في زاوية النفق، جلست ناعوم تمسح التراب عن بنطالها، تحاول عبثًا أن تعيد إلى مظهرها بعض النظام.
كانت شاحبة، لكن عينيها ما زالتا تحملان تلك اللمعة المتعالية.
اقترب دانيال منها بحذر، صوته منخفض:
– "You… you were in the army too?""أنت... هل كنت في الجيش أيضًا؟"
ابتسمت ابتسامة صغيرة، أخرجت خصلات شعرها من تحت خوذة لم تعد موجودة وقالت:
– "Yes. Not a fighter like them… I worked at the checkpoints. "نعم. ليس مقاتلةً مثلهم... كنت أعمل في نقاط التفتيش.مراقبة الناس… جعلتهم يصطفون لساعات، يفحصون أوراقهم… you know, boring job."كما تعلم، إنها وظيفة مملة.
ضحكت بخفة، ثم أضافت:
– "We used to laugh at them, me and my friends. They always looked so serious… and angry. We thought they were funny, backward. Sometimes we would bet how many would beg us to let them pass." كنا نضحك عليهم، أنا وأصدقائي. كانوا دائمًا يبدون جادّين... وغاضبين. كنا نظنهم مضحكين، ومتخلّفين. أحيانًا كنا نراهن على عدد الذين سيتوسّلون إلينا للسماح لهم بالمرور.
تجمد دانيال، لم يعرف إن كان يجب أن يبتسم أو يعبس.
كانت كلماتها تُقال كأنها تحكي عن لعبة… لا عن معاناة بشر.
من مكانه، تدخل يوسف، صوته هادئ لكن مثقل:
– "ضحكتم على رجل يركض لينقذ ابنه المريض؟ ضحكتم على امرأة تحمل طعامًا لعائلتها وتنتظر تحت الشمس؟"
توقفت ضحكة ناعوم فجأة، نظرت نحوه بتوتر.
ثم تمتمت:
– "We didn’t think about it that way. It was just… orders. We were young. It was just… fun."لم نكن نفكر في الأمر بهذه الطريقة. كان الأمر مجرد... أوامر. كنا صغارًا. كان الأمر مجرد... متعة.
اقترب يوسف خطوة، عيناه تغليان بالغضب المكبوت:
– "المتعة عندك… كانت جرحًا عندنا. كل دقيقة كنتم تضحكون فيها… كان قلب أم يتفتت على الحاجز."
سكتت ناعوم، هذه المرة بلا ابتسامة.
خفضت عينيها نحو الأرض، كأنها لأول مرة تدرك أن ضحكاتها تلك كانت مسامير في قلوب بشر.
أما دانيال، فجلس صامتًا، يشعر بالثقل يتضاعف في ص*ره.
لقد رأى في ناعوم مرآة لمرحلة من حياته: السذاجة، التصديق الأعمى، تحويل الآخر إلى صورة مش*هة…
لكن مع يوسف، ومع هذه اللحظات، صار يدرك أن كل تلك الصور كانت كذبة أكبر مما تخيل.