الفصل السادس عشر :

2050 Words
" من انت ؟! " ما ان التف باتجاه المتكلمة حتى ادرك من تكون .. فوراً شعر وعلم انها والدتها .. العيون نفسها .. والفم نفسه.. و " انت هو " قطبت ثم سألته بصوت مخنوق : " انت هو من تحبه جوري ؟! " " جوري لا تحب احداً.. انا استاذ اللغة العربية الخاص بها .. الرسالة لم تكن منها " لم يعرف لما قال شيء ليس متأكد منه .. لكن هي اخبرته .. قالت انها ليست منها .. وهو يصدقها .. " ولكن ادم قال .. " " ابنك كاد يقتل اخته.. ذاك المريض المختل عقلياً.. اريد رؤيته اين هو ؟! " " وما الذي تريده منه ؟! .. غادر فوراً .. يكفي ما سببته لعائلتي " ارتفع حاجبيه لجرأة المرأة .. هل حقاً تصدق ما تقوله ؟! .. وماذا عن الوحش الذي انجبته ؟! .. " ما سببته .. اليس ابنك من سببه ؟! " " هذا شأن عائلي لا يخصك.. غادر لو سمحت.. " " صباح الخير " توقف الجدال بينهما وفتاة في اواخر العشرين تقترب من سرير جوري معرفة عن نفسها " الاخصائية الاجتماعية مرام .. اعمل لدى مؤسسة (... ) لمجابهة العنف الاسري على الاطفال والمراهقين " " ما الذي تريدينه منا ؟! " هتفت والدتها بحنق جعله يقطب بينما لم يهتز رمش للانسة مرام مقابلاً لها وهي تجيب بثقة : " ابنتك تعرضت لعنف جسدي كاد يقتلها .. وانت تسأليني ماذا افعل هنا سيدتي ؟! .. انا اعمل في المشفى كمساعدة لحالات الض*ب المبرح .. باتعاون مع الشرطة " الجملة الاخيرة جعلت عينا والدة جوري تجحظان ثم اخذت تتمتم دون توقف : " شرطة .. لما ؟! .. ادم لم يقصد .. انها اول مرة يفعلها .. كان غاضب منها .. لقد اخطئت .. كانت تنوي الهرب مع حبيبها .. هو لم يرد ان يؤذيها .. هو اخاها .. لكنه كان غاضب منها " " ابنك كاد ينهي حياتها .. اقل ما يستحقه هو ان يرمى لسنوات في السجن " كان هذا رده .. يتدخل بحدة وقسوة مع مدافعتها المستمرة عن أدم.. جوري كانت محقة .. هذه والدة وليس ام .. " لا تتدخل انت " " بل سافعل .. ولا .. ليست المرة الاولى التي يض*بها .. انت تعلمين هذا جيداً، وكانت ستكون الاخيرة ان ماتت .. كيف يمكنك ان تدافعي عنه ؟! .. اي ضمير تملكين ان كانت عاطفتك كأم معدومة نحوها.. انظري اليها .. انظري !! " " اذاً هي قضية عنف اسري .. والقضية ستحرك بمجرد ان تفتح ابنتك عيناها .. ولعلمك ان .. واتمنى الا يحصل .. ان ماتت الضحية .. هذا يعد قتل عمد .. هل تعرفين ما عقوبة القتل العمد ؟! " " لم اقصد .. انا فقط اردت حمايتها من نفسها .. و .. و " صوت رجولي انضم الى الحديث .. تحرك علاء بسرعة ليدفعه بعيداً عن الغرفة وهو يصرخ به : " ابقى بعيداً عنها .. " " انها اختي !! " " وهل تذكرت هذا الان ؟! .. انصحك ان تبحث عن محامي .. لاني ساحرك الارض كلها حتى تتعفن في السجن .. " " لقد تركتني هدى .. اخبرتها عن الرسالة ودافعت عن جوري .. تركتني ورمت خاتمي لاني رفضت ان اسمع وجهة نظرها .. وقالت ان اختي محقة .. واني عنيف وبدائي .. كنت غاضب من جوري جداً .. ولم اشعر سوى بالجنون منها .. لما فتحت فمها ؟! .. لما تدخلت بيننا ؟! .. وكنت غاضب اكثر لرسالتها تلك .. لم اعلم ان الامر سيصل الى هنا علاء " انه مريض .. هذا الرجل مريض مجنون .. وعاد ليدفعه بعيداً عن سرير جوري .. " كان عليك التفكير بهذا قبل ان تؤذيها .. انت عليك البقاء بعيداً عن الضحية .. ان لم ترحل .. ساستدعي الشرطة " كان شاكراً لتهديد الفتاة الذي جعل ادم يتحرك ويترك المكان بينما تلحق به والدته وهي تبكي لاجله .. " انا لا يمكنني ان اصدق .. كيف يمكن ان تترك ابنتها وتدافع عنه ؟! " هزت الفتاة رأسها بيأس وهي تقترب اكثر نحو جوري " هذا يحصل كثيراً .. انها تتجاهل الامر .. تتناساه .. تمني نفسها بان ابنها ليس مجرماً .. ليس عنيفاً .. هو مظلوم .. هو ضحية .. هو اراد تربية اخته .. ارد اعادتها للصواب .. وتصدق ان هذا صحيح .. تبرره للاسف " ادار جسده نحو طالبته المغيبة عن ما يحدث .. الم يفعل المثل ؟! .. الم يتجاهل ندائها وخذلها ؟! .. انه واحد من الجلادين .. حتى ولو لم يشارك في تعنيفها .. هو اعمى عيناه وتجاهل الامر .. " انا السبب " " ماذا ؟! " " اتت الي .. توسلت ان اساعدها .. وانا اعدتها .. اخبرتها انه لن يفعل .. انه لا يمكن لاخ ان يؤذي اخته .. تجاهلت دموعها .. خوفها .. و " " سيد .. " اجابها وهو يعود ليضم يد جوري بحنان كبير .. " علاء .. " " سيد علاء .. لا اعرف صلتك بالضحية .. لكن .. علي ان اخبرك اني مستاءة من موقفك .. البلد مليئة باشخاص كأدم .. وللاسف باشخاص مثلك .. سامحني على التعبير .. الصامت عن الجريمة .. كالمشارك بها " لم يعارضها .. كانت محقة تماماً .. وشعر بالمرارة تحتل ص*ره .. فلتفتح عيناها وهو .. هو لن يتركها ابداً .. لن يبعدها مجدداً .. سيفعل اي شيء لتكون سعيدة .. آمنة .. ومحبوبة بالكامل.. " ساعود لاحقاً لاطمن عليها .. ارجو ان تكون افضل المرة المقبلة .. حالياً ستأخذ اقوال العائلة والاخ .. لكن الامر يغدو قانونياً عندما تتكلم هي .. ارجو لها الشفاء العاجل " " شكراً لك " ابتسامة هادئة كانت ردها قبل ان تنسحب هي الآخرى .. اقترب يجلس على الكرسي المجاور للسرير .. يده امتدت لتعيد خصلة شاردة مشعثة من شعرها للخلف ورأى بعض اثار الدماء فوقها .. جرها للخلف ليجد تحتها لاصق طبي عريض .. لديها جرح هنا اذاً .. سيشفى مؤكد .. لكن ماذا عن جرح روحها وجراح قلبها.. اترى ستشفى يوماً؟!.. ********* ارتجف جسدها لمرات .. ثم عاد ذاك الطيف الاسود ليغمر الضوء في غرفتها مبتلعاً اياها لظلام دامس .. انها رائحته .. صوت خطواته .. همس صوته البارد .. تلك والدتها تقف دون حراك .. والدها على الجهة الاخرى .. يدخن سجائره ولا يبالي لخوفها الشديد .. حاولت التكلم .. لا نتيجة .. مرت يدها فوق عنقها لتشعر برطوبة لزجة .. ارتفعت يدها لتجدها مليئة بالدماء .. " لا اريد سماع صوتك .. " انهارت قدميها وهي تتراجع .. وقعت لتهوي في بئر عميق .. يلتف جسدها لمرات وهي تصرخ .. تصرخ بجنون .. ولا صوت يخرج .. صراخ اخرس .. لا يسمع حتى لاذنيها .. واخيراً وصلت للقاع واخذ رأسها يض*ب بالارض بانتفاضة مستمرة .. هذه المرة تبدل الزمان .. انقلب .. وتحولت الرض لجدار جانبي .. يد تشد شعرها بعيداً ثم تعود لتض*به بالحائط دون رحمة " ساقتلك .. ساقتلك .. " ذاك الصوت مجدداً .. صارخ .. عنيف .. يرعبها .. يوقف انفاسها .. " ابعدوه .. ابعدوه عني .. اجعلوه يتوقف .. اجعلوه يتوقف .. " انتفضت وهي تدفع يديها بالهواء .. تدفع جسد قريب يحاول لمس يديها .. " ابعدوه .. اجعلوه يتوقف .. " " جوري .. كفى .. ستؤذين نفسك .. هذا حلم .. حلم .. " الصوت اللطيف المسالم الذي تحفظه في ذاكرتها تسلل الى ظلامها .. كضوء خافت في نهاية خندق طويل .. سارت نحوه ببطئ شديد .. وبدأ يصبح مشع اكثر كلما اقتربت .. ضوء يتسلل لعيناها فيؤذي نظرها لقوته لترمش وترمش دون توقف .. صوت رجولي اخر انضم لصوته .. " لقد استعادت وعيها .. مؤشراتها الحيوية تعمل جيداً .. جوري .. اتسمعيني ؟! .. جوري " شهقت وبضعف شديد رمشت مجدداً لتتوضح الرؤية امامها .. " اتبعي اصابعي .. " تحركت حدقتيها مع الاشارة امامها .. " جيد .. الان ايمكن ان تخبريني ما اسمك ؟! " تحرك فمها لكنها عادت لتقفه .. عيون خضراء طالعتها وعاد الصوت ليهمس لها بتشجيع ورقة .. " جوري صحيح ؟! .. كم عمرك ؟! " " سبعة عشر .. " خرج صوتها هامساً ضعيفاً .. بالكاد ترك حنجرتها التي تؤلمها بشدة .. " جيد .. جيد .. ايمكن ان تشددي من اصابعك حول يدي ؟! " فعلت ما امرها به .. وكرر الامر مع قدمها لتحركها ببطئ .. " ممتاز .. جهازها العصبي لم يتضرر وحواسها تعمل بشكل جيد تماماً .. " " هل ستكون بخير ؟! " التفت للجهة الثانية بصعوبة .. جسد والدتها كان يميل نحوها .. يدها تمسك بيد جوري وتمسدها .. وعيناها .. بالتأكيد .. لم يكن قلقاً صحيح ؟! .. وتن*دت تبتسم بخيبة امل وامها تضيف : " كنت اعلم هذا .. ادم يحبك ويخاف عليك .. هو لم يرد ايذائك حبيبتي .. " " هذا شيء لا تقرريه انت سيدتي .. ارجو ان تبقي تأثيرك العقلي بعيداً عن الضحية .. " من هذه ؟! .. وراقبت الفتاة التي لا تعرف من هي بعيون ضيقة .. ثم بحثت عنه .. هي سمعت صوته .. هو هنا .. رباه .. اجعله يكون هنا .. " لنترك المريضة ترتاح قليلاً وبعدها يمكنكم ان تكلموها .. " " دكتور .. ايمكن ان نتحدث قليلاً حول التقرير الطبي ؟! " " بالتأكيد .. " بدأ الجمع يبتعد عنها.. الممرضة الطبيب والفتاة الغربية.. ووجدت نفسها تسأل : " اين هو ؟! " " ادم بالمنزل حبيبتي " ادم .. ومن سأل عنه ؟! .. حاولت رفع جسدها فهبت لتساعدها .. ابعدتها بيد مرتجفة تلجمها عن فعل المزيد لاجلها .. الوقت تأخر جداً .. صحيح ؟! " عليك ان تبقي مستلقية " التف رأسها لتراقب الجسد الذي يجلس على حافة السرير المقابل .. اغمضت عيناها وهي تسأله : " انت هنا ؟! " " اكان سؤلك عني ؟! " اجابها ساخراً وابتسامته تبدو كاذبة لعينيها .. ابعد نظراته عنها بمجرد محاولتها لتلاقي عيناه .. " ساتصل باخيك وابيك واخبرهما باستعادتك للوعي " قاطعت والدتها ما كادت تجيب به استاذها فالتفت نحوها ترد ببعض الحدة : " لا اريد ان اراه .. ان اقترب مني ولو عن بعد خمسة امتار .. ساصرخ .. لا اريد رؤيته اسمعتني ؟! .. اما ابي .. فلا اظن انه يهتم .. " " لقد كان مرعوباً لاجلك " تن*دت وركزت نظراتها عليها وهي تسأل : " اي منهما ؟! .. ادم .. ام ابي ؟! " " الاثنين حبيبتي .. الاثنين " توترت ملامحها ووجدت نفسها تصرخ ويدها تقبض على قماش غطاء السرير : " اتكذبين علي ام على نفسك؟!.. ابنك المتوحش .. مرعوب على نفسه .. اما زوجك .. فهو .. هو .. لا تدعيني انطقها ارجوك .. انها مؤذية حتى لسمعي .. امي " تلفظت بكلمتها الاخيرة بمرارة شديدة .. ثم اضافت : " اتذكرين من اول من فكرت به انت عند عودتي للوعي ؟! .. لن اجيب فانت تدركين من .. والان اخرجي .. ابقي بعيدة عني كما تفعلين دائماً .. لا اريد رؤيتك انت ايضاً " " انه اخيك .. اخيك ومن دمك .. انت لن تسمحي لهم بسجنه .. لن تجعليهم ياخذونه .. جوري سنموت جوعاً .. لا يوجد معيل غيره لنا " التفت نحو الرجل الصامت الذي يراقبهما .. تقطب دون ان تفهم شيء .. اي سجن .. ما الذي تقوله والدتها ؟! .. " انا لا افهم شيء .. استاذ !! " تحرك لاول مرة ليقف قريباً منها ويشرح بطريقته المعتادة كما لو كان يعطيها درس اللغة العربية .. باجوبة بسيطة قريبة للعقل .. " ستقدم شكوى ضد اخيك .. الامر متعلق بالعنف ضد المراهقين .. العنف المنزلي .. سيقاضى اخيك لايذائك .. والشرطة ستتطلب ان تكلمك .. طبعاً ايضاً محامية لتشرح لك حقوقك .. لا تخافي .. كوني واثقة وافعلي ما تريدينه .. انا ساكون هنا .. هذه المرة ساكون هنا .. اعدك " " توقف عن التلاعب بعقل ابنتي " " ابنتك لا تحتاج لافعل .. انها ذكية .. مشتهدة .. واكثر منطقية منا معاً .. لكن يبدو انك لا تعرفين هذا للاسف سيدتي .. " تأملت كلاهما ثم عادت لتركن لل**ت .. ثوان مرت ثم عادت لتقول : " اذهبي لتجري اتصالك .. اريد ان اكلم الاستاذ علاء " " فكري جوري .. حبيبتي .. فكري بنا جميعاً " لامست يدها لتسحبها جوري فوراً .. فكري بنا جميعاً .. وهل فكر احداً بها هي ؟! .. هل فعل احد ؟! .. رأتها تغادر الغرفة .. ال**ت حل حتى خنقها .. هذه الغرفة واسعة جداً .. فارغة جداً .. لا احد هنا سواهما .. اغمضت عيناها واعادت رأسها للخلف .. انها متعبة جداً .. جداً .. " منذ متى انا هنا ؟ " " خمس ايام " رمشت وعادت لتحدق به .. ابتسامة صغيرة توضعت على ركن شفتيه وهمس بحزن شديد : " يمكنك ان تبدأي " " بماذا ؟! " " الصراخ بوجهي .. قول اني كنت جبان .. اناني قاسي .. انني سبب ما حصل لاني رفضت مساعدتك .. انك تمقتين رؤيتي تماماً كما تكرهين رؤية ذاك المتوحش "
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD