الفصل الرابع والعشرون

1063 Words
لمحها بجمالها الأخّاذ وحجابها السماوي الذي جعلها كتلة من البراءة تتقدم نحوه وبجوارها تلك الفتاة ذات الشعر الأحمر، للوهلة الأولى تفاجأ بها لكنه لم يهتم أبدا، فما المشكلة حتى لو أحضرت جميع من تعيش معهم؟ المهم أنها عادت …. أسرع نحوها يتلقفها بذراعين حملاها في الهواء كعروس لا تزن شيئا وظل يقبل كل إنش بوجهها بلهفة ويقول "حمدا لله على سلامتك، الحمد لله أنك عدتِ، لا أصدق أنك هنا، الأمر كله لا يصدق، حمدا لله يا صغيرتي" كانت تولين بين ذراعيه ترتجف كمن أصابتها الحمى، الماضي يهاجم عقلها فتغمض عينيها وتدفع بذكرياتها بعيدا فلا ينقصها ألم ولا ضعف، أصعب شعور هو أن تحارب نفسك وذاتك التي لا تفتأ تصرخ بك….. أنت على وشك الضياع عد ….. لم تدري كم ظلت معلقةً بين ذراعي نزار قبل أن تلمس قدماها الأرض ثانية وباقة ورد حمراء تقبع في كفها فهالها أن ترى الورود حزينة وكأن كفها نقل للورود بعضا من حزنه، نظرت لكنزي التي تدعمها بنظراتها ثم قالت لنزار"كنزي أختي وشريكتي في المكتب وأخت مؤيد" أجابها نزار بلطف "أذكرها طبعا، أهلا وسهلا آنسة كنزي، أنارت الولاية بوجودك" ردت عليه كنزي بلطف ولكنها أحبت أن تعطيه رسالة واضحة "شكرا يا أخ نزار، صراحة لقد شعرت أن حور تحتاج لبعض الدعم لتعبر هذه المواجهة فرأيت أن وجود أحد منا معها سيهون الأمر قليلا، أرجو ألا يكون هناك إزعاج أو شيء من هذا القبيل" رسالتها وصلت وبحذافيرها فأخته صغيرته….تهاب العودة بمفردها، تهاب القادم وما سيحدث فقال وهو يعاود سحب تولين لأحضانه "آنسة كنزي أنت لن تكوني ضيفة بل صاحبة مكان، فنحن جميعا نحمل لك ولأخيك في أعناقنا جميلا نتمنى أن نرده في أقرب وقت، أما المواجهة القادمة فتولين ليست بمفردها أبدا ولم تكن يوما، حتى وهي غائبة عنا كانت دوما حاضرة بقلوبنا وعقولنا، واليوم عادت حيث يجب أن تكون، عادت لمكانها الطبيعي وأظن أن هذا أفضل ما حدث لنا جميعا منذ فترة طويلة" ابتسمت كنزي وقد تيقنت أنه فهم الرسالة وأجاب عليها بما توقعته وأكثر فسألت بمزاح "هل سنقف هنا كثيرا؟" رد عليها نزار بلهفة "بالطبع لا، هيا بنا" تكلمت تولين بعد **ت وسألت بتوجس "إلى أين؟" رد عليها نزار وقد استغرب سؤالها لكنه لم يبدِ ذلك وقال "إلى القصر يا تولين، هل تودين الذهاب إلى مكان ما أولا؟" نظرت له بأعين متوترة وقالت "بهذه السرعة؟ دعنا نؤجل الأمر قليلا فأنا أريد أن أتحدث معك أولا" هادنها قائلا "إذا كنت تريدين التحدث دعينا نجلس في أي مكان لنأكل شيئا ونتحدث كيفما شئت، لكني لا أرجح تأجيل هذا اللقاء أكثر" هدر قلبها بعنف وحركت رأسها فجأة تنظر للخلف كأنها تريد أن تتأكد أنه لم يعد هناك إمكانية للفرار من المحتوم وقالت "أرجوك يا نزار، أعطني بعض الوقت" رد عليها نزار بلطف "تولين، اهدئي لن يحدث شيء، دعينا نذهب إلى مطعم صهيب ونتناول شيئا دسما ونتحدث كما تشائين وحينها ستهدئين ولن تحملي همّا لما هو قادم" رفعت تولين يدها نحو كنزي تستنجد بها وكنزي كانت تعلم أنها تحتاج لمن يدفعها فقالت بمرح متجاهله يدها الممدودة "أرجو أن يكون الطعام دسما فعلا فرحلتنا لم تكن بالهينة" شعرت تولين بتجاهل كنزي فقالت بغضب "لا أريد أن أذهب هناك، خذني لمكان آخر" لم يفهم نزار لكنه قال لها وهو يقبل رأسها "تحت أمرك" صدحت ضحكة كنزي الملفتة فنظرت لها تولين بغضب وض*بت قدمها بالأرض وسارت بجوار نزار تاركة كنزي خلفها وقد انطفأت ضحكتها فجأة كأنها ما عاد لديها جهد للتمثيل أكثر… بعد ساعة كانت كنزي تغوص في صحن الشوكولا الذي أمامها متعللة به لتجعل نفسها خارج الحوار الدائر رغم أنها كانت متحفزة تماما للتدخل ومساندة صديقتها إذا تطلب الأمر ذلك، فيما كانت تولين تتلاعب بالطبق أمامها بشرود ونزار يحاول معها ولا يعلم كيف يقنعها بدون أن يضغط عليها فالموقف بأكمله ليس بالسهل إطلاقا، شبك أصابعه ووضعهم تحت ذقنه ونظر لها بتركيز قائلا "توقفي عن اللعب بطعامك مثل الأطفال، وتكلمي معي عما يخيفك ويثقل ص*رك" أعادت تولين ظهرها للخلف وقالت "نزار، سأحدثك بصراحة وأرجو منك أن تتفهمني لأنني لن أسمح أن يحدث سوى ما أريده، فمن اليوم أنا صاحبة القرار مهما كان" عبس نزار وسألها "ماذا تقصدين؟" تلاعبت بأصابعها بتوتر وحادت بعينيها لكنزي التي كانت تغوص بالحلوى ثم قالت "أريد أن أتعامل مع الجميع بحدود وهذا سيكون مريحا لي أكثر، على الأقل حتى أعلم حقيقة ما حدث" رد عليها بهدوء "هل يمكنك أن تكوني واضحة أكثر يا صغيرتي؟" لم تجد بدا من المواجهة فقالت "أريدك أن تخبر الجميع أنني فاقدة للذاكرة، لا أتذكر أي شيء عن الماضي أو عما حدث لي" رد عليها باندفاع رافضا لما تقول "تولين، أين الفكرة فيما تطلبينه؟ هل تريدين أن تقفي أمام إخوتك وتعامليهم بتحفظ كالغرباء متعللة بمرض لا تملكينه؟ فيما تفكرين ولماذا كل هذا التعقيد؟" ردت عليه باندفاع مماثل "لأنني أريد ذلك وهذا قراري، إما أن توافق أو ترفض وحينها سأعود من حيث أتيت" امتلأت أعين نزار بغضب جمّ لجمه وهو يقول "تولين، أنا لا أهدد لكنني أتمنى ألا تنسي من الكبير ومن الصغير هنا وتسبغي على حديثك قليلا من الاحترام لأنني لن أقدم على فعل شيء لا أدرك أبعاده، فإما أن تقنعيني بالجنون الذي تريدينه أو تسيري أمامي الآن نحو القصر وب**ت" نفرت تولين بداخلها للحظة من أسلوبه الآمر لكنها تيقنت أنه لم يقصد أي سوء فالتقطت أنفاسها وقالت "نزار، أنا الآن أملك حياة منفصلة عنكم، حياة لا يمكنني بقدومي هنا أن أتخطاها، أملك رجلا ينتظرني وأخوات وأصحاب وعمل، أملك الكثير الذي لن أتخلى عنه لذلك لا أريد أن يظن أحد أنني لن أرحل أو أنني ما زلت تلك الصغيرة المدللة، لا أريد لأحد أن يحاسبني لماذا اخترت هذا الطريق ولماذا لم أكشف عن وجودي من قبل، لا أريد أن يعلق أحد على وجودي آمالا لن تكون واقعا، ولا أريد أن يظن أحد أنني ضعيفة أو وحيدة، فأنا أمام الجميع الآن امرأة متزوجة وهذا سيفتح عليّ أبواب الجحيم ولن أسمح لأحد أن يحاسبني على ما فعلت، علمهم بالحقيقة لن يكون إلا بنزين يزيد النار تأججا فلا داعي لذلك" فزع نزار لكمية الحقائق التي لم يكن مستعدا لها وقال "ولكن هذا سيضع بينك وبينهم حواجز، أعلم أن الأمور صعبة ومعقدة ولكن الصراحة ستكون طريقا مختصرا نحو الحقيقة" نظرت له تولين بنظرة ع**دة تحمل في طياتها تحديا لم يفهم لمن هو موجه وقالت "الحواجز موضوعة منذ سنوات والحقيقة فقط من ستجعلني أ**رها و أتخطاها ماحيةً من داخلي حزنا لازمني طويلا يا أخي، ولكن هذا لا ينفي حقيقة أني تزوجت ولي حياة خاصة سأعود لها قريبا" تدلى رأس نزار للأسفل بتفكير ثم سألها "أهذا خوف من العائلة أم من شيء آخر؟" لعلها أدركت تلميحه أو لم تدرك، فشعورها تجاه السؤال كان رفضا قويا لدرجة أن ترد بقوة عرفتها وهي حور قائلة "أخي، أنا لم أعد أخشى أحدا، مذ أُريقت دماء أمي وأبي فوق جسدي، مذ رأيتُ الموت يعزف أوتاره من حولي، لذلك وبدون تبرير لن أذهب إلى هناك إلا وأنا حور"
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD