الفصل السابع

1703 Words
هبطت على ركبتيها بينما يهرع اليها المسعفين يتحدثون دون ان تفهم شيء منهم .. فقط تصرخ بصوت مرفع " امي .. امي بالداخل ... امي .. اتوسل اليكم انها في الداخل .. امي " " اهدئي سنفعل المستحيل لاخراجها " هزت جمان رأسها وجفت عيناها تماما من الخوف والترقب.. الارتجاف لا يفارقها و الخوف ياخذ كل حواسها بعيدا والدعاء يلازم شفتيها .. ان ... ان .. حدث شيء لها ... لا .. لا ... " يا الله ... ارجوك يا الله ... يا الله ... يارب " لساعة ونصف لم يهدأ احد محاولين ازالة الركام لكن المنزل كان منهار بالكامل .. فقد الكل الامل بالوصول الى والدتها .. لكن جمان كانت مصابة بالجنون تنتفض لتحفر بيديها معهم .. ثم تركع ارضا تدعو الله ... كانت تشعر بالعجز المطلق تردد بين الحين والاخر باسم ثائر واخيها تيم .. اين هما عندما تحتاجهما .. اين هما ؟ ... اخيرا وبعد مرور ثلاث ساعات فقدت فيهم جمان عقلها .. وجدوا جسد والدتها لكن ليتهم لم يجدوه هذا ما رددته جمان .. فقد كانت الروح غادرته منذ زمن طويل .. وعندما اخرجوه كاملا .. اخذت جمان تحتضن جسد والدتها الذي يملئه الغبار .. الغريب انها لم تكن تحمل سوى جروح بسيطة لكنه كان باردا جدا ...اعادت جسد والدتها لتسنده للارض بجانبها ثم اخذت تهز ذلك الجسد الساكن بهدوء وكان والدتها نائمة .. " امي .. استيقظي .. ماما .. هذه انا جُمان .. " بدأت ترتجف بعنف .. عيناها تؤلمانها بشدة .. وجسدها بارد كبرودة شتاء قارص .. بيديها المرتجفتان اخذت ترتب ثياب والدتها تعيد تزرير بعض الازرار المحلولة .. تنفض الغبار وتمسح بطرف قميصها وجه والدتها وتتلمسه بحب .. هذا الوجه البريئ .. الوجه المليئ بالحنان .. " ماما .. ماما ؟ " عضت شفتها وفركت جبينها بيدين متسختان واصابع جامدة .. تسلل الخوف شيئا فشيئا اليها .. لكنها كانت تتحرك بشكل آلي .. وكانها لا تشعر .. فعادت لترتب شعر والدتها وتمشطه بأصابعها " انا خائفة .. ماما .. انت لن تتركيني صح ؟ انت هنا .. انت معي وبأمان .. انت ... انت " غصة ستحكم حنجرتها .. والتنفس بات اصعب .. جسد والدتها البارد والفاقد للروح كان يعذب روحها لكنها كانت كمن فارق الحياة ايضا .. هي لم تكن تستطيع التحرك وكانها فقدت زمام التحكم بكل خلية بجسدها .. اخذت ترمش بعينان جافتان مصدومتان بينما خرج صوت احدهم يصرخ بقوة " هناك احد اخر تحت الركام .. ساعدوني .. هناك احد اخر " جمان لم تكن تستوعب هي فقط لم تبتعد عن جسد والدتها كانت تهمس بحزن .. تتجرع مرارة الفقد للمرة الثالثة .. مرارة والم الفراق .. احقا عليها ان تعيش هكذا .. احقا عليها ان تخسر وتخسر .. الن تتوقف هذه الحرب اللعينة .. وماذا ان لم تتوقف .. لقد خسرت اغلى ما تملك ... لقد خسرت روحها .. ولم يعد هناك ما تعيش لاجله ... " انه ما يزال يتنفس .. لكن اشاراته الحيوية ضعيفة .. اهناك احد يعرف بالاسعافات الاولية ؟ " اصوات واصوات تدخل وتخرج من اذنيها دون ان تلتفت حتى ... ان الم الخسارة يخز عظامها .. لكن الالم الجسدي لم يكن ليفعل اي شيء لروحها الميتة .. زحفت لتجاور جسد والدتها تستلقي بجانبه وتحتضنه بقوة وتشتم رائحته .. بينما تصرخ روحها بها ان تعود للحياة وتنتفض لكنها كانت تشعر بالخدر والعجز.. ترف بجفنيها بسكون غريب .. التقطت عيناها ملامح المصاب الاخر .. تعرفت عليه .. انه تيم .. اخوها .. المتبقي الاخير من عائلتها .. ارادت ان تقف ان تترك جانب والدتها وتذهب اليه لكن جسدها عصى اوامرها .. هو فقط تسمر بجانب جسد والدتها بينما عيناها تشاهد من بعيد .. ثلاث شباب يحاولون انقاذ روح اخرى .. روح تكمل اجزاء روحها .. وفكرت اليس الموت الان ارحم ؟ .. لما لا تسلم هي ايضا روحها .. لما لا تنضم للحضن الامن لوالدتها .. اسندت رأسها في حضن والدتها واخيرا شعرت بالعتمة تغمر كل حواسها فتفقدها الوعي ..... وكم تمنت ان تاخذها الظلمة ولا تعيدها ابدا .. كانت جمان غائبة كليا عن الوعي بما حولها.. لقد اعطوها مهدئ وكل عدت ساعات تعود للوعي فتبدأ بالنظر حولها بغرابة وكانها تبحث عن شيء ثم تبدأ بالارتجاف مما يدفع ثائر للجنون خوفا عليها... كانت منهارة .. هو ابدا لم يراها هكذا حتى عندما توفي عمه سابقا .. كانت عندها حزينة جدا لكن قوية جدا بالمقابل .. الان هو لا يجد سوى طيف شاحب مليئ بالشحوب والالم " ابي انا خائف جدا عليها " " ليكن الله في عونها .. انت تعلم كم كانت جمان متعلقة بوالدتها .. والصدمة لم تكن سهلة ابدا .. ليساعدها الله " " اتظن انها ستنجو من هذا ابي ؟ " " لسنا نملك سوى الدعاء لها بني " تن*د ثائر واخذ يعب انفاسه بصعوبة يجرها جراً الى ص*ره لانها تابى الدخول فيما ذهنه شارد في معاناة حبيبة قلبه الصغيرة.. هو يعلم يقينا ان جمان وان نجت مما تعانيه ابدا لن تعد كما كانت .. تلك الطفلة المليئة بحب الحياة غادرت وهو يدعو ب**ت ان لا تستحيل حبيبته الى شبح على قيد الحياة فقط " ساذهب للاطمئنان عليها " دخل الى غرفته حيث تقبع جمان على سريره هو .. بوجه لا يعبر عن الحياة بشيء.. حزن عميق استقر باضلعه غامرا اجزائه الداخلية متسلل الى فؤاده الخافق لاجلها فقط... عشقه تتالم .. تموت حزن وصدمة .. وهو .. هو حتى لم يكن موجودا ليساعدها .. ليحاول انقاذ والدتها .. ليخفف على الاقل من وقع الصدمة التي لاقتها البارحة .. او حتئ على الاقل يحجب عيناها عما رأته.. جعلها تصبح بهذا الوضع كمريض يأس للموت ويناجيه لياخذه " اتعلمين .. انا خذلتك .. انا .. انا اخشى ان اخسرك ايضا .. بعد ان خذلتك " ركع بجانب السرير ويديه تلتقط يدها يقبلها بشرود يحاول لجم دموعه العالقة على رموشه .. يتعلق كغريق وسط الامواج بأمل واه بان تستيقظ وتعود للحياة تعود لجمان التي يعرفها ... " حبيبتي .. حبيبتي انت .. اعلم كم مصابك كبير .. واعلم ان اي كلام لا ينفع معه .. لكن اتوسل اليك عودي الي .. لا تتركيني وحيدا .. انا بدون جمان مجرد جسد بلا روح .. فانت كنت وما زلت روحي ... ليتني استطيع ان امحو كل شيء .. ليتني كنت هناك ... انا اسف جدا لاني لم اكن هناك يا قلبي .. اسف .. اس..." تحركت .. شعر بحركتها ثم شعر بتململها وبعدها اخذت تشهق بعنف وتتمتم بحروف غير مفهومة لم يفهم سوى كلمة امي منها .. بعدها هبت جالسة تتلفت حولها تناظر كل شيء بطريقة غريبة .. ثم تنظر اليه وكانه غريب " اين انا ؟ .. اين .. ا " " معي .. انت معي " رفت جفنيها وتفحصت الغرفة بعينيها ثم اخذت نفس قاس وعادت بنظرها نحوه لتهمس " اين امي ؟ " ازاح ثائر نظره بسرعة بعيدا عنها والتمعت الدموع في مقلتيه " اين ماما ؟ اين هي ثائر ؟ " " انا اسف قلبي .. لقد تو..." بصوت مبحوح ونبرة محملة بالالم اوقفته " ا**ت .. ا**ت .. لا يمكن .. اياك .. " اخذت تهز رأسها بلا .. وبعدها ارتجفت اضلعها وكل خلية بداخلها .. ذكرى اخترقت كل شيء حولها فصرخت بقوة .. صوتها الذي كان مختفي ظهر بحدة عالية بكلمة واحدة " ماااااااامااااااااااااااا " ثم وكان نهراً جرا من عيناها اخذت الدموع تسيل بجريان كامل وجسدها يهتز بانتحاب مسموع .. فاض كل **تها بشكل شهقات من البكاء .. الالم كان ينخر كل عظامها دافعا بها للجنون .. تعالى بكائها مع مناداتها بلا توقف " ماااماا .. ماما ... امي ... يا ربي ... ماما ... لا يمكن .. ارجوك قل لا ... يا الله ... ماما " تدفقت دموع ثائر تاثرا بها ثم اقترب واخذ يحاول احتضانها بذراعيه " اتركني .. اتركني .." لكنه ابئ ان يتركها حضنها اليه بشدة اكبر زارعاً جسدها في ص*ره ملامساً رأسها وشعرها بكفه يتمنى لو كان بامكانه اخفائها بداخل قلبه للابد " سيكون كل شيء بخير حبيبتي .. اهدئي ارجوكي " " بخير ... بخير ... اي خير .. ارجوك اخبرني اي خير .. ماما .. انها ماما ثائر .. ماماااا " كانت روح جمان تتفت بداخلها .. الالم يشتت كل شيء دافعا بها الى اعماق اعماق الحزن .. هي خسرت مجددا ولكن حجم الخسارة مضاعف الان .. حجم الالم مضاعف .. حتى ان كل اجزائها تان بألم .. " لما ماما ... لما .. اكان يجب ان تتركيني انت ايضا يا حبيبتي .. لقد كنت الوحيدة لي .. اه ... اه .. ماما .. امم .. ماما " اغمضت عيناها علها تشعر ببعض السكون تسترجع ذكريات مع والدتها الحبيبة .. تلك الملاك الرقيق .. الملاك الذي لم يعرف الاذى يوما .. لما .. لم كان عليها ان ترحل؟ .. عادت ذكرى جسد والدتها البارد الغارق بالتراب ليحتل عيناها ففتحتهما بسرعة وازداد انتحابها بين ذراعي ثائر المحيطتان بها بقوة .. لدقائق هي فقد انتحبت ب**ت .. دموعها جرت وجرت بدون توقف .. رفعت رأسها عن ص*ر ثائر ثم شهقت بدموعها وهي تهمس " ماذا عن اخي ؟ اين اخي ؟ " تنفس ثائر بعمق وصعوبة " انه في المركز .. فهو يحتاج للمساعدة .. " شيء في صوته ت**ر جعل جمان تدرك جيدا انه كاذب .. ثائر يحول عيناه عنها وهذا معناه انه يكذب .. " انت تكذب .. هل مات هو ايضا ؟ ... هو مات ايضا صحيح .. ماااااااااات " صرخت به بقوة ارتجت له جدران الغرفة ليعاود ثائر احتضانها بين ذراعيه ويهدئها " لا .. لا .. انه بخير .. " تنفست بألم ودموعها عادت لتجري على خديها تحفر اخاديد على بشرتها الرقيقة " كف عن الكذب ثائر ... اخي ميت .. لقد رحل هو ايضا .. لقد رحل .. كيف كان بهذه القسوة ليتركني هو ايضا .. هو وماما .. انه اناني .. اناني لانه قرر الرحيل ايضا .. يا الله .. لما تركني هو ايضا .. لما .. اه .. قلبي سيتوقف .. اشعر به يتمزق ثائر .. هنا .. هنا .. انه مؤلم جدا " اخذت تض*ب على ص*رها بقسوة تريد تحرير قلبها عليه يخفف من المها المستمر " هنا .. هنا .. ااااه ... اااااااه.. مامااا .. يا الله .. " " حبيبتي اهدئي ارجوكي .. ستؤذين نفسك .. ابي ... ابي .. يا الله .. جمااااان .. اهدئي " عادت لتنتفض بجنون بين ذراعيه يختض جسدها بعنف وقوة .. لم يستطيع ثائر مجاراته .. انه يحاول ويحاول لكن جمان لم تتوقف عن الصراخ .. حتى غابت عن الوعي مجددا ... " جمااان .. جماااان .. يا الله .. ابي .. ابي ساعدني " وللحظة لم يعد يشعر بأنفاسها وجسدها همد بين ذراعيه مما ارعبه اكثر وتعالى صراخه على والده .. عندما ظهر والده اخذ يصرخ بصوت اعلى " ابي .. احضر السيارة سانقلها مجدد للمركز الطبي ... بسرعة "
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD