الفصل التاسع عشر :

1909 Words
" لا تض*به " نهرت والدها ليحدجها بقسوة ويجيبها : " انه ابني وساربيه . وانت غداً ستذهبين معي لتسحبي شكواك .. هذا كافي الناس اكلت وجوهنا من فعلتك " " ولم تأكله عندما كاد يقتلني ابنك البار .. لن افعل .. ولن اخرجه ابداً .. وانت عليك العمل للاسف لكي تعيل الاسرة كما افعل انا .. " " ايتها الجاحدة طويلة ا****ن .. وهل تسمي ما تفعلينه عمل ؟! .. تلك القروش القليلة لا تفيد في شيء " اسندت جسدها للخلف .. واخذت تنظر اليه .. عيناها تحدته دون ان تخفضها .. هي اخيراً تعلم مواجهة خوفها .. والشكر لمرام في ذلك .. لديها علاج طويل مؤكد .. لكن ها هي تخطو معها بخطى ناعمة واثقة تجعلها تصبح افضل في كل مرة تلتقيان .. لكن هي اقسمت ابداً لن تسمح لهم بجعل عيسى نسخة من وحشي عائلتها .. او ضحية لاستبدادهما .. " توقفي عن النظر الي هكذا .. اخفضي عيناك قبل ان اقلعهما لك " " افعل .. وستزور ادم حبيبك .. هناك في السجن " " جوري .. ما هذا الهراء ؟! .. كيف تكلمين والدك هكذا ؟! " ادارت وجهها نحو والدتها وضمت يديها امام جسدها .. انها تختفي .. تلك المرأة تتقلص .. تموت على فقدان ادم .. تهزل تدريجياً وهي تلطم وتندب عدم وجود معيل حقيقي لها .. وكأن المال يحل كل شيء .. ترى اكان علاء محق ؟! .. اكان ادم ضحية مثلها تماماً .. ووجدت نفسها تنظر للثنائي بغضب كبير .. غضب لاجلها ولاجل اخوتها .. " والدي .. اي والد .. هو .. " " اخرسي !! " وقفت .. لاول مرة خرجت عن طورها .. لاول مرة تحدت صلة رحمها .. تعلم كم هذا صعب عليها وهي التي وعدت نفسها بان تحاول جمع صلاتها المقطوعة معهما .. رضاءً لربها اولاً قبل كل شيء .. لكن حتى المحاولة لا تجدي .. ولن تجدي .. " لن افعل .. والدي .. لما ؟! .. هل وقف يوماً امامي ومنع ادم عني ؟! .. هل نهاه يوماً عن ايذائي ؟! .. هل احتضنني وواساني ؟! .. ام هل سأل ان كنت دافئة ليلاً او مريضة ؟! .. اجيبي .. ماذا عن قول كلمة جيدة في حقي .. او حتى القاء نظرة حنونة علي ؟! .. بعيداً عني .. هل فكر باحد من اخوتي ؟! .. هل فكر بعيسى الذي يعايره اصدقائه بمظهر ابيه ؟! .. هل جلب له حلواه يوماً .. ام هل رحم ادم الذي كان يعمل ليلاً نهاراً لاجل اعالة اسرته ؟! .. اليس هذا واجب الاب وما يفعله ؟! .. ام اني مخطئة ؟! " " كفى جوري .. ابنتي انت .. " حاولت امها ان توقفها لكنها نظرت اليها واضافت بوجع مازل ينخر هناك داخل عظامها " انه ذنبك ايضاً .. بسبب **تك الدائم وعدم وقوفك بوجه اخي .. مانعة اياه من ايذائي .. ذنبك لانك تركت ادم يتحول لوحش .. وحش بدل انسان " " هل جاء دور والدتك الان ؟! .. " عضت شفتها لسخريته .. هي من تكلم ؟! .. لمن تشتكي ؟! .. هذا الانسان لا يهتم سوى بنفسه .. رباه .. هذا كله سخف .. سخف .. " لا .. انا جائعة .. واريد ان اكل .. وللمرة الاخيرة .. انا ابداً .. لن اسمح لاحد ان يعنفني مجدداً .. لا انت ولا ابنك .. لن اعود لدور الضحية .. ابداً .. ابداً " قطعت الخبز بيدها تلتقط قطع البطاطا المقلية وتغرقها بالكتشاب الاحمر.. ثم وجهت القطعة لفمها تمضغها بهدوء وثقة .. لو عرفت مرام بما فعلته لصفقت لها .. ها هي تشعر بما امرتها به .. ان تواجه .. ان تتوقف عن الاختباء .. ان تدافع عن جوري الصغيرة بمخالبها واسنانها .. ******* " خائنة .. انت خائنة .. " " ادخلا .. توقفي .. اااه " صرخت في رنا التي اخذت تدفعها بحنق وتض*ب كتفها بخفة .. " اننا لا نراك .. اما في الجمعية هناك .. او مع طلابك .. او تتحججين بالدراسة .. لقد طلبت من هالة ان نأتي لنغير عليك ونرى ما تفعلينه " " مرحبا جوري " تقدمت هالة لتحتضنها فضمتها وهي ترد التحية : " اهلا حبيبتي .. اشتقت لكما جداً .. ادخلا .. لندخل غرفتي " " مرحباً خالتي .. مرحباً عيسى " ابتسمت امها بوجه صديقتيها بوهن ثم عادت نحو آلة الخياطة في غرفة الجلوس .. بينما تقدم عيسى ليحتضن رنا وهو يقول بسعادة : " جاءت عروسي .. ماذا جلبتي لي معك ؟! " " انظر للمحتال .. العريس هو من يجلب لا العروس " " اهذا يعني انك لم تحضري حلواي معك ؟! " مال فمه باستياء جعلها تبتسم .. بينما رنا لم تتحمل واخرجت كيس مليء بالحلوى والشكولاته واعطته اياه .. ليقفز ويغمر وجهها بقبلات لا تتوقف جاعلاً هالة وجوري تضحكان على محاولات رنا للافلات منه .. تحرك بعدها الثلاثي لداخل غرفتها ورمت رنا نفسها على السرير براحة .. بينما تمسك هالة بكتاب اللغة العربية الخاص بها وتقول : " لقد قررت .. سادرس اللغة العربية في الجامعة " " انت تكرهين المواد الحفظية .. والادبية ايضاً " " ما سبب قرارك هذا ؟! " التفت هالة وقالت تجيبها برقة بينما ترمش لمرات فيخرج صوتها مبحوح ناعم : " الاستاذ علاء.. انا احببت اللغة العربية بسببه .. انه لطيف جداً بالتعامل معنا .. ثم اسلوبه يجعلني اهوى مهنة التعليم " " قرار جيد.. ماذا عنك جوري؟! " " لننهي الامتحانات اولاً ثم نقرر.. اريد ان استعيد نفسي اولاً قبل اتخاذ اي قرار.." تن*دت رنا ورمت نفسها على السرير لتجلس بشكل جانبي : " انا سأسافر.. " " ماذا؟!!!.. " تكلمت هي وهالة في آن واحد لترفع صديقتهما حاجبيها وتجيب : " امي سترسلني للدراسة خارجاً.. خالتي في بريطانيا كما تعلمان.. " " ماذا عنك؟!.. هل انت موافقة على هذا؟!.. " " وهل هذا يهم؟!.. للاسف هي تظن ان هذا افضل لاجلي.. لكن الشيء الوحيد الذي يعزيني كوني ساكون برفقة خالتي التي لطالما احببت وجودها اكثر حتى من امي الصارمة دائماً.. " اقتربت جوري تحتضن رنا مواسية اياها.. للاسف فكل واحدة منهن لديها مشاكلها وهمومها.. متى سيفهم الاهل ان يتركوا بعض المساحة لهن؟!.. متى سيهتمون بمشاعرههن قدر اهتمامهم بما يظنونه الصواب؟!.. " امك الصارمة افضل بكثير من والدتي الغير مهتمة لشخص سوى نفسها.. اتضح ان زوجة ابي الجديدة اكثر قرباً لي من كلا والداي.. غريب حقاً وانا التي ظننت اني سأكرهها طوال حياتي.." تكلمت هالة التي كانت تتلاعب باقلام الحبر الخاصة بجوري فرأت نظرة عميقة في عيون الفتاة.. " هل تعاملك جيداً؟!.." " افضل مما ظننت.. انها تتخذ درب الصداقة والتعامل المهتم معي.. تجعلي احيانا اشعر بالخجل ان ما اسأت اليها فلا تعاتب او تشتكي لابي.. لا اعلم.. اظن اني بدأت اعتاد وجودها.. ولقد تقبلت اقتراح دراستي للغة العربية مشجعة اياي على تحقيق احلامي.. بالطبع ع** والداي.." زفرت الفتيات الثلاث معاً.. وجلسن قرب بعضهن تحتضن كل واحدة الأخرى مواسية اياها.. ربما لم يولدن بدم واحد الا أنهن اخوات حقيقيات.. انهن عائلة حقيقية.. وهذا مالن تتخلى عنه جوري ما حييت. ******** اخذت مرام تكرر قانون العنف الاسري على جوري كعادتها .. بثقة .. بصوت حازم ومصر .. تعطيها تفاصيله كاملة .. وتشرح عن الفقرات التي تبدو غريبة او عصية على فهم جوري .. تكرر الامر في كل جلسة حتى اصبح جزء من ذاكرتها .. انتهى الامر بعدها بان اخذت كل منهما تنظر للاخرى وبدأت الجلسة .. جوري حركت جسدها لتسند ظهرها للكرسي براحة اكثر .. وبدت مرتاحة جداً داخل المكان .. " كيف حالك جوري ؟! " " افضل .. افضل .. " تحركت مرام من مكانها تقف وتنظر نحو جوري من علوها بملامح مسترخية .. لكن جادة .. لطيفة ومتعاونة .. لكن حازمة .. " كيف افضل ؟! " " اشعر اني اقوى .. واني اصلب .. وان خوفي المرضي من الماضي .. يصبح اخف .. " بعض التأثر ظهر فوق وجه معالجتها ثم اختفى ليظهر نوع من الثقة وهي تضيف ثلاث احرف على كلماتها .. " لكن .. " ابتلعت جوري ل**بها وحاولت ان تتهرب من الاجابة .. عيناها تجولتا حولها ثم بللت شفتيها .. لم تقاطعها مرام .. لكن كانت تعلم ان عليها الاجابة .. فتلك الفتاة لا ترضى بانصاف الحلول ابداً .. " مازلت خائفة من عودة ادم .. مازالت صورته تزعجني .. رائحة عطره عندما يعبث عيسى بزجاجته او يفتح غرفته عرضاً وانا امر .. اكرهها .. انها تجذبني للقاع .. " اخذت تسترسل .. تخرج سموم وسموم .. آلام .. وقد تعودت .. ان تتكلم .. لم يعد ال**ت هاجزها .. هي لم تعد خرساء .. " لنتوقف هنا .. " " اريد ان اعرض عليك شيء جوري " " ما هو ؟! " جلست مرام وسحبت عدة اوراق ثم وجهتها نحو جوري وهي تبتسم بلطف شديد .. " اكتبي .. " " ماذا ؟! " " اكتبي .. اي شيء .. كل شيء .. " تكررت الكلمة في رأسها وهي تنظر نحو الاوراق البيضاء، بينما تجلس بتوتر .. كان الامر شبيهاً بذاك اليوم عندما قرر علاء ان يعطيهم واجب موضوع الام .. ارتجفت يدها .. من اين تبدأ ؟! .. ثم انحنت .. جرى القلم وحده .. جرى كما لو كان هو السيد لا اصابعها .. لا دماغها .. ثم توقف .. توقف لتنظر لتلك الكلمات وتلتمع الدموع داخل عيناها .. اقتربت مرام واخذت تردد الكلمات بصوت واضح قوي : ا**تي عزيزتي فنحن في مجتمع السكوت وان تكلمتي اتهمتي بالفجور ا**تي فلا يحق للانثى في مجتمعنا ان تهمس او تثور نحن ننجب الانثى لكي نجلدها بآثامنا ونجعلها شماعة اخطائنا ونكتم انفاسها بأيدينا وان تجرأت فما تظنينه سيكون ؟! فاما حكم بالع****ة او الدفن بين القبور ا**تي عزيزتي فليس لك في هذا المجتمع كلام الكلام هنا للسادة الرجال هنا فقط عليكي ال**ت والسلام ولتحترق كل عظامك فلا من ملاذ لا ترفعي رأسا ..لا تخاطبي احدا وابدا لا تذهبي الى عالم الاحلام فلا يحق للانثى في مجتمعنا ان تهمس او تثور فان تجرأتي ماذا تظنينه سيكون ؟! فاما حكم بالع****ة او الدفن بين القبور غص الدمع داخلها .. كم تؤلمها تلك الكلمات .. كم تصف ما عانته طوال سنواتها الماضية .. وانسل القلم فوق الاوراق لتجد خيط من الدموع يفيض من اسره ليسقط فوق الاوراق .. " كم هذا حقيقي " الصوت من خلفها كان رقيقاً .. ويد توضعت فوق كتفها دون ان تدفعها كما اعتادت عندما يحاول احد التعاطف معها .. سكنت روحها بشكل غريب جداً .. ورمشت لمرات تخفي دموعها وتمنعها . " لد*ك موهبة رائعة في الكتابة .. اياك واهمالها.. نحن جميعاً بحاجة لمتنفس.. والكتابة ستكون نافذتك الخاصة.. اتعلمين ؟! .. لدي عرض اخر لك " " ماذا ؟! " رفعت رأسها تراقب مرام التي اخذت الورقة منها .. ثم اشارت لها تقول قبل ان تغادر الغرفة بسرعة : " لا تغادري ساعود فانتظريني .. " قطبت، ما الذي يحدث ؟! .. تململت في مكانها ومسحت تحت عيناها بيد مرتجفة ثم عادت عيناها لترتفع والشابة تعود بينما ابتسامة واسعة تظهر صف اسنانها الامامية .. " اذا جوري .. نحن نحتاجك " " لا افهم شيء " توسعت ابتسامة مرام اكثر وشرحت : " تعلمين .. نحن نحتاج دائما للاعلان عن جمعيتنا .. لجعل الناس تعرف عنها وتتعاون معها وتدعمها .. وطلبنا هو .. ان نستخدم كلماتك .. هل توافقين ؟! " بدى الامر غريب جداً لاذنيها لكن مرام لم تمهلها واخذت تسترسل اكثر بسعادة حقيقية " اسفة انت لا تفهميني .. انها لغة اكتر تعقيداً صغيرتي ..السيد احمد .. احد مؤسسي الجمعية قرأ هذا .. اعجبه جداً .. وهو يريد ان يستخدمه في الاعلان الجديد الذي سنطلقه على الانترنت والتلفاز .. ان قلت نعم .. سنكون سعداء جداً .. اتريدين ان تري موهبتك تصل للجميع ؟! .. وتساعدينا في مساعدة الفتيات امثالك ممن تتعرضن للعنف الاسري ؟! " للحظات اخذت تفكر ثم هزت رأسها توافق .. لا تعلم ان كان هذا لاجلها ام لاجل عمل انساني .. لكنها لم تحلل موافقتها .. بل تركتها تعبر جسرها وحدها .. ان كان الامر جيد .. فترجو من الله ان يساعد هذا الكثيرين .. وان يكون جزء من علاجها وتحررها .. " نعم .. نعم .. " ********
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD