الفصل الحادي عشر :

2112 Words
" انها لا تؤلم .. لا شيء بات بقادر على جعلي اتألم " جموده وتنفسه السريع شجعاها على الهرب .. فتركت المكان لتتحرك نحو المجهول .. تتلفت حولها دون ادراك.. الى اين تذهب؟..اخيراً وجدت نفسها تجلس ارضاً في هدوء الممر الخلفي لبناء المدرسة .. حيث لا احد يراها .. تتشبع من تذكر كل ما حصل .. هي التي لن تنساه ابداً.. ليتكرر المشهد لمرات في رأسها دون رحمة " اين كنت حتى هذا الوقت ؟! .. عدت من سفري باكراً ورأيت ذاك الو*د عمار يضمك .. اتريدين الاساءة لعائلتنا ايتها الحقيرة القليلة الشرف .. " " لقد كان يساعدني .. ارجوك ادم .. لقد صدمتني سيارة .. وكان يساعدني لا اكثر " وضعت يديها فوق اذنيها ت**هما عن سماع المزيد .. تلجمهما عن صوت صرخاتها الذي اخذ يعلو مع كل ض*بة من حزام ادم الغاضب بجنون.. من صوت تهديداته وحنقه .. تشد شعرها لتعيد اليها وعيها بعيداً عن لون تلك الاثار الحمراء التي لم تترك مكان بجسدها الا وصلت اليه .. اهتزت للامام والخلف وصوت استنجادات لا حصر لها تطرق مسامعها بعنف .. وتوسل لا يتوقف .. لوالدها .. لوالدتها .. وحتى لصغير العائلة الذي كان الوحيد الذي اخذ يبكي ويصرخ بأخيه ليترك جسدها الذي هوى ارضاً في بهو المنزل يرتجف ويتوسل دون فائدة.. " اجعلاه يتوقف .. اجعلاه يتوقف " " جوري !! " ذراعان ضمتاها .. رقيقتان دافئتان .. واقترب رأس هالة من جسدها لتهمس بضعف وتشاركها دموعها : " هل ض*بك ؟! .. اكانت تلك اثار ض*به لك ؟! .. الحقير الذي لا يعرف الرحمة .. هو من فعلها صحيح ؟! " اهتزت وارتجفت وكأنها تتلقى الض*بات مجدداً فقط من ذكره امامها .. فقط من كلمة هو .. ضمير الغائب الخاص به .. هو الحاضر في ذهنها لا يتركه .. ضمتها صديقتها اكثر واخذت تلامس شعرها وتدفن وجهها في عنقها الرقيق " اجعليه يتوقف " توسلت لتضمها هالة اكثر .. " اخبريه ان ما رأه ليس صحيحاً .. ارجوك هالة .. قولي له اني لم اكذب " شهقت تترك نفسها للبكاء المرير .. تشعر بارتجاف الجسد الذي يضمها وتخبرها .. فقط هي عن اسرارها .. عن ظلامها الخاص " انها المرة الاولى التي يستعمل حزامه .. كان الامر مؤلم جداً .. انا كذبت على الاستاذ .. كان مؤلم .. مؤلم جداً .. جداً " تدفقت دموعها بغزارة لتنتحب بصوت اعلى .. هذه المرة لم يكن انتحاب اخرس .. كان فاجعاً .. مؤلماً .. يخرج من اعماقها وتحتويه صديقتها الوحيدة بحب وعطف .. " لطالما ض*بني .. لكن هذه المرة كان جنوناً .. شعرت باني ساموت هالة .. انا لن احتمل المزيد .. لا احتمل .. انا انتهيت .. واردت الموت هذه المرة .. " ******* اليوم التالي لم يكن يشبه ايام جوري المعتادة بالمدرسة .. لاذت لل**ت بعيداً عن الجميع .. الى ان حصلت على زيارة هذه المرة للطابق الرابع .. زفرت بضيق وهي تتذكر ما حصل .. وبيد مترددة طرقت باب غرفة الارشاد النفسي .. الانسة يسرى .. خريجة علم النفس والاجتماع كانت تنتظرها .. جالسة فوق كرسيها ونظارات طبية امام عيناها المكحلتان بكحل اسود .. شعر مصبوغ بلون اشقر تاركاً بعض الخصلة البنية تختلط بتمازج مع الاخرى بتسريحة عالية بعيداً عن وجهها ذو الملامح الجادة .. القت تحية عابرة لتقا**ها ابتسامة لطيفة وهي تدعوها للدخول " تعالي جوري .. اجلسي هنا " المكان كان يضيق على انفاسها .. يخنقها .. ربما يجردها من قوة التمثيل التي تجيدها .. بجعل نفسها تتقمص دور التمرد الدائم .. وحدها هي كانت تستطيع رؤيته .. الوجه خلف القناع .. الوجه الحقيقي المشابه لروح جوري المدفونة عميقاً ب**ت .. الجائعة دائماً لبعض الرحمة .. بمجرد جلوسها على الكرسي مقابل لها استرسلت بالكلام بهدوء ومهنية حسدتها عليها .. " الاستاذ علاء اعطاني موضوعك .. اخبرني عما فعلته في حصته .. واظن انه كان متفهماً جداً ليرسلك الي بدل ان يرسلك الى الادارة .. قال انك تحتاجين لتفهمي انك اخطئتي .. ثم تفهمي ان ما كتبته .. لديه الكثير من الخلفيات .. وانا اوافقه جوري " " اذا هيا .. انا اسمعك " هزت رأسها برفض لتحول الامر نحوها بسلاسة وذكاء " بل دورك .. اولاً اخبريني عن تصرفاتك مع استاذك .. ثم ننتقل لهذا " واشارت نحو اوراق الموضوع التعبيري الموضوعة فوق طاولتها .. لتذكر جوري بما فعلته قبل نصف ساعة .. احنت رأسها تفرك جبيها ثم همست : " انا اخطئت .. لقد تفوهت بكلام لم يكن علي قوله .. لكن قلت له .. اخبرته سابقاً، انا لا اريد كتابة موضوع عن الام .. وهو تعمد جعلي اقرأ ما كتبت، ثم ازعجه ردي على اعتراضاته " " اذا انت تعرفين انه لم يكن عليك الصراخ والقول .. انه يتعمد اذلالك امام باقي رفاقك " اغمضت عيناها .. تعرف ل**نها الحاد عندما تفقد صوابها، ورغم كل هذا فهي لم تعتذر بل تركت الصف مخبرة اياه انه ظالم دون ضمير .. رباه .. ما الذي جعلها تنتفض من سبات الايام الماضية.. لتتمرد لهذه الدرجة ؟! .. " اعرف ان علي الاعتذار منه وسافعل .. هل هناك شيء آخر ؟! " " انظري الي جوري " رمشت وشعرت بالتمرد .. لما عليها الشعور بالذنب ؟!.. لقد كتبت فرضها كما يجب .. وهذا كل شيء .. رفعت بصرها تنتظر باقي كلمات المرأة محاولة اعادت قناعها بصعوبة .. " حصل هذا السنة الماضية .. اتذكرين ؟! .. عندما اوقفوك عن المشاركة في مبارة كرة السلة بامر من والداك .. انت خرجت عن طورك لتقولي لوالدك انه اناني لا يهتم سوى بنفسه .. وانه لا يهتم ان متي يوماً " " هذا اصبح ماضي .. والدي حنون جداً .. جداً " همست بسخرية متعمدة محاولة التحكم بانفاسها التي اصبحت عنيفة .. حلقها كان جاف ويؤلمها .. كيف يمكن لاحد ان يفهم ؟! .. انها كانت صرخة .. صرخة توجع .. نداء استغاثة لم يفهمه والدها ولن يفهمه .. اردته ان ينكر .. ان يحتضنها ربما قائلاً انها اهم ما يملكه .. قائلاً ان صراخها وصله .. ورسالتها لامسته .. لكن لا .. هو كالباقي من العائلة .. نظر اليها كما لو كانت الطائر الغريب في السرب .. كما لو انه لا يراها .. وكيف يراها وهو مغيب بانانيته المفرطة وشرابه المفضل طوال الوقت ؟! .. ثم برر كل هذا بالاعتذار من مديرتها .. من الانسة يسرى .. واستاذ الرياضة .. دون ان يعتذر منها هي .. ابنته .. طفلته التي لا تهمه ابداً .. " انت لست بخير .. اخبريني " " بما ؟! .. " " بألمك جوري .. بسبب طلبك للنجاة عن طريق التمرد وإذاء الاخرين .. اخبريني لاساعدك " وما الفائدة ؟! .. هل سيجعل هذا ابيها يراها ؟! .. هل سيجعل امها تهتم ؟! .. هل سيجعل ادم يكون اخ حقيقي لها بدل ذاك الوحش الذي يرعبها ؟! .. وابتلعت غصة مرارة احتلت حلقها لتعض شفتها .. هي ادركت منذ زمن بعيد ان طلب الحب والاهتمام من اشخاص لن يهبوه لها، مجرد مضيعة للوقت لا اكثر . " اتريدين ان تخبريني ما سبب هذا على الاقل ؟! " اشارت للاوراق امامها واضافت : " كتبت هنا .. المرأة التي تغسل ثيابي .. وتهتم بما اكله .. وتتأكد اني انام في سريري ليلاً .. تلك الرقيقة المتفانية .. هي والدة .. والدة وليس ام .. " " كتبت الكثير .. لا اذكر " " بل كتبت القليل .. القليل جداً جوري .. وعلى صفحتان لا واحدة .. اتريدين ان اتلوه عليك .. اسمعي اذاً بصوت اخر غير صوتك .. " رفعت الاوراق لتنظر نحوها وعندما ترددت بمنعها بدأت الكلمات تلسعها **ياط لاذعة .. " تأملت ذاك الجسد الناعم .. الانثى اللطيفة المتفانية .. الزوجة المثالية .. صاحبة اجمل وجه رأيته .. وارق صوت في الوجود .. وتذكرت ما اخبرنا به الاستاذ .. اكتبوا عن الام .. بما اصفها ؟! .. بما اذكرها ؟! .. ثم هببت لاقلامي واوراقي .. لكن .. " قلبت الورقة لتقرأ في الثانية بينما التهبت مشاعر جوري حنقاً .. تذكر تلك التفاصيل عندما جلست فوق سريرها وقلمها بيدها يرتجف ويرتجف .. "انها المرأة التي تغسل ثيابي .. وتهتم بما اكله .. وتتأكد اني انام في سريري ليلاً .. انها زهرة ياسمين بيضاء .. لا انها سرب من الطيور المهاجرة .. لكن حتى الطيور لا تنسى صغارها خلفها .. تلك الرقيقة المتفانية .. هي والدة .. والدة وليس ام .. ابداً ليس ام " توقف الصوت .. ومتلئت حدقتا جوري لاول مرة منذ دخلت بضعف ملحوظ .. الاستاذ علاء ظن انها مريضة نفسية لانها كتبت هذا .. وارسلها الى هنا .. وهي فعلاً مريضة، مريضة بالاهتمام، مريضة بالخوف والرعب، مريضة بعائلة لا يمكن استأصالها .. ومريضة بال**ت ، ال**ت الابدي . " جوري .. انت تدركين ان وراء كلماتك صرخة يوجد شيء، صحيح ؟! .. دعيني اعلم ماهو .. هل امك تعاملك بشكل سيء ؟! " " لا .. انها افضل والدة على الاطلاق " "اذا ما سبب هذا ؟! " ابتلعت ل**بها ثم رمشت تستعيد هدوئها وبرودها .. لتسأل بدورها متحدية المرأة : " لما تظنان اني قلت هذا كاتهام، وليس كمدح ؟! .. مدح لامرأة انجبتني .. هذا هو .. فقط اخبريني اي جزء اوحى لك او له اني .. مجنونة تنتقد والدتها .. " " اذا هو مديح .. ما تعريفك لكلمة والدة جوري ؟! " " انها من ولدتني .. اذا هي والدة .. من الولادة .. هذا ليس شيء سيء .. اللغة العربية لها اوجه كثيرة، فيمكن استعمال الكلمة كمدح او ذم بحسب موقعها. " اسندت المستشارة النفسية جسدها للخلف واجابتها : " هذا كان عذرك له وليس لي .. لكن سأخبرك امراً .. انا اراك جوري .. اسمع صراخك وألمك واريد مساعدتك .. لذى عندما تعترفين لنفسك بوجوب ان تخرجي ما تكتميه، ساكون جاهزة لاسمعك " زفرت براحة وابعدت خصل شعرها المتفلتة من عقدته لتضعها خلف اذنها متجاهلة العرض السخي " اذاً نحن انتهينا الان ؟! " " بقي امر واحد .. اعتذري من الاستاذ علاء .. ساخبره ان الموضوع اصبح بيننا نحن الاثنان الان " هزت رأسها لها ثم وقفت تريد الخروج لكن الكلمات اوقفتها وهي تقول بجدية " انتظرك، ساسمعك عندما تصبحين جاهزة " ابتلعت ل**بها وروحها تهتف .. انتظري للابد .. النطق اصعب مما تتخيلين .. اصعب بكثير ... نحن نمجد ال**ت في منزلنا .. ال**ت عبادة في عرف عائلي مقدس .. ********** الممثل التركي اخذ يتذكر محبوبيته واوقاتهما معاً فوق الشاشة الملونة لتلفاز غرفة المعيشة.. وفكرت جوري .. مؤكد رنا تلتصق بالتلفاز الان وعيونها تطلق قلوباً حمراء .. ومن يمكنه لوم ابنة السابعة عشر والمسلسل يتفنن بعرض قصة حب خيالية حالمة لبطليه .. سخرية حقاً وكأن الحياة وردية سعيدة.. " اقفلي التلفاز جوري .. لقد صدعتي رأسنا بصوت مسلسلك التافه " عضت شفتها تبتلع رد لازع لن يجعل ابيها يتسامح معه .. ماذا عن برامجه هو التافهة التي يحضرها باستمرار؟! .. برنامج المصارعة المق*ف، او حتى برنامج الرقص الذي تتفن مشتركاته بعرض اجسادهن دون حياء يذكر .. " ستنتهي الحلقة قريباً " " قلت اطفئية انه يزعجني " تن*دت وفركت جبينها ثم وقفت عن الاريكة .. فلتذهب الى ملاذها الهادئ قبل ان يبدأ هو الاخر بوصلته المسائية المعتادة، عن جحود ابنته الوحيدة وقلة تربيتها .. مرت من امامه تتأمل الكأس ذو السائل الابيض .. وامتلئت نفسها مرارة .. كيف يمكن ان تض*ب لمجرد سوء فهم ؟! ، يتحول بفعل جنون تفكير اخيها المريض الى عمل فاحش .. بينما يترك والدها ليحتسي الكحول دون رادع ؟!.. وهل ستكذب على نفسها الان؟ .. هي تعلم جيداً ان هذا يناسب اخيها جداً .. ادم يريد احتلال الصدارة، يدخل منزل عائلته كملك متوج ويتحكم بكل نفس يلتقطه الاخرون داخله، لطالما كان هكذا منذ صغره .. لديه نزعة نحو التسلط، وما ضعف والدها الا وسيلة له ليحيل حياتهم، او حياتها على الاقل، لجحيم لا يطاق. بمجرد تواجدها داخل غرفتها قامت بوضع سماعات الهاتف في اذنيها رامية نفسها فوق سريرها تستمع للاغاني بشرود .. كم هي شاكرة للانانية هدى لانها رضيت ان تكون خطيبة اخيها .. فلترتاح هي لساعات من وجوده كل يوم .. ستنتظر زواجهما بفارغ الصبر.. عندما تكتشف تلك البلهاء اي وجه يخفيه محبوبها الذي ابت ان تصدق اي كلام قالته جوري عنه.. وكأنها تهتم لتشويه صورته.. هي ارادت فعل الخير واتضح انه لا ينفع مع العاشقات البلهاوات امثال هدى.. فجأة وجدت رأسها يتحول لمكان آخر .. ترى هل عمار بخير؟! .. لقد مرت ايام وهي تشعر بالذنب لاجله.. لطلب مساعدته بعد الحادث وذلك بعد ان ابى احد من افراد عائلتها الرد على اتصالاتها في المركز الطبي حيث اخذها .. اتضح ان ذاك المسكين اكثر انسانية من الجميع في حياتها.. هي حتى اتصلت باخيها .. ذاك الاناني القاسي الذي لم يرحمها .. جلادها الدائم .. تذكر انه لكم عمار واوسعه ض*باً.. قبل ان يجرها من امامه دون رحمة او شفقة .. وهل عليها لوم ادم فقط ،الم تفعل ما هو اقسى عندما اذت مشاعرالشاب دون رحمة.. رامية رسالته بكل عنجهية، فقط لانها ابت على نفسها ان تخبره كم سيكون الامر متوحشاً لو قبلت عرضه؟! .. لكنها فعلت هذا لسبب صحيح؟!.. لمسة عابرة ادت لض*بها بعنف لم تراه من قبل رغم قسوة ادم .. فكيف بقبول مشاعر عمار ؟!..كان عليها اختيار قناع .. قناع يقابل اللطف بالجحود والاذى .. قناع انسانة تحولت لقنفذ .. بمجرد ان تمس تنشب اشواكها في كف اي عابر من حولها .. وجه آخر احتل مكان سابقه هذه المرة بعيون وألفة غريبة ..بينما صوت المغنية اليسا يردد في اذنيها تحاكي مرآتها عن معاناتها..
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD