الفصل الثاني، أثواب حريرية

3030 Words
الفـــصل الثـاني أثْوابٌ حرِيـــريّة ـــــــــــــــــــــــــــ بعد مـــرور عدة سنـــــواتٍ.........!! ولجت منزلهم البسيط والفرحة عانقت اشتياقها ليلوح ذلك على هيئتها اللاهثة، وقعت عيناها على خالتها كما تعودت على ذلك جالسة مع والدتها ول**نها ينطق اسمها، هتفت غزل بفرحة جلية: -خــالتي!! ثم هرولت نحوها لتفرد الأخيرة ذراعيها مستقبلة إياها، فغاصت غزل في أحضانها، هتفت فتحية بشوقٍ سافر: -وحشتيني يا غزل، مبجيش هنا غير علشانك يا وش السعد إنتِ وصلت فرحة فتحية عنان السماء وهي تراها تكبر عن كل مرة، صارت صبية على مشارف بداية ال*قد الثاني، ابتعدت غزل وهي تضحك بمسرة من رؤيتها، استفهمت بلهفٍ طفولي: -چبتيلي أيه معاكِ من مصر يا خالتي؟ قهقهت فتحية قائلة بتصحيح: -اسمها القاهرة يا غزل، إحنا أصلاً في مصر لم تعي غزل أو بالأحرى لم تهتم وبدا ذلك على وجهها ذي الملامح الصغيرة، تابعت فتحية مدعية الحزن: -وكمان مش تقولي وحشتيني يا خالتي، دا أنا باجي كل فين وفين!!، ولا بتستنيني علشان الحاجات الحلوة اللي بجيبهالك؟ اقتربت غزل منها لتقبل وجنتيها مرددة في شغف: -وحشتيني جوي، يلا فرچيني چبتيلي أيه رق قلبها وهي ترى لهفتها لتفتح حقيبة سفر شبه قديمة، فبدأ الفضول يعرف طريقه في نظرات غزل وهي تتفحص ما جلبته، بعفوية محبوبة مدت يدها لتلتقط ثوب وردي انبهرت به، وضعته تلقائيًا على جسدها، هتفت في حماس: -عاوزة ده، على مجاسي بالظبط ثم نهضت ممسكة بالثوب لتركض به إلى غرفة مقابلة؛ كي ترتديه، تتبعها نظرات خالتها الحانية فكم أحبت هذه الفتاة، انتبهت لحديث أختها سعاد وهي تخاطبها: -المرة دي اتأخرتي جوي يا فتحية؟ وجهت فتحية بصرها نحوها لتجيب في انتباه: -أصل الست هانم مش بتستغنى عني، خصوصًا إن الست عزة مرات مراد بيه قرّبت تولد، قالتلي روحي البلد يومين علشان بعد الولادة مش هتوافق بأجازة ليا تفهمت سعاد وضعها فسألتها بمعنى: -وإنتِ مبسوطة معاهم يا فتحية؟ ردت في جدية: -أنا مش عاوزة أسيبهم من راحتي وسطيهم، الست هدى دي بلسم، بتعاملك كأنك واحدة من عيلتها قطع حديثهن خروج غزل مرتدية الثوب، تصلبت نظراتهن عليها وبالأخص خالتها التي رمقتها بإعجابٍ بائن، دارت غزل حول نفسها وهي تسألهن بتهلل: -حلو عليا؟ ردت والدتها مؤكدة: -هياكل منييكِ حتة توقفت غزل عن الدوران لتسأل خالتها: -مجولتليش رأيك يا خالتي؟ ابتسمت فتحية وهي تقول بمحبة واضحة: -حلو يا غزل، كأنه متفصل عليكِ كان يوسف قد عاد ليراها هكذا فلم تتزحزح نظراته من عليها، بات شابًا في أوائل العشرينات؛ قوي البنية رغم نحافة جسده، اكتسب بشرته الحنطية من عمله المتواصل تحت أشعة الشمس. لاحظت غزل حضوره فركضت نحوه، انتبه لنفسه فقالت له بمسرة: -شوفت خالتي چابتلي أيه يا يوسف؟ قالتها وهي تلف حول نفسها؛ كي يشاهدها عن قرب فابتسم، رد بشخصيته الهادئة: -إنتِ اللي محلياه يا غزل رده عليها جعل فتحية تقول بمكر: -أموت واعرف السر اللي يخليك تحب البت دي كده وتتعلق بيها توتر يوسف وهو ينظر لخالته ثم إلى والدته التي ارتبكت، ردت عليها موضحة بثباتٍ مزيف: -مش أخته يا فتحية! -ما آني كمان أخته ومبشوفِش منيه غير وش خشب قالتها أمل أخته والتي عادت برفقة والدها وطلعتها مكشرة، تدخل والدها موضحًا بتودد: -علشان الصغيرة يا أمل، هتغيري من أختك! لوت فمها ثم تعمقت للداخل مقتربة من خالتها كي ترحب بها، عانقتها على غير غرض، حين ابتعدت قالت فتحية بعدم رضى: -كل أما آجي ألاقيكِ عابسة كده ردت أمل بضيق شديد: -علشان كلاياتكم ما شيفينش غير غزل، حتى إنتِ كمان يا خالتي، بتحبيها أكتر مني جلس يوسف هو ووالده على الأرضية وكذلك تقدمت غزل لتقف أمامهم وما فهمته أن أختها لم تحبها، بررت فتحية لت**ب ودها: -أنا بأحب غزل زيك بالظبط، وغزل يوم ما شوفتها وشها جاب الخير عليا، جاني الشغل الحلو اللي أنا فيه ده بعد كلامها لاحظت أن أمل كما هي رغم كبتها لضيقها، انزعجت سعاد من رؤية ابنتها غير سعيدة، ثم نظرت لـ حسن الذي ابتسم بطيبة جارفة لا يريدها أن تنقلب على الفتاة الصغيرة، بينما اعتزمت سعاد أن تخبر ابنتها بحقيقة غزل وسر تعلق أخيها بها؛ كي لا تزيد فجوة النفور بينهما فأولادها أهم عندها. وقفت غزل تتابع ما يحدث بعدما تلاشت فرحتها بما جلبته لها خالتها، لم تتفهم شيء سوى كره أختها لتحزن من ذلك، أضحت الأعين تتحدث والنظرات ترسل ردود لبعضهم البعض، أدركت فتحية بأن ال**ت غير موفق هنا، فتابعت بألفة مخاطبة الجميع: -تعالوا اتف*جوا جبتلكم أيه كلكم.............!! _________________________ ناولته حبة الدواء؛ كي يأخذها في موعدها حين جاءت إلى غرفته، ارتشف السيد رشدي الماء بعدها ليحمد الله قائلاً: -الحمد لله! ثم تابع مخاطبًا إياها في ود: -ربنا ما يحرمني منك يا هدى، بتعملي معايا اللي بنتي مش فاضية تعمله ليا ابتسمت له بسماحة وهي تعيد أخذ الكوب منه مرددة: -ربنا يطولنا في عمرك يا رب، وكمان سميحة مشغولة بولادها، ابنها الصغير شقى شوية ثم وضعت الكوب على المنضدة أمامه، فابتسم السيد بتهكم من حال الجميع من حوله، طالع هدى بنظرات ودودة أكثر ليحدثها: -اقعدي يا هدى عاوز اتكلم معاكِ دون تعليق جلست لتستمع له بآذانٍ صاغية، قال السيد رشدي بتزكية: -أنا من غير تفكير مبحبش أعمل حاجة تضايقك علشان إنتِ غالية عندي ابتسمت له بنظراتها المحبوبة، فأكمل بتوضيح: -طلبتي ما جوزش مراد ومعملتهاش، رغم إني تعبت كتير علشان أحميه، لدرجة كان هيروح فيها لما حاولوا يسمموه تذكرت هدى ذلك فاغتمت، ردت بامتنان: -باشكر ربنا ليل نهار إنه نجاه -الحمد لله قالها السيد راضيًا فقالت هدى بعقلانية: -علشان كده طلبت من حضرتك تجوزوه، عارفة إن ده مش هيعوضني عن مراد لو حصله حاجة بس المهم عندي اسم شريف مينتهيش رد السيد في جدية: -يزيد ومراد دلوقتي بقوا في نفس الخطر، وبحاول على قد ما أقدر أحميهم، وفرحتي بإن مراد مراته هتخلف متعرفيش مفرحاني قد أيه!! تن*دت بغبطة وهي ترد: -قلبي حاسس إن ربنا هيرزقه بولد -يا رب! فتح سيرة ما كان يضمره من مدة قائلاً بتردد جم: -ليه حاسس يا هدى إن فيه حاجة كبيرة مزعلاكِ، بقالك فترة حزينة ومن عنيكِ باحس إنك كنتِ بتعيطي ارتبكت ولمعت عيناها بدموع، فترقب السيد أن تشرح له؛ لكن خيبت ظنه حين عللت دون أن يقتنع: -زعلانة علشان خايفة على مراد ويزيد، هما بس اللي شاغلين بالي هز رأسه ولم يظهر أنه يريد ردًا آخر، ظن بأن أحد بالفيلا يضايقها؛ لكنها كما يعرفها تتحمل؛ كي لا تفتعل المشكلات. دُق الباب عليهما ليقطع حديثها، ف*نفست هدى براحة، أمر السيد الطارق بالدخول، فولجت الخادمة مرددة في شغف رغم وقوفها الهادئ: -الست عزة بتولد يا هدى هانم نهضت هدى وكذلك السيد الذي سأل بتوتر فرح: -مراد معاها ولا فين؟!......... ___________________________ بداخل أحد مخازنه الكبرى، وضع إمضائه أسفل الورقة ومن بعدها طبع ختم جده الذي يملكه، فكل شيء بات تحت سيطرته، أعطى مراد الورقة للجالس أمامه قائلاً بحزم: -بنفسك توصلها، وتعرف منه ميعاد التسليم، علشان لو اتأخر يوم ليا كلام تاني معاه هتف ضرغام وهو اليد اليمنى لـ مراد بخشونة: -بس يا مراد بيه عم حضرتك وجت ما بيشوفني نازل البلد بيتدخل في كل حاچة باعملها، وأنا مبرضاشي أصده علشان سيادتك نفخ مراد منزعجًا، هتف بانفعال: -وهو ماله، ومين بيقوله على شغلي في البلد؟ رد ضرغام بظلمة: -بيعرف من چعفر علوان، ما هما صحاب وسهراتهم كَتير جوي، وچعفر مافيش حاچة بتتخبى عليه، رچالته مالية البلد، راچل جادر والجتل عنده سهل جوي زم مراد شفتيه متفهمًا، رد مسلمًا أمره: -خليه يتدخل، بس في الآخر اللي أقول عليه هو اللي يتنفذ، وكمان جعفر ده ليا شغل معاه ردد ضرغام بتحذير المتوجس: -خليك بَعيد يا بيه عنييه، دا فيه ناس بيجولوا جتل بته، وفيه بيجول دفنها حية، وهو مطلع إنيها هُربت، عمل كِده في بته، أومال مع الغريب بيعمل أييه! اختنق مراد وهو يستمع له، ردد باستنكارٍ جم: -فيه ناس بالجبروت ده، ربنا يعافينا!! ثم تن*د ليتابع بهدوء مزيف: -يلا إنت علشان متتأخرش، الشمس قربت تغيب علشان توصل هناك على الصبح كده وتخلص شغلك أومأ رأسه بانصياع لينهض؛ كي ينفذ المطلوب منه، بعد دلوفه شرد مراد في عدة أشياء مختلطة أشعرته بصداع ليفرك رأسه فالحمل صار ثقيل عليه وهو في هذا السن، رن الهاتف الأرضي أمامه على المكتب فانتبه، وحين جاوب تلقى خبر ولادة زوجته، نهض قائلاً بقلق: -طيب جاي، مستشفى أيه يا يزيد؟! ............ _________________________ ركض الأطفال من خلفها وهم يلقون عليها الحجارة الصغيرة، دفعها للهرولة؛ كي تهرب من بطشهم ومضايقتهم لها، فهي بالأحرى مذعورة. حين ابتعدت مسافة أهّلتها لأن ترتاح أنفاسها وتختبئ خلف هذه الشجرة الضخمة، جلست ضامة ركبتيها لص*رها ثم أخذت تبكي والخوف طافح عليها.. من بعيد جلست غزل برفقة خالتها فتحية يتحدثن سويًا، رأت غزل الأطفال يركضون خلف المرأة ثم تأملتها بشفقة وهي جالسة هكذا بوضع يقطع القلوب، سألت خالتها في حزن عليها: -الست دي من يوم ما وعيت يا خالتي وآني باشوفها ِكده، تجعد تبكي وتتحدّت مع نفسيها، هي عنديها أيه وليه هي كده؟ وجهت فتحية بصرها نحو المرأة فهي على علم بوضعها، جاوبت على حيرتها قائلة: -دي يا غزل واحدة كانت بتشتغل في أرض هنا وكانت سايبة بنتها عند هدومها وأكلها، خرجت من الأرض ملقتهاش، من يومها وهي على الحال ده، بتخرف وبتدور على بنتها أثرت قصة المرأة في نفسية غزل لتتأجج شفقتها عليها، ابتسمت فتحية معجبة بحنان غزل، ضمتها من كتفها لص*رها ثم استفهمت في اهتمام: -يلا احكيلي أيه اللي مزعلك؟، إحنا بعيد عن البيت أهو ومحدش سامعنا أخذت غزل فرصتها لتسرد لخالتها عما يحزنها، قالت: -أمل ما هتحبينيش، دايمًا تعاملني مش منيح، وكل أما تشوف يوسف يچبلي حاجة تتضايج منيه ربتت على ظهرها لتهدئ من حالتها، هي الأخرى مستغربة من اهتمام يوسف بها ع** أخته، لم تعرف ماذا تقول؟ سوى أن تنصحها قائلة في جدية: -شدي حيلك إنتِ في مدرستك، عاوزاكِ ناجحة ومتفشليش في العلام، البنات في البلد بيحسدوكِ، محدش بيتعلم غير الولاد وعيال كبارات البلد ابتعدت عنها غزل لتستفهم بتكهن: -هو أنا ممكن أدخل الچامعة يا خالتي لو فلحت في دراستي ردت عليها في عزيمة: -وليه لأ، أنا هدخلك الجامعة، ولو دخلتي هاخدك معايا البندر كلماتها حمّست غزل لتتخيل نفسها من تلك اللحظة بالجامعة وتذهب معها، ارتمت على خالتها لتحتضنها، هتفت في امتنان: -حبيبتي يا خالتي، لولاكِ مكنتش اتعلمت ولا دخلت المدرسة هنا تدخل يوسف الذي أتى من خلفهن قائلاً بعبوس ممتزح بالحزن: -ويوسف اللي شجيان علشان يچيب فلوس لمدرستك ملوش نصيب في المحبة دي.........!! ........................................................ جلست على الكنبة المقابلة لشباك الغرفة التي تجمعها بـ غزل تتطلع أمامها في شرود وهي ما زالت حاقدة على أختها، ولجت سعاد الغرفة ثم اوصدت الباب خلفها وقد اتخذت قرارها بإخبارها؛ كي لا تراها متضايقة هكذا، تقدمت منها لتنتبه لها أمل، ثم اعتدلت في جلستها، جلست سعاد بجانبها متسائلة ببسمة ودية: -لساتك زعلانة يا أمل؟ نظرت لها بجحود وقالت: -يعني مشيفاش ياما كِيف يوسف وخالتي بيهتموا بالست غزل؟، بيشتغل علشان تتعلَم! ردت سعاد بعتاب: -إنتِ اللي مفلحتيشي في العلام وجولتي مش عاوزة اتعلم، مكناش مجصرين معاكِ تأففت أمل ثم ردت في ضيق: -طيب هو بيحبها أكتر مني زي ما أكون مش أخته زييها وبت حرام آني -اسكتي متجوليش كِده صرخت بها سعاد لتمنعها من مجرد التفكير في ذلك، تابعت سعاد في غلظة: -إنتِ بنتي ولحمنا، هي اللي بت حرام! عفويتها جعلتها تخبرها بطريقة فظة، فشهقت أمل وانصدمت مما نطقت به؛ لكن سرعان ما أنّبت سعاد نفسها فهي لم تبغض غزل وتحبها، لامت نفسها ثم استكملت في بتأنٍ: -هجولك على كل حاچة، علشان معاوزاكيش تزعلي من أخوكِ ثم سردت لها كيف جاءت غزل لبيتهم، وهي تتحدث كانت أمل في عالمٍ آخر، مصدومة، مشدوهة، لم تتوقع يومًا أن تكون غزل ليست بأختها، حين انتهت سعاد قالت بتعليل: -علشان كده يوسف بيهتم بيها، أصل الواد متعلج بيها وباينله بيحبها، يوسف مش صِغير وكان واعي لكل حاچة بتوهان شديد رددت أمل باستنكار: -معجولة غزل مش أختنا!! ثم حملقت في والدتها لتستفهم في فضول شديد: -ومعرفتوشي مين أهلها؟ نفت سعاد بهز رأسها، نظرت أمل أمامها ولم تعرف لما حلت الفرحة تلك بداخلها، لربما أنها اكتشفت أن غزل أقل منها، معدومة النسب، ذلك التمييز بينهن جعلها تحقد عليها، خف غيظها بعد معرفتها بذلك لتنتوي في نفسها؛ لكن على ماذا؟، فاقت للواقع حين خاطبتها والدتها بتنبيه لم تهتم به كثيرًا: -إوعاكِ يا أمل حد يعرف بالكلام ده.........!! __________________________ حين وصل للمشفى كانت زوجته قد وضعت أولاده، فرح مراد حين قابلته السيدة هدى وإحدى الممرضات يحملن ولدين، حمل أحدهما من الممرضة، فقالت هدى في ابتهاج: -مب**ك يا مراد، عزة جابت ولدين، مش قولتلك قلبي حاسس إنه مش واحد بس ضحك بخفوت وهو يتطلع على ابنه، قبّل جبهته ثم وجه بصره للولد الآخر الذي تحمله السيدة هدى، تأمله بحب ثم ابتسم، حدثته في ألفة: -يتربوا في عزك يا حبيبي! نظر لها قائلاً بلطف: -الله يبارك فيكِ يا ماما انزعجت والدة عزة السيدة سامية وهي تقف عند باب غرفة العمليات مع الممرضة، عدم اهتمام مراد بوضع ابنتها الحرج جعلها تغتاظ، تتبعت قدومهما نحوها باستشاطة داخلية، استفهم مراد منهن بجدية: -عزة عاملة أيه، لسه مخرجتش؟ باستياء شديد ردت عليه السيدة سامية: -الدكتور بيقول حالتها صعبة قوي، مكنش ليها تخلف في سنها ده، بس نقول أيه! كشّر مراد من ردها، فعلل لها باكفهرار: -عزة مش صغيرة، هي اللي تعبانة وسيادتك عارفة بكده، جوزتيها ليه لما إنتِ خايفة عليها تدخلت هدى لتقول بعقلانية: -دا وقته!، ادعولها تقوم بالسلامة، وعزة بتحبك يا مراد وحبت تجيبلك ولاد تن*د مراد بقوة محاولاً الهدوء، حين دلف الطبيب انتبه له الجميع، أعطى مراد الطفل للسيدة سامية ليتحدث معه، قال له الطبيب بمفهوم: -المدام طالبة تتكلم مع سيادتك يا مراد بيه! ارتاب الجميع في نبرة الطبيب الذي لم يخبرهم بحالتها، تحرك مراد للداخل قلقًا عليها، وحين ولج تطلع عليها وهي راقدة في حيرة، ثم تأمل ملامحها المسجورة، اقترب منها أكثر فوجودها تنظر إليه بضعف وعلى ثغرها بسمة محبوبة، دنا من الفراش فقالت عزة بعشق: -مراد حبيبي حين رفعت ذراعيها أدرك أنها تريد معانقته، لم يبخل في ضمها إليه، فتابعت بتوجسِ قاتل: -خايفة أموت، أنا باحبك يا مراد متخليش حاجة تبعدني عنك طمأنها قائلاً بتردد: -هتعيشي يا عزة وهتربي الولاد ثم جاء ليبتعد فمنعته قائلة بتعلق: -خليك معايا يا مراد! كان تعلقها به في تلك اللحظة غريب يثير الريبة والقلق، وربطه بحديث الطبيب المقتضب وغير المفهوم وما تفعله الآن، خشي مراد عليها وبات خوفه معلنًا حين تراخت ذراعاها من عليه، هنا فطن الأمر ليغمض عينيه مدركًا بأنها فارقت الحياة.. في الخارج زادت همهمات الأهل من هذا الموقف؛ بالأخص أهل عزة جميعهم، حين خرج مراد من الغرفة اتضح من هيئته أن هناك ما يحزن وراء تعبيراته الكامدة، هرعت السيدة سامية نحوه مرددة في خوف: -بنتي عاملة أيه، عاوزة تشوفني مش كده؟! رد مراد بحزن وهو يتحرك نحو السيدة هدى: -البقاء لله! أطلقت السيدة سامية صرخة مفجوعة ثم هرولت لترى ابنتها، لم يستعجب الكثير مما حدث فهي مريضة وقد تزوج بها محبةً في والدته؛ كونها ابنة أختها، سأل مراد في صلابة: -فين الولاد؟!............ _________________________ -ما كنتش تموت قبل ما تولدهم! هتف السيد أسعد بتلك العبارة؛ حاقدًا على ما أتاه من خبر ولادة زوجة مراد، رد ابنه ماهر في حقد: -داخل القصر زي الأسد وهو شايل العيال لواحده كز أسعد على أسنانه بقوة فقد ظن بأن زوجته لن تتحمل الحمل وستموت قبل أن تلد؛ لكن تلك مشيئة الله، هتف أسعد في تجهم: -طيب اقفل وبعدين هكلمك، أصلي مشغول ثم أغلق الهاتف ليوجه بصره نحو الجالس أمامه يحتسي الجعة، سأله الرجل في جهل: -باينله وصلك خبر موش تمام تن*د الأخير مرددًا في حنق بعدما تجرع كوبه كاملاً: -مراد مراته جابتله ولدين شهق الرجل قائلاً بحسدٍ ص**ح: -ولدين حتة واحدة، يا بوي!!، دا آني اتچوزت عشر مرات ومفيش واحدة فيهم حبلت وبشرتني ابتسم أسعد في سخرية، ثم رد موزعًا أنظاره على هيئته: -جرا أيه يا جعفر، ما تبوص لنفسك يا راجل، خلاص كبرت وراحت عليك، البنات الصغيرة اللي بتتجوزهم فضحوك امتعض جعفر ليرتشف من كوبه، رد بقلبٍ ميت: -هما فين البنات دول، أنا مهشوفش بنته من اللي اتچوزتها ضحك أسعد بشدة فهو يعرفه جيدًا، فقد تخلص منهن، قال بمكرٍ أربكه: -هو إنت ليه مش بتدور على بنتك الهربانة، ولا تكون عارف مكانها ومش عاوز تقول تلميحاته باتت مفهومة للسيد جعفر والذي لم يهتم حتى وإن انكشف مقتله لابنته وابنتها الصغيرة، رد ببرود الواثق: -شكلك بيجول إن بكلامك ده مستغني عن خدماتي ليك، عاوز تخسرني يا أسعد أعدل أسعد عن حديثه لا يريد إفساد علاقتها، هتف في محبة مزيفة وقد توتر: -لا يا جعفر دا إنت حبيبي، دا إحنا عِشرة عُمر يا راجل هضيعها علشان حاجة تافهة زي دي!! نظر له جعفر بتكبر، فلم يُخلق بعد من يقف ويُجادله، غيّر أسعد الموضوع قائلاً بودٍ مخادع: -مقولتليش بقى هتساعدني في وضعي ده إزاي، عاوز حقي اللي بيتسحب مني................!! ................................................... رحلت خالتهم بعدما طلبوها في القاهرة، وقفت أمل منتصف الغرفة تتابع ما تفعله غزل مع نفسها على التخت، حيث جلست غزل تتفقد ما جلبته لها خالتها من أثوابٍ رائعة -من وجهة نظرها-؛ لكن هي في الحقيقة بخسة الثمن، ارتضت بها غزل كونها لم تملك شيء غيره، بالأحرى لم تأتيها الفرصة لتملك الأثمن. لم تلاحظ نظرات أمل التي تخترقها، الآن فقد تساوت الأمور، كلمات رددتها أمل!، تحركت نحوها بنظرات ماكرة سرعان ما بدلتها لترسم الإجهاد على وجهها، طلبت منها بتعب مزيف: -روحي يا غزل هاتي مية من الترعة أصل رچليا وچعني ومش جادرة أجف عليهم تركت غزل ما بيدها ثم ردت بقلة حيلة: -بس أنا مهعرفش أچيب ميه، على طول بتچيبي إنتِ غمغمت أمل في اغتياظ: -ما أنا أصلي خدامة اللي خلفوكِ لم تستمع غزل بالضبط لما تفوهت به لتسألها: -بتجولي حاچة يا أمل؟ زيفت أمل بسمة وهي ترد في دهاء: -مهجولش حاچة يا عيون أمل، كل اللي عاوزاه منييكِ إنك تروحي تچيبي مية وبعدها تغسلي المواعين، ما إنتِ كبرتي ولازم تساعدي معانا كانت نبرة أمل جديدة لتستفهم غزل أنها تكرهها، ففتاة في عمرها لم تفعل ما تطلبه منها، فقد أكملت فقط العاشرة، أطاعتها غزل ثم نهضت قائلة: -حاضر، هروح أعمل اللي جولتي عليه ثم تحركت للخارج وسط نظرات أمل الخبيثة، رددت في بمقت: -على آخر الزمن هخدم واحدة ملهاش أهل ورمينها.....!! لاحقًا، تممت أمل على ما جلبته غزل من مياه كثيرة لتجعلها تزيد من طلب جلب المياه قبل عودة أهل البيت، عاد يوسف وهذا من حُسن حظها، قابلته أمل حين ولج من الباب قائلة بمكر: -حمد الله على السلامة يا يوسف رد متن*دًا بإجهاد: -الله يسلمك، أبوي وأمي لسه معاودوش؟ ثم جلس على الأرضية مستندا بظهره للحائط، ردت وهي تجلس برفقته: -لأ لساتهم برة لا إراديًا وزع نظراته من حوله ليستفهم في فضول: -فين غزل؟ أخفت بسمتها ومكرها معًا لترد بمغزى: -بتملالنا مية من الترعة هتف في استياء: -من ميتى غزل بتشتغل؟، دي لساتها صغيرة! ردت بحقد جلي: -عيب عليك يا يوسف تبوص لعيلة في سنها تفاجأ من حديثها المستقبح ليوبخها بامتعاض: -اتجنيتي في مخك إياك، دي أختي! ردت في تهكم استفزه: -بتضحك على نفسك ولا عليا، غزل مش أختنا واصل وإنت خابر كِده زين ارتبك بشدة وجف حلقه، اعتدل في جلسته وهو يحدق فيها بصدمة، تابعت أمل بطلعة كالحة: -بتفضل بت الحرام دي على أختك! غضب يوسف من كلمتها الوخيمة في حق الأخيرة لذا قام بصفعها، فصُدمت أمل من ردة فعله، هتف يوسف في اهتياج: -صحيح مافيش في جلبك رحمة، بتجلبي على عيلة صِغيرة علشان عرفتي إنيها مش منينا نهضت أمل من أمامه وقد حزنت، نهض هو الآخر هاتفًا بتحذير: -لو حد عرف يا أمل مهرحمكيش، وجتها هتشوفي يوسف تاني، وغزل أختنا عقبت على كلمته الأخيرة مرددة في حنق: -وهتفضل أختنا لحد ميتى يا يوسف، ما باينش إنك شايفها أختك؟! رفع يده ليعاود صفعها فصرخت أمل، في تلك اللحظة انتبه يوسف لمجيء غزل حاملة الماء على رأسها، نظر الاثنان لها ولاح الكُره في نظرات أمل نحوها، استفهمت غزل في عدم فهم: -تجصدوا مين بحديتكم ده؟!............. ________________________ ___________________ __________
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD