الفصل الثالث الجزء الأول

2501 Words
هناك ذكريات أشبه بضوء الشمس الذي يجلي ظلمة الليل تظن أن طعم الفرح فيها غلب كل شيء لكنه لم يستطع أن يغلب مرارة هذه الأيام! طعم الفرح الذي ذقناه لم يُنسه شيئًا من طعم الحزن الذي نذوقه! فليس كل ما يتمناه المرء يدركه.. فغالبًا أغلب ما نتمناه لا يحدث بسبب أناس يملئ الحقد والجشع قلوبهم وحينها تجد أنه لا بيدك حيلة تفعلها تُثلج بها نيران ص*رك غير الابتعاد. بخطوات واثقة وجسد مشدود يبدو عليه الراحة والسكون إلا من نظرات الأعين المشتعلة، دخل بهيبته ينطلق تجاه غرفة والده المخصصة له في القصر، يسير في ذلك الممر الذي يوجد به بعض الجنود على كلا جانبيه. يقف كل منهما حاملًا رمحًا طويلًا مرتديًا ملابس بيضاء موحدة لما تبثه من راحة وسكينة للنفس. كاد أن يعبر المنحنى حيث تتواجد الغرفة ليفاجئه ظهور فتاة كادت أن تصطدم به لكنه تراجع للخلف خطوة.. خطوة كفيلة أن تجعلها تستعيد اتزانها، ليقف أمامها كالطود الشامخ. ليست أي فتاة إنها خطيبته وابنة عمه! نظر إليها بملامح صارمة وبرودة تطل من عينيه تكاد تماثل ثلوج القطبين، مشاعره نحوها غامضة.. وقف يتأملها، قامتها طويلة رشيقة، خصلات شقراء بلون أشعة الشمس الذهبية، يزينها تاج مموج باللون البني يتخلله أحجار دائرية باللون الفضي.. حاجبان من نفس لون خصلاتها، لي**ر اللون الذهبي لون عينيها العشبي البراق.. هبط بعينيه على فستانها الذي حمل لون عينيها، يهبط بضيق عند الخصر ويتسع حتى الكاحل بطبقة من الحرير وأكمام ضيقة حتى المرفقين لتكتمل باتساع طفيف. لا يعرف ما هذا الشعور؟ شعور بالنفور لا يعرف لأي شيء موجه! استغرق بأفكاره بضعة دقائق ثم رفع نظره لعينيها، على الرغم من جمالهما ظاهريًا لكنهما يحملان ما بداخل صاحبتهما. انحنت باحترام تقول بهمس خافت يمس قلب أي رجل : -"عذرًا مولاي.. لم أعلم أنك قادم!" أومأ بحركة بسيطة من رأسه ينظر لها بغموض بعدما استقامت تناظره : -"لا بأس خديجة.. يبدو أنكِ كنتِ على عجلة من أمرك!" اقتربت منه خطوة واحدة تضع كفيها بجرأة على كتفيه تقول : -"في الحقيقة كنت آتية لأراك، لقد اشتقت إليكَ إلياس!" ارتفع أحد حاجبيه ببعض الدهشة الممزوجة بالسخرية، وكاد أن يتحدث لكنها اقتربت أكثر تضع سبابتها على شفتيه تكمل : -"أنا خطيبتك وابنة عمك، وعما قريب سأصبح زوجتك.. وبالرغم من هذا أشعر أنك بعيد عني أميال؟!" أمسك كفيها بين قبضتيه، فانعقد حاجبيها بدهشة يقربها منه ثم هبط على أذنها هامسًا بسخرية متعمدة وابتسامة جانبية ظهرت على شفتيه : -"وهل يليق بالملكة المستقبلية أن تقف وسط الممر وتفعل ما تفعليه يا ..... يا مولاتي!" اتسعت عيناها بذهول من كلماته تنظر له بقوة ووجهها يتميز من الغضب! كادت أن ترد لكنه فاجئها برفعه لكفها يقبل ظاهره : -"أعذريني سأتركك لأرى الملك فهو قد وصل للتو، وبعدها سأرى خطيبتي المشتاقة ما أمرها!" تركها ومازالت الابتسامة على شفتيه يلتف برأسه قليلًا يناظرها بجانب عينه.. تركها تطالع ابتعاده الممزوج بغرور كهمسه بعيون متسعة، تطبق على فكيها بغيظ قبل أن تلتفت لتذهب. دخل غرفة والده بخطوات واثقة، يحوم بنظراته في المكان فوجد والده واقفًا بشموخ عتيق ينظر من الشرفة عاقدًا كفيه خلف ظهره.. بردائه الأبيض فقط دون عمامته الملكية، لتظهر خصلاته شديدة البياض. تقدم نحوه مبتسمًا بمودة وسرور قائلًا : -"حمدًا لله على سلامتك أبي" التفت إلى بِكره الذي انحنى مقبلًا ظاهر يده التي ظهرت عليها علامات الكبر، فربت على كتفه بفخر يرى فيه نفسه في شبابه. فإلياس عنفوان وحماس ممزوج بجبروت وغضب يظهر وقتما يريد وفي الوقت المناسب. لا يردعه شيء ولا يتردد في فعله. بدليل قطعه رأس الخائن دون أن يرمش جفنه. نظر للساحة عند بقعة الدماء الكبيرة وقال بمكر وبصوت عتيق أجش يظهر فيه علامات الزمن : -"أخبرني كيف ستنام وقد فصلت رأسًا عن جسدها؟" علم مقصده.. هكذا يختبر مدى جموده وعاطفته. ليبادله ابتسامته بشبيهتها ينظر إليه يلتقط نظرته الغامضة و الواضحة بالنسبة له. نظر لنفس البقعة يهمس بلامبالاة ظاهرية تخفى جبروت مهول : -"بل سأنام قرير العين للتخلص من خائن كهذا.. هذا اليوم يكون من أفضل أيامي" أومأ تقي الدين ينظر لملامح وجهه التي ظهرت عليها الاصرار، وتحولت ابتسامته لأخرى فخورة. فسواء إلياس أو نيار كلاهما يملك قوة وعنفوان خاص به.. إلياس بإعصاره ونيار بغضبه عندما يريدان الوصول لشيء!! الأول ببرودة أعصابه والآخر بسخريته!! زرع فيهم أن من يسير خلف القلب لا يستحق الحياة.. فما فائدة العيش ضعيف بالعاطفة والقلب؟! كل ما فعله وما زرعه ينتج ثماره التي كان ينتظرها الآن، لولا ما حدث منذ سنوات.. تن*د بقوة يعود بذاكرته للماضي قليلًا.. ★★★★ يومًا كان بداية ا****ة كما يُقال بداية انشقاق أقوى ترابط يمكن أن يوجد ترابط الدم! انقسام المملكة الأقوى إلى نصفين فتتفتت القوة وتتناثر. يوم جاء إلياس يطلب رؤيته لأمر هام ليجلس أمامه بعدما دخل وقال : -"أريد طلب شيء وأتمنى موافقتك مولاي!" -"تكلم بني ماذا تريد؟!" لاحظ توتره للمرة الاولى وهو يخبره بأمر ما، جعل الدهشة تعتريه فابنه يبدي ما يريد ويصرح به دون تردد أو توتر كما هو الآن! يشعر بحسه الأبوي ما هو قادم لأجله : -"أريد الزواج من فيروز أبي" اندهش بشدة من طلب ابنه، يتمنى زواجه اليوم قبل الغد لكن من فتاة ذات شأن عظيم.. كاد أن يجيب لكن سبقه صوت زوجته التي كانت تتابع الحوار تهتف بسخط : -"ماذا؟ هل جننت إلياس لتطلب الزواج من جارية؟" تنفس بعمق ينحني برأسه للأسفل يقبض على كفيه سويًا يحاول ضبط أعصابه أمام والدته يجيبها بهدوء: -"أمي أنا لا فرق عندي بين جارية وأميرة.. فلا تتحدثي بتلك الطريقة رجاءً" لم يهدئها حديثه بل زادها انفعال وغضب فانتفضت من مجلسها تهتف برفض قاطع : -"بل يوجد فرق كبير بين الجارية والأميرة أيها الملك.. وهذه الجارية لن تصبح زوجتك" انتفض بغضب منها للتقليل من شأن من يريدها زوجة بأعين حمراء شرسة، ولكنه حاول الهدوء أمامها : -"أمي أرجوكِ، جارية أم لا فأنا أحبها وأريدها زوجة ، ولن أسمح لأي أحد التقليل من شأنها" وقفت أمام وجهه بوجه شديد الاحمرار، يملأه الانفعال والرفض لما يهذي به تهتف بغضب : -"ولو سقطت السماء وتحولت النيران جليد، لن تصبح جارية ملكة للبلاد في يوم من الأيام طالما أنا على قيد الحياة إلياس.. أنا والدتك وأكثرهم خوفًا على مصلحتك" ضغط بقوة على أسنانه لدرجة أن صوتهما وصل لمسامعها ، لكن ابتسامة بسيطة تحمل كافة معاني الغموض والشراسة، نظرات عينيه ازدادت قتامة قبل أن يقول بهمس غامض ملأ قلبها بالتوتر : -"لا تتفوهي بشيء قبل التفكير به أيتها الملكة.. ولا تأتيني الآن صارخة بخوفك عليّ.. فتاريخنا سويًا غير مشرف" تركهما وذهب غاضبًا، حاملًا بقلبه الحزن من أم لم تكن لها من لقبها او اسمها نصيب! لم تحمل من الأمومة شيئًا! يهز رأسه بسخرية وجملتها التي سمعها ذات يوم بمحض الصدفة وهو في طريقه لجناحها مع والده، ليصله تأنيبه لها بسببه هو وأخيه لتصدمه بردها البارد واللامبالي : -"من حب الله لي أنه رزقني بالأولاد حتى لا يذهب العرش والمملكة سُدى" المملكة.. العرش.. المُلك.. السلطة! هو كل ما يهمها في ذلك القصر.. وسعادة أبنائها..؟؟ لا مجال لها في مخططاتها. خرج وتركها تشيعه بنظرات حانقة قبل أن تهمس بغموض وإصرار : -"هذا الأمر لا يمكن الاغفال عنه!! يجب إيجاد حل في أسرع وقت، فلن تكون زوجة ابني مجرد جارية " اكتشف بعدها أنها أرسلت فيروز كهدية إلى نيار بعد أن أعلمته بما ينوي أخيه فعله، والذي قبل الهدية لتكون في اليوم الذي وصلت فيه للقصر ليلتها الاولى معه يقطع على أخيه طريق الزواج منها، فلن تختلط الدماء الملكية بدماء جواري!! لم ينسَ يومها ردة فعل إلياس عندما علم.. كان على وشك شن حرب على أخيه لكنه نجح في السيطرة عليه. حينها تفاجأ بقراره.. انفصال مملكة الجنوب عن الشمال والانفراد بحكمها. لن يخط بقدمه ذلك القصر إلا في الاجتماعات المهمة كيوم الشكوى أو الاحتفال السنوي.. ومن يومها قطع علاقته بوالدته، فلم يجمعهما حديث إلا في الحدود القصوى. ★★★★★ في كثير من الأحيان تجبرنا الأمور من حولنا على تقبل أشياء نرفضها رفضًا قاطعًا فقط لأنها سبب في سلامة الكثير تضغط على ذاتك وتضطر قسرًا تنحي مبادئك جانبًا وفعل ما تكره مجبرًا كي تمنع ألسنة الجميع أن تلوك في الأمر - "مولاتي.. الملك سليم يريدك في الحديقة الشرقية" نطقت بها أروى بعد أن دلفت لغرفة ليان لتجدها جالسة أمام مرآتها تضع أناملها أسفل ذقنها تنظر لانعكاسها بتيه وملامحها تبدو عليها التفكير. تبادلها نظراتها في المرآة عندما انتبهت إليها فوقفت تعدل من هندامها البني بلون تاجها قبل أن تتقدمها للخارج. وصلت لحديقة القصر فوجدته جالسًا على كرسيه الكبير المبطن بالوسائد الصغيرة، تحيطه من أعلى ستائر باللون القرمزي على هيئة موجات رقيقة. انحنت لتحيته قبل أن تستجيب لذراعيه التي امتدت لها تجلس بجانبه، نظر إلى ملامحها الرقيقة. يعلم أن وراء هذه الرقة والصفاء غضب وعاصفة تظهر عند الحاجة؛ لذلك هو مطمئن عليها. تن*د قبل أن يتحدث يمسد على خصلاتها : -"كيف حال الصغيرة؟!" ابتسمت بحنان تجيبه : -"أنا بخير بوجودك جانبي أبي" ربت على رأسها بحنان متبادل ليخبرها : -"أريد منكِ الاستعداد للسفر، تعلمين أن الاحتفال سوف يقام عما قريب وأيضًا يوم الشكوى في المملكة قد اقترب" انتفضت في مكانها بغضب ترفض كل ما يحدث!! ترفض هذا القانون والاحتفال، التقاليد المتبعة في المملكة، السفر والحضور! تفكر في طريقة ما لإقناعه باستثنائها من هذا، لو كان بيدها لرفضت الزواج من الأساس. -"أبي أنت تعلم رأيي في هذا الأمر، بالله عليك كيف يمكنني حضور شيء غير مقتنعة به؟" أغمض عينيه يحاول بث الحدوث في نفسه أولًا كي يستطيع تهدئتها قائلًا : -"ليان أهدأي.. هذه قوانين متبعة منذ سنوات بعيدة، لن تستطيعين تغييرها مهما فعلتِ" تلك الجملة زادت من غضبها وثورتها أكثر، تهتف بغير إرادة : -"لكنني لا أريد ذلك.. بحق الله أي فتاة ستتحمل ما يحدث؟" صرخ بها يعنفها على علو صوتها وقد ظهرت عليه بوادر الغضب : -"ليان أخفضي من صوتك وأفعلي مثلما أمرتك.. السفر سيكون بعد ثلاثة أيام، انتهى الحديث" حاولت الاعتذار منه لكنه زجرها بنظرات الرفض والغضب. فانحنت بحزن معتذرة منه بخفوت قبل أن تلتفت ذاهبة وخلفها أروى. عادت إلى غرفتها حزينة أنها أغضبته، ساخطة على نيار والقصر بأكمله لأنهم السبب في كل هذا. فحاولت أروى تهدئتها : -"مولاتي أرجوكِ أهدأي.. لكل شيء حل" التفتت بقوة جعلت خصلاتها تدور حولها تستكين على كتفها الآخر، عيناها تطلق شرارات سخط وتهتف : -"حل! أي حل الذي تتحدثين عنه؟" اقتربت منها الأخرى هامسة بدهاء أنثي ومكر ترفع حاجبها : -"لا تضعي نفسك في مقارنة مع بضعة جواري، فأنتِ ستصبحين الملكة.. وأيضًا بإمكانك جذب الملك بجمالك ودهاء الأنثى" فكرت بذلك الحديث.. تشعر كمن بثّت فيها روح المغامرة والحماسة، وأعادت لها ثقتها في نفسها ، فنظرت لنقطة في الفراغ تسير في غرفتها، ونظرات الاصرار ظاهرة في عينيها بقوة : -"معك حق أروى. خاصةً أن كلمات الملكة رقية لم تغب عن بالي لحظة وكأنها تريدني أن أفهم أني سأخضع لسلطانها، لم ترَ بعد ما أستطيع فعله!" التفتت إليها وابتسامة جانبية ظهرت على جانب فمها الصغير تخبرها : -"أبدئي في إعداد ما يلزم للسفر، اجعليهم يعرفون من هو الملك سليم وابنته" انحنت أروى تبتسم لها نفس ابتسامتها قبل أن تستدير لتخرج من الغرفة، وتركتها تجلس على أريكتها الواسعة تميل بجذعها لجانبها تتلاعب بخصلاتها مبتسمة بمكر تفكر في حياتها في القصر الذهبي. من الغباء أن تحاول التشبث بدور لا يليق بك أمام من يعلم عنك أصغر الأشياء عن حياتك يعلم حقيقتك وكيف تفكر؟ بل يعلم خطوتك القادمة ليقف يستقبلك عندما تخطوها.. تتظاهر بشيء وتعلم أنه لن يصدقك. لعبة التخفي تلعبانها وأنتما بمواجهة بعضكما! علاقة قائمة على التظاهر بشيء والمضمون ع**ه! يعلم نواياها، أفكارها، وما تتطلع له! يقف على قارعة الطريق يتأملها ب**ت وما تريد الوصول له! يتركها تفعل ما تشاء طالما لم تتخط الحدود التي يرسمها لها في عقله! يقف لها بالمرصاد.. حتى ولو كانت والدته! يجل**ن سويًا في جناحها بعدما عاد من سفره محتضنة إياه تبتسم له بحنان، قبّل يدها يبادلها الابتسامة ويجلس بجانبها، وما أن انفردت به حتى بادرت بسؤاله قائلة : -"كيف كانت رحلتك؟" شرد فيما حدث معه في الغابة والفتاة التي أنقذته، سافر بعقله إلى شجاعتها، هدوء حديثها، خنجرها، ومهرتها!! لينتبه إلى نظرات والدته التي تحاول سبر أغوار أفكاره، فابتسم لها بعد أن أظهر واجهة الجمود التي تكرهها فقال : -"كانت ممتعة كالعادة، أخبريني أين أبي؟" شردت قليلًا وسحابة من الحزن لاحت في حدقتيها تنظر للأمام قبل أن تقول : -"ذهب لمملكة الجنوب عند أخيك" لتتن*د ناظرة له بغموض مكملة : -"لا أعلم متى سينسى ما حدث في الماضي ويعود لي من جديد؟!" زفر بقوة يشيح بوجهه يحاول السيطرة على انفعالاته.. ثم التفت قائلًا بنبرة لا تحمل جدلًا ينهي هذا الأمر قبل فتحه كالعادة : -"لا تتحدثي بهذا الموضوع لأنك الخاسرة الوحيدة، بسبب ما فعلتيه في الماضي خسرت أخي.." نهض فجأة يعطيها ظهره ضاربًا جانب جبهته بأنامله يقول من بين أسنانه : -"لا أعلم أين كان عقلي وأنا أوافق على هذا الأمر" انتفضت تقف خلفه جاحظة العينين ترمقه بنظرات غاضبة تهتف به : -"ماذا كنت تريد مني أن أفعل وهو يخبرني برغبته بالزواج من جارية؟" طالع وجهها بنظرات غير مفسرة جعلت حاجبيها ينعقدان بدهشة تراقبه يقترب بوجهه منها هامسًا بغموض : -"لا تحاولي إقناعي أن الملكة رقية بدهائها لم تكن ستجد حلًا غير هذا! فالمرأة التي استطاعت التفريق بين أعز صديقين كانت ستجد ألف حلًا" ابتسم عندما رأى عيونها توسعت بصدمة وغضب، وجهها استحال لونه للون الأحمر من الانفعال. يعلم أن الحديث في هذا الأمر تمقته بشدة ولا تريد أن يأتي أحد بذكره، فأدار لها ظهره ليخرج لكنه توقف عند الباب وقال دون أن يتكلف النظر لها : -"إلياس سيأتي للاحتفال، ليتكِ تستغلين الأمر بطريقة صحيحة هذه المرة أمي أو على الأقل لا تفتعلي المشاكل" خرج من غرفتها يتقدم للناحية الجنوبية حيث ساحة تدريبه، اشتاق لخيله الثائر الذي أخذ من اسمه عنفوانه وسرعته، يعشق هذا الخيل الأسمر ذو الغرة الكثيفة البيضاء، بالرغم من حبه له لكنه لا يأخذه في رحلات صيده ، لا يريده أن يصاب في شيء كهذا، يتركه لمعاركه وغزواته. توقف عندما لفت انتباهه اثنان من الجنود يتحدثان بهمس عن شيء قد حدث بغيابه ليسمع أحدهما : -"ماذا ستفعل إذا علم الملك أنك فشلت في إحضار الفتاة إلى هنا؟! بل والأدهى أن من منعتك فتاة مثلها؟" توسعت عيناه بدهشة يستمع لرد الجندي الآخر : -"لا أعلم من أين ظهرت هذه الفتاة؟ لكن كل ما سيصيبني بالجنون كيف لمثلها ألا تتواجد بالقصر ؟!" -"ماذا حدث في غيابي؟!" انتفض الاثنان على صوته القريب منهما وعلى وجهه علامات الدهشة المغلفة بغموض، ينظر لهما بأعين ضيقة يكمل موجهًا نظراته للجندي الذي كان بالسوق : -"من تلك التي تمردت على القانون ولم تأتِ لي برأسها بجانب الفتاة الأخرى؟!" توتر الجندي بشدة غير قادر على رفع رأسه في عين ملكه، وتصببت حبيبات العرق على جبينه، لا يعلم ماذا يخبره؟ أيخبره أنه فشل في إحضار الفتاة أم يخبره أنه تفاجأ بظهور فتاة أخرى هددته بالنحر؟ انتشله من توتره صرخة نيار يأمره بالحديث عما حدث ليقول بخوف وصوت متقطع : -"مولاي.. كل ما حدث أنني كنت سآتي بفتاة إلى القصر، ولكن ظهرت أخرى لا أعلم من أين؟ هددتني بوضع السيف على رقبتي إن لم أترك الفتاة سوف تقتلني" أنهى جملته رافعًا رقبته يريه الجرح الذي تركه السيف عليها، ليصبح وجه نيار شديد الاحمرار من الغضب يفكر من تلك التي تجرأت على الاعتداء على جندي من جنوده ، ليهمس : -"أخبرني من تلك الفتاة؟" ابتلع الجندي ريقه بصعوبة يسرد في وصفها : -"فتاة بارعة الجمال بخصلات نارية طويلة للغاية ، بشرتها بصفاء السماء ولكن عيناها هي المميزة بها، عين زرقاء والأخرى خضراء تتوهجان عند انفعالها، وتبدو في سن العشرين لهذا ذهلت كيف أننا لم نعلم عنها شيئًا؟!" كان نيار يستمع إليه ليسود عينيه وميض غامض، وتوهج سوادهما بشكل مخيف يفكر هل هناك من خدعه لسنوات وأخفى عليه ابنته وتمرد على قانونه؟ أقسم من بين أسنانه أن لو كان الأمر صحيحًا سيجعلهم يندمون جميعًا على هذا، فلم يخلق بعد من يتمرد عليه! ثم عاد ليفكر في الجزء الثاني من حديث الجندي... كيف يمكن لفتاة أن تفعل هذا وفي وسط السوق، على مرأى ومسمع من الجميع؟ أفاق من شروده يقترب من الجندي هامسًا بخفوت أمام وجهه بصوت دب الرعب داخله : -"أريدك أن تقلب المملكة رأسًا على عقب وتأتي لي بتلك التي تجرأت عليّ" أومأ الجندي بتوتر وخوف ينحني له، ليتركه ويذهب باتجاه الساحة بخطوات تنم عن غضبه وحنقه الشديد. ★★★★
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD