"حبٌ بين ذنبٍ وتوبةٍ"
سقط جالسًا كرجل خسر معركته مع الحياة، يتآكله الندم، أسند وجهه إلى كفيه وبكى.
أحبها وعشقته بكل كيانها، فأعلنها امرأته وجعلته رجلها.
التحما في عناقٍ طويل أذاب بينهما مرارة الدنيا.
إلا أنها أبت أن تتركهما فلاحقتهما حتى فرقتهما فأفلتا بعضهما.
حينها أحكمت أغلالها عليهما، فأنستهما الوعد والقسم؛ أن يكون أولهم وثالثهم وآخرهم الله.
فهُدم عشهما وتساقطت أوراقه فلا صلاة تحميه ولا ذِكرٌ يدفئه.
وفي لحظة استسلام لش**ةٍ محرمة خانها وزنا.
لم يخبرها أحد، لقد رأته بعينيها في فراشها مع أخرى لا يربطهما شيء سوى شيطان رجيم.
تساقطت دموعها وعلا صوت صراخها، أرادت قول شيء، أي شيء تعبر عن الألم الذي اكتنفها والتف حولها كشرنقة تزهقها، لكنها لم تستطع فأطلقت العنان لدموعها أمامهما.
أفاق من سكرته، ونظر لها بتيه متناسيًا التي رافقته منذ ساعتين، كان قد عرفها عن طريق الفيس بوك وطلب لقائها ثم اصطحبها إلى بيته.
اعتدلت ناظرة لها بترفع التقت ملابسها الملقاة على الأرض بعشوائية، ثم انحنت بجسدها المشدود تلبس حذائها ذا الكعب.
ألقت له قبلة في الهواء بيدها وضحكت لزوجته التي تحجرت الدموع في عينيها وخرجت تاركة وراءها زوجين محطمين في ظلها.
أراد أن يريح عذابها المرتسم على وجهها، لكنه لم يستطع، هو لا يصدق أنه فعلها وزنا.
خان عهده مع ربه وخانها.
_لا بالتأكيد هذا كابوس
نطق بها كأنه ينفي لنفسه فعلته.
فأفزعه بكائها الصارخ.
_لست أنا، لم أفعلها قالها بهذيان كأنه يؤكد لها أن ما رأته وهم وأرادت بكل جوارحها تصديقه.
استجمعت نفسها ولملمت أشلائها المحطمة أمامه.
وأدارت له ظهرها قائلة بحدة لا تقبل جدال: طلقني.
صامتًا كان، بصره معلق بالفراغ الذي تركته خلفها.
زأر كأسد جريح، وبكى كطفل صغير مدركًا أخيرًا أنها لن تسامحه قط.
وكيف تفعل وهو لا يستطيع مسامحة نفسه؟
هدم المكان حوله ف*ناثرت قطع الزجاج أمامه ولوهلة فكر أن يتخلص من ألمه وخزيه بإحداها.
فأوفقه صوت المؤذن القادم من المسجد القريب من بيته.
شهق كأنه لم يكن يتنفس وقال متوسلًا: يارب.
اغتسل وتوضأ ووقف بين يديه سألا غفران وعفو بحاجة إليه.
أنهى صلاته وبقى جالسًا مكانه يبكي لعل البكاء يغسل إثمه ويريح قلبه.
بينما هي في غرفتها بمنزل أهلها، تكرر المشهد أمام عينيها مرات ومرات، ليتها عُميت ولم ترى ما رأت.
هكذا حدثت نفسها وهي تضع يديها على عينيها كأنها ستمحو ما رأت.
بعد شهرين بمنزلهما.
ذهبت لتأخذ أغراضها منه، وقف أمامها مطأطأ رأسه متمسكًا بكفها البارد يرجوها عفوًا ليس بها مقدرة عليه.
_حواء أرجوك، أعلم أني أخطأت، ذنبي عظيم بحقنا معا، لكن لا تتركيني، أقسم لك لن أفعلها ثانية، تعلمين أني أحبك وأثق أنك ما زلت تحبيني فلا تفلتينا.
نظرت له لأول مرة بعد تلك الليلة الكالحة، دق قلبها الخائن لمحياه، ولأن وجعها أكبر من أن يمحا قالت ما تردده كل يوم حين يتصل بها: طلقني.
سال دمعه أثر قولها فآلمت روحها وانهارت لانهياره.
_لم أحب امرأة سواك يومًا، أنت من تمتلكين قلبي وروحي..
_ أعلم أنك تحبني، وأنا رغم ما فعلت لم أكرهك، لكن... وتركت كلمتها معلقة بألم لا يبرح فؤادها.
_لكنك لا تستطيعين مسامحتي ونسيان الأمر. أقر بها بصوت مرتجف.
ولأنها أرادت أن يغفر لنفسه ذكرته بما نسياه.
_ أتذكر دائما ما أخبرتك أن الرجل المحب يمكن أن ي**ن مهما بلغ حبه، بينما الرجل التقى لا ي**ن.
لا أعلم متى تحولنا من عباد الله إلى عباد لدى الدنيا؟ نسعى خلف شهواتنا، أنا انشغلت بحبك، والعمل، وبعجلة الحياة وأنت فعلت مثل ذلك وأكثر لقد لهونا ونسينا أنفسنا وأصبحت حياتنا كئيبة حتى وصلنا لهنا، انظر لنا!
صدق قوله "ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا "
أزاح آدم دموعه ونظر لها قائلا: يمكننا أن نبدأ من جديد أن نحظى بحياة أفضل، فقط أعطينا فرصة ثانية، لنغلق تلك الصفحة للأبد ونفتح غيرها صفحة بيضاء ناصعة نخط عليها أول حروف توبتنا وحبنا له.
لا أستطيع آدم، لا أستطيع أن أثق بك سيبقى الشك بيننا ستصبح حياتنا جحيم، لن أستطيع احتضانك دون أن تخنقني الدموع بحلقي وأنا أتذكرك بأحضان أخرى، لا يمكنني المكوث بهذا البيت، لا أستطيع حتى وإن سامحتك فأرجوك فقط طلقني ولا تعذبني أكثر ولتفتح صفحتك البيضاء وحدك وافتحها وحدي بعيدًا عنك، لعلك تقابل من تسطر به أوراقك وأقابل أنا من ألون به صفحاتي. أرجوك فقط طلقني.
أنتِ طالق... نطق بها وهو يحتضنها فبادلته عناقه مواسية نفسها أنه العناق الأخير بينهما.
تشتاق إليه وكيف لا تفعل وهو يسكنها؟
تفكر في محادثته لكن تعيدها ذكرى تلك الليلة الكريهة.
الألم الذي يصحب قلبها كلما تذكرته لا يمكنها تخطيها.
أحيانًا ينتابها نوبة صراخ وبكاء تقلق قلب والديها عليها، لكنها تتغلب عليها بما عاهدت نفسها على فعله.
ذهبت لدار حفظ القرآن الذي تركته بعد زواجها.
وكم تألمت عندما رأت أنها نسيت منه الكثير! وأن صوتها العذب لم يعد كالسابق.
عادت لصلاة النوافل بعد أن كانت تصلي الفروض متكاسلة.
كان همهما الأول **ر السد الذي بنته بينها وبين ربها.
كأن روحها المسلوبة ردت إليها، وجدته جوراها كما اعتادت، كلما سألته استجاب.
عادت لروحها البسمة وأحست بكيانها كحواء مسلمة لله عابدة له، كل شيء تغير بها إلا هو بقى ساكنًا بفؤادها، ينبض بالحنين له، متألمًا لفراقه.
كان ألم فراقه أعظم في قلبها من وجع خيانته لها.
في لحظة صفا ينصفه قلبها قليلًا مفكرةً أنه لم يكن السبب وحده في هدم حياتهما.
هي بانشغالها عنه بالعمل وبزواج أختها والأهم معالجة مشاكلها في الحمل، والتي لم تكن بالمعقدة لكنها استسلمت لشيطانها وانشغلت بنفسها عنهما، وكأن الأمر مشكلتها وحدها!
تلومه نعم، أحيانا تشعر بأنها كرهته للحظة وذلك الشعور يؤلمها جدا ألمًا يؤكد لها أنها ما زلت تحبه!.
تتابع صفحته على استحياء، تقرأ فيها ما تعلم أنه نُشر لأجلها.
أما هو فعاش فترة تخبط بين ألمًا وعدم تصديق لما آلت إليه حياته.
يجلد روحه بسوط الندم، لكن لا يخف الألم.
أصبح يقضي كل وقته بالمنزل، من العمل للمنزل حتى اعتزل الأهل والأصحاب بعد طلاقه المفاجئ للجميع.
فآته أخيه يشدد عضده
دلف لمنزل ش*يقه ونظر له بازدراء كان بحالة يرثى لها.
كأنها شقة ليس فيها روح!.
تفرس قليلا في وجه آدم لحيته النامية وشعره المبعثر وهندامه المهترئ.
هذا الشخص الضعيف ليس أخيه أبدا.
آدم خرجت من فيه بحدة لم يتعمدها.
رفع ش*يقه أنظاره إليه دون إجابة.
_إلى متى ستظل هكذا؟
_لا أعلم.
زفر أحمد بحنق قائلًا: أخبرتك أن هذا سيحدث، كنت تلهو كأنك لم تتزوج، مللت من الروتينية وتركت نفسك لأهوائك، حتى ما أغضبك منها لم تعاتبها عليه بل اخترت أيسر الطرق وأخبثها، ماذا كنت تنتظر؟
_لم أكن أتوقع إني سأصل لهذا الحد.
خرج رده **ؤال أكثر من كونها إجابة.
ضحك ساخرًا
_آمنت نفسك، وظننت أنك أقوى من شهواتك؛ ماذا تنتظر بعد أن تتبعت الشيطان خطوة تلو أخرى؟
_ ليتني استمعت لنصحك.
ربت بيديه على رجله وقال: ها أنت ذا، تستطيع البدء اليوم، أنت كل ما يهمك أنها تركتك، تحاول جاهدا أن تردها إليك.
وماذا عن ما بينك وبين ربك؟ ربما كان كل هذا لتفيق من غفلتك، فانظر ماذا تفعل؟
كلام ش*يقه كان كصفعة لروحه أحيته من بين الوجع.
لذا بدأ بنفسه، عمل لتوبة يرجوها من الله وهذب نفسه وصبر طويلًا حتى عفى عنه ربه.
أحبها كل يوم أكثر من الذي قبله، لم ينسها.
يمسك الهاتف بيده يقاوم نفسه التي تحثه على الاتصال بها، كان يشعر أن هذا الفراق عقابًا لذنبه وعليه أن يتحمله.
كتب لها العديد من الرسائل لكنه لم يكن يرسلها، بل اكتفى بوضع بعضًا منها على صفحته لعلها تراها.
وبعد طول عناء قبل الله توبته واستجاب دعوته أو ربما دعوتهما.
في أحد المطاعم الراقية، كانت حواء شاردة تأخذها ذكرياتها لماضِ ليس ببعيد، هنا قابلته أول مرة، صدفة عجيبة جمعتهما، حين غازلها صديقه.
جلست حواء ورفيقتها تنتظر الوجبة
التي طلبتها، تلك المرة الأولى التي تأتى فيها إلى هذا المطعم، فهي لا تحب صرف المال على تلك الأماكن، لكن الأمر يستحق فاليوم تخرجت هي وصديقتها من الكلية.
لاحظت على الطاولة المقابلة لها نظرات بعض الشباب وغمزاتهم نحوها، لكنها لم تلقِ لهم بال، وتجاهلت وجودهم؛ حتى اقترب منها شاب قائلًا بابتسامة لزجة: هل لي برقم هاتفك؟
تفاجأت من قلة حيائه وحماقته، وقبل أن تنطق بكلمة وجدت من يدفعه بعيدا عنها يزجره بنظراته، ثم وجه نظره إليها قائلا: معذرة على وقاحة زميلي آنستي
اومأت برأسها مبتسمة بهدوء.
كاد أن يغادر لكن ما لبث أن عاد قائلًا بتساؤل جاد: عذرا، انستي لكن، ما هو لون عينيكِ !
نظرت له ببلاهة قائلة: ها؟
تنحنح بخجل قائلا : سامحيني لتطفلي، لكن يوجد شيء غريب بعينيكِ.
تذكرت كيف ظلت تلك الليلة تنظر للمرآة تبحث عن أي شيء غريب بعينيها، لكن لم تجد، عينيها مألوفة جدا بلونها البني المائل للسواد، تساءلت ماذا رأى بهما؟
تمددت على سريرها وهى تفكر في آخر ما قاله : المكان هنا رائع ويقدم أفضل الأطباق، أرجو أن يكون مكانك المفضل.
واعتذر مرة أخرى وغادر.
وكان له ما أراد، كانت تأتي كل عطلة لتتناول طعمها بهذا المطعم، بالطبع ليس لأنه دائما ما كان متواجد، كلما أتت رأته يبتسم لها، حتى تفاجأت به في بيتها يطلب يدها للزواج، وعندما اختلى بها قليلا، أول ما قاله: لمَ لم تأت العطلة الماضية، لقد قلقت عليكِ
ابتسمت بخجل قائلة: كنت أريد أن أعرف ماذا ستفعل؟
سالت دمعة ساخنة على وجنتيها وهى تتذكر تحطم زواجهما.
أفاقت على صوتٍ تعرفه جيدا
_كفي عن البكاء فأنا لا أستطيع منع نفسي من تقبيل موضع دمعك.
نظرت له بصدمة، فرحة من داخلها كونه هنا بعد كل هذا الوقت، ما زال يتذكر هذا اليوم، يوم التقيا.
بصوت عميق شجن أوضح مدى معاناته ولوعة الفراق التي نالت منه مبلغها قال: اشتقت لك حواء.
اضطربت من رؤيته بعد ثلاث سنوات، نعم لم تستطع الارتباط بغيره، ما زالت تهوى عشقه. لكنها لم تعرف ماذا تقول أو ماذا تفعل؟ فهربت مغادرة تاركةً ورائها قلب ينبض بجنون عشقها وابتسامة عازمة على وجه صاحبها الذي تيقن من أن حبها له خالدًا بقلبها.
بعد يومين
_أمي أخبرتك مئة مرة أني لن أتزوج مرة أخرى قالتها حواء بغضب نظرًا لإلحاح والدتها عليها بشأن العريس المتقدم لخطبتها
لكن أمها قالت بحزم: ستقابلينه حواء.
دلفت للغرفة حيث ينتظرها وجلست دون النظر له.
زادت نبضات قلبها بجنون وهى تسمع صوت ضحكاته
آدم بابتسامة عاشقة ونبرة هادئة: حواء
رفعت عينيها تتأكد من وجوده أمامها ثم سريعًا ما قالت إجابة لأسئلة عينيه: موافقة
ولم تصدق كم كانت روحها تهفو لروحه.
زادت ضحكته ثم تحولت لابتسامة دافئة حين دلف المأذون وتم عقد القران من جديد.
سلسلة قصص لن تنتهي?