الفصل ( 2 )

1996 Words
تحـت اضـواء الشمـس الحـارقة، تقريبًا في الصحراء، منطقـة مهجورة، اذا القـيت بسن رفيـع تسمـع صوتـه، او نبيـح الكلاب ولو صباحًا، امام سيـارة سـوداء كبيـرة فـي اخر المنطقـة، صـدح صوتـه المتساءل بأختنـاق : _ يعني ملاقتش غير المكان ده سألـها بنبـرة ظهر فيها الجـزع والملل، بجسـد لم يعتـاد علي هذه الشمس فربما تأكـل من كثرتهـا، وبدلتـه السوداء التي يرتديها تمتص الشمس وكأنها قاصدة ت***بـه ليس إلا !! نظـر له الواقـف بجواره امام السيارة وهو يرمقـه بنظرات حانقـة مستهانـة، لم يستطـع اخفاؤوها من عينيه السوداء ولو انه يعلم بمقدار خطورة ذلك، ثم قال بنـزق : _ ما انت الي قولت لى مكان مقطوع يا ريس اومـأ الاخـر، ثم ارتكـز بيداه علي السيـارة، ولاحت بعينـاه سحابـة غامضـة، قبل ان يستطـرد بجديـة معتادة منه : _ انت عارف طبعًا انا جايبك هنا لية ؟ اومـأ بتأكيـد، فقد أصبح هذا الموضوع محور حياتهـم، مهما يتلفتـوا يعودوا له من جديـد، اصبح كالسلاسل الحديدة الخانقة تختنقهم كلما ارادوا الأرتيـاح .. ! تنـهد تنهيـدة خرجـت من اعماقه ثم تـابع بهدوء حذر : _ لسة معرفتوش مكانها ؟ هـز رأسه نافيًا، هـزة جعلت الاخـر يرغب في الاطاحـة برأسه في نفس اللحظة من شـدة غضبـه، تطـايرت شرارات سوداء غاضبة مشتعلة من عينيه وهمس بنبرة اشبه لفحيح الافعـي : _ لحد امتى !! عقد حاجبيـه بعدم فهم ونظـر له مستفهمًا، مما دفعـه لإلقـاء اوامـره الحادة : _ لحد امتى يا معتز، انت عارف دى مهمة لينا ازاى، دى الي هتودينا حبل المشنقة او تبعدنا عنه، انت لازم تلاقيها ابتعد عن السيـارة يطالعه بغضب وحنـق حقيقي اظهرتـه ملامحـه التي اشتـدت وتشنجـت، ومن ثم صرخ فيه من دون وعى : _ يعني اعمل اية ياريس، انا مابنامش الليل، لكن بردو مش لاقي حاجة قـال بتحذيـر ألقي الرعـب فى قلبـه بلحظتها : _ في خلال يومين تكون لاقيتها احسنلك **ـت الاخـر بعجـز يتملكه، إن كان يبحث لمدة سنـوات ولم يجدهـا وكأنها اختفـت من الوجـود، يبحث عنها كالقشة في كومة قمح، بينما اعطـاه الاخر طفيف اخر امل بقولـه الخبيث : _ ولو ملاقتهاش يبقي مفيش غير حل واحد بس.... !؟ ************ كـانـت تجـلس "شمس" علي احدى المقاعـد الخشبيـة الصغيرة، بجوار والدتها التى كـانت تكبـح دموعها بصعوبة تعلم هي وحدها مقدارها، تطـالع زوجها الحبيب بهيئتـه المرزية تلك، ذقنـه الطويلة وشعره الذى تختلط به بعض الشعيرات البيضاء، جسده النحيف يوحى بمدى ضعفه وألمـه في هذا المكان القـاتم، اما عنها هى فلا حاجـة لسؤال تعلم اجابتـه بأتقـان، توغلها الألم بكثرة حتي اعتادتـه، فما المانع ان ازداد قليلاً وهى ترى اعز شخص لديها هكذا !؟ _ ازيـك يا ابو شمـس عامل اية ؟ سـؤال ا**ق حقًا، يشوبـه الاستنكـار، أنفلت ل**نها ليسأله دون الاذن منها، كيف تسأله حـقًا وهي ترى الاجابـة المريرة بعينيها !؟ ابتسامة تعتبر متهكمـة ولكن راضيـة بعض الشيئ شقت وجهه، واجابها بخفوت : _ الحمدلله سرعـان ما قالت شمـس بأشتيـاق حقيقى : _ وحشتنى اوى يا بابا، اوى اوى قالتـها بأشتيـاق لا تعلم تأثيـره علي والدها، الأشتيـاق انتقل اليه في صـورة **رة وألم، تعذبـه بكلماتها كل مرة دون أن تشعر، قال بهدوء يع** ما يكمن بداخله : _ وانتِ اكتر يا حبيبة بابا تنهـدت كريمـة بقوة قبل أن تسألـه سؤال كل زيارة حمقـاء : _ بردو مش عايزنا نقول للمحامى يرفع النقد في الحكم ؟ هـز رأسه نافيًا ببساطة، بأبتسامة كاذبة لم يصعب عليهم تفسيرهـا، هو بعلم سوء حالتهم الماديـة، سيأتى بملأ ارادتـه ويزيد من مشكلاتهم وهو ليس معهم !!؟ _ بابا ارجوك طب حتى قولنا اية الي حصل، احكى لنا ماتسيبناش كدة قالتهـا شمس برجـاء حقيقي حـار، ولكن اعماقهـا هى من تطلبته وبشدة، ترغـب في المعرفة لتمدها بالطاقة اللازمة للمواجهـة، ولكن بالطبـع كالعادة لم تلقي سوى الرد بجديـة : _ قولت لك يا شمس مش هأقول لحد حاجة، مش هاعرضكم للخطر بأيدى، لو ربنا كتب لى اخرج واتكلم ساعتها بس هتكلم وبقوة تن*دت تنهيدة طويلة حارة تحمل بطياتها الكثير والكثير، كانـت تعلم انه لن يخبرهم بأى شيئ كما قال، ولكنه شعورها انه يتحمل ذنب لم يرتكبـه يخنقها كل فترة اكثر من ذى قبل، كلما تريد تفكك الخيوط لتبدأ بحلها تشعر بها تزداد تعقدًا اكثر وكأنها تعانـدها.. ! _ يلا الزيارة انتهـت يا اساتذة جملة قالها العسكرى بجدية وبعض من الهدوء ولكنها كان لها اثر كبير في واقعهم الملموس، قطـع اخر امل لهم فى المعرفة من دون شعور بذلك .. ********** بعد فتـرة كـانت "شمس" تسيـر بمفردهـا تحمل الحقائـب الثقيلة التي يملؤوها الطعام و التي تركـت اثرًا واضحًا على اصابـع يدها البيضـاء، تناثرت خصلاتها السوداء من اسفل حجابهـا من دون ارادةً منها، كانت تسير بخطوات مسرعة قدر الإمكان، جبينهـا مصبب بالعرق، لا ترغـب في سمـاع اى كلمة من اى شخص قد تجعله ينـدم لأنه قالها، بالرغم من انها قطـة، ولكن قطة شرسـة وجدًا، اسمها يتناقض تمامًا مع الشمس الحقيقية، كم تشعر انها تكره اسمها !! ربمـا لأن هذه الشمس لا ترغب ان تأتي فى جوف حياتها وتنيـره ولو لمدة قصيرة دلفـت الي باب العمارة الكبيرة، وما إن خطت قدمها داخلها حتي وجـدت يدًا قويـة تطـبق علي خصرها بقوة جعلتها تصرخ من الألم قبـل الفـزع و ..... ********** صرخـة مدوية أطلقتهـا من بين شفتيها المرتعشتيـن بهلـع وألم من قبضتـه الحديديـة حول خصرهـا، رائحتـه المقـززة التى تكرهها تكفلـت بمعرفتهـا من هو، إلتفتت بسرعة تجاهد فى إبعـاده عنها، وكأنها تجاهد للحصول على الحريـة من قاضى فاسـد .. ظالـم .. متجبر، ظـلت تلهـث لدقيقتـان تحـاول السيطـرة علي حالة الهلع التـى سيطـرت عليها حتى لا تفتح له الطريق لما اراد، وصاحت فيه بجـزع حقيقي : _ انت مجنـون، كم مرة اقولك بطل حركاتك دى بقا انت مابتزهـقش كـان يقف بهدوء مفتعـل، وكل خلية من جسـده ترتعـش من إقتـرابه منها لهذا الحـد، لا يـدرى ماذا يجيش بص*ره تحديدًا عندما يراهـا، ولكن ماهو متأكد منه ان قلبـه يتقافـز حماسًا للحصول عليها، ثـبت ناظريـه علي عينيها الرماديـة بنظرات ذائبـة، ثم اجابـها بمحاولة للهدوء : _ مجنون بيكِ يا شمس، مش عارف امتـى هتحسي بيا بقا حديثـه يخنقهـا رويدًا رويدًا، يكبلها بعشق لم ترغب به يومًا، ظهـرت اشباح التقـزز علي قسمَات وجههـا الأبيض، ومن ثم غمغمت بضيق : _ مش هحس ومش عايزة أحس، قولتلك ارحمنـى بقا انت ابن خالتى وبس أختـفي بريـق عينـاه اللامـع المشتـاق، ليجتاحها نظرات مشتعلة بفعل كلماتهـا الحادة، التى باتت تؤلمه وتنغزه في قلبه دون رحمة، ثم نظـر في المرآة الموضوعة على الحائـط الكبير، ينظر علي جسـده المتوسط، يطالـع هيئتـه الرجولية بنظرات متحسرة، ينظر لملامحـه الهادئة والحادة في آنٍ واحد وكأنه يسألها بجنون " لما لا تجذبيهـا انـتِ لما !؟ " الأجابـة كانت من شمـس، التي باتت تعيـد له نفس الكلمـة وكأن ل**نها اصبح آلي يردد تلك الجملة : _ انا مش رفضـاك لشكلك او مش هقبل بيك بردو لشكلك، بس انا عمرى ما هحبك، انت مجرد ابن خالتـى بس إلتفتت لها في لمح البصر يمسـك بيدها التي ارتعشت من مسكتـه المقززة كالوبـاء، وراح يترجاهـا وهو محدق بها : _ طب ادينـي فرصة وانا هتغير، هبطل اى حاجة بتضايقك، خمرة او بنات او اى حاجة، بس كونى ليـا جهـر القلـب بأعتـراض شديد، اعتراض علي حاكم مستبد يرغب في افتراض نفسـه جبرًا عليه، هـزة نافية صارخـة من رأسهـا جعلتـه يحدجـها بقوة وكأنما لا يرى الرفض، فقالـت بجدية : _ صعب اوى يا يحيى الي انت بتقوله ده، انا مش بأفكـر فى اى حاجة من دى دلوقتِ، ياريت نفضل ولاد خالة بس ولا يسمـع ايضًا الرفـض، أقتـرب منها متعمدًا اثـارة توترهـا، يثيـره هيئتها الحمراء من الخجل، وإنتفاضة جسدهـا كالثعبان الذى لدغهـا، ولما لا يذقيهـا من نفس الكأس ألا وهو التوتر قليلاً، ثم قال بهمسـات حطمت جديتها لأشـلاء صغيرة : _ بس هتفكـرى، اوعـدك يا شمس هتفكـرى وهتفكرى كتيير، وهتجيلي بأرادتـك اختفـت الدماء هربًا بهلع من وجههـا، وتمنت الهرب كحبـات الدماء بسرعة، تحاملت علي نفسها وهى تسأله بخوف : _ قصدك اية يا يحيى ؟ إبتعـد عنها " يحيى" وقد أصاب سهمه ما اراد تمامًا، لينظر لهيئتها المبعثرة بأستمتـاع يتشبعـه بجدارة : _ انتِ فاهمـة قصدى كويس ولو مش فاهمة يبقي خليها مفاجأة إبتلعـت ريقهـا الذى جف، وحاولت جمـع شتـات شجعاتها التي بعثـرت بفعل ريـاح تهديده وهى تقول : _ انت متقدرش تعملى حاجة اصلاً تقـوس فمـه بأبتسامة ساخرة مستفـزة، تعبر لها عن مدى عراهـا امامـه، ثم اومأ بتهكم : _ هنشوف يا بنت خالتى ثم استـدار وغادر على عقبيـه، مهما تبنى جدار امام جدار، بثقب خبثـه ولؤمـه يراها على الفـور، ليهد كل ما بنتـه في ثوانٍ معدودة .. ****** يتجسـد كل شخـص امامهـا كحبـة لؤلؤ رقيقـة هادئـة، لتقترب عاصفـة قويـة وتهدمهـا، لتصبح قطع صغيرة متناثـرة، وتركض هى لمحاولة لعودتهم كما كانـوا، ولكن من الممكن ان نقل للماضي .. هيـا عـد ؟! ، ام انه لا يعود بأكملـه بل شظايا مؤلمـة منه فقط ليس إلا !! نظراتـها وحدها لا تكفـي للتعبير عن مدى عجزهـا.. وحزنهـا، ليس كل من يراها يستطيع إبعـاد ذاك الغلاف الهادئ عنها، أخفـت دموعها بصعوبـة، تكاد تشعر بنهر من الدموع الساخنة يتناثر علي وجنتيها من شدتـه، وقالت بصوت مهزوز : _ حرام عليكِ يا أمى، كان ممكن أنقـذه هـزت رأسهـا بأعتراض شديد تلقائيًا، عاطفة الأمومة هى المسيطرة الان فقط، ثم اردفـت بحزم : _ مش هتروحى يا خلود، انا مش مستغنية عنك يا حبيبتي خـارت قواهـا بأكملها وحان وقـت الاستسلام، فتحت الابـواب وأعلنـت راية الأستسلام، لتقع امام "عبير" فتاة هزيلة اهلكها ماضي مؤلم، وصرخت فيها من دون وعى : _ انا مش هنتحررر يا امى افهمى من يغفر لها وكان مثل الجدار الذى يعزل نار غضبها عنها ما هو إلا معرفتها بحالتها النفسية، تجـز على اسنانـها بقوة لتكبح غضبها بداخلها، ثم تابعت بصوت آمـر : _ قولت مش هتنـزلى، هى كلمة واحدة إبتلعت ريقهـا بإزدراء، وتابعت دموعها الهطـول بغزارة، نظـرت لها نظرة تفهم مقصدهـا جيدًا، نظرة دائمًا ما تلعب دورهـا بأتقـان، ثم تابعت مترجيـة : _ ارجوكِ يا امى سيبني اعمل حاجة واحدة أقف بيها في وش النـاس واقول لهم ده مش ذنبـي انهم بيموتوا .. ! تأففت والدتهـا وابتعدت بعينيها عن مفعول عينيها السحرى الذى يخدرها في كل مرة، ثم قـالت هادئـة : _ عشان تنقذيـه أفرض بعيد الشر حصل لك انتِ حاجة، انا هعمل اية ساعتها ؟! اهتـزت رأسها نافيـة تلقائيًا بأعتراض شديد، وراحـت دموعها الساخنة تنهار من جـوف خنقتها داخل عينيها البنية لتتحرر واخيرًا لتحاول التعبير عما يجيش بص*رها من معانـاة بدت ابديـة .. ! ثم سقطـت منهارة علي الأرض، لتستطـرد وسط شهقاتها المميتـة لوالدتها : _ كل ما أروح احاول ألحـق حد، يفتكر إنى انا الي فيا حاجة، الناس بقت بتخاف تقـرب منى لأصحـى تانى يوم اقولهم انتم هيجرالكم حاجة، كل واحد بيرمى كلمة براحتـه ومش واخد باله إنى انسـانة بتحس، انسانة اترمت وسط ذئـاب بتنهش فيها وبس أقتـربت منها تحتضنـها بحنـان، تمنـع دموعها من الهطـول حتى لا ت**ر ذاك الجزع الذى تستنـد عليه خلود، أطبقت عليها برفـق وقالت بمرح : _ يلا يا ستي الأستـاذ اخوكِ عايز ياكل مش هيستنى كتير ابتسمـت بخفة من بين دموعهـا ثم نهضت مبتعدة عن والدتها بهدوء، ليتجهوا سويًا للخارج، حيث وجدوا شاب في اوائل الثلاثينـات من عمره، يضـع يده اسفل خده، يجلس علي الكرسي المواجه " للسفرة " وما إن رأهـم حتى قال بملل وضيق مصطنع : _ شكلنا مش هناكل النهاردة عشان ست خلود بقاا ضحكت خلود ومن ثم إقتـربت منها واجابته بهدوء : _ هناكل يا طفس بس اهدى عشان حاسه إنك شوية وهتاكلنا احنا شخصيًا غمغم بضيق مصطنـع : _ اما نشووف بقاا . تنتقـل حياتها دومًا كالأمواج، هادئة حزينة غاضبة، متقلبة غير مستقـرة ابدًا، دائمًا ما تشعر انها ليست المتحكمة في حياتها، ولكن ما يرطب ويهدأ صفو حياتها ولو قليلاً هو اخاها الأكبر الوحيد ووالدتها من بعد والدهـا الراحل " على " .. ********
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD