(١)البيت القديم

1520 Words
أهتز جسده بعنف وارتجت الحقيبة الجلدية المعلقة بكتفه وهو يجاهد ليمر خلال المسافرين وضع جسده الرشيق بالمقعد الجلدي فور أن ظهر هذا المكان الخالي لقد مضت ثلاثة أرباع ساعة وهو يتجول بين عربات القطار باحثا عن مكان شاغر ولكن الأمر يبدو كعلبة السردين المزدحمة بالسمكات تكاد تضج بهم وهم عالقات بين زوايا الصفيح فالقطار يبدو كمدينة سائرة بأهلها ونساءها وأطفالها و قدماه لم تعد تقوى على حمله ذاكرته تدفع لعقله بمشهد مخزي لم يكن يظن يوما أنه سيأتي. وضع جسده المهنك وأسند رأسه على نافذة القطار أغمض عينيه وهو يأمل أن يصل لجهته المنشودة أو لمخبأه يريد أن يختفي عن الأنظار الشامتة والمستهزءة أصطدم وجهه بدخان السجائر الشعبية الرخيصة وارتطم بأذنه صوت المدخن قائلا ( لا مؤاخذة أصلك ظهرت فجأة ) استنشقت أنفه رائحة التبغ وأمتعضت معدته تكاد تقفز لحلقومه نظر لهم دون أن يرد بكلمة واحدة رنت قهقهته الممزوجة بسعال يشاركها ضحكة أخرى لرجل خمسيني الذي طالبه بهدوء كمل يا شيخ عويس كنت بتقول جريت ورا الحرامي ومسكته ض*بته وبعدين القى يونس نظرة متشككة للشاب الذي أغلق عينيه مسرعا فتابع يونس بس يا كمال هاتك يا ض*ب وهو يحلف لي مسرقتش مسرقتش قلت له طيب بيجرواوراك ويقولوا حرامي ليه حرامي كداب وبجح كمان رد قال الفراخ اللي سرقتها خذوها مني تاني كاملة بلحمها بريشها بضوافرها عايزين مني أية قلت له كدا خلاص يا ولا أنت كفاية عليك العلقة وهدومك اللي انقطعت ووشك اللي لعبوا فيه البخت لعب وض*بته قلمين وطلقت سراحه سرت وشوشة هادئ. ارتطمت لمسامعه الجدع دا شكله مش غريب عني نظر كمال للشاب المغمض العينين ثم أشار بيده شكله غريب نفث العجوز دخان سيجارته وأكمل أيوة غريب بس ملامحه بتفكرني بحد اعرفه مش عارف ازاي ابتسم كمال ثم قال قصدك حد من الحرامية اللي مسكتهم هز يونس رأسه ووضع قدم وعلى قدم ثم هتف بجدية والله ملامحه زي ما يكون حد قريب مني حد شفته قبل كدا مش عارف بقا اعترض كمال وهو يستنشق رائحة الشاب التي تنم عن رفاهية مفرطة والقي نظرة على قميصه الحريري وبنطاله والساعة الباهظة الثمن قائلا لا مظنش أنه أبن حد من البلد سيبه ينام وخلينا في حكاية الحرامية اللي قفشتهم ثم حدث ذاته قائلا يبدو بمنصب عال وصاحب أموال ما الذي دفعه لركوب القطار ؟ ربما كان أحد رجال المباحث ويبحث عن مشتبه بهم هز العجوز رأسه موافقا ليقطع افكار كمال . أيوة دا انا مسكت واغش كتير اوي دا كان المفروض يمسكوني شيخ غفر أو ضابط. بس تحكمات الشهادة والتعليم قطع حوارهم الكمسري الذي قال بلهجة حاسمة تذاكر أبرز كمال من جيب قميصة تذكرتين القطار بينما فتح الشاب عيناه مضطر ليرى الكمسري التذكرة مضبوط كمل نومك أردف كمال وهو يلقى نظرة على الكمسري الذي غادر كمل يا عم يونس رفع يونس رأسه أجلالا وأعتزاز وكأنه يروي ملحمة تاريخية بلدنا دي يا ما شافت طماعين وحرامية وناس جايرة على حقوق غيرها عايزة تأكلها أكل وتنهبها نهب بس في ناس دايما واقفة ليهم بالمرصاد ترد الحق لصاحبة ولو مرجعش يا بني ربك بيعوض في الذرية. أيوة ولا عمر الحرام بيعمر ولابينفع تعرف يا كمال حد قطع اليد دا في عهد سيدنا عمر بن الخطاب وقف تنفيذه في واحد سرق بسبب المجاعة اللي حصلت أيامها هز كمال رأسه بالايجاب العجوز الذي كان يبحث عن طريقة ليقتحم غموض الشاب الغريب الصامت المتجاهل وجودهم رغم ضوضاء صوتهم الذي يصل لأذنه كان العجوز يلقى نظرة بين الحين والحين يتفقد الشاب ولكن طوال المسيرة كان الشاب مغمض العينان ولولا حياء العجوز من الشاب الغريب للكزه من قدمه لينهض ويوقف طنين فضوله أنه يعلم أنه ليس نائم. ان هيئة النوم وسلطانه تبدو واضحة على النائم إن الشاب يمسك بالحقيبة بيده وقبضته مشددة عليها إذا كان الوضع الذي يتظاهر به حقيقي لوقعت حقيبته أرضا اولكن الغريب يتظاهر بهذا حتى لا يدخل في دائرة أحاديثهم وكيف له أن يغفو وصوت الراديو ذو الحجر العتيق يصدح بأغنية أم كلثوم ( أنساك دا كلام أنساك يا سلام ) مع أتخاذ بعض الشباب مسئولية الكورس مرددين خلف المذياع (دا مستحيل قلبي يميل ) بالإضافة لصراخ طفل رضيع من العربة التي تليهم . يصاحبها صوت أشقاءه وهم يحاولون أسكاته ( نام ياحبيبي نام واذ*ح لك جوز حمام ) والعجيب أن كل هذا الضجيج بأمكان المتحدث والمتلقي الحديث بطريقة تبدو مستحيلة بأي مكان غير القطار . نظر يونس لكمال وقال وهو يشير الخلف دا صوت راديو عمك شهير معتز به قوي من يوم ما أبوه ما مات بباخده معاه في كل مكان زي ما يكون أبنه عمك شهير غلبان مورسش من أبوه غير الأوضتين والراديو تعرف أن أنا كمان مسكت حرامي كان هي**ق من أبوه الراديو أي والله مسكته وعلقته على الشجرة العتيقة اللي في أول البلد. وهاتك يا ض*ب بالخرزانة أصل الحرامي دا دوخني ض*ب وموقعهوش غير عجين خالتك نبوية. أيوة زي ما بقولك كدا جة ينط من فوق المجور وأنا بجري وراه وقع في العجين وأنا أض*ب وحالتك نبوية تصوت وتلطم على عجينها قهقة كمال ضحكا حتى اهتز جسده فلامس الغريب فاعتذرا حرجا أنا أسف يا أخ ولكن الغريب لم يفتح عينه ولم يلتفت له فنظر ليونس والله يا عم يونس حكاويك مينشبعس منها أبدا توقفت عربات القطار على القضبان تدافع البعض خارج القطار بينما هلل الصبية فرحا سلامة يا سلامة زرنا القرايب وجينابالسلامة والتقطن بعض النسوة أحمالهن المعلقة على الرفوف أعلى القطار بمساعدة ذويهم نظر يونس للغريب ليستشير كمال هل نوقظه ؟ ولكن كمال قال دعنا نمضي هناك محطات أخرى خلفنا وأظن أن هذة ليست جهتة المنشودة فتح عينيه بهدوء وهو يستمع لوقع خطواتهم بعيد عنه رحيلهم ألقى نظرة على لافتة حجرية ترتفع عن الأرض بحامل معدني زينت أسم البلد عليه بخط أ**د عريض تعلن عن وصوله لجهته المنشودة ( كفر فاو ) انتظر هبوط المسافرين وشاهد جموع الركاب وهم يتفر قون على الأرض تضج من وجوهم فرحة العودة وشاهد النساء وهم يجررن الاطفال الناعسات خلفهم لقد مضي وقت طويل منذ مجيئة لبلدته الصغيرة. أنه حتى لا يذكر كم هي عدد السنوات ربما عشرين عاما أو ثمانية عشر نهض واقفا بتخاذل ظهرت آثاره ملامحه الثلاثينة فبدا وكأنه شاب الف عام واستعاد بذاكرته كل ما يحاول نسيانه. لقد تم شطب اسمه صباحا من عالم رجال الأعمال كان صباحا مؤلما بكل الأحوال وهو يشاهد رجال الأمن يحجزون على شركته الخاصة الذائعة الصيت حتى أسطول سيارته فقدهم ما يؤلمه حقا هي نظرات الموظفين ضاعفت من أحزانه فبدا واضحا أنه لا يأبهون بمغادرته وخسارته قدر اهتمامهم بالمالك الجديد كاد يشعر بابتسامتهم الساخرة وهي تطعن بظهره مضى النهار وهو يحمل حقيبته ويجلس بأحد الحدائق العامة يجهل ما على فعله ؟ وإلى أين سيتجه ؟ كان يريد أن يمضي لأحد الكهوف ليزوي بداخلها.حتى يتناساه الجمع. خبر أفلاسه زين صفحات الجرائد ومن قبلها كان المزاد العلني على جميع ما يملك. إنها لحظة واحدة لحظة اتخاذ القرار الخاطئ دفع ثمنها سنوات وسنوات من النجاح وانهار بناءه الشامخ ليتساو بالأرض ليت الأيام تعود للخلف ليمحو خطأه ويتداركه وتعود الأمور إلى ما كانت عليه ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه أنها المرة الأولى يا مراد الذي يتخلى عنك حظك وتتعرقل معك الأمنيات أن الأمر عسير. غير.يسير أبداٌ أن تعود من قمة الجبل لتقف أسفله أن تعود ثانية للصفر . القى نظرة على السماء السوداء وحمد الله كثيراٌ على حلكة الليل التي ستجعله يتخفي بطريقة للذهاب لآخر ما تبقى له بهذا الكون بيت جده (طه الفاو) آخر ما يثبت أنه لا يزال يمتلك شئ بالحياة هذا البيت القديم الذي ورثه منذ سنوات هو وابن عمه رباح الذي يماثله بالعمر سار مسرعا لأطراف المدينة حيث يقبع البيت العتيق الحجري الأبيض بمساحة الشاسعة الذي تم بناءه على ربوة عالية فبدا كأنه حارس يقف بأخر البلدة حارسا ووصيا عليها دفع البوابة السوداء القديمة فاص*رت صوت مزعج بدا له وكأنه أهل القرية جميعا سيص*رون الآن سباب بمختلف لغات العالم لسماعهم هذا الصوت ولكنه استمع لصوت ضجيج آخر جعله يهتف بضجر أي **م أصابك رباح ليكون صوت التلفاز بهذا الارتفاع كان التلفاز يعرض مسرحية مدرسة المشاغ*ين التقط(ال ريموت كنترول ) تحركت كومة ما من الأريكة واستمع مراد لصوت رباح واضحاً أنت ايها الغريب كيف تتجرأ وتدخل هنا ومن سمح لك بخفض صوت التلفاز لهذا الحد ؟ امسك طبق الفشار المتتلئ عن آخرة ووضعه جانبا ثم تابع وهو ينظر لرباح ب*عره الأشعث وعيناه السوداء الضيقة التي يشوبها الأحمرار ووجه المكتنز وأنفه الأفطس وص*ره العاري وبنطالة الأ**د القماش الذي يكاد يتفتأ عن جسده الممتلئ من واقع الحال أنت من سمحت لي بالدخول البوابة مفتوحة عن مصراعيها بالخارج أي شخص يمكنه الدخول حتى إذا كان سارق لن يجد صعوبة في الوصول لما يريد. ثانيا انا لست غريب فأنا مالك لهذا المكان. او فلنقل نحن نتشارك هذا المكان دفع رباح بكومة فشار لفمه بينما تناثرت بعض الحبات من زوايا الفم للخارج لتنضم لمثلياتها على الأرض و وازاح بصرة من عد على التلفاز هاتفا بتساؤل وحيرة واهتمام كيف نتشارك المكان؟ من أنت أيها الغريب؟ انا اعرف كل أبناء القرية ولكنك حتى لا تبدو مألوفا وضع يده بيأس على وجهه هتف بسخط أنا مراد ابن عمك ابتسم رباح دار حول مراد بحركة دائرية ثم قام باحتضان مراد مكملا اخيرا جئت لزيارتي لقد تغيرت ملامحك كثيرا انظر لقد صرت شاب أنيق وقوي البنية في طفولتك كنت نحيل جدا نظر له مراد بضيق وتابع بسخط أجل جئت بآخر قطار يصل للبلدة أ نها ليست زيارة أنها أقامة هزرباح رأسه بتساؤل إقامة ؟؟؟ أعقب مراد بحدة هل نسيت أن البيت ورث لنا نحن الاثنين ؟؟؟ ابتسم رباح قائلا طبعا مش ناسي ولو عايز البيت كله لك موافق انا فرحان اوي ان هيكون ليا رفيق وونيس تعال أسهر معاي لكن مراد اعترض سهر ؟ لهذا الوقت ؟ أنها الثانية عشرة مساء متى تنام ؟ كيف ستنهض ل عملك ؟؟؟ رد رباح بدون أهتمام أنا لا أعمل .
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD