سوا لتبتسم هي بحب لابنتها قائله : تاني يابنات روحتوا المزرعه ديه ، ابوكم لو عرف هيحرمكم من الخروج حتي تأتي هنا وتقول وهي تخلع حذائها : انا مش عارفه ايه حبهم في المزرعه ديه ، من ساعة ماجيت هنا وهما مبيرحوش يلعبوا غير عندها لتقترب منهاا زينب بطيبه : ديه مزرعه باشا كبير من مصر ، عنده شركات كتير اووي ، بس اصله من هناا ،محدش بقي بيجيهاا اوي زي زمان من ساعة ما الباشا الكبير مات ، تصدقي ياهنا انا دخلتها مره واحده ، كان عندي يجي 12 سنه روحت مع ابوياا عشان كان رايح للباشا الكبير ، تحسي كده وانتي دخلاهاا داخله جنه بس علي الارض لتضحك هنا علي بساطة تلك السيده الحنون ، التي لا تشبه زوجها علي الاطلاق لتقول : أمممممممم ، البلد هنا بسيطه اوي يمكن عشان كده المزرعه ديه بالنسبالكم حاجه كبيره لتقول زينب : يمكن يابنتي ليأتي صوت من خلفهم قد افزعهم جميعا : كنتي فين ياهنا ، مش انا قولت بلاش خروج كتير هنا لغير عشان جامعتك ، مش كفايه بخليكي تنزلي المنصوره لوحدك ، لاء وكمان بتطلعي تتمشي ، انتي لسا فاكره نفسك في القاهره ولا ايه يابنت اخويا لتتطلع هي الي عمها بألم وت**ت لتقول زينب مدافعة عنها : ياصالح سيب البنت في حالها حرام عليك ، ده احنا مصدقنا بقيت تضحك وتتكلم ، واتعودت علي العيشه هنا ليقول صالح بصوت جهوري: تتعود ليه ياختي ان شاء الله ، ديه بقالها سنه ولسا عايزه تتعود لتأتي يد ابنة عمها الصغري لتجذبها الي غرفتهم قائله بصوت هامس : تعالي ندخل اوضتنا يا ا**ه هنا لتتطلع زينب اليه بألم ، وتلتف لكي تذهب من امامه حتي لا تظل تعاتب انسانا لا يُمد بصله للبشر بشئ .................................................. ................ وفي وسط الكثير من ذكرياته ، ظل شاردا في سنين عمره التي مضت ، كانت كل ذكري تُراوده تقضي علي شئ بداخله حتي أصبح أنساناً ألياً فقط ... أفاق من كل ذلك ، علي دخول صديقه له وهو يقول بمرحه المعتاد: يا أبني أرحم نفسك ، شغل شغل أيه يابشمهندس ، انت كده هتاكل السوق ليبتسم فارس بمرارة قائلا : تصدق ياهشام اه الشغل ده الحاجه الوحيده الي بحسها صح في حياة الانسان ، زي مابتديه بتاخد منه ليتطلع اليه هشام بحزن : بس أنت مكنتش كده يافارس ، فين فارس بتاع زمان ، الي كان مقضيهاا سفر ، وخيل .. لي**ت قليلا حتي يقول بدعابه : وستات كمان لينظر له فارس بألم قائلا : اه الستات دول بالذات ، الي بقيت أكره سيرتهم ، حتي وجودهم كرهته ليضحك هشام : انت هتقولي ، ده انت لولا انك بتحتاج الستات في الشغل ، كنت خليت معظم الي شغالين عندك رجاله ، ده انت مُناك انك متشوفش ست اصلا ماشيه علي الارض ليبتسم فارس علي دعابه صديقه قائلا : اخبار مشروع شرم أيه هشام بحالميه : ياسلام علي شرم وستات شرم ، انا قررت اني همسك المنتجع الي في شرم خلاص يافارس ، ما انا مش هسيب الحلاوه ديه كلهاا هناك ، واجي هنا اشوفك واستحمل شخطك وعصبيتك ... فارس بحزم : لما تخلص المنتجع الاول يابشمهندس ، مدة التسليم قربت علي فكره ،وانت المهندس المسئول قدامي ليتطلع هشام الي صديقه ، ويبدء يقص عليه كل شئ يخص المنتجع المسئول هو عنه ... .................................................. ............. وعلي مائده الطعام البسيطه ، جلسوا جميعهم ب**ت ليتناولون الطعام ، حتي يتحدث هو بحزم قائلا : كليتك ديه بقي فضلها قد أيه ياهنا لتتطلع هنا الي عمها بأسي : فضلي سنتين ! ليتن*د عمها بضيق : انا عارف تعليم أيه ده الي متمسكه بيه ، وفي الاخر هتكوني دكتورة بتبيع ادويه لتتطلع هي الي طعامهاا بمراره .. حتي تقول نور أبنته الوسطي : انا لما هكبر عايزه أكون زي ا**ه هنا يابابا ليضحك صالح بسخريه : وانتي فاكراني ياختي انا هعلمك ، لحد الجامعه ، ليه ده حتي انتوا في الاخر مجرد بيعه هبيعها للي معاه فلوس أكتر ، قال تدخلي الجامعه قال .. لتتطلع زينب الي بناتها بحزن .. حتي تقول : ان شاء الله ياحببتي بكره تبقي زي ا**ه هنا ، واشوفك دكتوره شاطره ليضحك صالح ثانية : ابقي شوفي مين الي هيصرف عليهاا ياختي ، ابقي بيعي أرض ابوكي الي اخوكي لحد دلوقتي مش راضي يد*كي ورثك ، وبيبعتلك أخر الشهر شويه فلوس ميستهلوش ، انا قولت الجوازه منك ديه مجبتش في الاخر غير خلفة البنات لتنظر هنا بألم ، علي زوجة عمها حتي تقول : ياعمي دلوقتي البنت بقيت زي الولد بالظبط ، بتتعلم وبتشتغل ، غير ان الخلفه ديه رزق .. ربنا قال في كتابه العزيز (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِير) لينظر اليهاا صالح بسخريه قائلا : وانتي بقيتي ل**نها دلوقتي ولا ايه يابنت اخويا ،و**ت يهدء قليلا وهتف بصوت جامد : ابوكي وامك الله يرحمهم ، معلموكيش أنه عيب تدخلي في امور ماتخصكيش لتتطلع هي الي عمها بألم قائله : انا مش قصدي ياعمي صدقني .. وتنهض وهي تمسح دموعها التي انسابت فوق خديها دون أن تشعر ليتطلعوا الفتيات اليهاا بحزن ، حتي يلتفوا ببصرهم الي أباهم بنظرات كره ليقول هو بصوته الجامد : لتطفحوا ، لتقوموا من قدامي لتنظر زينب الي زوجها بألم ، وتنهض من امامه .. حتي تذهب لتلك اليتيمه *******
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD