الفصل التاسع والعشرون

1044 Words
كانت عزيزة تضع يدها على فمها وتبكي رغم أنها لا تعلم ماذا يحدث ولكن بكاء الفتاة أثر فيها بشدة، وصفي كما العادة يحاول إبعاد بلقيس عن أي توتر لكنها أصرت أن تقف وتشاهد فوقف خلفها ب**ت ينظر لعاصي الذي زاده كلام نزار غضبا فاقترب يسحب الفتاة من بين ذراعيه بعنف وهو يقول "من التي لن أخرجها من أحضاني؟ هل تعاطيت شيئا فأصبحت تهذي؟" صرخ به نزار "عاصي، أنت تؤلمها" التفت عاصي ينظر للفتاة القابع ذراعها في قبضته باحتقار ليرتبك فجأة ويستدير نحوها بأكمله وقد توسعت عيناه ليس هو فقط بل أعين الجميع، الكل ما بين مذهول ومرعوب وليس هناك مجال للتصديق **ت احتل المكان للحظة فقط سمح فيها الجميع لصوت بكائها أن يصل إلى قلوبهم لتشتعل النيران وينقلب المشهد، فصفي ترك بلقيس واقترب ومنذر كانت خطواته توازي خطوات أخيه لتصبح تولين فجأة حبيسة بين أربعة وحوش يقفون حولها مغلقين عليها المنافذ وكلٌّ يتعرف عليها بطريقته حينها شعرت أنها بكت كثيرا وترددت كثيرا ولكن الظرف كان أعند من أن ينصفها فرفعت عينيها لتقع بأعين عاصي الذي قال بانفعال "إنها …...كيف؟ نسخة طبق الأصل ولكنها أكثر نضوجا، ماذا يحدث هنا بحق الله؟ من هذه؟ فليجبني أحدكم" تكلم نزار بهدوء وقد علم أن الوقت قد حان "إنها تولين يا عاصي، تولين العزايزي صغيرتنا المدللة" علت الشهقات ترج الجدران ما بين مذهول ومستنكر ورافض، فأمسكه عاصي الذي بدأ قلبه يرتجف بحسرة من تلابيبه وقال "أي لعبة جئت لتلعبها معنا يا نزار؟ انطق، من هذه الفتاة؟" أجابه نزار بنفس الهدوء "إنها تولين أقسم بالله إنها هي" أدارها منذر نحوه ينظر لها بعمق وعيناه تدوران على تفاصيلها وقد شعر بقبضة تطيح بقلبه، فمد يده ليبعد حجابها كأنه يزيل كل ما قد يغير من الصورة التي ترسخت في ال*قول فساعده نزار حين سحب مشبك شعرها الذي انسدل كأمواج ليس لها نهاية، أمواج من البندق شبيهة ب*عر أسمهان ولكنه أكثر طولا، فقال صفي بذهول "أي جنون أرى بعيني؟ رحمتك يا رب، من هذه يا نزار؟ هل ينقصنا وجع يا أخي؟" قال نزار بانفعال "أخبرتكم من هي أكثر من مرة، إنها تولين، ألم تخبركم قلوبكم؟" فجأة وبدون سابق إنذار ضمها عاصي المشدوه بما يجري إلى أحضانه وهو يقول ببكاء "سألتُ قلبي فأخبرني أن الله يحيي العظام وهي رميم، وأنه سبحانه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، لا أعرف كيف ولكنني اشتقت إليك لدرجة موجعة" أطلق عاصي آهة قوية هزت الأجساد التي بدأت تنتفض من شدة البكاء وتولين معلقة بعنقه يحاول صفي ومنذر سحبها فلا يستجيب عاصي حتى خر على ركبتيه من هول ما يشعر به، أبعدها عن حضنه قليلا يمسح بكفه وجهها الملتهب من شدة البكاء ويقول "كيف يا صغيرة؟ ماذا حدث؟ وأين كنت؟" جلست سمراء التي تبكي بجمود على ركبتيها خلف عاصي فأصبحت عيناها بأعين تولين فهمست بصوت خافت منهار "لا أصدق، إنها هي" خرت عزيزة بجوارها وهي تبكي بشدة جعلتها لا تستطيع التقاط أنفاسها أو التحدث فيما ابتعدت كنزي لركن قصيٍّ تشاهد ما يحدث ب**ت وحسرة بعد ساعة كانت تولين تجلس في أحضان سمراء وبجوارها الفتيات وكل واحدة منهن تلمس منها ما تصل إليه كأنهن يتشبثن بحلم سينتهي في أية لحظة، ونزار يقص عليهم كيف التقيا محتفظا لنفسه بكل ما يدل على أن تولين تتذكرهم جيدا، فقال عاصي بعدم تصديق "كيف حدث هذا؟ لقد انفجرت السيارة أمامنا جميعا ووجدنا بها ثلاث جثث، وقد أكد الأطباء أن إحداها لفتاة مراهقة" قال منذر بتفكير "لعلها خرجت من السيارة هربا مما كان يحدث" نظرت أسمهان لتولين وسألتها "هل تذكرين تلك الليلة؟ هل تتذكرين أحدا منا على الأقل؟" هزت تولين رأسها برفض وقالت بصوت مختنق مقهور "لا أتذكر شيئا سوى أنني استيقظت في مشفى بعد التاريخ الذي تخبرونني به بستة أشهر لأجد طاهر وسما والعم صلاح في انتظاري، لم يكن أحدٌ منكم هناك" كانت جملتها الأخيرة خارجةً من عمق لوم لا يهدأ فلم يدرك الجميع أبعادها وصفي يقول "لم نكن نعلم فأنا حتى الآن لا أصدق، وحمدا لله أنك لا تذكرين تلك الليلة فلو تدرين لوعتنا وحرقة قلوبنا حين انفجرت السيارة، لقد كاد بشر أن يلقي بنفسه في النار" كصنم تلقت اسمه كض*بة نافذة هشمت جمودها فأصبحت على شفا الصراخ بكل ما يعتل بص*رها ولم تستطع أن تتمالك نفسها، فقالت بغضب ودموعها مازالت حاضرة "إذا كنتم إخوتي وأنا أملك عائلة كبيرة مثل هذه، لماذا تركتموني ليحدث لي كل هذا؟ كيف لا تعلمون ماذا حدث لي؟ من يعلم إذاً؟ ...هل كنتُ عبئاً على صدوركم فلم يهتم أحدكم أن يبحث عني ويعرف ماذا حدث لي؟" وقف عاصي يقول بحرقة "إياكِ أن تقللي من شأنك في قلوبنا، إياك أن تحقّري من حزننا على ما حدث فالنيران التي أُضرمت في السيارة كوت قلوبنا جميعا، ألبستنا ثوب حزن لم نخلعه حتى الآن، انظري لوجوهنا، إذا كنت لا تتذكرين من كنتِ ومن كنّا فاسألي قلبك يا صغيرتي" انتفضت من حضن سمراء فهب الجميع واقفين وقالت "أنت لا تعلم أيضا بأي نار اكتويت، أنت لا تعلم ماذا كان من الممكن أن يحدث لي إن لم أقع في يد هذا الرجل الطيب، أنت لا تعلم كيف عشتُ تلك السنوات، انظر لي، ألم تتساءل وسط كل ما يحدث كيف مرت عليّ الأيام؟ كيف أكملت دراستي وأصبحت أملك عملا؟ لن تهدأ نار قلبي قبل أن أعلم كيف أُلقي بي في صندوق شحن وأنا مصابة في رأسي بإصابة جعلتني أفقد الذاكرة وأهلي بكل هذه السطوة والسلطة ولا يعلمون شيئا" نظر لها عاصي بحزن وقال "هل حقا لا تذكرين عنا أي شيء؟ فلو كنت تذكرين لعلمتِ أننا نفرط في أرواحنا ولا نفرط في نسائنا يا تولين" هربت بعينيها منه وقالت بتوتر "لا أذكر أي شيء، حتى أسمائكم نزار من أخبرني بها وهو يريني صوركم طوال الطريق، مشاعري نحوكم ليست سوى الغضب والحزن، حين تعلقت بعنقك أبكي كنت أتمنى أن أتذكر أو أشعر بشيء لكن للأسف لا شيء يملأ روحي سوى القهر والخذلان من الجميع، أريدكم جميعا أن تعلموا أنني جئتُ إلى هنا بعد ضغط وتهديد وأنني الآن أملك أسرة لم تتوانَ أن ترسل معي جزءا منها لكي تؤازرني فيما يحدث" أسرعت تولين تسحب كنزي من ذراعها بعنف وتقترب منهم وتقول "هذه كنزي أختي وصديقتي وشريكتي، واعذروني إن لم أقدمكم لها فأنا لم أحفظ الأسماء بعد ولا أذكر الماضي" كانت كاذبة مبدعة، كانت غاضبة وبقوة، لا تجرحهم فقط بل تطعن قلبها مع كل كلمة تتفوه بها، تكلمت عزيزة وقالت "نحن إخوتك يا تولين، هل حقا لا تذكرين ليالينا معا؟ ليلة الفتيات الخاصة ودلالنا جميعا لك، أنت أختنا بحق الله" أكملت سمراء قائلة بحزن "ألا تذكرين ضحكنا الصاخب ودموعنا الحزينة وأسرارنا التي كانت تتوارى في عتمة الليل؟ حاولي قليلا ستجديننا قابعين بداخلك" اقتربت أسمهان تمسك ذراعها بلطف وتقول "ألا تذكرين هروبك الدائم من غرفتك؟ ألا تذكرين وصلة الرقص الصباحية؟ ألا تذكرين أنك كنت الحفيدة المفضلة لجدي رأفت؟"
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD