سفينة ثيوس الفضائية – على بعد 1000000 كم من المشتري

945 Parole
سفينة ثيوس الفضائية – على بعد 1000000 كم من المشتريكان أزاكيس يرتاح متمدداً على أريكته الداكنة ذاتية التكيف التي أهداها إليه قبل عدة سنوات صديقٌ حرفيٌّ عجوزٌ صنعها بنفسه بمناسبة مهمته الأولى للسفر بين الكواكب. قال له في ذلك اليوم: "ستجلب لك الحظ السعيد، وستساعدك على الاسترخاء واتخاذ القرارات الصحيحة عندما تحتاج إلى ذلك". لقد اتخذ بالفعل قراراتٍ كثيرة أثناء جلوسه عليها، وغالباً ما كان الحظ يحالفه فيها. لذلك دائماً ما كان يسترجع تلك الذكرى العزيزة عند اتخاذ القرارات رغم القواعد الكثيرة التي تمنع استخدامها، خصوصاً على سفينة فضائية من فئة باوزن-1 كالتي يقبع فيها الآن. ارتفع خيطٌ رفيعٌ من الدخان مائلٌ للزرقة بسرعة عمودياً من السيجارة التي كان يحملها بين إبهام وسبابة يده اليمنى بينما كانت عيناه تحاول تتبع مسافة الـ 4.2 وحدة فلكية1 التي ما تزال تفصله عن وجهته النهائية. ورغم أنه يقوم بهذه الرحلات منذ سنواتٍ عديدة، إلا أنّ سحر الظلام في الفضاء المحيط وآلاف النجوم التي تزينه ما زالت قادرة على جذب انتباهه. مكّنته الفتحة البيضوية الكبيرة أمامه مباشرةً من رؤية منظرٍ شامل لاتجاه السفر، وكان لا يزال يستغرب نجاح حقل الطاقة الرقيق رقة خيط العنكبوت في حمايته من البرودة الفلكية للفضاء ومنع تسرب الهواء المفاجئ وانجذابه إلى الخلاء في الخارج، وبذلك سيكون الموت فورياً تقريباً. أخذ نفساً سريعاً من سيجارته الطويلة واستمر بالتحديق في العرض المجسم أمامه حيث كان بإمكانه أن يرى الوجه المتعب وغير الحليق لمرافقه في السفر. وفي مكانٍ آخر من السفينة، كان بتري يُصلح نظام التحكم في قنوات التفريغ. رفّه عن نفسه قليلاً بنفخ الدخان الذي استنشقه للتو ليشوه الصورة في المركز، ويصنع بذلك تأثيراً موجياً ذكره كثيراً بالحركة الجيبية للراقصين الغرباء الذين كان كثيراً ما يذهب لرؤيتهم بعد عودته إلى مسقط رأسه حيث يصبح بإمكانه أن ينعم ببعض الراحة التي يستحقها. كان بتري، صديقه ومرافقه في المغامرة، يقارب الثانية والثلاثين من العمر، وهذه هي مهمته الرابعة من هذا النوع. كانت بنيته الكبيرة والمهيبة ت**به احترام كل من يقابله. بعينين سوداوين كالفضاء الخارجي، وبشعرٍ داكنٍ طويلٍ وأشعث تدلى على كتفيه، وببنيته التي تقارب المترين وثلاثين، وبص*ره وذراعيه القويتين القادرتين على رفع نيبير2 بالغٍ بسهولة، ولكن روحه مع ذلك كانت تشابه روح الأطفال. كانت رؤية زهرة سويل3 وهي تشرق تحت الشمس تؤثر فيه، وكان من الممكن أن يجلس لساعات مبتهجاً بينما يشاهد الأمواج تتلاطم على ساحل خليج ساران4 العاجي. كان شخصاً مذهلاً، فهو جديرٌ بالثقة ووفيٌّ، ومستعد لأن يضحي بحياته من أجله بلا تردد. لم يكن ليغادر أبداً دون وجود بتري إلى جانبه. لقد كان الشخص الوحيد في العالم الذي يثق به ثقةً عمياء والذي يستحيل أن ي**نه. أص*رت محركات السفينة، التي ضُبطت لتناسب الملاحة في النظام الشمسي، الهمهمة ثنائية الطور الكلاسيكية والمطمئنة. بالنسبة إلى أذنيه الخبيرتين، كان ذلك يعني أن السفينة تعمل على ما يرام. حيث يُمكّنه سمعه شديد الحساسية من تمييز تغير صغير في حجرات الضبط لدرجة 0,0001 لازغ قبل أن يلتقطه نظام التحكم الآلي المعقد بفترةٍ طويلة. كان هذا السبب وراء إسناد مهمة قيادة سفينة من فئة بيغاسوس إليه رغم صغر سنه. هناك أناسٌ كثيرون مستعدون لبذل الغالي والنفيس ليكونوا مكانه، ولكنّه تفوق عليهم جميعاً. مكنته شريحة أوكوم المزروعة داخل عينه من رؤية الطريق المعاد رسمه مجدداً أمامه. من المذهل كيف يمكن لجسمٍ لا يتجاوز بضعة ميكرونات أن يقوم بكل هذه الوظائف. بزرعها مباشرةً ضمن العصب البصري، مكنته من رؤية واجهة تحكمٍ كاملة فوق الصورة التي كانت أمامه فعلياً. لم يكن من السهل في البداية اعتياد أمر سحري كهذا، وقد أوشك الغثيان أكثر من مرةٍ أن يتجاوز حد الاحتمال، أما الآن فلم يعد بإمكانه أن يعمل دونها. كان النظام الشمسي بكامله يدور حوله بكل سحره المذهل. تمثل النقطة الزرقاء الصغيرة قرب كوكب المشتري الضخم موقع سفينتهم، أما الخط الأحمر الرفيع، والأكثر انحناء بقليل من الخط السابق الذي أصبح باهتاً، فهو يمثل المسار الجديد باتجاه الأرض. كانت قوة جذب أكبر الكواكب في ذلك النظام الشمسي مقلقة، ومن الضروري أن يحافظوا على مسافة أمان مناسبة. لا يمكن لسفينة ثيوس أن تتفادى ذلك العناق الفتاك إلا بقوة محركي باوزن الذين تمتلكهما. أص*ر جهاز التواصل المحمول المتصل بالواجهة أمامه صوتاً صارخاً: "أزاكيس، علينا تفقد حال الوصلات في الحجرة السادسة". أجابه بنبرةٍ لعوبةٍ عرف أنها ستغضبه: "ألم تقم بذلك حتى الآن؟". صرخ بتري غاضباً: "ألقِ تلك السيجارة النتنة من يدك وتعال ساعدني!". كنت أعرف ذلك. لقد نجح بإغضابه وكان يستمتع بذلك بجنون. "أنا هنا، أنا هنا، أنا قادمٌ يا صديقي. لا تنفعل". "أسرع، أنا هنا بين هذه الخردة منذ أربع ساعات ومزاجي لا يسمح لي بتقبل المزاح الآن". حاد الطبع كعادته، لكن لا شيء ولا أحد يمكنه أن يفرّق بينهما. كانا يعرفان بعضهما منذ الطفولة، إذ أنقذه أكثر من مرة من التعرض للضرب (كان أكبر حجماً منه بكثير حين كان طفلاً) مستفيداً من حجمه المعتبر ليتدخل بينه وبين جماعة المتنمرين الاعتياديين الذين كانوا يستهدفونه. لم يكن أزاكيس حين كان طفلاً متأكداً أنه سيكون ممّن قد يتنافس عليه الأشخاص الجذابون من الجنس الآخر. كان دائماً يرتدي ملابس قذرةٍ مع رأسٍ حليقٍ وبنيةٍ نحيلة وكان متصلاً دائماً بنظام التواصل العالمي5 ، ومنه كان يستقي كميات وافرة من المعلومات أسرع بعشرة أضعاف من معظم الناس. وبعمر العاشرة، وبفضل أدائه الأكاديمي المذهل، كان قد مُنح مستوى وصول ج، الذي يتيح اكتساب معلوماتٍ غير متوفرةٍ للسواد الأعظم من أقرانه. لكن رغم ذلك فإن شريحة إنكوم العصبية التي مكنته من الوصول إلى ذلك كان لها عددٌ من الأعراض الجانبية الطفيفة، فمرحلة الاستقبال تتطلب تركيزاً كلياً، وبما أنه يقضي معظم وقته بها فقد كانت نظرته جامدة دائماً تقريباً وهو يحدق إلى الفضاء منفصلاً تماماً عما يدور حوله، ورغم ما يدعيه الشيوخ ففي الواقع كان الاعتقاد السائد أنه متخلفٌ قليلاً. لم يكن ذلك يهمه على الإطلاق. تعطشُه للمعرفة لم يكن له أي حد. كان يبقى متصلاً في الليل حتى، رغم أن استطاعة الاستقبال خلال النوم كانت تنخفض على نحو غريب إلى 1% بسبب الحاجة إلى التركيز المطلق على نحوٍ خاص. لم يكن يرغب بإضاعة أي لحظةٍ من حياته دون الاستفادة منها في تطوير خلفيته الثقافية. استيقظ مع ابتسامة خفيفة وتوجه إلى الحجرة السادسة، حيث كان صديقه بانتظاره.
Lettura gratuita per i nuovi utenti
Scansiona per scaricare l'app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Scrittore
  • chap_listIndice
  • likeAGGIUNGI