الفصل الثاني

1831 Words
خرج الأب مهرولا حينما استمع لكلماته وعلم أن مصابه فى ابنته ليس بهين ،أما الأم فتماسكت بالكاد وقد إرتفعت نبضات قلبها كطرق الطبول وزادت رجفة جسدها مصاحبة لبكائها ونحيبها وهي تردد : _ اللهم أجرني في مصيبتي ،اللهم أجرني فى مصيبتي. صعدا السلم ولم ينتبها لوجود المصعد الكهربائي بحثا عن الرواق الموجود به غرفة العناية المركزة وحين وصولهم وجدا من ينادى بإسم الأب : _ أستاذ إبراهيم....أستاذ إبراهيم . التفت له الأب ،والأم مازالت تبحث بعينيها ،وهي تكاد لا ترى أمامها من شدة البكاء وتجمع الدموع بعيناها . إقترب الأب من هذا الرجل الوقور الملامح مهندم الهيئة والملبس الذي يبدو عليه الإحترام والهيبة متحدثا: _ نعم حضرتك بتنادينى أنا ،إنت إللى اتصلت بينا ؟. إيهاب وهو يمد يده ليصافحه ويربت بيده الأخرى على كتفه : _ أيوة يا أستاذ إبراهيم أنا إللي كلمتك، تعالى شوف بنتك ووالدتها تشوفها ،هي حالتها دلوقتي أحسن وإن شاء الله تكون بخير . إصطحبهم إيهاب إلى نافذة من الزجاج تطل على السرير الراقدة به إبنتهم فاقدة للوعى إثر الحقن المهدئة للأعصاب التي اضطر الطبيب لإعطائها إياها حال تذكرها للحادثة حتى تهدأ ثورتها . حين نظروا من النافذة الزجاجية وشاهدوا إبنتهم تعالت صيحات الأب وهو يجذب يد إيهاب: _ إنت خبطتها بعربيتك وإلا عملت إيه فى بنتي ،رد عليا أنا مش هسيبك. إستمعت لتلك الصيحات السيدة رغد التي وجدتها ونقلتها إلى المشفى فأسرعت لتقف حائلا بينهما فهي من زجت بزوجها فى مثل هذا الموقف وحاولت جاهدة تهدئة إبراهيم ولكنه لم يهدأ وظل يصيح : _ أنا هطلبلك النيابة، أنا مش هسيب حق بنتي. لتصرخ به رغد بحزم: _ بس ،إسكت شوية، إفهم الموقف، إنت بتتكلم بس مش بتسمع بيقولك إيه ،وأنت مكمل فى غلطك ،ده جوزى المستشار إيهاب . التفت الأب جاحظ العينين الى زوجها الذي قال : _ مش أنا ومقدر جداً موقفك وخوفك على بنتك . أكملت رغد: _ أنا اللي........لم تكمل كلماتها حتى قاطعها إبراهيم مرة أخرى صائحا : _ يبقى انتي اللي خبطتيها ،حرام عليكم ، اتعلموا السواقة الأول وإلا علشان ربنا عاطيكم شوية فلوس هتدوسوا بيها على الناس. هزت رغد رأسها بأسف على عقل هذا الرجل وتسرعه في الإستنتاج مما جعلها لا تستطيع مجادلته وعلمت أن مهمتهم صعبة فى إخباره ما حدث لإبنته لكنها إستجمعت شجاعتها وصاحت به : _ إسكت بقولك، بنتك مافيش حد خبطها بعربيته، بنتك لما لقيتها كانت مرمية فى الشارع م***بة، فاهم يعني إيه م***بة، رماها الكلب بعد ما هتك عرضها. نزلت كلماتها كالصاعقة على الأب ، فيما إنتبهت الأم التي ما زالت واقفة أمام الزجاج تنظر لابنتها ولم تحرك ساكنا أثناء الخلاف والمشادة بينهم وما حركها غير تلك الكلمة (م***بة ) ................ ابنتها صغيرتها تم الإعتداء عليها ،إنتهك حيوان براءتها ،تحركت بجسدها بتثاقل وكأنها إنسان آلي يعمل بمحرك ،جسد بلا روح ،وجذبت رغد من ذراعها محدثة إياها بنحيب وبكاء: _ انتي بتقولي إيه ؟!!, بنت مين اللى إغتصبوها، ومين إللى عمل فيها كده ، ردى عليا فهميني قولي إنك دوستيها بالعربية أرحم ليها وليا، وأنا هسيبك تمشي، بلاش تقولي إن بنتي مبقتش بنت، أرجوكي ما تقوليش كدة. كاد جسد الأم يتهاوى من شدة مصابها في إبنتها وهي تتمسك بجسد رغد تهزها بعنف وهي تنتحب بشده مكررة كلماتها: _ يعني إيه؟ بنتى ضاعت..... شرفها ضاع....لا أرجوكي قولي حاجة تانية. وانحنت تقبل يد رغد تتوسلها ودموعها تنهمر: _ أرجوكي قولي إنك دوستيها بالعربية غصب عنك ....والله هترجى أبوها وأخليه يسيبك تمشي...بس متقوليش كدة على بنتي دي حافظة كتاب الله .....دى متفوقة في دراستها....انتي ما عندكيش أولاد..اعتبريها بنتك إرحميها . تهذي الأم بكلماتها أملا أن تعترف رغد بذنب لم تقترفه ترجوها ولا تعلم أن بدونها لكانت ابنتها فى عداد الأموات. بكت رغد لما تشعر به الأم وسحبت يدها منها وهي تحيط بها بذراعيها وتعانقها مربتة على جسدها المرتجف كي تهدأ ولكن..... كيف لأم في مصابها أن تهدأ بعد الأن .....لقد إنتهت حياة إبنتها قبل أن تبدأ..... نظر كلا من رغد وإيهاب لذلك الأب المكلوم على ابنته فهل هذا هو نفسه من كان يصيح بهم.. لقد خارت قواه وجلس على الأرضية الرخامية للمشفى شاردا باللاشيئ أمامه مرددا: _ لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين . لم يستطع أيا من إيهاب أو زوجته الحديث فإتجه لجواره جالسا الق*فصاء وظل يربت على ظهره عله ينتبه له ولكن لامجيب ،أما الأم فأجلستها رغد وما زالت محتضنة لها وهي تبكي بانهيار على أحد مقاعد المشفى المخصصة للزائرين . ظل الوضع على ماهو عليه حتى وصل محمد و**ر ال**ت الذي عم المكان متسائلا : _ مالها سما حصلها إيه؟ مدت الأم يدها إلى إبنها علها تجد حل بيده ينقذهم مما هم فيه ،فأسرع يتمسك بيديها ويحتضنها فإنكمشت في ص*ره وكأنها تختفى عن الكون بأكمله ،وهى تبكي وجسدها يرتجف ضمها ولدها وأطبق عليها كالطفل بحضن أبيه، ولكنه أعاد سؤاله و الخوف على أخته يعصف به كإعصار استوائي: _ إهدي يا أمي وطمنيني على سما .....هي أختي ماتت وإلا إيه؟......فهميني . ثم نظر إلى والده وأعاد نظره إلى أمه قائلا: _ حد يرد عليا. حركت الأم رأسها يمينا ويسارا تنفي موت ابنتها، ولكن إجابتها كانت أب*ع من الموت ذاته : _ لا يا محمد.....سما اغتصبوها يا ابني .... أختك ضاعت يا محمد . رفع محمد رأسه وقد علت الصدمة وجهه ،ثم ما لبث أن إحتدت ملامحه ول**نه يهمس : _ اللهم أجرني في مصيبتي. وما لبث أن رفع صوته غاضبا هاتفا بحسم: _ والله فى سماه لهشوف الحيوان اللي عمل فيها كدة وأنتقم لشرفها منه، مهما استخبى هلقاه وهاقتله. ثم ضم أمه لص*ره بقوة مؤكدا : _ والله هاوصله وأقتله ،شرف أختي مش هيضيع وقصاده عمره ،وأختي أنا كفيل أحميها وأخرجها من اللي هي فيه. كانت تلك الكلمات كالمنبه لوالده فها هو خسر شرف ابنته والآن سيخسر ولده وحياته أيضا، لابد أن يقف، آن الأوان أن يفيق من صدمته ويواجه مصابه. حاول استجماع قوته وإعادة الاتزان لجسده مستندا بالجدران خلفه ،لاحظه إيهاب فمد له يد العون رافعا إياه فأسرع عليه ولده يسنده، محيطا جسده بين يداه القويتين بعد أن أراح أمه بجوار رغد مرة أخرى متمتما بشفتاه: _ حق أختي هاجيبه، ماتتهزش ولا تقلق ،إنت خلفت راجل. لم تكن كلماته لتسعد والده بل ازداد فزعه وألمه واقتضبت ملامحه وازداد عمره ما بين لحظات لأضعاف. تدخل إيهاب محاولا تهدئة تلك العائلة المكلومة بحكمته المعهودة : _ اهدى ياابنى وبلاش تتهور وتضيع مستقبلك . جاءت كلماته وكأنها طوق النجاة لوالدهم فأمسك بيد ولده يحثه أن يستمع لتلك الكلمات الرزينة ولكن تبدل حاله فور تكملة إيهاب لحديثه قائلا: _ إنت هتآخد حق أختك لكن بالقانون ،المستشفى بلغت الشرطة والنيابة زمانها فى الطريق لهنا ومتقلقوش من حاجة ،ربنا معاكم وأنا هاساعدكم بكل اللي أقدرعليه . نظر له محمد نظرة إمتنان ، أما والدهم فلقد أخرج كلماته دون اختيارها منطلقا بالصياح مرة أخرى ولكنه صياح بدون قوة ،صياح خائف: _ لا يابيه متشكرين إحنا مش عاوزين منك حاجة كتر خيرك لحد كدة ،إنت والست بتاعتك جميلكم على راسنا ،لكن لحد كده كفاية ،مش عاوزين حق بنتنا ،ولا عاوزين نعمل محضر،وأنا هآخد بنتي وأمشي نروح بيتنا ،و نكفي على الخبر ماجور . لم يوافقه إبنه الرأى فتحدث مخالفا له : _ إزاى الكلام ده يا بابا!؟ ،بيت ايه إللي نآخدها عليه وأختي بين الحياة والموت، إزاي نسيب حقها؟! علشان مين وعلشان ايه؟! خايف من كلام الناس !!!خلاص ياحاج يكون فى علمك هنخرج وهجيب حقها برده . كل هذا الحديث ورغد تجلس مستمعة لا تريد التدخل فهى شعرت بمدى ألمهم وخوفهم من أحاديث البشر اللا متناهية عن إبنتهم وكيف ستكون سمعتها وربما يتهمها معظم المحيطين بهم بسوء الأخلاق أو إنها كانت على علاقة بذلك الرجل ، تفهمت وضعهم جيدا ولكن آن الأوان أن تتحدث فهناك مصير شاب آخر ربما ينتهى بتهوره، ومصير طفلة ملقاه فاقدة للوعي تحتاج الكثير حتى تعود حالتها النفسية لما كانت عليه ولن تعود أبدا فهي الوحيدة التى رأتها ،وتعرف كم كان موقفها أب*ع مما يتصوره أحد ، فقررت التحدث إليهم جميعا للوصول لحل وسط يرضي هذه العائلة ،أسندت جسد والدة سما على الجدار خلفها وقفت متجهة حيث يقف زوجها بجوار ابراهيم وولده مستمدة منه القوة لتبدأ حديثها: _ إستعيذوا بالله من الشيطان الرجيم يا جماعة الأول . تمتم الجميع مستعيذا بالله ، ثم أكملت: _ مينفعش يا أستاذ محمد تقتله وتضيع حياتك ومستقبلك ،أختك محتجالك أكتر من الأول أنت ماشوفتهاش وقت مالقيتها كان حالها إزاى، دي كانت واحدة فقدت الأمل وغمضت عيونها مستنية أجلها،دلوقتي ربنا نجاها وجعلني سبب إني ألحقها وأجيبها على هنا يسعفوها، دي في حد ذاتها نعمة من ربنا المفروض نحمده عليها إنها لسة عايشة، زيدوا عليها إن اللحظات إللي مرت بيها ماكنتش سهلة ،وأكيد هتحتاج لعلاج نفسي ،إنت عارف وقت ماجبت أختك على هنا المستشفى كانت رافضة تستقبلها ،ولولا تدخل إيهاب وإرغامه لهم إنهم يقبلوها كان زماني لسة مستنية دور فى أى مستشفى حكومي علشان دكتور يشوفها. قاطع حديثها إبراهيم مستفهما كيف أبلغتهم بهاتف أختها. فردت عليه رغد متذكرة تلك الساعات السابقة ............. ظلت الفتاه تهذي بين الوعي واللاوعي والأطباء مجتمعون حولها : _هبة الحقيني ياهبة ،ناديلي محمد ، ياااااامحمد إبعده عني أنا بموت بتخنق ااااااااه . صفعها الطبيب عدة صفعات على وجنتيها حتى يعيد لها وعيها كاملا وحينما انتبهت إلى ما حولها : _ أنا هنا فين؟ انتوا مين ؟. ارتفع ص*رها وهبط إثر ازدياد تنفسها وخوفها : _ انتوا مين ؟. ردت رغد تحاول طمأنتها : _ أنا معاكي حبيبتي ماتخافيش، لقيتك في الشارع ،وجبتك هنا ،أنتى كويسة ماتخافيش، انتي في مستشفى.... سألها إيهاب : _ انتي اسمك إيه؟ . ردت الفتاة بتشتت: _ سما إبراهيم الخولى أكمل إيهاب حديثه : _ طيب يا سما تقدري تقولي عنوان أهلك أو تليفونهم . شردت قليلا ثم حاولت أن تصل لجيب صغير بملابسها وحينما وجدته سليما كأنها وجدت كنزا . سألتها رغد : _ إنتي بتدوري على حاجة ؟! أساعدك . ردت بسرعة: _ هتلاقي هنا ورقة أختي بتحطها دايما فى جيبي علشان لو جرالي حاجة. وجدت رغد الورقة مدون بها إسم سماء ابراهيم الخولى وعنوان المنزل ورقم هاتف محمول مدت الورقة لزوجها وحادثهم. أثناء مهاتفة إيهاب لعائلة سما تذكرت الصغيرة ما حدث لها وظلت تصرخ بأعلى صوتها ،فما كان من الأطباء غير حقنها بالمهدئ حتى يستطيعوا السيطرة عليها ،وإيقاف النزيف . سردت رغد ما حدث لوالدها وأخيها على مسامع والدتها أيضا ثم أكملت حديثها : _ الأول ودلوقتي ياحاج وإنت يا أستاذ محمد عاوزين تعملوا ايه؟ تفتكروا ينفع تسيبوا حق بنتكم وإلا إنت ياحاج هتقول زى إبنك و تقتله. أجابها إبراهيم نافيا : _ لايا ست لا أنا ولا إبنى هنقتل حد ،مش هضيع مستقبل إبنى كمان علشان واحد قذر زي ده،صحيح أهلنا لو عرفوا إني ماأخدتش بتار بنتى ممكن هما اللي يقتلوني لكن سمعة عيالي ياهانم وحياتهم أهم عندي. شعر إيهاب ورغد بمشاعر الأب وحاله وقرر إيهاب أن يتدخل ويبقي الوضع مؤقتا حتى تستعيد سما عافيتها متخوفا أن ينقلها والدها لمنزله حتى لايتعرض لتساؤلات النيابة فتحدث لهم قائلا: _ اسمع ياحاج أنا هقولك رأيي .....إنت هتسيب بنتك تتعالج ،ولو النيابة وصلت أنا هاتصرف وأأجل إستجوابها لأنها لسه ماإستعادتش وعيها ،ومن هنا لوقتها تكون هديت وقررت إنت وأخوها تصرفكم هيكون إزاىو على ضوء اللي هتقرروه أنا هاتصرف ، عاوزين تمشوا قانوني و تبلغوا أنا معاكم ، عاوزين تآخدوا البنت و تعتبروا إن البلاغ ما حصلش أنا معاكم . وجد محمد أن هذا هو الحل الأرجح فأخته تحتاج العلاج ولن تناله كما يجب بالمنزل فتحدث مقنعا والده: _ بابا أنا شايف إن ده أحسن حل ،وإحنا لسه برده مانعرفش أى تفاصيل عن إللي عمل كده. ثم وجه حديثه لإيهاب: _ بس حضرتك فعلا هتقدر تعمل كده وتأجل تحقيقات النيابه. إيهاب بثقة: _ اقدر يامحمد ماتقلقش . ثم أخرج بطاقته التعريفية التى ما أن قرأ بياناتها محمد إلا وتأكد من استطاعة إيهاب فعل كل شيء .
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD