الفصل السابع و الثلاثين

3920 Words
مالك مراد إلى متى أيها القدر تقودني, متى أتعلم قيادتك, يبدوا أنه أبداً, بالبداية تركتُ حلمي لحلم ليس لي وتعوَّدت أن أحياه من أجل إرضاء الوالدين ثم تركتُ (ماهي) حب حياتي للسبب ذاته والان علي التزوج إذ أردت الذهاب إلى بعثتي مكرم وليس محرم علي متع الحياة بل وضرورياتها . أبي ألزمني الزواج و إلا لن يرسل إلي ما يعيلني أثناء بعثتي, و لأعتمد على راتب البعثة الضئيل, و السكنة بقاعدة حربية أمريكية تجعلني مضغتها التالفة ومن ثم بصقها أرضاً و دهسها بالأقدام. إمتثلت بالطبع لأراء أبي و قمت بخطبة إبنة أحد مدرسي كليتي إنما حدثت بعض الخروقات و فسدت الخطبة اللعينة و أفسدت علي خططي المستقبلية. ذهبت الخطيبة الأولى؛ سميحة بنت العميد مدحت بلا رجعة ولم يعد أمامي غير إبنة اللواء جلال كما نصحني أمجد, فقد رءاها المغفل رضيعة لما جائت برفقة أمها و اللواء لواجب العزاء حيث مات أبا أمجد منذ سنوات طويلة في حادث مروع ألهمني للغاية بل وجعلني أتأكد من أنني هالك لا محالة, فخروج العلم من أمريكا غير مرجح, مات أبا أمجد في الحادث الشهير الذي يحمل إسم طائرة العسكريين أو لإمعان الدقة الطائرة 990 التابعة لمصر للطيران التي سقطت في المحيط لأطلسي على بعد 97 كم جنوب جزيرة نانتوكيت بولاية ماساتشوستس، وأسفر عن مقتل جميع من بها ومن ضمنهم ثلاثة وثلاثون ضابط أنهوا تدريبهم على أحدث نظم الأسلحة الحديثة في أمريكا وثلاث خبراء في مجال الذرة وسبع في مجال النفط إنما أمجد يردد دائماً أن أبيه لازال على قيد الحياة و باقي العلماء بل ومحتجزين من قبل الأمريكان لأسباباً شتى, وحينها يربت اللواء جلال على كتف أمجد مهوناً ويردد أن الدعاء خيراً للفقيد سواء حياً أو ميت, أما أنا بالكاد أتكتم على ضحكاتي من الحالم بعودة ميت و حينها يصفقني اللواء على قفاي لي**تني عن الحق. بأي حال رحم الله الفقيد و أسكنه فسيح جناته, قد يكون برأ عن كل ذنب إقترفه بحياته على الأرجح بعدما إحترق عن أخره, و لم يجدوا حتى رفاته بين رفات الطائرة, ياله من مصير لا أتمناه لمخلوق فيما عدا أمجد ذاته, متواكل, طفيلي لا يتوانى عن قتلي حريقاً ولو من أجل درجة زائدة على مجموعه الكلي ليصير أول دفعتنا كما يتمنى من قاع قلبه. عودة للرضيعة, يقولون شقراء زرقاء العيون, ذو شعرٍ بني متكتل, تشبه إلى حدٍ ما كبير أخيها الأوسط الأشقر بدوره و ليس الأكبر الأسمر شبيه أبيه كما إدعى حسام ليبعدني عن خطبتها خوفاً عليها من زئر نساء مثلي, لا ضررٌ وضرار فالمال له الكلمة والأولى بكل قصة واليوم كلمتي العليا كما أن اليوم نوبتجية اللواء, إذاً يوم الهدوء والسكينة وإلا, إذاً إذا جفى اللواء النوم يجافينا بدورنا لأنه يدور بالعنابر بحثاً عن م***عات وإن لم يوفق يوقظ الطالب على سؤال ملح بأي علوم وإن لم تكن بالعلوم التي يدرسها لهم لكي تحتسب أعمال السنة, إذاً موعظة بعد صلاة المغرب والعشاء الإجبارية من خلف اللواء, إذاً عشاء على نغمات التفاخر بنجتله الوحيدة التي تكون بكل عام من أوائل مدرستها, إذاً التسابق من باقي المعلمين وضباط الكلية على مفروشات تنتجها نساء اللواء, فقد نمى لمسامعي أن اللواء متزوج من ثلاث نساء دفعة واحدة إنما علمت من حسام إن للواء زوجة واحدة الان لأن الأولى وافتها المنية و الثالثة هي إبنته الوحيدة و لكن لها سطوة زوجة على قلب اللواء. إنتهت المفروشات وهناك من لم ينل حصته و بدأ التذمر فأجابهم اللواء بأن صغيرته بتلك الأيام منشغلة بإمتحانات منتصف العام وليس لديها وقتٍ شاغر لصنع مفروشات منزلية وعليهم بالصبر. ياللفقر المدقع, تعمل نساء اللواء من المنزل لإعانته قد أكافأ بالجنة إن تزوجت بالفتاة المسكينة مطرزة المفروشات وأرخيت عن كاهلها عناء العمل اليدوي لصالح اللواء. إرتديتُ ملابسي العسكرية للنهار رغم حلول الليل من شأن التأنق للخطبة الميمونة, أكمل هندامي أمجد و صاحبني حتى مكتب اللواء برفقة الشاويش عفيفي المسئول عن فرقتنا. لقِّناني الكلمات المناسبة للمناسبة السعيدة, و قد بدئت أتمللت من لغوهما, و أتوق لرؤية اللواء ليلاً, و إنهاء الأمر برمته أياً كانت النتائج . طرقتُ باب اللواء أذن لي بالدخول ثم نظر لي منتظر سبب الزيارة فقلت : -كنت عايز سيادتك في موضوع عائلي . تعجب اللواء من كلمة عائلي تلك فكل ما يربطنا علاقة المدرس بطالبه المشاغب ألا إن اللواء أشار لي بالجلوس ثم أردف : - عائلي إيه يا إبني ؟! أنا مش قوتلك 100 مرة ماليش في سهرات أبوك . أجبته بلهفة: - لا يا باشا .. أنا كنت عايز حضرتك في موضوع تاني. أشار لي بالإسترسال ملول فقلتُ : - انا بعد إذن سيادتك .. بطلب إيد كريمة سيادتك . زاد تعجب اللواء وقال : - وإنت شفت بنتي فين يا صايع إنت ؟ - أنا عمري ما شفتها ولا حتى أعرف إسمها .. أنا بطلبها على السيرة. ضحك اللواء ثم قال: - بنتي عندها تلتاشر سنة يا مالك ومعنديش غيرها شكلك جاي غلط حقاً صدمت من صغر سن الفقيدة فلم يكن يكذب أخاها إذاً ولكن قلتُ : - لا يا باشا أنا جاي صح وبعدين وماله نعمل خطوبة ولما أرجع من البعثة كتب الكتاب والجواز . - لما ترجع من البعثة بعد أربع سنين هيكون عندها سبعتاشر سنة .. حتى اللي فى الإرياف بطلوا يجوزوا بناتهم في السن الصغيّرة دي . قلتُ مساوماً: - شوف يا باشا, أنا الحمد مستور بالأوي .. وأبويا مستعد يدفع من 100 ألف لمليون ولو سيادتك عايز أكتر مش هنتخلف. قال اللواء بصبرٍ نافذ: - إرجع على عنبرك يا مالك .. وأوعى تجيب سيرة الموضوع ده تاني أحسنلك . قمتُ عن الكرسي وتوجهتُ إلي اللواء من خلف مكتبه وجثوت على ركبتي ممسك بيده اليمنى متوسلاً بينما أقول : - أبوس إيدك يا باشا.. ما ترفضش .. إعتبرني حاجزها ولما تحب تجوزها أى وقت أنا تحت أمرك بس الخطوبة تتم قبل ما أسافر . سحب اللواء يده من يدي وقام وقال بعصبية لا تبشر بخيراً البتة : - إنت مجنون يا إبني ! تحجز إيه ! إمشي إطلع بره . إعتدلت و وقفت في حضرة اللواء و عدت للتوسل: - إسمعني يا باشا .. كل اللي سيادتك هتأمر بيه حضرتك والعروسة حضرتها أبويا هينفذه من غير نقاش . صاح بي اللواء : - إنت بترشيني يا كلب .. إمشي إطلع بره قبل ما أنهي مستقبلك بجرة قلم, ثم نادى مردفاً : - عفيفي.. خد الواد ده من أدامي . دخل عفيفي على صوت اللواء الغاضب وسحبني من ذراعي للخارج بينما يردف اللواء بغضب مروع: - عفيفي .. مش عايز أشوف كلب بره عنبره وإلا والله حبس شهر. قد يفعلها اللواء فقد فعلها مع ولده, السند, البكر و كل هذا الهراء لم يشفع لحسام لما فُتش العنبر بوقتاً سابق وتم ضبط سجائر عادية معه, فالأ**ق سهى عن إخفائها بعمود سريره المفرغ كما المتبع. خرجتُ بصبحة الشاويش عفيفي وأغلق الباب على مكتب اللواء و على أمالي العالقة بكلمة منه. فقير متعفف مثل ولده, حسام يستدن مني الالآف ويعيدها ورقات صغيرة فئة العشرات وعشرينات رغم أنني لا أبالي بسداد ديون بتلك القيمة, بل و أجبرني أيضا على كتابة مستند على هيئة أقساط يسددها على مسار السنوات. لم تتوقف الإستدانة عند النقود فقط فقد إقترض سيارتي وشقتي بالزمالك و بعض البو**رات لكلفن كلاين لما أضحى له عشيقة راقية و خشى أن ترى و**ة *الإمبراطور* على مؤخرته و الان يتبجح أبيه ويرفض الديب. (ماركة ملبوسات داخلية محلية) هدّئني عفيفي وإصطحبني للخارج حتى السماء السوداء بلا نجمات الدليل مثل أقداري فوجدتُ بصحبتي رفقة و لست وحيدًا تحت السماء كما الحال فالسخفيين يتضاحكا علي ساخرين ويقول أخو العروس مأكدًا : - قوتلك أبويا مش هيوافق ولو جبتله نجمة من السما . قال عفيفي متسائلًا: - أنا مش فاهم عايز تجوز ليه وأنت صغيّر ما تصبر لما تِحْرش ؟ حدجتُ عفيفي متعجبًا من المصطلح الفيومي من نفس منشئه وقلت: - أحرش !! كوز دره أنا ؟! مش أنا اللي عايز أجوز أبويا اللي عايز, داهية تحرق النساوين كلها .. فاكرني هروح البعثة و مش هرجع و متخيل إن الجواز و الخلفة اللي هيرجعوني أكملوا تضاحك على حالي البائس فقررت مشاركتهم بمصيري المظلم ومصيرهما على حدٍ سواء : - أبويا حلف بالطلاق لو ما أجوزتش قبل ما أسافر هيقطع عني المصروف .. يعني كلكوا هتشحتوا معايا . صاح أمجد بريبة : - يا نهار طين يقطع عنك المصروف !! يعني هنعيش فى القواعد الأمريكية أربع سنين ؟! ثم تحول لحسام و أردف: - لازم تقنع أبوك يا حسام انت مش عارف عيشتهم عامله إزاى .. هيطلع عين أبونا. ببرود الدمايطة المشهر قال حسام : - الدفعة كلها لو باست على إيد أبويا مش هيوافق .. بذات أنه عارف مشيك الوسخ . أمئت بيدي ملول لملك العفة بغير إكتثار يبدوا أنه سهى أن مفتاح شقة الزمالك بجيبه سرواله الأيسر, والحبيبة اللبناية الحسناء زائرة مبجللة بكل عطلة أسبوعية, و لمزيداً من قلة النخوة يرغب حسام بتزوجها بعد تلك العلاقة المشينة. عرض عفيفي المساعدة قائلاً : - أنا عندي عروسة غير بنت جلال باشا.. بس ليِّ الحلاوة . أجبته بلهفة : - الحلاوة والبقلاوة كمان .. مين ؟ - بنت العميد جاد عروسة كبيرة وفي الجامعة . قال حسام ممتعضاً: - يا راجل إتقى الله .. سعاد! نكز أمجد كتف حسام بعنف ليسكته وقال: - الله ينور عليك يا فيفي .. هي سعاد يا مالك .. الأجازة الجاية هعرفك عليها نظر لي حسام و قال متسائلاً : - أنا نفسي أفهم .. إنت سيبت سميحة بنت العميد مدحت ليه بس ؟! أجبته بثقة متناهية : - عشان فقرية . إبتسم أمجد وقال لحسام : - انت ما تعرفش هو عمل إيه ؟ - لاء . - ظبطته في حمام الحريم اللي في النادي مع صاحبتها . ولتكن تلك السعاد لا يهم. الخطيبة الأولى كانت قصيرة ممتلئة تافهة و بالنهاية تركتني لسبب واه؛ لم تتزوجني بعد و شعرت بالخيانة لما رأتني في حمام السيدات أتعامل بكل برائة مع صديقتها الأقرب, لم تكتثر حتى لعتاب و ألقت بوجهي خاتم ماسي لن تراه ما حييت من غيري بل و ردت لي كل هداياي و قبل أن يتكمل الأسبوع على فض الخطبة تمت خطبتها على إبن عمومتها, مجرد صرصور كان يطاردها وهي من ترفضه إنما زال التمنع الان لمجرد كيدي و كأن ذلك قد يحدث بيوماً من الأيام؛ أن تكيدني امرأة. الخميس خرجنا من الكلية إلى النادي ليعرضوا علي تلك السعاد, الجلسة كانت على نفقتي بالطبع, طلبا الغداء و الشاى و الساقع حتى أنهما دخنا من سجائري إلى أن ظهرت العروس برفقة بعض الفتيات ومن ضمنهن أخت أمجد, كانت لتفي بمقتضيات هذه المهمة لولا أن خطبتها تمت علي زميل أخر . قمنا إلى مجموعة الفتيات فأشار لي أمجد مقدمًا على الفتاة ذات الشعر الأ**د اللامع المجموع للخلف على هيئة ذ*ل يتمشى بنعومة على ظهرها و إلى إن انتهى طةافه على خصرها. مبدئيًا لا بأس بها, قوامها متناسق ليست مثل من سبقتها بدينة معالمها الأنثوية كبالون مملوء بالجيلي الفاسد مترامي الأطراف. تقدم الركب أمجد و بدأ بالتعريف عني للمجموعة و حينها إلتفتت الفتاة المنشودة و حسبي الله و نعم الوكيل لمَ الأقدار تصر على إذلالي. العروس عيونها ضيقة بارتياب, دائرية لا تحمل زوايا كما سائر البشر, إحداهما تنظر تجاهي و الأخرى لا أعلم تنظر إلى أين أو من, يشرتها بيضاء بصخب, لا يتخلل وجهها أى حمرة ولا حتى مصطنعة بفعل مستحضرات التجميل, الشعر الأ**د اللامع لم يكن لها, لأنه مجرد أنشوطة من الشعر المستعار البلاستيكي الردئ بينما شعرها المذهل كان بني جاف مجعد, كهرباء جسدها المضطرب جعلته ينتصب مثل حقول القمح. نحيفة للغاية, لا تظهر بها معالم أنثوية, لا تستطيع الجزم بكونها عمود إنارة بالنادي أم عسكري أمن مركزي هزيل و بالنهاية قالت : - إتشيفت بمعيفتك يا مانك . لدغاء خنفاء سوياً.. لا .. يكفي إذلال لأعيش بالقواعد الأمريكية ما حييت. تركتُ الجمع و صديقاي الخائنين و سارعتُ لطاولتي متعللاً بأنني نسيت سجائري إنما تركت سجائري الأمريكية فئة إثنى عشر جنيهاً مصري وبطريقها للمزيد من الغلاء, و قداحتي الفضية التي لا تقدر بإثمان لأنها كانت لمالك المنشاوي جدي الأكبر, و أطلقت ساقيَّ للريح, و لكن من ورائي صديقاي ولا منفذ للهرب أمامي, خاصةً لما أمسكا بي قبل خروجي من النادي للهرب و طوقاني و منعا عني كل طريق. حسام يتكتم على ضحكاته بالكاد بينما يناولني سجائري و قداحتي, أما أمجد يقول متبرماً: - إيه اللي هببته ده ؟! مش هتتعرف عليها ؟ حدجتُ أمجد بغضب ثم بصقتُ بوجهه فهذا أقل ما يقال : - أنا مالك مراد مالك المنشاوي , الديب, أجوز خنفا! أخرج أمجد منديلاً ورقياً بحوزته و أخذ يمسح شزرات البصاق عن وجهه بهدوء بينما يقول: - إفتكر يا إبن الناس الكويسين لما أبوك قطع عنك المصروف عيشت إزاى. و بدأت الذكريات بالتدافع من الصديقين. إلتفا من حولي بطريقة درامية غير مرحة بالمرة كما إرتجيا بينما يسردا وقائق مخزية وقعت بها لما قطع أبي عني المدد . إفتتح الخزي حسام لما قال: - أكلت تونة مفتتة بالشوك بـعيش مدعم بالمسامير . أمجد : - لما أبوك رماك في الشارع وسحب مفتاح الزمالك .. حسام عمل معاك الواجب وضَيفك في عشش راس البر و الناموس عملك عشاه . حسام: - أكلت حواشي بلحم كلاب وقطط وعرس . أمجد: - أكلت أيس كريم من عند الراجل اللي بيحط صوابعه العشرة في مناخيره و ناولك بولة الأيس كريم و فضلت ترجّع أسبوع . حسام: - لما هبّت معاك وجبت بِت معفنة بعشرين جنيه من على البحر طلعت مأملة وقعدت تهرش شهر (مصابة بحشرات الرأس؛ القمل ) يكفي خزى, لم أعد أتحمل, صحت بهما بعصبية: - يا جدعان دي حوله ! أمجد : - إبقى إطفي النور . مالك: - وخنفا . حسام: - هو في حد بيسمع لمراته ؟! مالك: - هتجيب عيال شبها . أمجد: - مصلحة .. لو بنات مفيش خوف عليهم . حسام: - ولو رجاله الراجل مايعبوش إلا جيبه . وكانت تلك هي الحُجج و البراهين المقنعة و التى لم أقنع بها و أكملت الهرب حتى فيلا الزمالك. صعدت إلى غرفة أمي مباشرة وبكيتُ وإنتحبتُ بين يداها حتى سقطت رأسي على فخذيها فإمتدت يدها الحنونة لتربت على رأسي وكتفي مواسية, طالبة من الله أن يريح قلبي و يهدئ من نفس أبي الهائجة على الدوام. رفعتُ ناظريَّ إليها, و أكدت لها أنني فقط لا أريد الزواج الان و سوف أعود بعد البعثة و لن أهرب كما خيّل لأبي من هواجس لأنني ببساطة لا أستطيع الهرب, سوف تعيدني الحكومة المصرية رغم أنفي لأباشر عملي بعد البعثة بالقواعد المصرية العسكرية و إلا أسجن وعند خروجي من السجن سوف أعود للعمل رغم كل منشاوي و إن كان بقواي اللعينة سبب قبولي بالكلية الجوية. بدى علي أمي تصديقاً لكلماتي إنما قوطعت توسلاتي عندما إقتحم أبي جلستي مع أمي فقد كادت أن تقنع بمبرراتي لتنقلها إلى زوجها الع**د الذي لم تتبد ثورة غضبه منذ إنتهاء خطبة البدينة و قال : - وحياة أمك الغالية ما مخطي برجلك المطار غير إلا وإنت مجوز ومخلف واد كمان وإلا خليك جنب أمك تكمل دلع فيك . دافعت عني أمي قائلة : - خلاص يا مراد هو حر.. الجواز مش بالعافية . توجه إلي أبي بعصبية وسحبني من ذراعي من أسفل قدمي أمي و أقامني أمامه وقال : - إنت من يوم ما نزلت من بطن أمك وإنت مكفرني .. مفلحتش غير في الحاجة الوحيدة اللى ملهاش فايده ليَّ الكباريهات والجوية .. انت دلوقتي قيمتك عندي إنك تجبلي عيل غيرك يمكن ينفعني .. بص لأخوك شايف دراسته وشغله وصيته بقى زى الطبل يا طبال سلتُ ذراعي المعتصرة من حدة أبي و صحت بسقم : - أطلع من هدومي.. هو الجواز بالساهل كده.. ما على يدك سمعت كلامك و خطبت و طلعت بنت سرمة و سابتني و نصبت علينا وأخدت الصيغة . ض*بني أبي بيده على جانب جبهتي بقسوة قلما أجابهها معه وقال : - الصيغة معاك يا طبال و تلاقيك صرفتها على الرقاصة اللي كنت عايز تجوزها .. وسيبتك بمزاجي . نظرتُ لأمي لتتولى الحوار عني فقالت : - خلاص نخطبله بنت عمه . صحتُ مستنكراً: - لاء .. كله اللي كده .. مستحيل أجوز واحدة أكبر مني بيوم حتى مش خمس سنين .. والله هرجع والمصحف هرجع .. هروح فين يعني هشحت في أمريكا ؟! ربت أبي على كتفي بحنان وقال: - خلاص يا حبيبي براحتك جهّز نفسك الخميس الجاى نروح نخطب سعاد . خاناني صاحبي السوء و عرضا الخنفاء على أبي حتى قبل أن يعرضاها علي لتحسم المعركة لصالحهما؛ أتزوجها لأشقى بينما هما ينعما في أمريكا على نفقتي. ض*بت على وجهي براحتي ثم أنزلتهما بهمٍ جاسم و قلتُ: - ترضهالي, أنا إبنك ؟ - بكره تعرف إن كل اللي بعمله لمصلحتك .. العيل اللي هتخلفه هو اللي هيرجعك لينا تاني يا كاره ناسك . أخرج أبي من جيب بدلته مفاتيح شقة الزمالك و سيارتي و قال في ترغيب و تهديد سويةً : - هتاخدهم ولا تكمل نوم في الشوارع ؟ اخترت مفاتيح العالم بالطبع. عدتُ لكليتي وزفَّتُ لصديقي السوء نياتي المشينة من حول التزوج بالخنفاء فسعدا للغاية وباركا الزيجة الملعونة . تمت الخطبة على سعاد كما أراد لي أبي وحينها جائت مكآفأة الخطبة رحلة لتركيا بالإجازة لي و لمن أرغب بإصطحابه, سوف يتكفل أبي بتذاكر الطائرة لصديقاي و يقيما معي بغرفتي الفندقية لأن كلاهما حقيرين فقيرين أنا ملاذهما للرفاية. كانت لتكون الرحلة شهراً لولا أن زفاف – ساسو- سميحة العزيزة بمنتصف الإجازة وعلي حضوره بعدما وافق أبيها على دفع المبلغ الجزافي الذي طالبت به فرقتي السابقة و صديقي الصديقي الذي سرق مني عرش سلطان الغناء العربي. العروس من ألحت على أبيها ليكون خطيبها السابق مطرب حفلها للإنتقام لا تعلم أنه سوف ينقلب عليها شر إنتقام . جئت برفقة الفرقة قبل وصول العروس لأتهيأ لإستقا**ها و بيدي جميلة الجميلات (ماهي) و من ثم جائت العروس برفقة عريسها القصير الموصوم بو**ة العائلة الكريمة؛ بدين. العروس معلقة بذراعه و تنظر لي متشفية أو ما حسبت, وحينها أحطتُ خصر ماهي النحيل بذراعي و قبلت وجنتها الناعمة لتتقد عيون العروس شررًا. بدأت المراسم ودقت المزاهر يأهل البيت تعالوا .. فسحبت زجاجة الـID  وشربت ما تبقى منها حتى قعرتها ثم ألقيت بها للخلف لتحدث دوي غطى على صوت السماعات الغنائية. حمدتُ لله, فبعدما نظرتُ بتمعن للعروس التي دبغت بالمساحيق لتبدوا امرأة وجدتها لا تزال تشبه أباها, و هذا الوجه كان بعدما قدر الله ولطف بعبده المسكين؛ الوجه الذي كنت لأراه يومياً لما تبقى من حياتي . جلست العروس الحزينة على حالها بموضعها, ثم أتوا الأصدقاء و إنضموا للفرقة كي يساعدوهم بإفراغ معداتهم, أمجد يساعد بحماس مع مازن و عمرو أما الحسام يبتسم برقة لماهي ويقول: - مساء الجمال . فبادرت برقتها الفائقة قائلة: - إزيك بطّلنا نشوفك ليه زي زمان ؟ - مشاغل يا غزال مش بإيدي.. لكن بسمع كل أغانيكي أنا معجب بأي حاجة إنتي بتغنيها . حدجتُ الصديق الصفيق بحدة و قلت : - ما تِلم نفسك يا بتاع الجمال اللبناني وإلا إنت عارف . أجابني حسام بينما عيناه مثبتة على الجمال الخاص بالديب وليس سواه : - عارف .. أومال النجم هيجي إمتى ؟ - ما أنا أدامك أهو . - قصدي حماقي . يأتي بالعاشرة مساءً, فالصديق علا نجمه لأعالي السماء ولديه بخلاف زفاف اليوم ثلاث أما أنا علقت بمجسم من الفولاذ قد يحلق بعنان السماء و قد يحترق و أنا من داخله وعلي الان تقدم المسرح لتحية الحضور الكريم بلا عويل. وقفتُ أمام الميكرفون, ض*بت عليه بيدي مرات عديدة أزعجت الحضور فزدتهم إزعاجاً, سعلت, تنحنحت, و بالنهاية تثائبت ملول ليتصاعد الإزعاج للحد الأقصى و أخيراً قلتُ : - مساء الخير على البشوات .. معاكوا إنهارده مالك مراد مالك المنشاوي وفرقته المتواضعة و إليكم أولى الفقرات بنائاً على رأي الحضور الكريم .. بسم الله . تقدمت ماهي لتعتلي المسرح و تتلقى التصفيق الحاد المحيي للجمال قبل سماعه, و لتحية خاصة للعروس قبّلتُ يد ماهي. لا, إلتهمتُ أصابعها الزبدية ثم تركتها تشدوا بأغنية إخترتها بعناية علّها تلقي إستحسان العروس.- بتناديني - أغنية قديمة باللهجة الصعيدية تصف فرحتي وسعادتي بإنتهاء إرتباطي بالعهد القديم ليبدأ الجديد ولكن برغم من كلمات الأغنية المسيئة للعروس هى الوحيدة التى تحسست من الأغنية و تساقطت دموعها, أما باقي الحضور طرب لصوت ماهي الشجي متغاضياً عن المعاني الب**ئة, و هنا قررت الإرتجال,  و بعد إنتهاء ماهي من وصلتها الغنائية إعتليت المسرح مطرباً بعدما كنت عازفاً لأشكو وأبث حزني على فراق الجميلة الباكية بليلة زفافها و بدئت بأغنية راجت بالأونة الأخيرة تقول : سابني وراح يا هوا, كلي جراح يا هوا, سابني, تعبت وهو إراتاح يا هوا .. ثم تركت الطرب و لجئت لأسلوب شعبان عبد الرحيم مشديًا .. - ماتروح إنت ال**بان .. بالذمة دي كانت نسوان .. عالم جعان عقل خيبان .. وقعني فيهم الزمان .. وإييييييه . وددتُ كثيراً لو أكملتُ قصيدتي المرتجلة و لكن أمسك بي صديقاي, و أنهيا فقرتي الغنائية, سحباني حتى خارج قاعة الفرح و أجل**ني على إحدى الطاولات الخارجية بحديقة الفندق, يرتجفا من الآت فكلاهما متوجس خيفة من غضب اللواء جلال الذي أمر بإنزالي عن المسرح و يتوعدنا جميعاً بال*قاب. يلومونني على ما فعلته متسائلين بحيرة, ماذا لو كنت أحببتها أو شغلت من عقلي دقيقة ؟! للحق لا أعرف لمَ .. فكل ما أردته معاقبة من سولت لها نفسها هجر الديب لأي سبباً من الأسباب. تركاني الصديقين بعدما إستحلفاني بأن لا أقدم على فعل كارثة جديدة حتى عودتهما لإيداعي بيتي فلبيت بلا تذمر, كذلك لم يعد في مقدرتي النهوض بأي حال, فقد شربت للأن زجاجتين فودكا و علي إنتظار ماهي لتقودني للزمالك لتكتمل الليلة بهائاً. لم تأتي ماهي فقد أتى أخر قصير بدين و معه مجموعة من أشابهه و أشباه عروسه علّه قادم للإنتقام رغم أن العروس له, و الزفاف الذي خرب على نفقة أبا العروس. رفعتُ رأسي لرؤية واضحة للعدد المكلف بتأديبي وجدتهم ثمان لو كنت متزن لتغلبتُ عليهم و أزحتُ عن عاتق العريس مهمته السامية في الخوض بالجيلي الفاسد الليلة. قمت إليهم, فلابد أن أنهض لأتلقى التهاني وقلت : - متجمعين فى أندريا على حسابي . قال العريس: - انت اللي جبته لروحك هتتعمل معاك الجُلاشة . إتسعت إبتسامتي وتقدمت من العريس و قلت متمهلاً : - أبويا مراد المنشاوي قالي لما حد يتهيأله أنه هيأكلك الجُلاشة .. عِدْ من واحد لعشرة .. واحد .. إتنين .. تلاتة .. أربعة .. خمسة .. ستة .. سبعة ثم صفعتُ العريس بقوة على وجنته المتهدلة و أردفت بهدوء لحظة ألم وتعجب من المصفوع : - بض*به بالقلم على خِلقته صدقني ما حدش يتوقع القلم عند تمانية أبداً . بائت محاولاتي المستميتة بالفشل و لكن ليس الفشل التام فقد نزحت عنهم الدماء قبلي حتى وحدوا الصفوف و أسقطوني أرضاً و أوسعوني بركلاتهم. لم أكن أشعر بأي شيء إثر حالة السكر البيّن التي أحاطت بي حتى حلم جميل ياليته حقيقة. رأيت أمامي فستان أزرق مغلق بإحكام من داخله فتاة نمى لها منذ أربعة أيام ن*دين أعلاهما وجه ملائكي أبيض اللون متخبط بالحمرة الطبيعية ولاشك, حورية بحار عيونها شاسعة, زرقاء دامعة بالأسى على حالي. إنها الجنة و تلك سكرات الموت يبدوا أنني أفلحت و تلك الفتاة سفيرتي للدار الآخرة. تصرخ بالعريس بشجاعة لا تملكها نساء لأنها ليست منهن فهي ملاكاً ويأمر العريس بجسور أن يتركني فتبجح عليها وحينئذ آتاها خادمي مازن ودافع عنها وعني فنال حصته من الض*ب المبرح إلى أن تدخل الملاك مجدداً وصرخ مطولاً بصوت رفيع ولكن جهوري مستغرب خروجه من رقبة رقيقة شفافة مثل التي تملكها الملاك الحارس فقد إنع** ريقها الذي إزدردته لبدء موسم صراخ طويل أكاد أجزم أن الطاولات والكراسي من حولي إهتزت من وقعه, صراخ كرعد من السماء أسقط المعتدين من حولي أصابعهم بآذانهم من هوله, صراخ لم أسمع مثيله أثار سلسلة من الإنفجارات المدمرة فقد هشم نوافذ الفندق الزجاجية وشجَّ طبلة أذني وقد أصاب بال**م إن لم يتوقف الملاك عن إنقاذي . أتى على جلبة صوت الملاك أمن الفندق وفض النزاع إنما المأساة الحقيقية ضياع الملاك, إختفى الملاك الحارس بين الجموع و عاد لمجاورة القمر أم عدتُ للحياة و ما رأيته مشوشاً كان هزي من قوة ما تلقيته من ض*بات على رأسي. ليس حلم أو موت و أنا من حسبت أن الأقدار ملّت أخيراً من قيادتي و وجدت شيء أخر يشغلها عن تخريب حياتي . حملني أصدقائي و أجلسوني على كرسي, تفحصوا جراحي و حتى أتت ماهي على وجهها الخوف تسأل عن سبب ما حدث فلم أقل غير : - تعالي وصليني الزمالك يا حب حياتي . حملاني الصديقان حتى سيارتي,  و من ثم تسلمت ماهي قيادتي حتى شقتي الخاصة. عاونها البواب على حملي حتى سريري ثم خرج و تركني بين رحمتها و مغفرتها التى بلا حدود. تصيح بي ودموعها تسبقها : - لما انت ما بتحبهاش زي ما قولتلي وأبوك غصب عليك عشان تخطبها .. بتعمل ده كله عشانها ليه ؟ - هاتي الجاكت بتاعي  . هدأت أنفاسها التي تلاحقها من صراعي شبه ميت ثم جلبت جاكت بدلتي الب**كس برازرز وناولتني إياه لأخرج من جيبه الداخلي علبة مخملية زرقاء تحوي هدية العروس التى تحسب أنني أحببتها دون حب حياتي الماثل أمامي الان و يكفكف زخات الدموع عن وجنتاه. عرضت عليها العلبة المخملية, اتسعت العينان بدهشة, جفت عنها الدموع, تسابقت ساقيه للهروع إلي بعدما كادت أن تفل عني. فتحت ماهي العلبة المخملية على عجالة, طالعت محتواياتها بذهول تحول لسعادة تدفقت من كل طرف و ملمح بها و قالت : - باباك وافق على خطوبتنا ؟ - حاجه زى كده
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD