1
كانت تركض لتلحق بالحافلة لتذهب لعملها فقد تأخرت اليوم كثيرا بسبب ذلك البغيض عادل الذي وجدته يقف أمام بيتها ليتحدث معها في ذلك الأمر الذي لا يكف عن ذكره كلما تقابلت معه تطلعت في ساعة يدها لتجد أنها قد تأخرت ربع ساعة أتت الحافلة فأستقلتها لتذهب لمكان عملها كانت تنظر في ساعة يدها من وقت لآخر لتعرف كم تأخرت و تستعد للتوبيخ من رئيستها ... وصلت لمكان عملها فترجلت من الحافلة لتركض على طول الطريق الخالي من محطة الحافلة للمشفى الذي تعمل به ..كان مشفى كبير من خمسة طوابق بجدران و أرضيات بيضاء نظيفة تليق بمشفى خاص كانت تعمل بها منذ خمسة اعوام و هى ملك لطبيب متقاعد أنشأه فقط ليساعد كل محتاج لا يستطيع تحمل نفقات علاجه أو علاج أحد من ذويه و هو كان رجلا وحيد ليس له عائلة أو أولاد و كانت عبير تعتبره مثل أبيها فهو يعاملها معاملة حسنة هى و كل العاملين لديه يعتبرهم أسرته أكثر منهم مرؤسيه و لكن المشفى معروف أيضاً بسمعة المكان الطيبة و لذلك يأتي إليه المرضى من جميع الفئات سواء الفقيرة أو الغنية و هذا ما يساعد قليلاً في تحمل نفقات من لا يستطيع دلفت إلى المشفى لتجده يقف في المدخل أمام فتاة الاستعلامات ينظر في ساعة يده في إشارة منه لتأخرها ..أبتسمت عبير و قالت بهدوء ..” صباح الخير يا سيدي ...دكتور “
أبتسم الرجل الواقف أمامها بشموخ ببذلته السوداء و قميصه الأبيض و ملامحه الهادئة المسترخيه براحة و كأن لا هموم لديه في هذه الحياة ببشرته الخمريه الخاليه من التجاعيد و التي لا تدل على عمره الحقيقي الذي تجاوز السبعين عاما ب*عره الأبيض الناعم الذي لم يفقد جماله و كثافته رغم فقده للونه الأ**د كان يبدو وسيما أنيقا كشاب في الاربعين و ليس في السبعين مع بعض الرزانه و الوقار المصاحب لعمره
” صباح الخير عبير كيف الحال لقد تأخرتي اليوم و السيدة الرئيسة ستعاقبك حتما و لن ترحمك “
طرقت حذائها على الأرض بتذمر فضحك الطبيب قائلاً ..” فلتذهبي كلما يمر الوقت ستزداد غضبا “
أجابت عبير برجاء و هى تستعطفه مما جعله يبتسم ..” فلتأتي معي دكتور “
ضحك الطبيب رافعا يديه رافضا ..” تشعريني بأنك فتاة تأخرت على الصف و تريد أباها ليتوسط لها ..لا فلتذهبي وحدك فستعاقبني معك لتدخلي هيا هيا أذهبي لا دخل لي “
أستدارت عبير بإستسلام تدخل لمكان عملها في المشفى ماره بغرفة الرئيسة التي دلفت إليها و كانت هذه الأخيرة تقف مكتفة ذراعيها أمام ص*رها تتطلع من النافذة للخارج تنحنحت عبير لتعلن عن وجودها فالتفتت السيدة تنظر إليها بغضب و هى تنظر في ساعة يدها مما جعل عبير تلعن كل ساعات اليد التي تدين تأخرها لليوم قالت المرأة بحدة ..” تأخرتي اليوم ثلاث أرباع ساعة لما “
ترددت عبير قائلة ..” لقد عطلني أحدهم عند خروجي من بيتي أنا أسفة “
هزت المرأة رأسها بتفهم و قالت محذرة ..” هذه المرة الأخيرة التي سأسامحك بها عبير المرة القادمة ستعاقبين حقا و الآن أذهبي لتبديل ملابسك و متابعة حالاتك لقد تأخرتي اليوم في إعطائهم جرعة الدواء الصباحية هيا أذهبي “
أومات برأسها و هى تتنفس براحة لمرور الأمر على خير و أستدارت لتنصرف عندما سألتها الرئيسة توقفها ..” عبير أنتظرى “
التفتت إليها عبير متسألة ..” نعم سيدتي الرئيسة “
قالت المرأة بهدوء ..” هل تحرش بك عند خروجك من المنزل “
تن*دت عبير براحة و قالت تجيبها باسمة ..” لا سيدتي أطمئني أنه فقط يظل يقول ....“
رفعت الرئيسة حاجبيها قائلة بحنق ..” هل ستضيعين مزيدا من الوقت بالثرثرة معي الآن هيا أذهبي لعملك و تذكري ستعاقبين المرة القادمة هيا هيا أذهبي “
هزت عبير رأسها موافقة و هى تندفع من أمامها لتغادر الغرفة تحت نظرات المرأة الباسمة بحنان فهى منذ تركها ولدها الوحيد ليهاجر خارج البلاد ليستقر و هى تشعر بالوحدة ليس لها سند و أحد يؤنس وحدتها غير العاملين هنا فهى تعتبرهن بناتها و الأطباء أولادها و هم يعتبرونها كوالدة لهم و ها هى على مشارف الخمسين و لا زوج ولا ولد و لا حفيد يؤنسون وحدتها هى تعتبر العاملين بالمشفى عائلتها و المشفى بيتها الثاني بعد هذا الفارغ و التي لا تسمع به سوى صوت أنفاسها و ال**ت مرت على الحالات لتتفقد سير الأمور و الكل يهتم بعمله فهى تعلم أن المشفى يساعد كل من لا يستطيع تحمل نفقات