الفصل السابع عشر :

2194 Words
مال فمها بابتسامة خفيفة ثم همست تجيبه : " بما انك تعرف هذا استاذ .. اذا لا داعي لقوله " ارتجفت يده وابعد نظراته عنها .. الذنب يقطر من كل حركة منه .. وظنت انه سيغادر ويتركها لكنه عاد ليجلس على السرير المقابل ويسألها : " هل ستتركينه ينجو بفعلته ؟! .. هل ست**تين كعادتك وتخفي اثار ض*به عن جسدك .. مختبئة خلف النكران " " سيسجن " خرجت الكلمة متألمة .. موجوعة .. متأملة ان تغدو حقيقة .. وكانها تخاف ان يكون حلماً .. ان يكون سراباً .. ان يبتعد اخيراً عنها فلا تراه عيناها مجدداً .. " هل انت خائفة عليه ؟! .. انا لا اصدق .. فليسجن .. فليتعفن هناك جوري .. " رمشت .. من اوحى له بهذه الفكرة ؟! .. ما الذي يتفوه به ؟! وحاولت التكلم لتجده يسكتها بسيل لا نهائي من الكلمات وهو يتجول حولها كنمر محتجز في قفص ضيق " اذا هيا سامحي اخيك .. اتركيه حراً حتى يقتلك نهائياً .. لما لانه معيلكم الوحيد؟.. لان والدتك قالت فكري بالجميع؟! .. وماذا عن التفكير بك كطفلتها ؟! .. انا لا اصدق .. لما اذا قصدتني ؟! .. لماذا اتيت الي جوري ؟! .. كنت تركته يقتلك .. هو سيفعل يوماً .. " " توقف .. " " ان عدتي لن يتغير شيء جوري .. سيزداد جموحه .. سطوته ستزيد .. سيتمادى اكثر واكثر .. وسيخنق انفاسك .. و " " يكفي !!! " تسمر ينظر اليها يتنفس لمرات حتى انخفضت حدة نظراته ثم توتر وفرك عنقه وهو يجيبها : " اعتذر .. لايحق لي التدخل .. انه قرارك وحدك .. ساغادر الان " " هل ستتركني وحدي مجدداً ؟! " خرج رجائها ناعم منخفض لتتوقف قدماه بينما تتشنج عضلات ظهره " انت تكرهينني .. ولكن لا جوري .. انا تعلمت الدرس .. اقصديني في اي وقت ،اطرقي بابي دائما .. وسافتحه .. سافتحه هذه المرة اعدك، وفي كل مرة .. لكن ارجوك فكري .. هل تريدين العودة لذاك الجحيم طفلتي ؟! " التمعت الدموع في عيناها ثم ضمت فمها وهو يدعوها بالطفلة، بهمس صادق خائف .. انه لا يشبه ابداً ذاك الشاب الذي رأته اول مرة .. الواثق المتباعد .. العقلاني .. شعرت بحركته فاوقفته بخوف شديد : " لا ترحل .. عد ارجوك .. انا وحيدة .. انا خائفة جداً من ان يعود.. " ادر جسده نحوها ورقت نظراته في وجهها .. اخذت تضيف دون ان تفكر : " انا لا اكرهك فأنت لست مذنب.. لقد عرف*ني قبل اشهر لا اكثر.. لذا كان تصديق الأمر اصعب.. انا لن اتركه يؤذيني مجدداً أستاذ.. لقد قررت منذ فتحت عيناي اني لم اعد احتمل المزيد .. " يدها امتدت تمسح وجهها بفوضوية تبعد دموعاً متجمعة في عينيها وارتجفت شفتيها .. " لا تتركني وحيدة .. سيعودون .. سيأتون ويكتمون صوتي .. ادم يكره صوتي.. هذه المرة ايمكنك ان تساندني؟!.. ارجوك.. " " لن اسمح له .. انظري الي " رفعت عيناها وحدقت به .. الامان تسلل لداخلها .. يحتل اسوار خوفها الذي يشيد ابراج عالية جداً فوق رفات روحها الميتة .. نظراته تعدها بالحماية .. بالرحمة .. وتمنت الا تخذل مجدداً .. " اقسم بالله .. احداً لن يمسك مجدداً وانا حي .. ولا احد جوري .. انا ساقف بجانبك الى ان تصبحي قادرة على تجاوز كل هذا.. " صدقته .. بأمل ضعيف تشبثت به .. هي تحتاج لتصديقه .. لاجلها .. لاجل تلك الطفلة المرعوبة في زوايا ظلامها .. لاجل الا تفقد ما تبقى من عقلها الذي يرتجف خوفاً لمجرد ذكر اسم محرم ذكره في داخلها ... ******* الرجل الاربعيني بالزي الرسمي للامن، اخذ ينتظر اجابتها بينما امها تتوسلها بنظراتها .. الأستاذ علاء لم يكن هنا .. لديه حصص في المدرسة .. وقد اخبرها انه يثق بحكمها .. اغمضت عيناها ومرت حياتها في مخيلتها بتتابع سريع .. كمن يقلب صوراً على هاتف .. للاسف لم يكن هناك شيء يشفع لاخيها عندها، ولو ذكرى صغيرة، عناق طفيف، او حتى ملامسة رقيقة لشعرها .. وقررت انها انتهت، لقد اكتفت .. واخيراً وجدت الشجاعة لتقول : " كان اخي .. هو من ض*بني " شهقت عميقة من والدتها ألمت قلبها .. ارتجفت اصابعها فضمتها بقوة تلاحظ العلامات الملونة فوق بشرتها الرقيقة الظاهرة من اسفل رداء المشفى الابيض .. " هل انت واثقة ؟! " عضت جانب شفتها وابعدت وجهها للجهة الاخرى بعيداً عن والدتها التي اخذت تبكي وتلطم خديها .. وماذا كانت تتوقع ؟! .. ان تحب ما سمعت وهي تعرف ان مدللها سيدخل السجن .. رباه .. لما الامر صعب لهذه الدرجة ؟! .. هي التي اقسمت الا تضعف مجدداً .. ها هي ترتجف كورقة خريف صفراء قبل ان تهوي ارضاً فترفعها الرياح وترميها بعيداً جداً عن شجرتها .. " نعم .. انه هو .. " " اظن ان هذا يعني تدخلنا فوراً .. ابنتك قاصر .. لذا سيجر الامر هكذا .. ابنك سيحاكم ويدخل السجن مادامت لم تسقط حقها او تتراجع عن اقوالها .. الشق التاني متعلق بالحق العام .. وهذا يقرره القاضي بعد المحاكمة .. حالياً ستدخل الفتاة في قانون الحماية .. واي اقتراب من ابنك او محاولة لايذاء الضحية سيكون عقابها عسيراً .. والشق الاخير .. المعالجة النفسية .. " " ماذا ؟! " همست بصوت ضعيف مقطبة الجبين .. ليجيبها بهدوء : " ستخضعين لمراجعة دورية مع الاخصائية النفسية،حتى تسلم تقريراً بانك اصبحت بخير تماماً " " لكني بخير .. ولا احتاج لاحد " هتفت باضطراب ليقترب اكثر من سريرها، ويشرح برقة بينما تدخل تلك الفتاة التي رأتها سابقاً لتنضم لهم وبيدها اوراق متعددة . " في حالة ان كانت الضحية قاصر .. هذا يعني علاج اجباري .. اي انك ستخضعين للعلاج دون نقاش، فحسب معلوماتك فان بلوغك الثامنة عشر لن يحصل قبل اشهر .. الانسة مرام ستتولى اخبارك الان كل ما يجب فعله " ادار رأسه نحو الشابة بينما هي تنظر لكلهما وداخلها يهتف .. ما الذي يجري ؟! .. مؤكد لا .. هي ليست مجنونة .. ليست مجنونة . " التقرير الطبي جاهز .. هذا هو .. كما ترى يظهر اعتداء واضح على الضحية .. كما ان هناك بقايا نزيف دماغي بدأ بتراجع تقريباً .. من الجيد انه لم يصل لمنطقة الكلام .. كان ممكن ان تفقد القدرة على التحدث لوقت طويل او حتى للابد .. هذا ان استبعدنا الاضرار الجسدية الباقية للاطراف والاعضاء الداخلية .. فهناك ضلعين مشعورين واخر م**ور .. كما لديها تضرر مبدأي في الكلى اليسر .. لكن الحمد لله انه يمكن ان يشفى سريعاً " كل هذا اصابها؟! .. حتى هي .. الطفلة المراهقة .. ارعبتها كل تلك الكلمات .. عيناها دون شعور توجهت لامها .. ترى ملامحها الشاحبة .. ترى الصراع في نفسها وكأنه يرسم مشهداً .. نصف يقاتل لاجل ابنها والنصف الاخر لاجل ابنتها .. وللاسف .. كانت تشعر .. لا بل كانت تعلم علم قاطع .. من النصف المنتصر .. " جوري .. كيف حالك اليوم ؟! " الفتاة المحجبة اقتربت منها بينما يغادر المحقق .. وجهها كان يوحي لجوري بالسلام .. غريب ان تجد سلامك بشخص تراه حديثاً .. بينما تفتقده من اقرب الناس اليك .. ومع هذا .. معه كله .. جوري تعلمت ألا تكلم الغرباء خاصة اللطفاء منهم .. لذا امسكت قناعها الذي فقدته خلال فقرات المسرح السابقة .. واعادته تخفي وجهها الضعيف خلفه .. تخفي الطفلة الخائفة نصف الانسانة المش*هة داخلها.. وترسم تبسم صلابة كاذب .. هذا ما اعتادته .. هذا ما عليها ان تعتاده للابد .. " انا بخير تماماً .. وكما ترين .. لست بحاجة لاي مساعدة .. شكراً لك " " اعتذر لاخبارك انك لست مخيرة في هذا .. لو كنت اكبر ببضعة اشهر .. كان الامر اختلف .. لكن انت قاصر والقانون يجبرك على اخد جلسات مع معالج نفسي .. ولك الاختيار بين ان يكون الامر .. لقاء منفرد او حلقة جماعية " " انا لست مجنونة " هتفت بذلك .. تتحرك بسرعة ألمت اضلعها .. بينما ملامح الشابة لم تتغير .. هادئة .. رصينة .. واثقة .. وكم كرهت الامر .. " انا بخير .. واخي سيدخل السجن .. وكل شيء سيغدو افضل .. انتهينا " " مؤكد لست مجنونة .. الطب النفسي والمعالجة النفسية اصبحت ضرورة حياتية .. وانت لست طفلة لتدركي ان العلم تطور وبات اغلب الناس يقصدون معالجاً لمساعدتهم .. انت لست بخير .. ولم ننتهي .. اخيك سيخرج من السجن يوماً .. فهل ستنتظرين خروجه ليعيد الماضي؟! .. ام ستقفين وتواجهينه وجه لوجه مانعة اياه من ايذائك مرة آخرى ؟! " قبضت يدها .. تنفسها اصبح اكثر سرعة .. بعض الرعب تسلل اليها .. يخرج .. مستحيل .. لن يتركوه صحيح ؟! .. " اطول حكم سيأخذه اخيك قد تكون مدته لا تتجاوز السنتان او ربما ثلاث وهذا قليل الحدوث .. سيخرج بعدها .. وفي لحظة واحدة ربما يتكرر الماضي .. ومع هذا كله .. اخبرتك .. للاسف انت لست مخيرة .. هذا شيء يجب ان تفعليه مجبرة .. سنتحدث غداً .. اما الان الافضل لك ان تتماثلي للشفاء .. " كانت مازلت ترتجف لتلك الكلمات .. ان يعود لتدفن تحت سلطة ادم .. ان يتحرر فيعاد أسرها هي.. يد امتدت لتحتضن اصابعها ورق الصوت الجاد ليصبح اكثر دفئاً " لا تخافي انت موضوعة تحت برنامج حماية ضحايا العنف .. ولا يمكن لاخيك الاقتراب منك .. لكن فكري جوري .. فكري .. اتريدين ان تبقي في خانة الضحية للابد ؟! " لم تجب .. لم تكن تملك اجابة .. هي اعتادت ال**ت .. اعتادت اخفاء عارها .. اعتادت حجب اعين الناس عن ذلّها الابدي .. وكان تعلم التكلم مجدداً صعب .. صعب جداً " جوري " الهمس الناعم من والدتها .. المتوسل بعد رحيل الجسد الانثوي لتلك الفتاة، آلم قلبها وجعل الدموع تتجمع داخل حدقتيها .. اصابع اخذت تلامس خصل شعرها المربوط خلف عنقها بأهمال، فاغمضت عيناها ولم تجب .. تدرك جيداً ان الاستماع مؤلم اكثر .. تدرك ان الاجابة مؤلمة اكثر .. وتشعر بذاك التخبط داخلها .. تنازع .. ليس على اخراج جلادها .. ليس على عدم معاقبته بما يستحق .. انما تنازع على البوح بعارها الاكبر .. على البوح بضعفها، بخوفها لاي بشر .. " بنيتي .. ادم معيلنا .. اتدركين هذا ؟! .. سنموت جوعاً ان ادخلته السجن " فتحت عيناها ونظرت نحو والدتها بشفقة كبيرة .. " وسأموت انا ان لم يدخل .. ام ان هذا لايهمك .. اتعرفين ؟! اليوم ادركت .. المسكين كان حصالة نقودك .. انت لم تحبيه هو ايضاً .. وانا كنت اغار من حبك له .. انت احببت ما يمثله من امان لك .. يا لك من انانية امي .. لاول مرة اشفق عليه .. لاول مرة اشفق على جلادي " خرجت كلماتها مريرة .. قاسية .. وابعدت يدها بدفع عنيف عن شعرها ثم دفنت وجهها في وسادتها وهي تحاول افراغ رأسها نهائيا من كل ما تمر به .. لكن الافكار .. تتزاحم .. تتدافع .. تصرخ .. وتستغيث في داخلها طلباً للتحرر .. ******** فكرت جوري من مكانها وهي تطالع جسد الاستاذ علاء يتحرك هنا وهناك لينقل درس القواعد الى اللوح الابيض بقلمه الحبر السائل.. مر شهران.. شهران طويلان جداً.. أدم سجن.. وباتت حرة.. تنفست اخيرا الصعداء عندما غادر المشفى ولم يكن له أثر في المنزل.. الا أن بقايا عطره مازلت تتسبب لها بموجة حادة من الغثيان.. مذكرة اياها بذاك اليوم المشؤوم من خلال كوابيس تستمر بزيارتها ليلاً ف*نتفض صارخة في سريرها.. لتجد نفسها وحيدة الا من صغير العائلة الذي يأبى ان يفارق غرفتها.. فاتخذ لنفسه فراشاً ارضي مقابل سريرها.. ذاك الملاك البريء كيف ولد لعائلة كعائلتها؟.. كيف نجى من طوفان المرارة والخسارة والاذى؟!.. " جوري .. ايمكن ان تبقي ؟! .. " التفت تنظر الى استاذها وهزت رأسها .. تحركت هالة لتغادر مع الجمع وعم ال**ت ارجاء الصف .. لثوان اخذ يراقبها .. بعيون بنية جادة دون اي كلمات .. دون اي تحرك .. فقط تحديق عميق يصل لاعماق روحها، ثم وجدته يقترب منها حتى توقفت قدماه امام مقعدها . " تكلمت اليوم مع المعالجة النفسية الخاصة بك .. الى متى تنوين ال**ت ؟! .. " اهتز القلم بيدها ورفعت عيناها نحوه تجد ل**نها ينطلق برد هازئ : " وهل بينك وبين معالجتي اتصالات؟!.. هل تتحدثان عن المجنونة التي تعالجها .. كم هذا شيء جيد منك استاذ. " " تهذبي " امر بصوت منخفض فتوترت اكثر واهتز صوتها وهي تنتفض واقفة فتألمها اضلعها التي بالكاد تحسنت مع مرور الايام .. " ما شأنك بي ؟! .. **تُ ام لا .. تكلمت ام لا .. انا لست مجنونة .. انا واعية جداً .. وادم سجن .. وكل شيء انتهى .. سخافة العلاج النفسي هذه لا تهمني " لم يهتز او يتأثر بكلماتها .. بدى هادئ متباعد .. وكم كرهت هذا به. " اذاً انت الان انسانة جديدة تحررت من جلادها " ابتسمت في وجهه وهزت رأسها بالايجاب .. تتحداه وهي تقول بلؤم : " ليس بفضلك مؤكد " تأملها للحظات باعثاً داخلها توتر لا يتوقف .. ثم فاجئها برده القاسي : " ابداً لم تتحرري .. لقد رأيتك ت**رين نظارة زميلتك اليوم .. تضعيها ارضاً وتدوسينها بقدمك لمرات .. عيونك مستمتعة بغير اهتمام لمشاعر تلك الفتاة.. بغل كبير لا يشبهك .. انت لم تتحرري بعد .. ستتحررين عندما تتوقفين عن التنمر على اصدقائك " ضحكة ساخرة غادرت فمها ووجدت الجرأة لتسأل بصوت متسلي : " وما شأن هذا بذاك ؟! .. ثم ما شأنك انت ؟! .. اتريد ان تصبح المحامي الخاص بضحاياي .. استاذ ؟! " مدت نغمة صوتها في الكلمة الاخيرة ويدها تتوضع فوق خصرها بينما يميل شعرها لجنب واحد مظهراً جرح جبينها الذي لم يلتئم حتى الان، رغم مرور عشرة ايام على خروجها من المشفى، ويبدو انها ستحمله للباقي من حياتها مذكراً اياها بوحشية تعرضت لها سابقاً الا انها ستبقى حية في داخلها للابد .. " انت تع**ينه .. كمرآة .. كظل .. كل اهانته .. كل قسوته .. ايذائه للاخرين .. انت تع**ينه .. انه يتحكم بك رغم انه دخل السجن .. انه هنا جوري .. هنا .. "
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD