" الفصل الواحد والعشرين.."
" تظن أن كل شيء بخير.. حياة رائعة كاملة مكتملة من السعادة.. لكن عندما تقسوا يموت القلب.. حتى الكلمات تخرج من بين الشفاه لا روح لها.. نشعر بنبضات قلوبنا لكن لا نشعر بوجوده .. كل شيء في لحظة ينتهي.. لعنة الفراق والحزن تصبنا دون سابق إنذار.. "
" بعد مضي عدة أيام.."
داخل الشرفة تجلس حياة وتكتب بعض الكلمات على الأوراق.. أحيانًا الاعتراف على الأوراق المتناثرة أفضل من البوح بالحديث الذي لا يفيد بشيء.. دخلت السيدة جيهان تحمل صينية الطعام فلملمت أوراقها سريعاً وضعتها داخل ظرف.. فوضعت الأخيرة صينية الطعام أعلى المنضدة وجلست على المقعد المقابل لها قائلة :
-قررت أتغدي معاكِ
-شيء يسعدني جدا يا طنط.. بس زي ما أنتِ..
مدت يدها بالمعلقة مقاطعة لحديثها قائلة :
-بلاش الوهم ده.. انا عاملة لك واجبة بسيطة
أخذت المعلقة وتناولت القليل من شوربة الخضار التي تتناسب مع جنينها الذي لا يتقبل أي طعام في تلك الفترة.. توقفت عن الطعام وتساءلت بحزن :
-مرام عاملة أيه النها ردة؟!
-زي ما هي.. الحزن والاكتئاب بقى جزء من ملامح وشها
شعرت بالحزن الشديد حيال ذلك ثم بدأت تتناول طعامها في **ت.. دخل آدم الشرفة فرحبت والدته به فيما وضعت حياة الظرف خلف ظهرها.. طبع قبلة على يد والدته وطبع قبلة على رأس زوجته فابتسمت له.. وجلس هو على المقعد الذي بينهم ينظر إلى والدته وقال بحنق :
-الحقير مالك أبوه طلعه منها بكفالة وطبعا بمساعدة محامي معندوش ضمير..
ثم أردف :
-بس أنا اخدت منه حساب الشحنة اللي باظت وكتبتها باسم مرام في البنك.. ولسه هيدفع كتير أوي
-الحمد لله انها جت على قد كده يا آدم.. المهم يطلق مرام
-الحمد لله يا أمي
تركت المعلقة ونهضت عن المقعد قائلة :
-هروح أشوفها واقنعها تاكل أي حاجة
غادرت بمجرد أن أنهت حديثها.. نظرت إليه وتساءلت بسأم :
-يا مديري هترجعني شغلي امتى ؟!
-حلوه مديري دي
قال كلماته بمشا**ة فاتسعت ابتسامتها الخاصة به وض*بته بخفة على ظهر يده وقالت بجدية :
-بتكلم جد انا مش متعودة على القاعدة في البيت
أخذ يتفرس ملامحها بداية من عينيها حتى شفتيها واقترب منها برأسه أكثر وغمز بمشا**ة قائلاً :
-ما تشتغليني..
وجدت نفسها تضحك تحرك رأسها في كلا الاتجاهين فقال بمرح :
-على فكرة دي اجازة بمرتب.. شوفتي بقى ما بعملهاش مع التخين
أعطت له التحية بيدها قائلة :
-شكراً على كرمك يا سيادة المدير
أحاط كتفها بذراعه وقبلها على رأسها ثم احتضنها لتبادله بالعناق.. طبع قبلة على عنقها ثم ابتعد عنها قليلا و وضع خصل شعرها خلف أذنها وقال بجدية :
-أنتِ أجمل ما شافت عيني..
أمسك بيدها وتشابكت أصابعهم ثم رفع يدها وضعها على شفتيه لتشعر بدفئهما وأخذ يقبلها برقة ناظرًا إلى عينيها بحب واضح ثم تحدث بجدية :
-بعد ما تولدي وتقومي بسلامة ناخد القرد الصغير ده ونسافر نقضي شهر عسل
-ومعانا القرد الصغير؟
-أه والقردة الكبيرة
قال كلماته بمزاح فاتسعت عينيها قليلا وض*بته على كتفه باليد الأخرى قائلة :
-أنا قردة؟!
قهقه بمرح ثم قبلها على وجنتها ونظر إلى عينيها بعمق حتى خيل له أنه يرى نفسه بهما وقال بجدية :
-بحبك يا حياة.. مجنون بكل حرف من أسمك
أطرقت عينيها مبتسمه بخجل بفضل نظراته وحديثه ثم احتضنته كي تختبئ من نظراته وبادلته بذات الحب بل وأكثر بكثير.. استندت بوجنتها على كتفه ومسحت على شعره من الخلف.. انتبه للظرف الذي خلفها فتساءل عنه لتبتعد عنه بفزع وكأنها تعرضت للدعة ثعبان.. عقد حاجبيه في تعجب بينما هي تماسكت لكن لا تستطيع إخفاء التوتر وقالت بهدوء :
-دي.. دي جوابات.. بصراحة كاتبة فيها شوية كلمات عايزاك تبقى تقرأها..
رفع احد حاجبيه بمكر ومد يده طالبا الظرف فأومأت بالنفي وقالت مبتسمة :
-لما أخلصهم الأول
مسح على جانب شفتيها بظهر يده ثم اقترب منها والتقط شفتيها في قبلة هادئة.. بعد ذلك ابتعد عنها قليلا يتطلع إلى مقلتيها الخضراء بعمق كأنه يرى الجنة فهمت باحتضانه.. تترجي بذلك العناق ألا يتركها ابدا الدهر ويظل معها دائمًا
***
دقت باب الغرفة ثم فتحت الباب لتجد ابنتها على نفس الوضع.. تجلس في الظلام تضم قدميها إلى ص*رها ودموعها تهبط على وجنتها ببطء تؤلمها كأنها دموع من نار بركانية.. دخلت وأغلقت الباب واضأت المصباح الكبير فأغمضت الأخيرة عينيها واضعة يدها أمام وجهها وبصوتها الضعيف الهزيل قالت :
-ماما من فضلك اطفي النور
جلست أمامها على حافة الفراش تطلع إليها وقالت بصوت منخفض حزين :
-مش متعودة أشوفك كده.. هتفضلي لحد امتى حابسة نفسك؟..
استندت بجبينها على ركبتيها في **ت.. رفعت يدها صوب شعرها تمسح عليه برفق وقالت معاتبة لنفسها :
-أنا السبب يا بنتي سامحيني
رفعت رأسها لتنظر إليها وقالت بنبرة منخفضة ت**وها الحزن :
-لاء يا ماما دي غلطتي.. يا رتني ما كنت وافقت على الجواز
-بس أنتِ رجعتي عشاني.. وكل ده عشان كلام الناس.. بنتي ولا كلام الناس؟
أمسكت بيدها ثم احتضنتها وهي تبكي قائلة :
-ماما متلوميش نفسك
-حاضر بس عشان خاطري اخرجي من غرفتك وكلي
دخل حازم بعد أن قرع الباب واتجه نحو الفراش وجلس إلى جوار شقيقته وقال مبتسماً :
-كرزتي كلت ولا لسه؟
ابتعدت عن والدتها تمسح دموعها وردت الأخيرة بحزن :
-لسه.. اقنعها يا حازم تأكل اي حاجة
أحاط كتفها يضمها إلي ص*ره وباليد الأخرى أمسك بيد والدته وطبع عليها قبلة ثم قال :
-أنا هتغدا معاها يا أمي
نهضت عن الفراش وخرجت مغلقة الباب خلفها.. فانتقل من مكانه وجلس أمامها ينظر إليها مقطب جبينه في **ت.. رفعت عينيها الذابلتين إليه.. فطقطق فقرات عنقه التي أدراها بحركة سريعة فاتسعت عينيها قليلا وقشعر بدنها فاستفزها ليضحك ضحكة خفيفة وقال بهدوء :
-فكرة لما كانت الحركة دي بتضايقك
أومأت بالإيجاب وكفكفت دموعها وهي تقول بحزن :
-كان كل همي أيامها انك تبطل تضايقني بالحركة دي
-وشايلة هم أيه دلوقت؟!
تعجبت من سؤاله لكنها أجابت بكلمات خرجت من حنجرتها ميته لا روح فيها :
-كتير يا حازم.. مكملتش تلت شهور جواز وهطلق.. حياتي فوق بعضها مش عارفه هعمل أيه بعد كده هاعيش حياتي ازاي.. حاسة اني السبب في قتل الروح اللي كانت جوايا.. مبقتش قد الدنيا
تمعن بالنظر داخل مقلتيها ورفع يده صوب وجنتيها يمسح دموعها ثم قال بهدوء :
-الحمد لله ان الطفل ده مخرجش للحياة واتظلم بين أب وأم غير متفاهمين بالمرة.. الحمد لله انها جت على قد كده وخرجتي منها بجرح بسيط في دماغك.. أحمدي ربنا في كل وقت سواء الوقت ده صعب أو حلو واطلبي منه العوض
-الحمد لله..
نهض عن الفراش وازاح الغطاء عنها ثم امسك بيديها وانهضها عن الفراش فقالت بوهن :
-حازم سبني دلوقت.. مش هقدر انزل
حرك رأسه في كلا الاتجاهين وفاجئها بحملها على كتفه دون سابق إنذار لتخرج شهقة من بين شفتيها وطلبت منه أن يتركها لكنه لم يستمع إليها.. خرج من الغرفة وهبط بها الدرج ينادي والدته.. التي خرجت من المطبخ وتفاجأت بهم فقال بحسم :
-حالًا الاكل يكون جاهز علشان جوعنا
أومأت بالإيجاب مبتسمه وعادت إلى المطبخ بحماس.. اتجه نحو المرحاض ودخل ثم انزلها عن كتفه و وضع الكثير من المياه على وجهها فض*بته على كتفه طالبة منه أن يكف عن ذلك.. لكنه تمادى وبدأ يقذفها بالمياه فبدأت هي الأخرة تقذفه بالمياه و تمادى الاثنان في ذلك وكأنهم ما زالوا أطفال حتى تبلل شعرهم وملابسهم بالكامل.. ضحك الاثنان ثم احتضنها وقبلها على جانب رأسها بحنان
***
وقفت سيارة أجرة أمام المصحة وترجل كمال.. هم بالدخول لكن منعه رجل يقف بجوار البوابة الكبيرة فوقف يتحدث معه وأعطى له المال ليسمح له بالدخول وأخبره بمكان الغرفة المنشودة أيضا.. اتجه مباشرة صوب الغرفة وعند وصوله وقف أمام الباب واضعا يده على المقبض.. نظر إلى اليمين وإلى اليسار ثم فتح الباب و دخل واغلقه بظهره.. رفعت رأسها عن الوسادة وتفاجأت به.. ابتسم ابتسامة شبه شيطانية وقال بصوت خشن :
-عايزة تقتليني أنا يا حقيرة
نهضت عن الفراش و وقفت في مواجهته بشجاعة وقالت بتأكيد :
-أه انت تستحق الموت واكتر كمان.. اللي زيك لازم يموت
-مش كفاية تنازلت واتجوزتك وكمان هكتب البنت باسمي
-عشان ابنك هيدفع لك فلوس.. يعني نفذت عشان الفلوس
فاجئها بإخراج مسدس صغير من جيب سرواله فتراجعت للخلف بحرص حتى وصلت إلى المنضدة الصغيرة المجاورة إلى الفراش.. رفع المسدس في وجهها وقال بغضب :
-المجانين اللي زيك اللي لازم يموته
ضحكت بهستيريا وهي تحاول إمساك المصباح وقالت :
-البركة فيك أنت اللي جننتني
ثم رفعت يدها بالصباح وقذفت به في وجهة فتأوه بصوت عال واضعا يده علي جانب رأسه ليشعر بدمائه الساخنة أسفل يداه.. في حين ركضت هنا إلى الخارج وهي تتحدث بهلع :
-جاي عشان يقتلني.. جاي يقتلني
لا أحد اعطى لها اهتمام حتى وصلت إلى غرفة مكتب الطبيبة واقتحمت الغرفة وهي تردد كلماتها بهستيريا.. نهضت عن المقعد متجه نحوها و وقفت ممسكة بيديها وبدأت في تهدئتها.. وضعت يدها على ص*رها وتن*دت بهدوء وقالت بهلع :
-جـ جالي الغرفة.. و ومـ آآآ معا مسدس عايز يقتلني
-هو مين ده؟!
-كمال
قالت اسمه بصياح عال فأخذتها الطبيبة واتجها نحو الغرفة.. وعند وصولهم دخلت هنا لم تجد أحد في الغرفة واتبعتها الطبيبة و وقفت تنظر حولها متسائلة :
-هو فين يا هنا؟!
صاحت بحده مفرطة :
-كان هنا.. أكيد هرب لما انا خرجت..
ركضت إلى المصباح وأخذت تطلع إليه في ذهول متابعه :
-انا ض*بته بالأباجورة دي..
اقتربت نحوها و وقفت تتفقد حالة المصباح ثم نظرت إلى هنا في شك لتعلم الأخيرة تلك النظرة جيدا وقالت بصوت مبحوح :
-معقول مش مصدقاني؟!
ربتت على ذراعيها فأبعدتهما عنها وتراجعت خطوة للخلف تحدق بها في دهشة.. بعد لحظات أشاحت بوجهها بعيداً فلم تتحمل نظرات الشفقة الموجهة لها أكثر من ذلك.. وبحركة سريعة رفعت الوسادة عن الفراش وتناولت السكينة الحادة وصرخت بصوت عال :
-أنا تعبت من النظرات دي.. وكمان هتلبسيني تهمة تانية بمرض جديد أسمه الوهم
رفعت كفيها في حرص وهي تقول محاولة تهدئتها :
-مصدقة والله.. بس هاتي السكينة
أطلقت صراح دموعها لتملئ وجنتيها في لحظة وخبأت ملامح وجهها ثم اندفعت بهستيريا :
-أنتِ كدابة وكل البشر كدابين بكرهكم كلكم
ثم طعنت نفسها بقوة في جانب بطنها بمجرد أن أنهت حديثها بينما جحظت عيني الطبيبة مخبأه ثغرها بيديها وسقطت هنا على ركبتيها أولاً ثم على الجانب الآخر ودمائها تهبط على الأرض بغزارة
***
يتبع