الفصل الحادي عشر

2177 Words
جمان .. انظري الي " ادارها نحوه واخذ يرفع رأسها لتواجه عيناه .. عيناها غارقتان بالدموع ورؤيتها مشوشة .. يدا ثائر مسحت دموعها ثم احتضنها بقوة " اسف .. انا غ*ي .. تعرفين بانني عندما اغضب اقول اشياء غ*ية حبيبتي .. اهدئي ارجوك وتوقفي عن ذرف الدموع .. انت تقتليني بها .. لقد اشتقت اليك بجنون .. اردت رؤيتك واحتضانك اقسم .. لكني ظننت انك ستصبحين افضل .. لم اعلم كم تتالمين .. حبيبك غ*ي جدا غاليتي " دفنت وجهها في ص*ره تستشعر الامان الذي فقدته .. تتنشق عطره وتمرغ رأسها كطفلة صغيرة في حضنه .. هنا .. هنا ملجئها .. هنا فقط تتوقف الدنيا ويتوقف الالم .. " لقد ذهبت لرؤيتك .. انت لم تكن موجود " اخبرته بصوت باكٍ " اعتذر لذلك .. انا هنا .. معك .. وانت ستصبحين افضل حبيبتي .. اعدك .. انظري الي " رفعت رأسها اليه تتنفس بصعوبة تتمنى ان تنتهي الحياة هنا .. حيت تشعر بلامان .. " انا اسف لاني خذلتك سابقا .. واسف لاني كنت ا**ق .. لكن عليك ان تكوني اقوى .. عديني انك ستحاولين .. جمان يؤلمني جدا حالك .. يؤلمني رؤيتك تائهة وضعيفة .. عودي حبيبتي عودي الي ارجوكِ " " الامر صعب ثائر .. صعب جدا ومؤلم .. انه يحرقني .. يدمرني .. انا لم افقد شيء عادي .. انهما اخر من بقي لي ثائر .. ارجوك افهم .. انها امي .. انه اخي.. هذا يؤلم جدا ... لما لا يمكنك ان تكون اكثر تعاونا .. الامر صعب .. اقسم انه صعب جدا " شدد من احتضانها ثم اخذ يزرع قبلات خفيفة على شعرها .. " معك حق .. انت محقة حبيبتي .. وانا اسف .. اعتذر لاني ادفعك بقوة .. اهدئي وكفي عن ذرف الدموع " تنفست تسحب بصعوبة نفس الى رئتيها وتحاول ايقاف سيل دموعها .. بينما اخذ هو يمسح بلطف شديد دموعها عن خدها ويوقف يديه هناك ليرفع عيناها اليه وينظر اليهما بحب .. هذا الحب الذي اشتاقت لتشعر به .. " والان اظن ان احدهم اعجبه ما نفعله " تحركت جمان بعيدا عنه بخجل .. انهم في الشارع .. كيف نسيت هذا .. احمر وجهها وغطت فمها بيدها تعض على شفتها بقوة وخبئت وجهها بين خصل شعرها المنسدل لتخفي خجلها الواضح " انه ذنبك .. من الجيد ان معظم الناس مختبئة بسبب القصف " عاد ليقترب منها ويلامس شعرها بلطف " نعم انه ذنبي .. لكن السبب دموعك قلبي .. فانا لا استطيع رؤيتها واقف ساكنا .. والان هل سامحتني ؟" اومئت له بموافقة .. فلامس يدها وضغط على اصابعها ثم نظر اليها بحب وعطف " جيد .. احبك .. احبك اكثر من الحياة يا قلبي " " انا ايضا " " انت ايضا ماذا ؟ " تململت وقالت بصوت هامس " توقف نحن في الشارع .. لنغادر هيا " ابتسم لها واخذا يمشيان معا بينما ايديهما متشابكة بقوة ابهام ثائر كان يلامس مع**ها حيث تضع سوار ذهبي " اها لقد وجدته .. ظننتك قلتي انك اضعته " " لقد وجدته في احد الادراج في المرة الماضية .. اخبرتك سابقا انه في المنزل " " اممم .. انتبهي له انه من الذهب حبيبتي " ابتسمت له ثم ض*بته على ساعده بيدها الاخرى " وماذا ان اضعته .. الن تشتري لي بدلاً عنه ؟ " " سأشتري لك هذه المرة عقد واضع به قلبي لتعلقيه حول رقبتك .. متتدليا على هذا العنق المرمري الفاتن " " تهذب .. ثم انت في كل مرة تذكرني بالسوار وكانه لا يوجد لدي سواه " " مؤكد لا يوجد سواه .. اولا هو مني .. ثانيا هو يحمل حرفي اسمينا .. ثالثا هذا تعبيرا عن حبي لك .. ولا تنسي انه اول شيء اشتريته من مالي الخاص " " اتعني انه اول شيء فعلا ثائر .. لكن انت اشتريت السيارة قبله .. انا اذكر جيدا " ضحك بعمق وببحة مميزة .. تلك الضحكة التي تعشقها جمان " لا .. لقد اشتريته قبل السيارة حبيبتي .. لكني لم استطيع ان اعطيه لكِ.. لذلك انتظرت الى ان حان عيد ميلادك .. ثم انت وقتها كنت تتهربين مني قائلة بانك صغيرة ولا تفكرين بسخافات الحب اتذكرين ؟ " " لقد كنت في السابعة عشر فقط ... لكنه يعجبني جدا .. لماذا اخترت المرساة .. معظم الناس تختار القلوب .. انا لم اسألك قبلا عن هذا " توقف وادارها لتنظر اليه " لانك مرساتي .. لانك قوية مثلها .. ورغم صغرها فهي تثبت قارب كبير .. مثلك انت .. تبدين انثى رقيقة .. لكنك تملكين قوة كبيرة مختزنة بداخلك .. قوة لجذب الجميع من حولك.. قوة لتخطي الالم .. وانا متأكد انك ستعودي لتكوني قوية كما عهدتك.. مرساتي الغالية .. احبك جدا.. جدا " " وانا احبك ثائر .. انت ايضا مرساتي .. استمد قوتي منك .. استمد ايماني واماني منك .. وبدونك لا حياة لي .. لا تتركني مجددا .. افتقدتك بجنون .. وشعرت بالضياع من دونك " " وانا افتقدتك قلبي .. شعرت بالجنون لانك كنت تتجنبيني .. والمرة الماضية شعرت فعلا بانك تسربت مني .. ولن تعودي ابدا .. شعرت بالخوف حقا جمان ... اعلم انك مازلت بحاجة للوقت لتشفي .. لكن لتبقيني بجانبك لا تبتعدي مجددا عني " " انا لم ارد ان ابعدك .. انا كنت خائفة .. خائفة جدا من خسارتك .. هذه الفكرة لوحدها كفيلة بقتلي حية.. انت اخر من بقي لي .. لا تتركني ابدا .. ارجوك " " اعدك .. لن اتركك مجددا حتى لو قررت انت ذلك .. سأتي واراك رغما عنك .. احبك " عضت على شفتها وابتسمت.. هذه الكلمة من فمه وبصوته كفيلة بجعلها تحلق بين السحاب " وانا احبك ثائر " عادا للسير مجددا وقلب جمان لاول مرة منذ ايام يخفف من خفقات الالم ويستكين بهدوء .. هي كانت تعلم بانه وحده من بامكانه ان يمدها بالقوة لمواجهة كل ما يمر بحياتها.. ثائرها.. مرساتها.. ومنقذها *** بعد شهر المركز الطبي جمان استعادت عملها بالمركز الطبي منذ اسبوعين وبمساعدة ثائر وعمتها استطاعت استرداد قوتها والاستمرار .. كان ثائر يلازمها فيوصلها صباحا ويعيدها مساءً .. بدأت الايام تمر تباعا .. هي لا تنكر ان الالم لم يغادرها وانها الى الان مازالت تعاني من فراق عائلتها .. لكن الحياة في جحيم الحرب .. يعلمنا ان نضمد جراحنا سريعا .. ان ناخذ وقت اقل بالحزن .. ان نتعايش مع الالم ونتخذه رفيقا .. وان الحياة لا تنتظر احد فاما ان تقف بوجهها وتواجهها او ستدوسك وتمضي فوق رفاتك ... كالعادة المركز مليئ بالمصابين والوضع اكثر تأزماً.. هم لم يحصلوا على المساعدات الطبية مند وقت .. والجوع بدأ ينتشر بين الاهالي .. بدوره اخذ يحصد ما يقدر من الارواح .. وكأن الحرب لم تكتفي من الدماء .. حطام ودمار اكثر .. خوف اكثر .. وارواح تدفن او ربما لا تجد من يدفنها فيبقى تحت الركام .. روان جمان وباقي الفتيات كانوا يتحركون بسرعة وبراعة .. اصبح الوضع لهم عادة .. اخاطة وتضميد سريع للجروح .. تعقيم للخدوش .. وعمليات مستمرة للاصابات الخطيرة .. " لقد انتهيت .. قومي بتعقيمه وغطيه جيدا " خلعت جمان القفازات بينما تكلمها روان " الدكتور علي يريدك في غرفة العمليات " تنفست بتعب ثم وقفت وتوجهت للغرفة المجاورة " انا هنا دكتور اتحتاج ان ادخل العملية معك؟" نظر الدكتور اليها ثم هز رأسه موافقا " طفل لديه تضرر في الاحشاء الداخلية كاملة .. علينا انقاذ الكبد والطحال والا فقدناه نهائيا " ارتدت قفازات جديدة وعقمتها مجدد ثم توجهت لجانب الدكتور واخذت تاخذ التعليمات وتنفذها بسرعة .. لساعتان متواصلتان لم يتوقف اي منهما .. بالنهاية اخاطا الجرح واخذت جمان تمسح الدماء بقماش ابيض وبعض القطن عن المريض " أبليت حسنا .. انك فعلا ماهرة " " هذا بفضلك وبفضل دكتور هيثم .. لقد كنت مجرد طالبة طب .. انتما من ساعداني ليصبح لدي الجرأة والمهارة.. شكرا دكتور " " انت على الرحب دكتورة " مع خروج جمان من الغرفة اهتزت جدران المركز بقوة ثم سمع دوي قوي الحقه صراخ احد الموجودين .. " المركز يتعرض للقصف " الخوف شل اطراف جمان فتسمرت في مكانها لا تلوي على شيء بينما الجميع اخذ يصرخ ويتحرك بسرعة .. كان من الجيد ان المركز يقع في الطابق الارضي لكن هنالك احتمال سقوط المبنى على رؤوسهم جميعا .. " جمااان .. هااااي .. جمان انظري الي .. علينا الخروج الان والا سندفن تحت الركام " صوت روان كان يصرخ في اذنها ثم سحبتها بقوة للخارج بجهة الشوارع الخلفية حيث كان يتجمع الكل ويتجهون بعيدا عن المركز .. المصابين .. افراد المركز .. الاطباء .. الجميع كان يبتعد بسرعة عن المركز .. لكن جمان تجمدت لفترة ثم قالت " الطفل .. روان الطفل .. انه بغرفة العمليات لم نخرجه .. ساعود " " اجننتي ؟.. لا تعودي القصف مستمر ربما تدفني هناك يا غ*ية " لكن جمان لم تكن تسمع.. رجليها اعادتها بركض قوي الى المركز لتدخل مع دوي انفجار اخر .. احال المكان لغبار وظلام فأخذت تسعل بقوة ثم اتجهت بفعل ذاكرتها باتجاه غرفة العمليات .. الطفل كان مايزال على طاولة العمليات .. طفل في السابعة من العمر فقط.. وانقاذه كان معجزة من قبل لذلك هي لن تتركه للموت ابدا .. اقتربت من جسده انه يحتاج لوقت ليصحو من تأثير الم**ر ولا يمكنها ان توقظه .. عليها حمله .. بصعوبة رفعته فجسده المرتخي زاد من ثقله وبصعوبة اتجهت خارجة من المركز من جهة غرفة الاسعاف .. لكن دوي انفجار قريب جعل اطرافها ترتجف بقوة .. ماذا تفعل الان ؟ " يا الله .. ماذا افعل ؟ .. لن استطيع الخروج .. الظلام يعم المكان .. يا الله ... اممم " اخذت تنظر حولها لكن لا جدوى لا يمكن ان ترى سوى بصيص خافت بالكاد يمكنها من رؤية مكانها .. " اااه .. امممم .. صح .. صح غرفة التخزين .. النافذة مطلة على الحديقة الخلفية .. انه الخيار الاخير .. يا الله ساعدني " دخلت غرفت التخزين وبحثت عن النافذة انها محجبة ببعض الصناديق .. عليها ازاحتهم .. وضعت الطفل برفق على الارض .. ووقفت لتجر الصناديق .. ارتجت الارض مجدداً تحت قدميها فارتجف قلبها خوفا لكن يديها لم تتوقفا عن ابعاد الصناديق .. واخيرا ظهر نصف النافذة ومن الجيد انها بلا اي حماية من الحديد .. لكنها لم تستطيع فتحها ..تلفتت حولها ثم اخذت تبحث بسرعة عن اي شيء لتستطيع **ر النافذة .. في نهاية الغرفة عثرت على كرسي لذلك ابتعدت قليلا ثم قامت بقذف الكرسي على النافذة .. واستدارت بسرعة خوفا من اية شظية من الزجاج تتجه نحوها .. الضوء تسلل الى الغرفة وهذا افادها فرفعت صندوق كبير ووضعته من الجهة الخارجية للنافذة .. ثم رفعت جسد الطفل برفق وتسلقت جانب النافذة ووضعت الطفل على الصندوق من الخارج ... ألم اخترق قدمها فنظرت للاسف لتتفاجى بجرح على طول قدمها .. لقد اخترق الزجاج بنطالها الجينز ومزقه جارحا اياها .. من حسن حظها انه ليس عميقا جدا .. لكنه ينزف ..رفعت نفسها مجددا على جانب النافذة وقفزت بعيدا عن جسد الطفل .. ثم اقتربت لتحمله رغم صعوبة الامر عليها ... دوي تهدم افقدها رشدها للحظات يبدو ان الجزء الامامي من المركز قد تهدم ... تسمرت بمكانها للحظات ثم اندفع كم هائل من الادرنالين لجسدها دافعا بها للتحرك بسرعة .. فحملت الطفل وجرت به بعيدا .. للحظات اخذت تجري دون توقف .. ثم رأت مدخل بناء مهجور .. فدخلته واحتمت به.. انهارت اطرافها تحتها فأسندت الطفل اليها ثم سلمت جسدها للارض وهي تدعو بتضرع ان يتوقف القصف .. " يا الله .. يارب .. ارجوك اوقفهم .. ارجوك فليتوقفوا.. اكاد اجن " لساعة كاملة بقيت جمان هناك ينازعها خوفها ويأسها .. تغمر الطفل بقوة وترتجف بعنف .. الى متى سيستمر الامر هكذا .. لقد تعبت وتوقفت الدماء في عروقها .. تجمدت اطرافها من البرد .. ابعدت الصغير قليلا وقامت بخلع مريولها الابيض لتظهر كنزتها البيضاء اسفله ثم مزقت طرف القماش من مريولها الابيض لتلف به ساقها المصابة علها توقف النزيف " اتظن اننا سننجو .. ارجو هذا ولكني تعبت .. ثائر اين انت ؟ .. انا خائفة حبيبي .. خائفة جدا " توقف القصف وهدئت الاجواء لكن جمان لم تملك الجرأة او القوة لرفع نفسها فاستسلمت لليأس واخذت تشهق بقوة انه الجحيم .. ما يعيشه الجميع هو الجحيم .. اصوات عالية اخذت تصلها يبدو ان الناس عادت للتجمع بجانب المركز لترى الاضرار .. ارادت الوقوف والخروج ولكن كان من المستحيل ان تتحرك فاطرافها متجمدة ومتيبسة مكانها بفعل الصدمة .. *** الجانب الامامي للمركز الطبي بعد توقف القصف بنصف ساعة " اين يمكن ان تكون ؟ .. اتظن ان تكون محتجزة بغرفة العمليات .. لقد سقط السقف بكامله " تنفس ثائر بقوة وارتجفت اطرافه انه يحاول التحلي بالقوة منذ سمع بانها احتجزت هنا .. يكاد يفقد قلبه خوفا عليها .. ان اصاب جمان مكروه فهو لن يستطيع التنفس ابدا... هو يفقد اتزانه ويكاد يجن فقط من فكرة فقدانها ... "ارجوك يارب فلتكن بخير " ترددت هذه الجملة بقلبه للمرة الالف لقد فتشوا الجزء الامامي بكامله ولم يظهر شيء.. عشر شباب يحاولون ويحاولون للوصول اليها " اكاد اجن عامر ... عليي النزول الى الداخل من الجهة الاخرى .. ربما تكون هناك .. " " اظنك محق ولكن انت تعلم ان السقف قد يهبط بأية لحظة .. علينا توخي الحذر " لم يكن الامر يهمه بقدر اهتمامه بايجاد حبيبته المتهورة التي قررت العودة للمركز بعد ان تاكدو من اخراج الجميع .. هو لم يرها لو رأها لمنعها من العودة .. ولولا روان لما علم احد بانها عادت .. المجنونة .. يكاد يفقد عقله .. " سانزل الان .. عامر ساعدني لتجاوز سقف المخزن المائل .. والدخول من نافذة المطبخ " بمساعدة عامر والباقي استطاع الدخول.. الجو خانق والغبار يملئ المكان المظلم .. لكن هذه هي محاولتهم الاخيرة قبل فقد السيطرة على المبنى وانهياره ... تمنى ايجادها بقلب خافق مرتعب.. ان خسرها.... لا فليتوقف الان .. هو لن يخسرها ابدا .. " جماااانُ .. "
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD