الفصل الاول

3032 Words
يوسف بيتنا عريق عتيق من المنازل القديمة التي لم تجري عليها أدوات النقاشة الحديثة أو زخرفة الد*كور الجديدة لا يزال يحتفظ بعمق ورائحة وعراقة الماضي بكل ما به بيت يحمل رائحة الجدود بيت رأسخ بشموخ في شارعنا القديم الذي يظل علامة من علامات الزمن القديم بأحياء القاهرة الكبرى بمنطقة شبرا يتكون من طابقين يشرفان بنوافذه على أثنين من الشوارع تحيط به حديقة دائرية الشكل تضم ثلاث شجرات للمانجو وشجرتان للجوافة وبعض من زهور الورد البلدي والياسمين وأعشاب الروز ماري وتكعيبة عنب ، أسفلها مقعد خشبي كبير مثبت بالأرض ذو مساند خشبية عالية تتسلق عليه أغصانها لتعانق نافذتي بالطابق العلوي الذي خصصه لي والدي وحدي فأنا الابن الأكبر والابن الوحيد أيضا يتكون من ثلاث غرف و ردهتان واسعتان و ملحق به مطبخ و حمام و لي فقط شقيقتان توأم مريم و بتول يطلقان عليه شقيقتاي التوأم تهكمنا وسخرية "سرايا يوسف" ، فأنا أشغل الطابق العلوي وحدي و الطابق السفلي لهم غرفة لوالدي و غرفة للتوأم و غرفة مكتبة أبي التي تضم جميع كتب التاريخ و التفسير و الحديث ، والدي هو عزيز القمري ناظر مدرسة العروبة ، و والدتي أمينة عاطف ربة بيت قد أفنت عمرها كله في رعايتنا.أمراة بسيطة جل ما يشغلها ليل نهار هم نحن شأنها شأن كثير من الأمهات المصريات والعرب يدور فلك حياتها في أسرتها وتستعين في قتل أوقات فراغها بجيرانها فنحن نعيش بحي نطلق شعار الكل أهالي صوت جلبة بالغرفة صباحا على غير المعتاد ،و ضوء أوقد النهار و دولابي قد أحدث صريرا و كأنه يستغيث بي أن أوقف ألم المفاصل الذي يعاني منه و صوت مريم العالي يتساءل بضيق ألم يستيقظ بعد ؟ صوت مريم المزعج و المستنكر جعلني أطرد النعاس نهائيا تململت من فراشي ثم هتفت : طبعا استيقظت وكيف لا أستيقظ أنا ؟ صوتك كفيل بإيقاد قبيلة وأشعال الفتنة وإقامة حرب يا قدير أرحمني من نوبات أعلان الحرب التي تختص مريم هزت مريم شعرها ال**تنائي القصير و أغمضت عينيها العسليتين بمرح و جعدت أنفها الصغير فبدا الوجه المشرق البيضاوي و ردت بانتصار أبي ينتظرك في الأسفل هو و أمي يجب أن تنال نصيب الاسد من الدعوات بيومك الأول في الجامعة هذا يوم مميز له أن يوثق في تاريخ يوسف وأخيرا يوسف بالجامعة . أخرجت بتول رأسها من الدولاب ثم هتفت و هي تضع السروال الجينز و القميص الأ**د على حافة الفراش. كل شيء معد يا جامعي أيها الأنيق أستعد لأولى خطوات المحراب الأدبي و نظرت لي بود فنهضت من فراشي و أنا أشير لهما ليخرجا: اذهبا سألحق بكما شكراً لكم كثير خير لك أن تسرع قليلا قبل أن يبدأ صفير عثمان أنت تعرفه سلالم رخامية عريضة يعلوها بوابة كبيرة تضم ردهة واسعة ،قد ضمت أبواب مغلقة تنوعت بين مكاتب للإداريين،مدرجات مغلقة أو مكتبة الكلية أو قاعات ،و بأعلى المبنى كتب بخطوط زاهية بارزة "كلية الإعلام"،ضمت بجوارها العديد من الكليات بمسافات متفاوتة و مساحات داخلية كبيرة قد اتخذها بعض الطلاب فترك سيارته بها، و آخرون شكلو تجمعات دائرية يتبادلون الأحاديث و بعضهم جالسون على المقاعد الحجرية بساحة الكلية مع أصدقائهم ، و الكثير يتوجهون للكافتيريا .. هل كنت تظن أنك ستكون وحدك بالجامعة ؟ هتفت عثمان و هو يتطلع للجموع المتناثرة هنا و هناك،أجاب بلهجة ساخرة: لا طبعا أعرف بوجود الغير يا صحبي.. ثم غمز بعينيه و هو يخطو خطوة للأمام ،فصرخت بحدة لأجذبه من ملابسه و قد مرت سيارة مسرعة مخلفة أتربة و غبار غير عابئة بهتافي: احترس .. نظر لي عثمان بهلع و هو يلتقط أنفاسه : الحمد لله .. و على بعد أمتار قليلة توقفت السيارة ،لتترجل منها فتاة بسروالها الجينز الأزرق وسترتها الحمراء وشعرها الأصفر الطويل و وجهها الخمري بعينين عسليتين و رموش سوداء و وجه دائري وأنف صغير ، ملامحها تصور عزة نفس وعلياء وثقة و هي تتخطى الجميع لتبتعد داخل أروقة الجامعة .. إنها هي قاطع عثمان نظرتي لها نعم هي من كادت أن .. لا عليك يا صديق الحمد لله لم يحصل شيء.. و الآن هل ننتظر أو نسأل أو ماذا ؟ عثمان سنذهب لشؤون الطلبة ليخبرونا بكل شيء (ضحكة ظريفة) أشرت له لنسير بطريقنا وأنا أراقب من بعيد صاحبة الشعر الأصفر تسير أمامي لتتوجه لشؤون الطلبة بثلاث مكاتب خشبية يجلس خلفهم سيدتان و رجل قد تكدست بعض الأوراق و الملفات أمامهم ،و دون أن يرفع أحدهم عينيه عن الأوراق تحدثت إليهم متسائلة عن دفعة السنة الأولى لكلية الإعلام و محاضراتهم ،فتطوع أحدهم و أجاب عن سؤالها قائلا : المدرج 9 خففت عنا عناء السؤال لم ابتسم لمزحته، فلقد كرهت تلك الفتاة المغرورة من أول نظرة .. استدرت أنا وصديقي خارجين إلى أن وصلنا للمدرج، و أنا أتتبع الأرقام التي وضعت بسلاسة ثم أخذنا أماكننا قبل أن ينفجر كلانا بالضحك فلقد تذكرنا أول يوم لنا بالصف الأول الابتدائي ونحن نلتصق ببعض و ساد هرج و همهمة عالية بين الطلبة و هم يتحدثون قبل أن تدلف الدكتورة وفاء بقامتها المتوسطة ،و شعرها الأ**د القصير و وجهها النحيف ،و عيناها البنيتان، و أنفها الأفطس ليصمت الجميع.. تمنياتي لكم بعام طيب انتبهوا لدراستكم كلية الإعلام كلية مميزة والجميع هنا ملتزمون، ستكون محاضراتي معكم ثلاث مرات بالأسبوع و باقي الدكاترة سيكونون معكم، نبغي دائما أن نرى بين صفوفنا علماء و أوائل ،عام طيب للجميع. انتهت الدكتورة وفاء من المحاضرة لتشخص بصرها باهتمام لركن المدرج ثم تسأل باهتمام: هل أنت خلود وجدي الصادي؟ تعلقت أبصار البعض صوب بصر الدكتورة لتقف الفتاة بثقة و كبرياء مجيبة: نعم همس عثمان بأذن يوسف: وجدي الصادي رجل الأعمال الشهير تأمل يوسف الفتاة بحنق قبل أن يقول : مدللة رعناء .. أنت من أوائل الطلبة بالثانوي العام أظن أن ترتيبك الثاني على مستوى مصر . قالت الدكتورة وفاء فأجابت خلود : أنا الأولى.. لماذا اخترت كلية الإعلام رفعت خلود خصلة من شعرها و هي تقف لتجيب: اخترت الإعلام لأن حلمي هو الصحافة.. نظرت الدكتورة وفاء لخلود بثقة ثم أردفت قبل ان تغادر : أثق أنك ستفعلين عزيزتي ، و سيكون لك شأن كبير إن شاء الله. انقلبت المحاضرة إلى لقاء صحفي.. همس يوسف بضجر ، ابتسم عثمان و قال : إنه أول درس عملي يا صديقي .. ولكن يوسف لم يبتسم لقد كان هذا سبب آخر ليمقت الفتاة ، تطلع عثمان لجمهور الفتيات حول خلود وهمس لصديقه : انظر إلى نجمة الإعلام لا أطيق النظر إليها ،كيف تفعل أنت و هي كادت تقضي عليك اليوم ؟ كن متفائلا يا صديقي فلقد منحتنا الحياة فرصة أخرى للعيش .. هيا لنخرج فالجو أصبح لا يطاق هنا . ليس هناك محاضرات أخرى لنعد أدراجنا .. حين عاد يوسف للمنزل كان شيء من الصمت المقلق يخيم بالمكان، تجول في أركان البيت بهدوء قبل أن يطرق غرفة والديه ليأتي صوت أمه: تعال. ما الأمر ؟ لا شيء يوسف أردت أن أرتاح قليلا .. أين مريم و بتول ؟ لم يأتوا بعد من المدرسة ، أنت من أتيت مبكرا كيف كان يومك ؟ جيد أخذنا أول درس عملي ونظري ، ارتاحي يا أمي أنا بالبيت لن أغادر . و تركتها و اتجهت صوب الدور العلوي، صوت مريم المزعج بالبيت ينبأ الجميع أن هناك أمر ما : أمي لقد عدنا .. و هل البشرية محتاجة لتعلم أنك عدت، الحي كله علم بذلك ،من صباحك توقظين النائم.. أقبلت بتول ليوسف و هي تهمس : أمي نائمة ؟هل هي بخير؟ دخلت إلى الغرفة يتملكها القلق ، تسبقها لهفتها لتطمئن ،فقلب بتول حنون و رهيف أنا بخير يا بتول وسأقوم لأعد الغذاء. لا سأعده أنا.. أسرعت بتول للمطبخ في حين انصرفت مريم لغرفتها : لم توالي بالزي المدرسي هتفت أمي باستنكار لبتول لا تخافي قالتها بتول و هي تخرج اللحم من الثلاجة و تخرج الخضار بهدوء و تضع الطماطم على رف المطبخ دعينا نتذوق اليوم طعام بتول يا أمي. ابتسمت أمي لبتول و لي ثم هزت رأسها وتابعت: فليكن الطعام لبتول وغسل الأواني لمريم ألا يمر يوم دون إعفاء مريم ؟ جاء صوت مريم من الغرفة أظن أن مريم معفاة من المهام الصعبة و لها أسهل المهام .. قالها يوسف بهدوء : طبعا فكفتك دائما ترجح بتول.. هتفت مريم و هي تسرع الخطى للصالة حيث يجلس يوسف : نعم أرجح كفة بتول فهي أختي ، أنت بنت الجيران أعلم ما في داخلك جيدا لا حاجة لك للشرح مريم كوني عاقلة هتفت أمي بغضب : نعم سأفعل من أجل يوسف المدلل حبيب القلب قالت مريم ودموع الغيرة تلمع بعينيها : هل ستصمتين ؟ أم أن هناك أمر ما يجب أن أفعله لتفعلي ؟ أسرعت مريم لتعود من حيث أتت وتغلق الباب خلفها .. حين أنهت بتول الغذاء كان والدي قد حضر فأعدت بتول طاولة الطعام في حين تظاهرات مريم بالنوم كيف كان يومك ؟ بخير يا أبي مريم تعالي للغذاء نادت أمي بصوت عال ، وقطب والدي حاجبيه فهو قليل الكلام و أوامره حازمة لا يميل إلى المزاح أو العبث و إن كان خلف كل هذا يخبئ حنانا متميزا ، نهضت بتول و اتجهت صوب الغرفة و تمتمت بأذن توأمها التي تظاهرت بالنوم : أعلم أنك مستيقظة تعالي للغذاء اتركيني فعلا سأنام لا هل أنت غاضبة بسبب أعمال المنزل سأقوم أنا بإنجاز أعمال ما بعد الغذاء هيا تعالي.. تململت بدلع ثم قامت وقالت: سأقوم عنك غدا بكل الأعمال .. حين خرجا من الغرفة واتجهوا صوبنا كان أبي ينظر لمريم نظرة تعني عدم تكرار الأمر، و أمي تنظر بحنق لها، تطلعت مريم نحوي فتجاهلتها وتظاهرات بأني لا أراها، فأنا أدرك تماما أن مريم تشعر أن بتول أقرب لي منها وهذا يثير غيرتها ،الفرق بينهم بالصفات أن بتول تحمل قلب ملاك ومريم بعصبيتها لا تستطيع الحفاظ على هدوء النفس و تمحو ما تفعله بلحظات أو ثوان .. اتخذت مكانا جوار النافذة لشرب الشاي بالنعناع بعد الغذاء ،و جلس والدي يحدثنا عن العمل وما به في حين استندت بتول على كتف مريم تهمس لها بشيء ما : و الله هذه الأيام إني أتعجب من الناس، صاروا بلا ضمائر لا يراعون مراقبة الله بأعمالهم .. قال والدي بضيق ثم أكمل: صار الناس ينتظرون الوظيفة الحكومية، إنها قضية وقت و منهم من يترك عمله بعد ساعة ليباشر عمل خاص خارجي ، صار الهروب شطارة و م**ب كما يزعمون .. ثم توجو ببصره نحونا وقال: أي عمل هو أمانة ستحاسب عليها أمام خالقك. الحديث بعد الغذاء دائما يحمل رسالة ، أبي يحرص على غرس مكارم الأخلاق في نفوسنا، يخاف علينا كثيرا و دائما يردد أنه سيحاسب علينا إن قصر في تربيتنا و توجيهنا إلى الطريق الحق.. سأقوم لصلاة العصر هيا سنصلي جماعة . بعد إنهاء الصلاة جلس والدي بغرفة مكتبه يقرأ كتب التفاسير و جلست مع أمي التي همست لي: أتذكر يا يوسف الحمى حين داهمت مريم و هي صغيرة جعلت والدك يخشى أن يفقدها ،فدللها كثيرا وخصوصا حين قال له الطبيب لو ظلت يومين على قيد الحياة ستكمل الحياة و إن لم تكمل.. بترت أمي عباراتها خوفا على مريم فتابعت أنا: أذكر كانت بالسادسة من العمر وكنا نبكي كلنا ،حتى بتول امتنعت عن الطعام يومها وكانت تأتي لغرفتي وتقول لي أخبر الله أني أريد أختي أخبره أنني أريد مريم .. أكملت أمي: و إلى يومنا هذا بتول تخاف على مريم ،و مريم تريد منا جميعا نفس الاهتمام، تتصرف بعقل طفلة ترفض أن تكبر تملأها غيرة الأطفال و ينقصها كثيرا عقل راجح ع** بتول .إن بتول توأم مريم ملامح ولكنها توأمك روحا تكاد تكون أنت يا يوسف . الحمد لله أنها لم تشبهني شكلا يوسف هتفت أمي باستنكار : أنت جميل الطلة يا يوسف وجه خمري مستدير و عيون قاتمة و جبهة عريضة و أنف دقيق و شعر أ**د و جسد رياضي ممشوق تشبه والدك تماما .. و الأجمل عيونك يا أحلى أم بالعالم حفظك الله لي.. رضي الله عنك يا صغيري .. أوقن جيدا صوت جارتنا تريز و هي تهتف باسمي و تقصد أمي بالنداء ، فمن العار عندنا أن يتم نداء فتاة أو امرأة بالشارع باسمها لهذا أسرعت أمي الخطى لترى جارتنا التي رفعت صوتها ليسمع كل من بالشارع حديثها لأمي وهي توصي على ابنتها وابنها: سأترك معكم ماريا ومينا ، سأذهب لزيارة أخي فهو مريض .. سلمي لنا على المقدس بشارة يا تريز لا يشوف شر حبيبتي .. ثم أشارت أمي لماريا ومينا فاسرعوا بالدخول، ماريا بوجه نحيل و جسم نحيف و شعر أ**د ناعم طويل و وجه بيضاوي هادئ تجمله حمرة الخجل و عينان بندقيتان تظللهما رموش سوداء طويلة و أنف صغير ، و مينا الذي يشبه والدته بوجه خمري ممتلئ و عينين ضيقتين و أنف روماني و شعر أ**د فاحم .. تعالوا يا أحبائي هيا للداخل .. انطلق الإثنان للداخل ماريا تبحث عن بتول ومينا يريد اللعب مع مريم فماريا بعمر التوأم ومينا يصغر أختي بعامين و يجد ألفة مع مريم باللعب والمشا**ة و الخضوع لأوامر مريم بل وتنفيذ ما تطلبه بحب و رضا. حين حل المساء كان صخب مريم ومينا بالحديقة، وبتول مع ماريا بغرفتهم يتهامسون فأحاديثهم لا تنقطع وكان يأتيني أفكار كثيرة أن هذا الثنائي لو تركتهم العمر كله لن ينتهو، كلامهم غريب ارتباطهم ببعض و أسرارهم التي لا يعرف عنهم أحد شيء، حتى مريم لا تجد شغف بالبحث عنهم أو محاولة معرفة ما يدور وهذا ما كنت أتعجب منه لماذا لا تغار مريم على بتول من ماريا ؟ أم ترى هيمنتها على مينا تجعل الأمر ممتع لها ويكفيها يرضي الطفلة بداخلها. حين وقفت بشرفة الطابق العلوي مساء كان عثمان يقف أيضا فقلت : مقرر صباح و مساء تبسم صديقي ثم غمز وهتف: عملك ونصيبك لآخر العمر ، أتعلم شيئا يا رفيق سأتجوز هنا بهذا الطابق وا أنت أيضا ،سأتجوز عندك حتى لا أكلف نفسي تسير تلك الأمور و حين احتاجك عندما أتشاجر مع زوجتي سأطلب مساعدتك، تعال يا يوسف و حل المشكلة الست مصممة تروح بيت أبوها تعال أقنعها ،و أمة لا إله إلا الله تسمع . لا يعنيني أحد بتعرف أن وجهي م**وف ، لو حدث هذا سأخرج من الشرفة هنا و أرفع عقيدتي بالغناء و أقول لها: اذهبي يا بنت للمحكمة و اطلبي خلع، فمن تزوجته يعاني خلل ،و الله يا صديقي أشفق على زوجتك من الآن الله يعينها.. ثم تخيلت المنظر فانفجرت بالضحك ومن بعدها شاركني عثمان الضحكات. حين ارتفع صوت عثمان بالنداء كنت أقف على أعتاب البيت فعدت ثانية لالتقاط ثمرة جوافة و قذفه بها ألا تراني؟هل أنا خيال أمامك ؟ماذا دهاك ؟ التقط ثمره الجوافة ثم قضم منها شيئا بسيطا و أجاب: أحثك على الإسراع الله يصبرني عليك يا صديقي انا الصابر عليك أنت من رجعيات العمر تشبه حسين صدقي بالفكر ومحمود ياسين بالوجه.. و أنت يا عثمان أتراك ال**ار ؟ يا صديقي أنا العثمانلي أنا الباب العالي. نعم أنت الباب أو الخشب هيا هيا قبل أن ينتصف النهار معك.. اتخذت مع عثمان درج من السلم الرخامي بمواجهة بوابة الجامعة لالتقاط أنفاسنا قبل دخول ثاني محاضرة لنا هذه السنة فهتف عثمان: أنت تهوى الانطواء يا صديقي ثم أشار برأسه: هؤلاء الأشخاص يريدون الحديث إلينا إنهم يتجهون نحونا.. قالها عثمان وهو يرى ثلاث شباب يتجهون نحونا فيم بدأ الأول منهم : مرحبا أنا ياسر عزت أدير نشاط الشعر والخطابة بالكلية هل تريدون الانضمام. لا مانع قالها عثمان ثم تابع: يوسف شاعر ممتاز التفت إلى الآخر وهتف : انا منصور وهذا مروان ويشرفنا انضمامكم ثم سجل الأسماء بسرعة واخبرنا بمواعيد الاجتماع الشهرية التي يعقبها حفل شعري ثم استاذنوا وهم يلمحون طلاب جدد ليضيفوهم للقائمة. صبرني الله عليك يا صديقي هل اخذت رأيي بهذا الأمر لماذا أمليت عليه اسمي؟ هل ستظل تكتب أشعارك ولا يطلع عليها سواي منك لله يا رجل وهل اشتكيت عليك ؟ لا الكلمات اشتكت .. حدجته بنظرة باردة فقال: المحاضرة الآن أم تنوي الجلوس هنا لمعاقبتي. دلف الدكتور عامر حسان ليقدم المحاضرة ،كنت أستمع له باهتمام و أعجبت بأسلوبه و ذكاءه في طرح أفكاره ودمج فكرته المطروحة بسهولة لتصل لي ،وجدت في الدكتور عامر شيئا يوافق فكري أو ربما تجانس فكري لمسته منذ أول كلمات له ،وكان دائما يصمت بعد كل سؤال له ليرى كيف نفكر فكنت أجيبه بما يحتويه فكري بلا خجل بالع** كنت أريده أن يواجهني بفكرة أو أن يتفق معي فأجد بنفسي انشراحا و سرورا و كان الطلبة بين مؤيد و معارض أو عازف نهائيا عن المشاركة معه، و ما أثار دهشتي أن خلود تتناقش معه بثقافة عالية ، كانت أحيانا تبدأ بطرح السؤال أو أكون أنا الذي يطرحه لنتفق بالنهاية مع فكر الدكتور عامر الذي صرت أنظر له كمثل أعلى بسبب فكره الراقي و تحاوره معنا و دمج أفكاره بأفكارنا،حتى صرت أعشق الكلية من أجل الدكتور عامر وأكثر ما كان يسير استيائي و أكثر ما أكرهه هو تلك الفتاة (خلود) . حين انتهت المحاضرة وأثناء خروجنا استوقفني علام الرافعي زميل لنا قائلا: يوسف إن لك فكرا سليما رائعا. أشكرك أخي الله يعزك. هل تنظم لجماعة القلم المنير ؟ قبل أن يتفوه عثمان بالموافقة أسرعت بالقول: لقد اشتركنا بعدة أندية فاعذرني أخي .. لكن هذا النشاط يختلف ربما يفيدك مستقبلت فبعض الطلبة معنا تنشر مقالاتهم في جريدة الصوت الجريء اليومية. صدق حدسي بهم جماعة سياسية فتابعت قائلا : اعتذر منك ثانية فأسلوبي بالكتابة قد لا يعجبك حقا أمسكت بيد عثمان أحثه على الخروج وحين ابتعدنا سألته : هل كنت تريد المبيت بهذا ؟ هز رأسه بصمت فتابعت: طبعا أنت لا تعرف مواضيع هذه الجريدة أيضا ما مواضيعها ؟ سئل عثمان بلا مبالاة : سياسية تنبش نبش بكل صغير وكبير.. تطلع نحوي عثمان ثم قال : أترى المسجد هناك أرغب بصلاة الظهر قبل أن نعود. اتجهنا متلازمين الى هناك و وجدنا عدد ليس بقليل من الطلبة قد اصطفوا لصلاة الجماعة، وبعد الصلاة تقدم نحونا مصعب : أهلا وسهلا أكيد أنتم طلاب جدد ابتسمت بوجه مصعب وكذلك فعل عثمان هل ترغبون بالانضمام لجماعة نور الهدى بالكلية نقدم انشطة دينية و نشاطات أخرى انسانية يوسف أنت هنا جاء صوت ياسر ليخرجني من المسجد ،حيث كان يقف أمامي و يشير لي فاستأذنت و أنا أرى وجه مصعب الذي يتلون وعثمان يلحق بي مسرعا . سنقيم أمسية شعرية الخميس هنا بالجامعة ، هل تترك لي بعض من أشعارك ليقوم بعض أعضاء النشاط بإلقائها ؟ قال ياسر وهو يسير معى لخارج الجامعة ساترك لك عدة خواطر و اشعار تختار منهم ، سأحضرهم غدا بحول الله.. اتفقنا إن شاء الله. ثم أشار ياسر بيده مودعا و انصرف. اليوم العالمي للأنشطة.. هتف عثمان كل حزب يريد أن يضم ما يستطيع من الأعضاء ،طلاب النهائي يرغبون باستمرار أنشطتهم بعد خروجهم . معك حق يا يوسف أنهم في سباق محموم مع بعضهم.. حين بدأت الأمسية مساء يوم الخميس كان الجو هادئا ،و قد بني مسرح صغير بساحة الجامعة يرتفع عن الأرضية بخمسة أمتار تقريبا، و قد زين بأجمل العبارات المنقوشة بالخط العربي الأصيل على اللوحات المعلقة بألوان زاهية ،و قد خصصوا سلالم بإحدى زوايا المسرح لصعود جماعة الشعر و الآدب ،تولت حنان أمور تنسيق الفقرات و جعلت الصفوف الأولى لدكاترة الجامعة و لطلاب مجموعة إلقاء الشعر ، وقد حرص البعض على اصطحاب أهله أو أصدقاءه. فبدت الحفلة كأنها ندوة ،و وجود الدكتورة وفاء و الدكتور عامر قد أعطى للجميع حافزا لإنجاح هذه الأمسية الشعرية ،بدأها ياسر بالترحيب بالجميع ثم دعا خلود لإلقاء قصيدة من أبياتها فألقت بصوت ذا نغم يسكن بين أبيات الكلمات شرقي بضاعته كلماته قد أطل بحلو الحروف مدلل على أثوابه و مياهه استوطنت قلبي غلاوتك أثرت الروح لمعانقتك فمددت ثوبك فغذا الثوب معابا و إذا مياهك علقم قد مل القلب كثرة خيباته .. تابعها الجميع بإعجاب ، فإلقاءها للكلمات كان مميزا كشدو لحن حزين تستمع له وتعلم أسباب حزنه فتتعاطف معه ، تذوقت الحروف فنطقتها بإحساس
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD