جدران ضيقة وأنفاس متزاحمة

292 Words
لم يعد النفق كما كان. قبل أيام قليلة، كان المكان ساكنًا، **ته يثقل الروح، لا يسمع فيه سوى خطوات يوسف وأنفاس دانيال. الآن صار أشبه بقفص مكتظ، تتصادم فيه الوجوه والأنفاس. جلس خالد في ركنه، يتجنب العيون، يطأطئ رأسه كمن ينتظر لحظة الحساب. على مقربة منه كان أوري، يتألم من جرحه، لكنه لا يكف عن التمتمة بكلمات عبرية حانقة، أو ينفجر بين الحين والآخر بنظرات حقد نحو يوسف وكل من حوله. أما ناعوم، فقد كانت تحاول **ر التوتر بثرثرة خفيفة وضحكات باهتة، لكنها كانت تتلاشى سريعًا حين تلتقي بعيني يوسف الغاضبتين. دانيال كان يراقبهم جميعًا، قلبه كأنه سجل مفتوح يدوّن تناقضاتهم. في إحدى اللحظات، رفع أوري صوته: – "هذه ليست حربًا عادلة! أنتم تختبئون تحت الأرض كالجرذان!" رد عليه يوسف ببرود قاتل: – "الجرذان لا يقصفون بالطائرات. ولا يهدمون البيوت فوق الأطفال. نحن هنا لأن العالم كله ي**ت عن جريمتكم." ضحكت ناعوم، تحاول التخفيف: – "At least we had coffee machines at the checkpoint. Better than this hole."على الأقل كانت لدينا آلات قهوة عند نقطة التفتيش. أفضل من هذا المكان. التفت إليها يوسف سريعًا: – "حفرة صغيرة أكرم عند الله من برج بنيتموه على دمائنا." سكتت، وجهها يحمرّ، ولم تجد ما تقول. أما خالد، فقد ظل صامتًا، حتى انفجر فجأة بصوت خافت لكنه متهدج: – "كلكم تتحدثون عن الحرب… أما أنا فكل ما عندي خيانة. لا أملك سلاحًا ولا بطولة… فقط عار يلاحقني." التفتت العيون نحوه، وعمّ ال**ت للحظة. حتى أوري الكاره لم يجد ما يقوله. لكن يوسف تمتم بصرامة: – "العار قد يقتلك قبل الرصاصة." ظل دانيال صامتًا، يتابع المشهد، يشعر أن كل واحد منهم يع** صورة من صور الحرب: يوسف = ال**ود والغضب النبيل. خالد = الان**ار والخيانة. أوري = الكراهية المتجذرة. ناعوم = السذاجة والسطحية. أما هو… فكان ضائعًا بينهم، يسأل نفسه بصوت لا يسمعه أحد: "وأنا… من أكون؟"
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD