الفصل الرابع عشر :

2117 Words
" ما الامر ؟! .. اي ادم " تكاثفت دموعها مشوشة رؤيتها .. ادم آخر .. رباه .. وكأن الحياة غير ممتلئة بامثاله .. تسللت دمعة من عقالها تأخذ طريقها نحو ذقنها عبر وجنتها الحمراء بسبب الطقس البارد ،ارتجفت اصابعها وهي ترفع يدها التي تحمل الهاتف وتوجهها نحو هالة : " لا .. نحن لا نريد ادم آخر .. احذفي رقم اخيها .. رنا احذفي الصورة عن هاتفك .. " " اجننتما .. لن افعل .. " ابعدت جسدها عن صديقتها ومدت يدها تمسك براحة يد رنا ثم همست لها : " لاجلي .. لاجلي انا .. " " لاجلك فقط " اغمضت جوري عيناها ثم تنفست لمرات ومرات .. رمشت بعدها واخفت آلامها خلف قناع من الجمود .. بارد بلا ملامح .. هي ستواجه مصيرها هنا .. وبعدها ستترك الاحتفال لوالديها بتركها حلم دفن للابد .. لقد انتصر الجميع عليها للتو.. اعلان الهزيمة بات مؤكد.. " علي اخذ اغراضي من الصف " " ساجلبهم لك " " لا .. اريد توديع المقعد " قالت ساخرة ثم عادت مع صديقاتها للطابق الثالث .. دخلت بثقة ورفضت النظر نحو الأستاذ علاء الذي اقترب وحدق نحو الرباعي وهو يشير للداخل " المرة الاخيرة التي تغادر احداكن دون اذني .. " تحرك الجميع بينما اخذت جوري تجمع اغراضها ثم سحبت ديوانها الشعري الذي تضعه في درجها وقبضت اصابعها عليه .. اقتربت منه وتكلمت بهدوء جعله يتن*د بيأس من افعالها " اردت ان تستعيره يوماً .. انه لك .. انا اهد*ك .. قصائد متوحشة .. " " جوري !! " حذرها فابتسمت برقة شديدة وتركت الديوان الورقي فوق طاولته " شكراً لك .. لانك جعلتني افهم اخيراً .. ان الامل كذبة .. ان الاحلام سراب .. ان جوري .. لا تملك حق قول لا " استدارت مغادرة دون ان تلتفت خلفها .. تمر في اورقة المدرسة كأنها تودع روحها .. الالم يتصاعد ويتصاعد حتى كاد يخنقها .. ولما لا ؟! .. فلتختنق .. فلتمت .. فهي لا تستحق العيش منذ ولدت.. ****** " انت لم تخبرينا لما فصلوك من المدرسة " جسد ادم كان يستند لباب غرفتها يتكلم بهدوء كعادته .. دون ان يرتفع صوته .. دون ان يصرخ او يغضب .. راقبته وهي تجلس ارضاً مسندة ظهرها للسرير خلفها .. تضمت اصابعها تغرز اظافرها هناك وردت لاول مرة باول ما فكرت به دون اهتمام .. " وما المهم بهذا ؟! .. الستم تسعون لتزويجي ؟! .. هيا جدوا العريس وانا سارتدي فستان الزفاف والعب لعبة العروس السعيدة " " لا تتواقحي معي " اقترب بجسده داخل غرفتها فابعدت عيناها سريعاً وضمت نفسها .. ثم عادت لتخرج كلمات اكثر جنوناً وكانها تطلب منه ان يخرج عن طوره فيؤذيها مجدداً.. " لا تتكلمي .. لا تنظري .. لا تتنفسي .. بربك .. هل فكرت لمرة كم لا تقول يومياً ؟! " " اتقي شري جوري " رفعت عيناها الحزينتان اليه وهمست : " ومتى منعته عني.. أخي ؟! " " لن اجادلك الان .. فانت مغيبة الان .. عقلك هذا توقف نهائياً " طرق فوق رأسها بجانب يده ليحنيه بعنف ثم اكمل بحدة : " لكني ساعرف جوري .. واقسم لك .. ان لم يعجبني الرد .. سادفنك عميقاً دون ان اهتم .. " " هل انتهى التحقيق اذا ؟! " يده جرت شعرها للخلف فلم تصرخ وابتلعت آلمها .. الصراخ يزعج ادم .. ولم تعلم لما جعلتها الفكرة تبتسم بميلان طفيف لشفتيها .. " لو كنت عاقلة لما تحدينتي ؟! .. ساخنق هذه الابتسامة اعدك .. " يده دفعت شعرها ورأسها ثم غادر غرفتها صافقاً الباب ورائه .. وبدل ان تنتحب او ترتجف خوفاً وجدت نفسها تتجمد، وكأنها فقدت قدرتها على الحياة .. ثوان مرت قبل ان تغادر مكانها.. توجهت الى الشرفة واخذت تنظر للاسفل .. ارمي نفسك .. ارمي نفسك .. اخذ ذاك الصوت يردد بحدة في رأسها فأغمضت عيناها تدعو : " يا الله .. لا تجعلني افعلها .. ارجوك .. انهي عذابي .. لكن لا تسمح لي بقتل نفسي .. انا ضعيفة من دونك .. " انسلت قدماها لتجلس ارضاً وتضم نفسها وتهتز وهي تتوسل مجدداً " سينتصر .. ادم سينتصر علي .. ان فعلتها سينتصر .. اياك جوري .. اياك ان تجعليه ينتصر عليك .. " ******** نظرت للشاب بعيون جامدة ولم ترد على سؤاله .. والدتها ض*بت جانب يدها والامر نفسه .. لا استجابة .. **ت .. **ت فقط .. وعد بال**ت .. ادم يكره الضجيج .. ادم يكره الصوت العالي .. ا**تو كلكم .. " رواد اعجب بالصورة جداً .. واراد ان يرى جوري .. ما شاء الله قمر " نظرت للمرأة بحدة.. صوتها مزعج.. ا**توها .. ادم يكره الاصوات العالية.. " حبيبتي .. لما لا تجلبين القهوة لضيوفنا ؟! " تحركت تقف ببلادة .. تسير بهدوء تام ويديها ترتفعان لتهزان خصلها المنتشرة حول وجهها .. والمرأة تمتدح حيائها وخجلها " مؤدبة جداً .. فليحمها الله لك " وصلت للمطبخ .. تحركت بخطوات بالكاد لامست الارض .. ثم وضعت دلة القهوة فوق الغاز بعد ان ملئتها بالماء .. اشتعلت النار وهي تراقبها وتتابع لونها .. مسلوبة مترنحة .. تمد يدها لتلمس حرارتها بشرود غير آبه ان احرقت اصابعها.. " ماذا اصابك ؟! .. انت لم تكلمي المرأة ولا بأي حرف " ابقت عيناها فوق الوان الوهج الحار .. انه لاذع .. انه حارق " هشش .. ادم يكره الاصوات العالية " " ماذا قلتي ؟! " اقتربت امها وادارتها نحوها ثم تجمدت لملامحها المسلوبة وعيناها المتجمدتان وجوري تعود لترد بعيون جامدة لا تتحرك .. " ادم يكره الصراخ .. ا**توا .. ادم يكره الضجيج .. " " توقفي .. توقفي فوراً .. انظري الي .. ادم ليس هنا .. ليس هنا الان " مال راسها للجانب ثم للجهة المعا**ة وتمايل شعرها معها بينما تبسمت بلطف وهمست : " ادم هنا .. ادم هناك .. ادم يكره الاصوات العالية .. هشش .. لا تصدوا ضجيجاً .. هشش " صفعة عنيفة كانت الرد من امها .. ليخفض رأسها ويطرق جانب الغاز فتشتعل النار في خصلها المجعدة .. ويلتهم شعرها ووجهها دون رحمة... شهقت جوري تنتفض في سريرها وتنظر حولها في الظلام .. ثم احتضنت جسدها المرتجف وحاولت اصدار اي صوت دون فائدة .. ارتفعت يدها بخوف شديد نحو رأسها تلامس تلك الخصلات التي لطالما كرهتها .. انها سالمة.. انها بخير.. هو كابوس.. اختنقت حنجرتها وادمعت عيناها .. كان هذا اقسى من اي شيء رأته يوماً .. واخذت تستغفر الله لمرات ومرات .. تستنجد به وتدعو بصوت خافت بالكاد غادر حنجرتها المتألمة .. الى متى يمكنها المقاومة؟!.. انها لا تعلم ابداً.. ********** لاربع ايام استمر الامر عينه .. الحلم ذاته .. وفقدت جوري شيئا من داخلها لن تستعيده .. وكأن بطلة احلامها بدأت تمد جذورها اليها .. لتتحكم بتحركاتها .. فاخذت تتحرك وتنجز كل ما عليها من اعمال منزل ب**ت تام .. بهدوء تام .. ذاتها الصاخبة بدأت تتلاشي .. " جوري ردي على الهاتف .. انها هالة " صرخ عيسى وهو يركض نحوها لتتجه خطواتها لغرفة الجلوس وترفع سماعة الهاتف.. " شكراً " همست لعيسى برقة اعتادها مع الساعات .. فلا شريك لها سواه .. هو يقضي معظم وقته معها .. تدرسه .. تحضر معه رسومه المتحركة .. وتعود طفلة مثله .. وللغرابة فيبدو انه الوحيد الذي كان يراها .. يرى جوري خلف قناعها الجديد .. الرمادي المسالم .. قناع الخنوع والهدوء .. وكلمة حاضر .. التي لا تترك شفتها ابداً .. ليحتضن جسدها مرات ومرات .. هذه الروح التي يملكها ولم تتسمم بافكار ابيها واخيها حتى هذه اللحظة تترك دواء م**ر من نوع ما فوق جروحها الغائرة . " اهلاً هالة .. كيف حالك ؟! " " اختفي فوراً!!.. اهربي!! .. افعلي اي شيء جوري .. ادم كان هنا .. رأيته يخرج من الادارة والرسالة بيده .. اهربي .. " وقعت السماعة من بين اصابعها المرتجفة وتسمرت .. تسمرت لا تتحرك .. الصغير فعل الع** .. اخذ يدفعها وهو يصرخ بها : " امي عند جارتنا ام حسن .. لا احد هنا .. اهربي جوري .. " قدمه ض*بة بشدة ربلة ساقها لتستفيق اخيراً من سباتها وتهرع لغرفتها فتجر صندوق صغيراً مخفي تحت السرير وتخفيه في حقيبتها السوداء ثم دون تفكير تنفذ الامر .. اهربي .. هالة امرتها .. اختفي .. تركت البناء واخذت المفترق البعيد تركض وتركض دون ان تعلم الى اين تهرب .. واغمضت عيناها .. بلهاء .. حمقاء .. الى اين تظنين انك ستذهبين ؟! .. لا احد من الاقارب سينجدك.. لا احد من المعارف سيهتم.. او حتى يصدق ان الشاب الراقي المحترم ماهو الا وحش بثياب متمدنة.. توقفت في منتصف الطريق واخذت تنظر حولها .. الى اين ؟! .. الى اين جوري ؟! .. سيجدها .. هو سيجدها وستكون نهايتها على يديه ؟! .. " ابتعدي .. انتِ!! " صوت بوق السيارة جعلها تنتفض فابعدت نفسها بسرعة تقف فوق الرصيف ثم عادت لتتحرك ببطئ دون هدى .. عليها الابتعاد عن منازل اصدقائها .. سيجدها هناك .. اغمضت عيناها ودعت ربها : " ارني الطريق يا الله .. اخبرني انت .. " فتحت عيناها ثم تحركت .. هذه المرة عرفت اين يجب ان تذهب؟.. املت ربما ان تكون نجاتها هناك.. " قادم " اسندت ظهرها للحائط وانتظرت .. تتأمل المنزل والحديقة الواسعة المحيطة به .. " جوري !! .. " هبت بسرعة تقترب من القادم تستنجد بصوت مرتجف خائف ويديها تضمان جسدها اكثر " استاذ .. ايمكن ان تخفيني ؟! .. ان ترسلني بعيداً جداً ؟! .. اي مكان .. ارجوك " حدق بها الاستاذ علاء مطولاً ثم جرها من الرصيف امام البناء الى مدخل شقته الخارجي وهو يهتف : " اجننت ؟! " " انت لا تفهم .. سيقتلني .. سيقتلني .. " اخذت ترتجف وهي تصرخ بخوف شديد .. امسك ساعدها وصرخ بها : " اهدئي .. " ارتجفت شفتاها وضمت فمها تنتظر ما يريد اضافته : " من سيقتلك ؟! " " ادم " " انت تمزحين صحيح ؟! " حركت رأسها بضعف شديد وبالكاد خرج حرفين من فمها " لا " " انا لا افهم شيء .. " مسح جبينه ثم عاد ليتكلم بهدوءه ولطفه المعتاد الذي تكرهه .. " جوري .. ادم اخيك ولن يؤذيك مؤكد .. هيا عودي للبيت " رفعت حقيبتها عن كتفها وفتحتها لتخرج الصندوق الصغير منها ثم رمتها ارضاً وتقدمت نحوه تهمس بيأس كبير " ارسلني بعيداً .. انظر .. لدي المال .. فقط ارسلني بعيداً .. بعيداً جداً عنه " توسلت بضعف ويدها تمسك يده بشدة بينما الاخرى تمد نحوه صندوق المال الذي تجمعه مع اصدقائها .. " ارجوك .. انا لم اكتب لك تلك الرسالة .. اقسم كانت رهف .. لقد وجدها .. هالة قالت لي اهربي .. سيقتلني .. " " كان خطك جوري " " اعلم .. اعلم .. ساشرح لك لاحقاً .. ارجوك استاذ .. ابعدني .. سيجدني .. سقتلني .. " " اسمعني .. انظري الي .. " رفعت رأسها تستجيب لرقته ونظرت في عمق عيناه .. ودت لو انها لم تفعل .. ودت لو انها فقدت بصرها قبلاً .. ملامحه كانت رقيقة نعم .. لكن .. ابداً ليست متعاونة .. ابداً ليست مصدقة لما تفوهت به ..عضت شفتها وهمست بينما تتجمع دموعها في حدقتيها حاجبة صورته عنها : " انت لا تصدقني .. رباه .. انت لا تصدقني .. ما الذي فعلته ؟! .. لما اتيت اليك ؟! .. انت لن تصدقني " " جوري " سالت دموعها وارتخت يدها ليقع الصندوق وتنتشر الاوراق النقدية حول قدميهما .. بينما يخرج صوتها منتحب بضعف شديد : " لقد ض*بني .. يوم الحادث .. اتذكر ؟! .. قلت انك رأيت الحادث .. كانت تلك اثار ض*به لي .. وهو سيفعل ايضاً هذه المرة .. لكني اعرف .. انا اشعر .. انها ستكون نهايتي .. فادم يكره الصراخ .. ادم يكره صوتي .. يكرهني .. ارجوك لا تتركه يؤذيني " ساد ال**ت بعدها ودموعها تسيل دون توقف .. رمشت لمرات تحاول ان تصل لملامحه دون فائدة ترجى .. يده قبضت فوق يدها وللحظة شعرت بالامان .. هو سينقذني .. سيحميني .. لن يتركني .. هو يسمع ندائي .. هو .. " انت تصدقني صحيح ؟! .. قل نعم .. ارجوك قل نعم " انتحبت تنتظر رده .. ثوان .. دقائق .. ثم ابعدت اصابعها بوهن.. اغمضت عيناها وطعن قلبها بمقتله.. ولما يفعل؟!.. الشخص الوحيد الذي ساندها يوماً هو هالة.. لكن حتى الذهاب اليها لن ينفع.. " هو لن يؤذيك جوري .. انا رأيت ادم واعرفه .. انه ليس شخص عنيف .. هو اخيك .. ربما ض*بك دون وعي منه تلك المرة .. هيا عودي .. اعدك انه لن يفعل هذه مجدداً .. انت اخته الصغيرة " " انت محق .. ادم يحب اخته الصغيرة .. لكنه لا يحبني انا " شهقت ببكاء مرير .. تميل بجسدها للامام .. تشعر بثقل كل ما تحمله فوق اكتافها الرقيقة .. اصابعه لامست ظهرها فانتفضت تبتعد عنه .. لقد خذلها هو الآخر .. لقد .. وثقت ب*عورها نحوه .. حلمت .. بنت قصر جدرانه من رمال بعثرته قوة الرياح .. عن انه نصيرها .. انه حاميها .. انه ربما .. ربما .. رأها .. رأى جوري الصغيرة الخائفة داخلها .. واهتم لامرها .. لكن متى كان الغرباء يهتمون لمصائينا.. استدارت تعود ادراجها .. نحو نهايتها .. تعتذر لنفسها .. لجوري .. لتلك الطفلة المفقودة من داخلها .. تلك التي هربت بدل عنها .. تحرري صغيرتي .. تحرري طفلتي .. انا هي .. من ستنتهي عن كلانا .. فاحداً لن يصدق انه سقتلنا معاً .
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD