الفصل الثالث والثلاثون

1050 Words
**ت الجميع للحظات فقال صفي "يا الله، كيف تحملت الصغيرة كل هذا بمفردها؟ هل تحبه؟" أدمعت أعين نزار وقال "لم أره ولا أعلم من هو لكنه بالنسبة إليها خط أحمر، فلو رأيتَ إلى أين وصلت تلك الصغيرة ستعلم أنه أخذ بيدها وأصبح بالنسبة لها العائلة والأمان" سأل عاصي بحذر "كيف سنخبر بشر؟" نظر الأربعة إلى بعضهم فقال نزار "لا أعلم، ولكن علينا أن ننتظر عودته ونتحدث معه قبل أن يأتي إلى القصر، فأنا لا أخشى شيئا بقدر خشيتي من لقائهما، دعنا نمهد له الأمور" تن*د عاصي بإرهاق وقال "الحمد لله أنها نسيت كل شيء وإلا كيف كنا سنبرر لها حكاية كارما، أعتقد أن القدر كان رحيما بنا" هز نزار رأسه بأسف وهو يقول في نفسه فقط لو تعلمون، فسأل منذر بتوجس "أتقصد أننا لن نخبر تولين عن بشر؟" قال صفي "أظن هذا أفضل، دعنا نركز على المهم ونبحث عمن فعل بها هذا، رغم أنني أشك أن بشر سي**ت، لا أتخيل أن يراها تقف أمامه، سيقع قتيل الصدمة" ألقى عاصي بنفسه بجانب نزار وقال "أريد أن أنام، أريد أن يتوقف عقلي عن الدوران حول نفسه" وقف نزار وقال "سيكون هذا أفضل للجميع فنحن ندور حول أنفسنا فعلا منذ ساعات، تصبحون على خير" همّ نزار بالخروج من باب المكتب فقال له عاصي "ألن تخبر أسد ووالد*ك؟" قال له نزار وهو مازال ينظر لمقبض الباب "مؤكد سأخبر أسد، لكن اترك أمر والدي وعمتي كوثر حتى يعودا، فبرغم اعتراضي على فكرة سفرهما إلا أنها خدمتنا، فوالدي لو علم لن يتوانى عن إخبار الجميع وقلب المسائل فوق رؤوسنا" خرج نزار فنظر صفي لعاصي وقال "أنا أيضا سأذهب لأنام لأنني أشعر أن القادم سيحرمنا النوم والراحة" خرج صفي وخلفه منذر وبقي عاصي بمفرده فمال فاردا جسده على الأريكة وهو يفكر أين كان مخبأ لهم كل هذا؟ رفعت يدها تفرك جبهتها فمجرد التفكير ال**بر به يدثر قلبها بغطاء أ**د، متى كانت آخر مرة تركت لنفسها العنان لتذكر اسمه أو ترى صورة له؟ لا تذكر، لقد مرت سنوات وهي تحرم على عقلها التفكير به وعلى عينيها النظر لأي صورة تخصه ولكنّ قلبَها اللعين علتُها منذ الصغر متمرد ع**د، لا يتوقف عن الهتاف في كل ميدان من ميادينه وإقامة ثورات تطالب بإعادة مالكه وهي تجابهه بقوة وتطالب بالخلع أو التنحي، فلا مطالب قلبها تُجاب ولا مطالبها تُلبّى وتظل براكين قلبها تشتعل والسبب رجل أحرقها حتى حولها إلى رماد، كان التفكير يولد بداخلها طاقة غريبة من حزن قاسي وإصرار بنزع الماضي كما انتزعها، ليأخذها عقلها فجأة إلى مسار آخر وهي تفكر في رائف ،ذلك الشبح الذي كان أقرب لها من أنفاسها، كيف ستجده وأين؟ التفت تنظر للسرير بعبوس ثم تحركت وجذبت كنزي بعنف من يدها وهي تقول لها "استيقظي" فتحت كنزي عينيها بصعوبة وقالت "حور، اهدئي أرجوك ودعيني أنام فأنا لا أراك" سحبتها تولين بشدة أكبر وقالت "كنزي، أنا أحتاجك، استيقظي" انتفضت كنزي بعبوس تجلس على السرير ورأسها مائل للأسفل وعيناها مغلقتان وقالت بتعب "حور، لماذا لا ترتاحين وتدعينني أرتاح و*دا في الصباح سأستيقظ وأبقى بجوارك لتخبريني بكل ما لد*ك" أجابتها تولين بخفوت "لا أستطيع، بداخلي فوران لا يهدأ، أشعر أن السرير يحرقني، لا أستطيع النوم، لا أستطيع أن أصف لك ما بداخلي، إنه كال" **تت تولين تدور بعينيها بحثا عن وصف لمشاعرها فرفعت كنزي رأسها بتعب وقالت "عبارة عن شوق ولوعة، أنت تريدين رؤيته وبشدة كأن حياتك على المحك وعيناه بر نجاتك، تشعرين أنه خذلك مجددا لأنه لم يكن هنا عندما عدتِ، تحملينه كل ألمك ووجعك اعتقادا منك أن هذا الوجع سيكون الحاجز بينك وبينه، ا****ة عليك وعلى قلبك الع**د ورأسك المتيبس، وا****ة عليّ لأنني دائما أتأثر بهرائك، نامي يا حور ودعي كل شيء يسير كما هو مقدر له، جسدك يحتاج إلى الراحة وعقلك يحتاج إلى السكون، ولك الله في قلبك الذي أعلم أنه يتلوى ولا يتوقف عن إثارة زوابع تسحبك من عمق نومك" وقفت تولين كالمذنبة تستمع لكنزي ثم هزت رأسها بنفي قوي غاضب وقالت "ومتى توقف عن خذلاني؟ هل أصبحتُ الآن حمقاء لا أستطيع فهم مشاعري وأنت من تقرئينها بوضوح؟ كيف علمت كل هذا؟ أتعلمين شيئا؟ ا****ة عليّ أنا لأنني من أيقظتك، نامي واشبعي نوما و**لا فهذا ما أنت فالحة به" أنهت تولين كلامها وتحركت بغضب نحو باب الغرفة فقفزت كنزي خلفها وهي تقول "توقفي عن ت***ب نفسك وجلدها يا حور، إذا كان بشر خائنا فأنت لست أول امرأة يُ**ر قلبها، تجاوزي الماضي يا حور من أجلك ومن أجل عادل وإخوتك والذين أشعر أنه لا يد لهم بما حدث لك إطلاقا" كان قلب تولين ينتفض بص*رها بقوة رافضا لما يقال فقالت "لقد كنت أستيقظ كل صباح ليس للعيش ولكن لأنساه ويأتي الليل وما زلت أحاول وفشلي يكلل أيامي الطويلة، اليوم تأكدت أن إخوتي لا يد لهم بما حدث لي ولكن اعذريني في تحاملي عليهم فأنا بعد أبي وأمي لم يكن لي سواهم" قالت لها كنزي بتفهم "حور، أنا أعذرك وبشدة، لكن " قاطعتها تولين قائلة "ضعي نفسك مكاني لثانية وتخيلي أن تُراق دماء مؤيد على يد*ك فتفقدي وعيك لتستيقظي على خبر زفاف عمر الذي لم يبحث عنك بل وضعك في قبر وأخذ عزاءك" تجهم وجه كنزي بألم وقالت "اللهم احفظهما لي ولا ترِني فيهما مكروها ولا سوءاً" قالت لها تولين بسخرية "لم تتحملي مجرد كلام عابر، إذاً لا داعي لأحكام جائرة فجروحي غائرة ودمائي تملأ الأرصفة وكأنه نُفّذَ بي حكم الإعدام ألف مرة، وكل مرة يمعنون في إيلامي قبل إزهاق روحي" اقتربت منها كنزي وضمتها بقوة وقالت "يا الله، لمَ كل هذا الوجع؟ إذا كنتِ تحققتِ من براءة إخوتك، لمَ كل هذا الألم؟ بسببه أليس كذلك؟" ابتعدت عنها تولين بغضب تقول "توقفي عن ربطي به دائما، توقفي عن ذكره كأنه محور كوني نعم، تأكدتُ أن إخوتي ليس لهم يد بما حدث لي، لكن عليهم أن يجدوا من فعل هذا، فمن المسؤول عما حدث لي؟ وكيف حدث كل هذا أمام أعينهم؟ كيف تركوني ليحدث بي كل هذا؟ أنا مسؤوليتهم" قالت لها كنزي وهي تنظر لعينيها بقوة "أنت محقة، وكيف وقفوا مع بشر ليتزوج من الأخرى وينجب منها؟ أليس كذلك؟" كان وقع الحقيقة مدمرا على تولين التي ركضت نحو الباب لتفتحه بغضب وتطلق أقدامها عابرةً الجناح لتفتح الباب الخارجي وتكمل ركضها الهارب في قصر أصبحت جدرانه تضيق من حولها، فتبعتها كنزي وهي تشعر بالذنب الشديد لتجدها تصعد السلم فنظرت حولها بحرج ثم صعدت خلفها لتراها تعبر ممر الطابق العلوي نحو باب مغلق وتدفعه بقوة وهي تشهق بعنف كأنها تختنق فقالت بخوف "حور، اهدئي" لكن تولين لم تكن تسمعها وعيناها تجريان على الجناح الذي كانت تهرب إليه في الماضي والذي من المفترض أنه خُصص لها وله وقد تحول لصالة أل**ب ضخمة وصوت صيحات سعادة لطفلة ينطلق من أرجائه ثم تبعه صوت عزيزة تقول "تولين، أريد أن أنام، الفجر سوف يؤذن وأنت ما زلت مستيقظة، عندما يعود بشر سأخبره بكل هذا"
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD