كـانـت تجـلس هي في نفس المنـزل بالأعلى في غرفتها الخاصة بها وبزوجهـا، تحديدًا في غرفتهم الواسعـة، بأثاثهـا الحديث الذى يتناسب مع زواجهـا الذي لم يمـر عليه ثلاث سنـوات ..
أرجعـت خصلاتهـا السوداء خلف أذنهـا لتنظـر لــ " أبنة خالتها " التي تجاورهـا ثم هتفت بصـوت قلق بعض الشيئ :
_ اختفاء سيلا كل الوقت ده مش مطمني ابدًا، والجد عمره ما هيسكت
اومـأت الأخرى مؤيـدة ومن ثم تابعت بنبرة عاديـة غير مكترثـة :
_ أه منا عارفة يا رقيـة
ظـلت تدور بعينيها في ارجـاء الغرفة وهي تفـرك أصابعها داعية :
_ ربنا يرجعها بالسلامة يارب
أبتسمـت أمنيـة ثم همسـت بهدوء :
_ حقيقي اللي يشوفك كدة مايقولش إنها اختك من الأب بس
فعليًا هي لا تعـرف ما الذر يربطهـا بــ سيلا لهذه الدرجـة !!؟
تعشقهـا وكأنها توأمها وليست أخت غير شقيقة، يربطهم رابط خفي متين لا يعرفانه حتى الان !!
اومأت وهي تقـول بحب :
_ أنا بحب سيلا جدًا، معرفش السبب لكني بحبها اكتر من أي حاجة، يمكن عشان أحنا ملناش غير بعض
اومأت امنية وهي تلكزها في كتفها متساءلة بتوجس :
_ سيبك من سيلا دلوقتِ وقوليلي أنتِ عاملة أية مع جوزك ؟
جالـت سحابـة حـزن عميقـة في سمـاء عينيها السوداء المكحـلة عند تلك السيـرة ...
تلك السيرة التي لم تجلب لها سوى الألم والحـزن الحقيقي في طياتها ..
ثم نظـرت لها وأجابـت بلامبالاة مصطنعة :
_ زي ماهو يا أمنية، دايمًا تهديدات بإنه هيتجـوز، وأنا زي ما تقولي أتعودت بقا
إتسعت حدقتـا عيناها وهي تغمغم بتعجب يشوبه الضيق :
_ أنتِ هبلة يابت ولا أية، هي في واحدة تسيب جوزهـا يتجوز غيرها
وفجأة صرخـت فيها بحدة .. حدة كانت من المفترض أن تنفجر بوجه ذاك الذى يدعى زوجها ولكن أخطأت مسارها :
_ يعني أنا الغلطانة يا أمنية عشان ربنا مش كاتب لي أخلف !!!؟ ، هعترض على حكم ربنا كمان، ولا أنا كان بأيدي أية أعمله وماعملتوش
مـطت الأخرى شفتاهـا وقالت متهكمة :
_ لأ معملتيش اللي عليكِ، أنتِ ناسية إنك روحتي لدكتور واحد بس ومش عايزة تشوفي غيـره ؟!
تـوتـر ...
سيطر بجدارة على ملامحها البيضاء الهادئـة ..
ثم نظرت للجهة المقابلة واجابت متلعثمة :
_ بردو آآ هو مـ آآ مش صابر وراح يتجوز
غمـزت لها بطرف عينيها وقـالت بنبرة ذات مغزى :
_ أسمعي كلامي وصدقيني هتتحل
هـزت رقيـة رأسها نافيـة بت**يم :
_ مستحيل ابدًا
وفجأة فُتـح الباب ليدلـف " زوجها المصون " .. بجسـده العادي المتهالك وشعره الأسـود ببشرتـه السمراء التي تزداد سوءً بملامحـه السمـراء ليهتف ساخرًا :
_ قطعت قعدتكم الجميلة معلش
نهضت لتجيبـه بحدة :
_ في أية يا مجـدي دي بنت خالتي
أشَارت لها أمنية بهدوء قائلة :
_ خلاص أنا اصلاً ماشية دلوقتِ
كادت تسيـر من جـواره لتجـده يشير لها بيده متابعًا بنبرة جادة :
_ خليكِ، أنا حبيت بس أعرف زوجتي المصونة إني اتجـوزت وخلاص، وأجرت شقة ليا ولمراتي !!!!!!!!
*********
_ يا أهلا وسهلا يا خالة، كيفك ؟
قالها سليـم بصوتـه الرخيـم وهو يتقـدم تجاه خالتـه الحبيبة التي اشتاقهـا، ملامحهـا التي حُفـرت في ذاكرته تحت خانـة الأحبـاء والذين لك يتخطـوا الأربعـة !!!
احتضنهـا بشـوق حقيقي لم يظهـر سوى لها منذ عمـر ..
لتقول هي بحب نابع من غرزيتها الأمويـة التي حُرمت منها :
_ كويسة يا حبيبي، أنت عامل أية وحشتني أوي
أبتسم بهدوء مرددًا :
_ وأنتِ اكتر يا حبيبتي، عملتي أية في السفر إن شاء الله تكوني بجيتي كويسة دلوقتِ
اومـأت بابتسامة لم تـزول منذ أن رأته :
_ أه احسن كتير بفضل الله
جلسـوا على الأريكـة في تلك الصالة الواسعـة ثم اقتربت خالته منه قليلاً وقالت بصوت متوجس :
_ سليم كنت عاوزة أتكلم معاك فــ حاجة
نظـر لها باهتمام ثم سألها :
_ حاجة اية يا خالة أتفضلي جولي
إبتلعـت ريقها بازدراء استعدادًا للرفض الحتمـي الذي ستواجهه الان بذراع من الصبر والأيمان .. والأصـول !!
ثم تشجعت واستطردت :
_ كنت عاوزة أتكلم معاك بخصوص عمك يعني و... آآ
قاطعها وقد ظهر قناعه الجامد القاسي وهو يشير لها :
_ للمرة المليون هجولك يا خالة لو بتحبيني جد ماتفتحيش معاي الموضوع ده تاني
كـادت تعتـرض إلا أنه قاطعهـا بسؤاله الهادئ وكأن شيئً لم يكن :
_ شكلك تعبانة تحبي تشربي جهوة ؟
تلك النبـرة التي أعلن بها بوضوح نهاية ذاك الحوار الذي اصبح يمقته هي من جعلتها ترد باستسلام :
_ أيوة ياريت
فنظر أمامه ونادى بصوت عالي :
_ سيلاااااا
وبعد دقيقـة كانت تتقـدم هي بحاجبهـا الصغير الذي يزيـن وجهها ثم همست قبل أن ترفع وجهها :
_ نعم
كاد يأمرهـا كعادتـه ولكن قاطعته همس خالته المصدوم :
_ مش معقول !!!!!!
ظـلت " خالتـه " محدقـة في سيلا بصدمـة بدت لهم واضحـة كعين الشمس !!
تدقق في تلك الملامـح التي كانت تعرفها عن ظهر قلـب لعل عيناها تخطئ !!!
ولكن نسبة الحقيقة وكأنها تزداد مع مرور اللحظـات ...
قطـع ذلك ال**ت صوت سليم الأجش وهو يتساءل ببلاهـة :
_ في أية يا خالة ؟
واخيرًا إستطاعت السيطـرة على الصدمة التي أفترشـت على ملامحهـا المسنـة لتسرع مبررة بتوتر :
_ آآ مفيش يا سليم
رفـع حاجبه الأيسـر وهو يسألها مرة اخرى بريبـة :
_ أمال اية ده اللي مش معقول ؟
أبتسمـت ابتسامة صفراء وهي تحاول معالجـة الأمر :
_ يا حبيبي يعني أقصـد جمالها مش معقول، بشرتها وملامحها وعينيها البني دي تجذبك كدة ليهم
لم ينكـر .. بالفعـل لعينيها بريق وسحر خاص، سحر لن يتركك إن رأيته مرة إلا بعد أن تصبح أسيـر رحمته !!!
ولكن قال لها باستنكـار :
_ متأكدة جمالها يا خالة ؟
اومـأت مؤكدة وهي تحاول قد الإمكان عدم التحديـق بــ " سيلا " وردت :
_ ايوة يا سليم امال هيكون في أية يعني !!؟
مـط سليم شفتيه بملل وهي يتابع :
_ بس على فكرة هي مش رائعة الجمال للدرجـة دي، جمالها عادي خالص زي أي واحدة بعيون بني وبشرة بيضة ؟!!!
ابتسمـت الاخـرى بشرود مرددة :
_ واكيد شعر بني كمان
ضيـق سليم عينـاه السوداء، ليتغلب طبع الصقر على طبعه المسالم بسؤاله الخبيث :
_ وأنتِ عرفتي منين ان شعرها بني إذا كان هي محجبة ؟!!!
خطـأ !!!
خطأ اخـر أمام " الصقـر " ..
وفي قانونـه من يخطأ اكثر من مرتان فهـو " كاذب " ...
وبالطبـع هي لا ترغب في فتح تلك الأسئلة التي لا تنتهـي ..
لا ترغـب في فتح أبواب وسلاسل الأنتقام دون أن تدري !!!
لتقول بتلعثم :
_ أنـا آآ أنا خمنت يعني يا سليم هو تحقيق ولا أية ؟!
هـز رأسه نافيًا ليرد بهدوء :
_ ما عاش ولا كان اللي يحقق معاكِ يا خالة
نظـر لسيلا ثم قـال بصوت جـاد :
_ أعمليلنا أتنين قهوة لو سمحتـي
اومـأت دون أن تنظر لهم ثم غادرت بهدوء، كان عقلهـا منشغل بكلام تلك السيـدة .. معرفتها بها جعلتهـا تشك بها ولو قليلاً .. وسؤال واحد يرتكـز بجدارة وسط سمـاء تفكيرها الغارق
" هل تعـرف والدتهـا ؟! " ...
بينمـا في نفس اللحظـات كان سليم يقول لها بهدوء :
_ اسمعيني يا خالة جميلة، دي البنت اللي قولتلك عليها اللي جابوهالي وقالولي انها فاقدة الذاكرة وعايزة تشتغل وانا شغلتها مع الحاجة فاطيما فــي المطبخ
نظـرت له الاخرى باهتمام ليتابع فتابع بقوله المتوجس :
_ بس أنتِ عرفاني مابشغلش أي حد عندي وخلاص، بعت رجالتي يدوروا ويسألوا في كل حته عن سيلا إبراهيم عسى يلاقوا لها اهل، لكن في حاجة غريبة
إبتلعت ريقها بإزدراء ثم سألته :
_ اية اللي حصل ؟
هـز رأسه ومن ثم أجابها بحيرة :
_ البلد كلها محدش يعرف مين سيلا إبراهيم خالص، والناس هنا كلها عارفة بعضهـا
وقلـق عارم بدء في السيطـرة على مقاليـد كيانها كلـه ..
يشـك !!!
الصقـر يشـك، وإن اجتاحه الشك سينقلب كل شيئ رأسًا على عقب ..
والمعنى الوحيد لذلك ... أنه سيعرف كل شيئ، وستشتغل شعلة مدمـرة و..
وعند هذه النقطـة ومن دون تردد وجدت نفسها تبرر :
_ لا لا يا سليم، أكيـد يعني محدش يعرفها أو اهلها مش ف البلد حاليًا
هـز رأسه وهو يحاول إقناع نفسه :
_ امممم ممكن
اومـأت هي الأخـرى، لتتابع :
_ اكيد يعني امال هيكون اية غير كدة
اومأ ثم قال بإيجاز :
_ ماشي اتمنى كدة، بس أنا بقى فكرت ف حاجة عشان أعرف هي كذابة ولا صادقة وفاقدة الذاكرة
طـرق القلـق بابها مرة اخـرى بلا منازع، ونظـراته تطـوفها كليًا ...
فسألتـه بجديـة حاولت التمسـك بها :
_ ازاي يعني يا سليم ؟
أراح رأسه للخـلف وهو يقول بنبـرة أعلمتها أن كل شيئ قد ينتهي بلحظات :
_ انا اتصلت بالدكتـور، وخدت ميعاد، هنروح نعمل أشعـة ونشوف هي فعليًا فاقدة الذاكرة ولا لا
ظلـت ناظـرة امامهـا ... رغبتهـا في عدم كشف أي شيئ توازي رغبته المتينـة في الوصول للحقيقة الكاملة ..
ورغبة امام رغبة ولكـن .. رغبتهـا ستحاول - عنـوة - ان تجعلها تفوز بدافعها القوي .
فقالت بنبرة عادية بعض الشيئ :
_ اللي أنت شايفه صح أعمله يا سليم .. أنا واثقـة فـي كل قراراتك
اومـأ بابتسامة صافية إحتلت ثغـره ..
بينما كانت هي على الطرف الأخـر بالقـرب منهم، ترتجـف فعليًا ..
ماذا عساها أن تفعل وكل كلامه مغلـف بالإصرار والجديـة ؟!!
لن تستطيع ايقافه، ومن هي لتقف بوجه الصقر في شيئً يريد فعله !!
ماذا ستفعل ؟؟؟!
تهـرب ...
وأي مهرب هذا، هي حتى لا تذكر انها رأت الشـارع الخارجي منذ قدومهـا !!!!