الفصل الرابع والثلاثون

1067 Words
تصلب جسد تولين لا تفهم ماذا يحدث ثم وبخطوات بائسة ضائعة اقتربت لتجد طفلةً صغيرةً توليها ظهرها وتجلس أرضا وسط العشرات من الدمى والعرائس وتضع كل واحدة منهن في سرير صغير، فظلت تتأملها بقوة كأنها كائن فضائي، رفعت عزيزة عينيها لتجد تولين تقف أمامها بملامح شاحبة مرهقة فوقفت وقالت بمحبة "آسفة، لم أنتبه لوجودك فكما ترين الأرض مبطنة فيصعب عليّ أن أستمع لوقع الخطوات، هل نمتِ جيدا؟ هل أنت بخير؟" نظرت تولين لعزيزة كأنها تطلب منها تبريرا لما تراه فقالت عزيزة بارتجاف "هذه تولين بنت بشر" كانت تعلم أنه أنجب لكنّ للرؤية وقعا آخر، كان الوجع ينهش روحها وصعقة الاسم وحدها تكفي، كانت تريد أن تهذي أنها شهدت ولادتها ومن يومها عزمت ألا تفتح دفاتر الماضي أبدا، ألا تبحث خلفه وألا تنظر لصورته أو تذكر اسمه لكنها تماسكت بقوة واهية وابتسمت ابتسامة جامدة للطفلة التي أنهت ما تفعل والتفتت لها بدلال تقول "لا تظني أيتها الجنية أنك ستعودين لغرفتك مجددا فوالدي أخبرني أنها لي وأنني أجمل منك بكثير، وأنه يحبني جدا وسيعطيني الغرفة لأبقى بجواره، ابحثي لك عن غرفة أخرى فلن أسمح لجنية مثلك أن تأخذ غرفتي" أغلقت عزيزة فم تولين الصغيرة بكفها بلطف وهي تقول "تولين تأدبي، منذ متى وأنت تحدثين الأكبر منك بهذه الطريقة؟" تملصت تولين الصغيرة وقالت بغضب "والدي دوما يخبرني عن الجنية المخيفة التي كانت تسكن الغرفة المجاورة له، وأنا سأطلب منه أن يعطيني الغرفة وهو لن يمانع" كانت الصغيرة تشعر بغيرة ليس لها مثيل من الجنية الجميلة التي عادت لتحتل القصر وتخشى أن تسرق دلال الجميع منها، نظرت عزيزة لتولين بحرج وقالت "لا تشغلي بالك بها، إنها طفلة مدللة، سأضعها في سريرها وأعود لك" لم تعطي تولين أي رد فعل أبدا فانسحبت عزيزة بالصغيرة وهي تحيي كنزي بإماءة من رأسها، فيما اقتربت تولين من الحائط الزجاجي الضخم الذي وُضعت له حواجز أمان من أجل الأطفال وأطلقت عينيها في الليل السارح أمامها مُتعبة مُثقلة تريد الانهيار ولا تستطيع دخل الشباب غرفة المكتب وأغلقوا الباب خلفهم ثم نظروا لنزار بغضب ولا أحد منهم يستوعب ما يحدث، الصدمات تتوالى على رؤوسهم حتى فرحتهم بعودة أختهم أضحت ناقصة بعدما علموه، تقدم عاصي وقال لنزار الذي يستند على الحائط محاولا قراءة وجوههم "كيف أخفيت عنا كل هذا؟ شهر بأكمله وأنت تعلم أن أختك حية و وسط أناس لا نعلم عنهم شيئا وتركتها بكل برود وعدت، ممَّ أنت مصنوع؟ شهر يا نزار وأنت تنظر في وجوهنا كل يوم وتستمر بخداعنا، لماذا؟" قال له نزار بضيق "عاصي، أرجوك أنت لم تكن معي وأنا أتلقى الصدمة وأراها أمامي، على الأقل ها أنا أمامك أؤكد لك أنها تولين، يومها كنت كالمجنون وليس بجواري من يخبرني هل أنا مستيقظ أم نائم، هل تظن أن قدومها إلى هنا كان سهلا؟ لقد استخدمت معها كل الطرق بداية بالترغيب ونهاية بالترهيب حتى رضخت لي وأتت" قال صفي بضياع "لا أصدق، الأمر برمته ليس طبيعيا، تولين ماتت أمامنا، كيف وصلت إلى مصر إذاً؟" أجابه نزار "مؤيد أخبرني أن عمال المخازن وجودها في صندوق شحن وصلهم ضمن شحنة خرجت من أمريكا وقبل أن أبحث عن الأمر تيقنت أن موعد خروج الشحنة هو ذلك اليوم الأ**د" قال منذر بصدمة "دخلت مصر في صندوق شحن! الألغاز زادت، من له يد بفعلة كهذه؟ أقسم بالله لو علمت لجعلته آخر يوم في عمره" قال عاصي بغضب "في الصباح سأتحدث مع مأمون ليجمعني بضابط الإنتربول وسأعيد فتح القضية، لكن سؤالا يجعل عقلي على صفيح ساخن، من المستفيد من فعلة كهذه؟ أختي أنا تُوضع في صندوق شحن! ا****ة" قال صفي باندفاع "لعله ذلك المختل الذي كان يلاحقها" هز عاصي رأسه برفض وقال "لا يمكن فأنا من جذبته بيديّ هاتين كي لا يلقي نفسه في النار، كنت أظنه بشر حينها" قال منذر بتفكير "لعله كان يحاول التمويه عن فعلته" نظر له عاصي وسأله "هل ما تقوله منطقي؟ جميعنا كنا نظنه مجرد شبح لا وجود له، كان من الأسهل له أن يأخذها وينسحب بهدوء، ثم إذا كان هو فمن اختطفها؟ ولماذا تركها؟ الأمر معقد ويحتاج إلى بحث مكثف، أشعر أن هناك من يتلاعب بنا جميعا، أخذ أختنا من أمام أعيننا وأوهمنا بموتها، رحمتك يا الله" تدخل نزار قائلا "أتمنى أن تسرعوا بالبحث عن هذا الشخص فتولين تأخذ منا جميعا موقفا على ما حدث لها، فحتى لو صدقت أنه ليس لكم يد بما جرى لها، لن تسامحكم أبدا أنكم لم تستطيعوا حمايتها" بهت الجميع بينما سأل صفي "هل كانت سنواتها صعبة؟" تحرك نزار وجلس على أريكة ضخمة في جانب المكتب وقال "ظلت لستة أشهر في غيبوبة لا تشعر بما حولها، فتكفل رجل بسيط وابنه بتكاليف علاجها حتى استفاقت، يبدو أنها ذكّرته بابنته الراحلة فأعطاها اسمها وبنفوذ مؤيد الجوهري أصبحت حور، وعاشت في حارة شعبية تعمل بجوار دراستها لتعيل نفسها" ض*ب عاصي كفا بكف وقال "يا الله، كل هذا في كفة وزواجها في كفة أخرى، كيف حدث هذا؟ لو علمت العائلة ستضيع الفتاة من بين يدينا، قلبي لن يحتمل الاحتراق عليها مرتين، ثم أي رجل هذا الذي نال جوهرة العزايزة؟" كان عاصي من شدة الغضب وقوة النكبة كمن يهذي، فقال نزار "مستحيل، أنت لن تخبر العائلة أنها حية، ستكون فضيحة تحرق الأخضر واليابس، فتخيل معي أن يعلم الجميع أن العزايزة تُسرق منهم نساءهم وأمام أعينهم، مستحيل يا عاصي، كما أن تولين عانت كثيرا" قال منذر بهياج "إذا كانت متزوجة، فأين هو سيد الرجالة؟ لماذا تركها لتسافر وتواجه هذا الضغط بمفردها؟ ألا يعلم ممن تزوج؟ أم أن عقد زواجها باسمها المزيف؟" قال نزار "زوجها مصاب بسرطان الدم وبمرحلة متأخرة وهو الآن في المشفى ينازع الموت، لا يكاد يفتح عينيه إلا ليراها ويعود إلي سُباته" **ت الجميع للحظات فقال صفي "يا الله، كيف تحملت الصغيرة كل هذا بمفردها؟ هل تحبه؟" أدمعت أعين نزار وقال "لم أره ولا أعلم من هو لكنه بالنسبة إليها خط أحمر، فلو رأيتَ إلى أين وصلت تلك الصغيرة ستعلم أنه أخذ بيدها وأصبح بالنسبة لها العائلة والأمان" سأل عاصي بحذر "كيف سنخبر بشر؟" نظر الأربعة إلى بعضهم فقال نزار "لا أعلم، ولكن علينا أن ننتظر عودته ونتحدث معه قبل أن يأتي إلى القصر، فأنا لا أخشى شيئا بقدر خشيتي من لقائهما، دعنا نمهد له الأمور" تن*د عاصي بإرهاق وقال "الحمد لله أنها نسيت كل شيء وإلا كيف كنا سنبرر لها حكاية كارما، أعتقد أن القدر كان رحيما بنا" هز نزار رأسه بأسف وهو يقول في نفسه فقط لو تعلمون، فسأل منذر بتوجس "أتقصد أننا لن نخبر تولين عن بشر؟" قال صفي "أظن هذا أفضل، دعنا نركز على المهم ونبحث عمن فعل بها هذا، رغم أنني أشك أن بشر سي**ت، لا أتخيل أن يراها تقف أمامه، سيقع قتيل الصدمة" ألقى عاصي بنفسه بجانب نزار وقال "أريد أن أنام، أريد أن يتوقف عقلي عن الدوران حول نفسه" وقف نزار وقال "سيكون هذا أفضل للجميع فنحن ندور حول أنفسنا فعلا منذ ساعات، تصبحون على خير" همّ نزار بالخروج من باب المكتب فقال له عاصي "ألن تخبر أسد ووالد*ك؟"
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD