الحلقة-3- مملكة شايا وماهيرا

1618 Words
حى ناميرا خيم الليل برائحة الحب على حى ناميرا والذي يقع في أطراف مدينة أونتاريا، بدأ الاحتفال بطائري الحب أوارا وجيرميا باختيارهما زوجين هذا العام. انتظر سكان هذا الحى الهادىء زيجة جديدة بفارغ الصبر؛ لقد انقضت عشرات السنوات، ولم يُتوج حيُّهم بزيجة جديدة تدب فيه الأفراح مرة أخرى. زيجة جديدة أى انتعاش تجاري للحى، فالأحياء التي تتم فيها تلك الزيجات، يفد إليها الكثير من سكان الأحياء الأخرى، والتي لم تحظى بعد بشرف استقبال زيجة جديدة. هنا كل شىء يصب إلى الزواج، فهو الحدث الجلل الذي ينتظره سكان مملكة جوانا خاصة مدينة أونتاريا. يتباهى سكانها دائما بوجود معبد هارتيا في محيط مدينتهم، فالجميع يأتون إليها للتبرك ومنحهم فرصة لوجود زيجات جديدة في أحيائهم، حتى تنشط تجارتهم التي تعتمد بصفة أساسية على الأمور المتعلقة بحفلات الزواج. وفي حى ناميرا بدأت الاستعدادت في ليلة اليوم الذي تم إعلان جيرميا وأوارا زوجين وكذلك ماجلان وأوسان ، زيجتان لنفس الحي إنه لأمر نادر جدا في مملكة جوانا ولكنها الأقدار. بدأ ذويهم بتجهيز عناقيد الزينة التي ستزين بها حوائط البيوت بالأزهار الصناعية التي تشبه الحقيقية ؛ حيث يحرم استخدام الزهور الطبيعية في الزينة، لأنها مص*ر العطور والعلاجات في المملكة. ذلك التحريم جعل السكان يلجأون إلى صناعة ورود وزهور تحاكي الطبيعية، مما أدى لظهور نشاط تجاري جديد، وهو صناعة أنواع جديدة من الأقمشة والخيوط يشبه ملمسها ملمس البتلات الطبيعية. وأما الرائحة فالعطور المستخرجة من الطبيعية يتم رشها على الصناعية وقت الاحتفال. أخرج صناع الأقمشة كل ما هو جديد لديهم ، وتباروا في عرض بضاعتهم هنا وهناك حتى نفدت جميعها،وعادوا لديارهم منتفخى الجيوب ومنتفخي الأوداج. وأما عن الساحة التي يتم فيها إقامة حفل الزواج ، فلكل حى ساحة دائرية تتسع لأهل سكان الحى،في المنتصف يجلس العروسان فوق كرسيين مصنوعين من خشب أشجار ماند*كا المباركة أعتق الأشجار في المملكة،تملؤهما زخارف ذهبية اللون لأزهار بابرينكا زهرة الحب المباركة. وكانت المدرجات ترتفع تدريجيا من الداخل للخارج، حيث يجلس في الأعالي الكاهن الموكل بعقد الزواج، وكتابة العهود بين الزوجين وحاشيته. في حين يجلس أقارب العروسان في المدرجات القريبة منهما، وباقي المدرجات للجيران،والأصدقاء،وضيوف المملكة من الممالك الأخرى،الذين يحضرون خصيصا لمشاهدة حفلات الزواج،والتي تتسم بطابع خاص تتميز به المملكة دون غيرها من الممالك المجاورة لها. فلم تحظَ حفلات الزواج بأهمية كبيرة فيها مثل ما حظيت في مملكة جوانا.   -9- عندما انتصف ليل أونتاريا ،خلد الجميع إلى النوم، لينالوا قسطا من الراحة، فمن الغد لن تنام أونتاريا حتى تتم مراسم الزواج،وانقضاء الليلة الأولى لكل الأزواج في حياتهم الجديدة. رافق جيرميا زوجته أوارا إلى منزلها،كان يحتضن كفها برفق طوال الطريق،القمر يراقبهما من بعيد مبتسما،لطالما قمر أونتاريا الوردي يشعر بالوحدة ،فيستأنس بمتابعة ضوئه للأزواج في أونتاريا. "وأخيرا استجابت الأقدار لقلبيكما" قالها القمر بامتنان ثم أرسل ضوءه الوردي للنجوم والأجرام القريبة منه، ليخبرهم عن آخر أخبارجيرميا و أوارا. وصلا الزوجان لعتبة منزل أوارا فتوقفا،وكان الخجل ثالثهما،رغم أن الحب يعصف بقلبيهما إلا أنهما من الشخصيات الخجلة. لم يستطع ل**ن حالهما أن ينطق ببنت شفة، ولكن تجرأ جيرميا وطبع قُبلة دفيئة حانية على كف أوارا الرقيق، بثَّ فيها كل مشاعر الحب التي كنَّها لها طوال تلك السنوات، فسَرت قشعرينة حارة ألهبت قلب أوارا، التي سحبت يدها بسرعة، لتسحب ذ*ل فستانها، وتدخل منزلها وتتوارى خلف بابه. قلبها ينبض بسرعة ونفسها يلهث من فرط العاطفة الجياشة التي اجتاحتها منذ قليل، ذهبت إلى غرفتها، أخرجت دفتر مذكراتها وبدأت تفرغ طاقة الحب التي اختنزتها من جيرميا فكتبت. " قُبلة طبعتها شفتاك على يدى، جعلتنى أشعر بدفء حبك، وبحرارة شوقك، قُبلة خفق لها قلبى، و هامت لها روحى، فاهتز لها وجودى، يا من وقفت على بابي لتعلن حبك لى .. يا من أضأت حياتى بهمسات حبك .. كنت كزهرة تاهت بين حقول الحياة ..فجاء بك القدر؛لتكون سكنا لها ومودة ورحمة، فالسكن أنت والمودة أنت و الرحمة أنت، زادنى الشوق إليك حبا،فزادنى القرب منك أشواقا، فوجدت نفسى فى دائرة مغلقة بين حبٍ و قربٍ و شوق". ابتسمت بحبور، وشعَّ وجهها نورا، فبدت مشرقة كالشمس، أبدلت ثيابها ثم خلدت للنوم، محتضنة وسادتها لآخر مرة، والتي كانت مؤنستها طوال تلك السنوات،وتواسيها عندما تشتاق لاحتضان جيرميا لها يوما ما. عاد جيرميا أدراجه لمنزله، كانت الطرقات قد تزينت بنبات المايوركا، وهو نبات يشع أضواءً خافتة، تتدرج بين الأحمر والوردي،تقول الأسطورة، أنه كان لمملكة جوانا قمران، ولكن أحدهما ض*بته أحد الأجرام السماوية فمزقته،وأن أشلائه توزعت على المملكة؛ فنبتت مكانها أعشاب مضيئة متدرجة الألوان،ولحزن القمر الناجي من الاصطدام تحول ضوءه للوردي. استغل سكان المملكة تلك الأعشاب في الأفراح فقط إحياءً لذكرى قمرهم السابق،كان الهدوء يسيطر على الطرقات،لذا كانت خطوات جيرميا مسموعة له،فقام بعزف لحنا شهيرا لديهم بوقع خطواته حتى تؤنسه طوال طريق العودة لمنزله. كانت أخته تنتظر عودته بشوق، فأخيها سيتزوج أخيرا،ولن تحمل عبء رعايته بعد الآن،كانت تشعر بالسعادة في تدبير شئونه،ولكنها الآن أم لأربعة أبناء وليس لديها وقت لتدبير شؤونه، خاصة بعد ميلاد طفلها الرابع مؤخرا. توفى والدي جيرميا منذ خمس سنوات تعهدت فيها أخته برعايته حتى يؤذن له بالزواج من قبل هارتيا. شعر بالنعاس، فأسرع الخطا حتى وصل لعتبة بابه،وقبل أن يطرق الباب بادرته أخته،وفتحته فقد انتبهت لخطواته فورا. كانت تحمل رضيعها في محاولة يائسة منها لينام، احتضنه جيرميا فاستنشق عطره وزفره ببطء وقال: إن للأطفال رائحة عجيبة تجبرك على الخنوع لهم والرفق بهم مهما كان قلبك غليظ قاس. ضحكت أخته وقالت بتهكم: تلك الرائحة التي تصبرنا على قلة النوم،انتبه جيرميا للهالات السوداء تحت عينيها ولعلامات الإرهاق والتعب التي ت**و وجهها الجميل،فقال لها:اخلدي للنوم واتركيه معي سأسهر للصباح. غمزت بعينها وقالت بود: ستسهر كثيرا الليالي اللاحقة فـ أوارا تتمتع بجمال أخاذ وروح مرحة، فلن تنعم بالنوم بعد الليلة يا أخي،ثم أطلقت ضحكة قصيرة،وتركته مع رضيعها ليؤنس وحدته في سهرته. جلس جيرميا بالقرب من النافذة حتى يتمكن الرضيع من مشاهدة تلك الأعشاب المضيئة السارقة للعين. لفت انتباه جيرميا جملة مكتوبة بأعشاب المايوركا أثارت فكره كثيرا،كما أشعلت قلقه بداخل نفسه وهى:"الحب قدر ولكن الاحتفاظ به دفيئا من اختيارنا نحن". اضطربت نفسه لمجرد تخيل أن حبه لـ أوارا قد ينطفىء يوما ما،شرد لبرهة حتى انتبه لنوم الرضيع فنهض برفق وحذر ثم اتجه لغرفة والدته كى يضعه بجوارها بالفراش. اتجه بعد ذلك لغرفته والحيرة والقلق يعصفان بوجدانه وخلجاته، انطفأ بريق عينيه وساد مكانه حزن عميق كأنه فقد حبيبته لتوه،فهو لم يفكر في مستقبل زيجته مع أوارا كان هدفه طوال السنوات السابقة هو الظفر بها كزوجة. ولكن الاستمرار بتلك الزيجة هل مهدد بالفراق يوما ما ؟ هذا ما لم يحسب له قدرا. زف*جيرميا بحنق ثم غمغم:لقد أعلنت الأقدار بأنك زوجها،ولا يفصلك عنها سوى ساعات النهار فلم كل هذا القلق؟ تثاءب بقوة، فقد يتغلب النعاس على القلق،فارتمى على فراشه، ثم احتضن وسادته،وغط في نوم عميق.  في تلك الأثناء كانت الكاهنة ساري تشاهد الأزواج الذين اختارتهم هارتيا مؤخرا،من خلال نافذة هولوجرامية ظهرت بعد أن لوحت بيديها بحركة معينة. هناك سر عظيم خلفها لا يعلمه أحد ظلت تحتفظ به منذ عصور،منذ أن وجدت أونتاريا صدفة ،عندما كانت تهرب من زيجة غير مرغوب فيها،طاردتها تلك الزيجة بسبب أنها إحدى الأميرات السبع اللاتي يحكمن ممكلة سحرية مخفاة عن ممالك عالم نورشا ،مثل أى أميرة عليها مسئوليات كبيرة تجاه المملكة وشعبها،فليس لديها الفرصة أن تحيا مثل عامة الشعب الذي تحكمه،اختارتها الأقدار لكى تكون إحدى الأميرات اللاتي ورثن حكم مملكة شايا رغما عنهن. كانت مملكة شايا مملك عظيمة واسعة تحتاج لسبعة من الحكام يتقاسمون حكمها،حيث تقسم إلى لسبعة ولايات كل ولاية يحكمها أمير. ولكن من سخرية الأقدار أن ينجب الأمراء سبع فتيات في نفس الليلة.تلك الليلة التي خرجت فيها سبعة فراشات حسناوات تحملن الحياة بين كفوفوهن. كبرن الفتيات ولم تقدر الأقدار أن يكون لهن إخوة من الذكور أو الإناث وكأن الزمن توقف عندهن وأبى أن يسطر تاريخه غيرهن. كان عدد النساء والفتيات يزداد في مملكة شايا عن أعداد الرجال،في حين كان عدد الرجال في مملكة ماهيرا في زيادة وفي المقابل عدد نائهم يتناقص باستمرار. لوحت ساري يدها أمام النافذة الهولوجرامية فتبدل المشهد ليعرض مملكة شايا وطنها الأم. لقد وقعت مملكتها تحت وطأة الاستعمار الماهيري حيث أنها مملكة سحرية أخرى مجاورة لمملكة شايا،كانت مملكة ماهيرا الأقوى بين الممالك،حيث عدد الرجال يزيد عن عدد النساء. وكل فترة تُغِير تلك المملكة على غيرها من الممالك من أجل الحصول على النساء والفتيات القويات من أجل الزواج بهن والتكاثر. في مملكة ماهيرا كان للرجل الأفضل في كل شىء ،المرأة بالنسبة للمجتمع الماهيري ما هى إلا وعاء إنجاب الذكور. كانوا يمنحون للمرأة ثلاث فرص فقط لإنجاب الذكور،فإذا ما أنجبت المرأة أنثى كان القتل قدر تلك الرضيعة التي لا ذنب لها سوى أنها أنثى أو تفديها والدتها بأى شىء ثمين لتمنحها الحياة،ولكنها تعيش كخادمة للمجتمع الماهيري وكذلك الأم إذا لم تتمكن من إنجاب ذكور،هكذا كانت حياة النساء في المجتمع الماهيري الذي يسيطر عليه الرجل. أما المرأة التي تنجب دوما الذكور فهى في مكانة عالية لديهم تخدمها النساء البائسات اللاتي لم يتمكن من إنجاب الذكور. زاد عدد رجال مملكة ماهيرا جيلا بعد جيل وقل عدد نسائهن الماهيريات،وكانت هارتيا آخر نساء مملكة ماهيرا ولكنها كانت ذات كرامة،حيث تحولت لما عليه الآن عندما تخلصوا منها في وادي زولا والذي يعني بلغة الماهير،الهلاك للنساء. في قاع هذا الوادي توجد الكثير من جثث الفتيات الصغيرات والنساء اللاتي فقدن حياتهن بسبب عنصرية وغرور رجال مملكتهم شركائهم في المملكة منذ الأزل. ولكن في وقت ما من تاريخهم تسرب إلى نفوس رجال مملكة شايا فكرة شيطانية، وهى أن كثرة النساء دليل على الضعف، وأن مملكة شايا لن تنال هيبتها بين الممالك الأخرى إلا بكثرة رجالها الأقوياء. تطورت تلك الفكرة حتى صارت قانونا ينظم العلاقة بين الرجال والنساء أو بمعنى أصح يقنن فيها حقوق نسائهم، ومنحهن حق الحياة في مقابل إنجاب الذكور. لم يقتصر الأمر على مملكة ماهيرا فحسب، بل تأذت نساء الممالك الأخرى التي كانت تعيش المرأة فيها جنبا إلى جنب مع الرجل تحت كنف وطن واحد ومملكة واحدة. ولكن مع قوة وسطوة رجال مملكة ماهيرا بات الخوف مملكة الجميع،حيث تعيش باقي الممالك في قلق مستمر،باتت جميع الممالك تحت رحمة مملكة(ماهيرا) مؤخرا. لم يقتصر الأمر على سبى نساء الممالك الأخرى ولكن طمع رجال مملكة ماهيرا في خيرات باقي الممالك وتوسيع ملكهم وضم باقي الممالك لسيطرتهم. كان الوضع سيئا في الممالك التي خضعت أخيرا لحكم مملكة ماهيرا هكذا أوضحت النافذة السحرية التي كانت تخبر الكاهنة ساري بكل شىء يحدث في وطنها الأم. عرضت النافذة مشهدًا مؤلمًا ،تظهر فيه نساء مملكتها مقيدات بسلاسل صدئة غليظة،والنساء والفتيات،كأنهن سُكارى من شدة الارهاق والتعب. كان الألم يعتصر قلبها،وهى تشاهد تلك الآلام المرتسمة على وجوه النساء كل يوم،بسبب ذلك الاستعمار الغاشم الذي وجد من وأد النساء والفتيات تسلية له ،ولإثبات قوته.
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD