صرخات متقطعه إنطلقت من بين شفتي تلك الصغيرة تصحبها آهات تدل على شدة تألمها ظلت
تتلوى بجسدها الضئيل تحت جسد ذلك الوحش المفترس..
لا يصح أن نصفه بالإنسان فأشرس الح*****ت لها مشاعر، أما ذلك المتدني أخلاقيا وإنسانيا لم
يهتز قلبه لثانية بالرغم من محاولاتها الواهية المستميتة ،للدفاع عن نفسها من براثن ذلك
الذئب البشرى ..
بكت الصغيرة صارخة بأعلى صوتها محاولة الدفاع عن شرفها الذى يحاول انتهاكه،ظلت
تصرخ وتستحلفه بالله أن يتركها :
_ بالله عليك أنا زي أختك ، ده أنا عيلة والله ،والله عيله أنا شكلي هو إللي كبير.
وما كان منه غير أن صفعها صائحا:
_ بس يابت ماتصدعنيش إخرسي خالص ما فيش حد هينجدك مني .
قالها وهو متأكد من حديثه فها هو معها بسيارته المعدة لنقل الركاب بالأجرة .
نعم هو سائق وهي فتاة انتهت من درسها وقررت أن تستقل سيارة للعودة لمنزلها ،لم تقترف
أي ذنب حتى تعاقب بأب*ع الطرق وتنتهك خصوصيتها وجسدها..
أما هو فاستغل ذلك الهدوء السائد بالطريق ما بين المنطقة مقر درسها و ما بين منزلها والتي
يعرف عنها ازدحامها صيفا وافتقارها للمارة شتاءًا، وانحرف بسيارته لأحد الشوارع الجانبية
معللا أنه سيعبئ خزان سيارته بالوقود لم تنتبه الفتاة وبقيت بالسيارة وكأنه القدر معاندا
لطموحها وبرائتها .
علت صرخاتها وأشتدت آناتها حتى خرجت صرخة مدوية معلنة عن فقدها عذريتها،
معيدة له وعيه الذي فقده من كثرة تناول الأقراص الم**رة محدثا نفسه :
_ أنا إيه إللي عملته ده البت باين ماتت، أعمل إيه، أرميها هنا وأمشى.
لطم وجهه بكفيه الغليظتين و هو يرمقها بعيناه وهي فاقده للوعي لم يتحرك لها جفن،
عاد لوعيه لكن بعد فوات الآوان.
تمر ذكرياته أمامه وكأنها شريط سينمائي ...
حينما كان الطالب المتفوق الذي التحق بالجامعة محملا بآماله العريضة في الوصول لمركز
متميز بين أقرانه ،إلى أن تخرج ولم يجد عملا، فاحتل مقاعد المقاهي فترات طويلة حتى حامت
حوله تلك الرفقة من أصدقاء السوء ،البلطجية ،مروجي جميع أنواع الم**رات و أحاطته
متمكنة منه لتجره للوحل ......
تذكر أول مرة تناول بها تلك الأقراص، وكيف أقنعه صديقه بها، كيف أوهمه أنها ستنسيه كل
أوجاعه، ستجعله يحلق بالسماء ليلمس نجومها، ستنسيه اسم حبيبته التي تركته من أجل افتقاره
للمال و ضيق ذات الحال .
لم يخرجه من شروده غير أصوات الهمهمات المعلنة عن استيقاظها وما كان منه إلا أن دفعها
خارج سيارته ملقيا بجسدها فوق الأرض الرملية وفر هارباً من فعلته المشينة.
ارتجف جسدها الشبه عاري فقد مزق جميع ملابسها وجردها من حجابها كما تجرد من آدميته،
رمشت جفونها، أصبح عقلها ما بين الوعي واللاوعي،الآن فقط شعرت بآلام جسدها ،استعادت
ذاكرتها الدقائق السابقة، امتدت يداها تلامس قدميها لتنزلق فى دمائها وما أن فتحت عينيها
حتى رأت مصيبتها متجسدة فى خيط دماء على أصابعها.. ويا الله...يا لها من كارثة.. كيف
ستواجه والدها ذو الطباع الحادة؟؟ كيف ستروي له ما حدث؟؟،
نظرت بعينيها للسماء المظللة على جسدها داعية الله أن تجد من ينقذها وليكون مايكون بعدها.
مرت الدقائق عليها كالدهر ولم يمر بجوارها و لا حتى قطة.. فهل سيجدها أحد ؟ ....
حاولت مرارًا وتكرارًا أن ترفع جسدها من على الأرض ولم تستطع حتى الإعتدال من رقدتها
استسلمت لما هى عليه وسلمت أمرها لرحمة الخالق عز وجل......
ولم يخذلها من خلقها وسواها، وأرسل إليها بتلك السيدة الشابة المارة بسيارتها ذاهبة إلى شاليه
المصيف الخاص بعائلتها والذي تتفقده ومحتوياته كل شهر تقريبا للاطمئنان، لفت انتباهها ذلك
الجسد الأنثوي الملقى جانبا ترددت كثيرا أن توقف سيارتها حتى لا تتحمل المسؤلية ربما تكون
قتيلة ولكن حينما اقتربت بسيارتها أطفأت المحرك سمعت تلك الأنات الضعيفة الصادرة من
الفتاة فهرولت تجاهها تهز جسدها وهي مصدومة من بشاعة منظرها والجروح الظاهرة بأنحاء
جسدها صرخت بأعلى صوتها :
_ مافيش حد يلحقنا البنت هتمووووووت.
ظلت مستمرة فى محاولة رفع جسدها ولكنها لم تستطع ،فمهما كان هى امرأة والأمر يحتاج لقوة
رجل ،وقفت مستقلة سيارتها ذاهبة إلى الشاليه الواقع على بعد مسافة قليلة ،أيقظت الحارس
الخاص به طالبة مساعدته :
_ عم سعد تعالى بسرعه معايا .
رد مضطربا متوجسا خيفة من صوتها :
_ فى حاجه حصلت يا ست رغد.
رغد وهي تدير المحرك مرة أخرى :
_ تعالى اركب بس وأفهمك فى الطريق.
استقل سعد الكرسى المجاور لها وهو يردد :
_ فهمينى حد عملك حاجة ؟ انتي خبطتي حد بالعربية ؟
وما أن ذكر لها سعد تلك الكلمات حتى انتبهت لما سيتهمها به الجميع ،ولكن بداخلها نزعة
أمومية تحثها ألا تترك الفتاة فهي بعمر أولادها ،فتحدثت لسعد بلهجة آمرة حتى لا يتخلى عن
مساعدتها :
_ اسمع ياسعد في بنت لقيتها في الشارع إللي جاي ده، إنت كل إللي عليك تنقلها في عربيتي
ومالكش دعوة بأى حاجة .
لم تكد تنهي كلماتها حتى فزع سعد من منظر الفتاة حينما وصلت السيارة بجوارها صائحا :
_ دى ميتة ياست.. لا.... أنا هاسيب الشغل ولا إني اتسجن .
رغد بغضب :
_ البنت عايشة وفيها نفس دي مضروبة بس.
سعد مستفهما :
_ انتي خبطيها؟
رغد وهي تشير إلى الفتاة :
_ ده منظر واحدة مخبوطة! إسمع كلامي ، أنت أنقلها العربية وامشي وأنا هاوصلها مستشفى.
سعد وهو يقترب من الفتاة واضعا يده تحت رأسها واليد الأخرى أسفل ركبتيها:
_ دى حد معتدي عليها يامدام ربنا يستر على ولايانا .
رغد بحزن :
_ استرها يارب ،دخلها يا سعد وأنا هتصرف.
وما كان من سعد سوى تنفيذ الطلب فوضعها بالسيارة عائدا لعمله تاركا إياها لربة عمله واثقا
بقدرتها على التصرف .
استقلت رغد سيارتها بطريق العودة من منطقة العجمى غرب الإسكندرية إلى أقرب مشفى
مهاتفة زوجها المستشار إيهاب رضوان حتى يعينها بهذا الموقف فدائما كان العون والسند
ما أن رأى إيهاب اسمها على شاشة هاتفه حتى بادر قائلا :
_ سلام عليكم ،الجميل رجع وإلا لسة فى الشاليه .
أجابته رغد بصوت يملؤه الاضطراب :
_ وعليكم السلام ..إيهاب أنا محتجالك أوي .
فزع إيهاب من نبرة صوت زوجته فلقد عهدها قوية حازمة فأسرع بالرد:
_ خير يارغد إنتي فين .
جاءته الاجابة ودموعها تنهمر على وجنتيها:
_ أنا راجعة من العجمي ..وقصت له ما حدث.
رد إيهاب محاولا ضبط انفعالاته فهو يعلم جيدا أن زوجته لن تتراجع عن مساعدة أي شخص
يحتاجها :
_ تمام يا رغد أقرب مستشفى ليكي هتكون فى الدخيلة اطلعي على هناك وأنا هحصلك
حالا .
استمعت رغد لكلمات زوجها متجهة بسيارتها كما أبلغها ،وصلت أمام المشفى.. طلبت سرير
لنقل المرضى ،وما أن وصلت إلى غرفة الطوارئ إلا وخلفها زوجها فلحسن حظها كان بموقع
عمله بمبنى نيابات الدخيلة قريباً من المشفى
...........................
أما بهذا الحي الشعبي وبداخل إحدى مبانيه السكنية
ارتفع صوت حاد ،لا يعرف التهاون صعيدى الأصل زاجرا زوجته :
_ شوفتى بنتك ، كل ده في الدرس؟!! انتوا بتخبوا عليا كل مرة إنها بتتأخر، لكن ربنا كشفكم
ورجعت أنا النهارده بدري عشان أكشفكم .
نفت الأم المسكينة عن نفسها وابنتها تلك التهمة الب*عة بنظر زوجها :
_ والله العظيم أبدا ، ده أنا مش بخبي عنك الهوا ،والبت والله عمرها ما أتاخرت،جايز يكون
المدرس آخرهم وإلا المواصلات، دى جاية من أبو يوسف برده.
رد غير مقتنع بحديثها :
_ وايه إللي يوديها درس بعيد كده ؟ إيه مافيش مدرسين قريبين من البيت ؟!!
الأم محاولة تهدئته:
_ والله يا حاج ده المكان الوحيد إللي كان فاضي ،إنت عارف إن الثانوية العامة دى بيحجزولها
قبلها بشهور
رد غاضباً:
_ المهم هاتيلي رقم حد من صحباتها أكلمهم الوقت بيتأخر والدنيا ضلمت .
هرعت الأم إلى غرفة بناتها منادية ابنتها الكبرى تسألها عن مطلب أبيها :
_ هبة، يا هبة شوفي يا بنتي أرقام تليفونات أصحاب أختك، أحسن أبوكى قالب البيت بره والله
تيجى بس مقصوفة الرقبة دى وأنا ه**رلها عضمها .
ردت هبة قلقة و غاضبة من موقف والدتها :
_ إيه يا ماما ت**ريها ليه ؟هي طول عمرها ملتزمة ،عمرها ما إتأخرت، أكيد فى حاجة، ده
بدل ماتقولي ربنا يسترها عليها .
نهرتها الأم:
_ إنتى هتدينى درس، يالا بسرعة هاتي الأرقام، تليفون أختك مقفول ،أبوكى اتصل عليه كتير
وكل شوية الست تقول الهاتف مغلق أو غير متاح .
حركت هبة رأسها إشفاقا على قلة حيلة والدتها وضعف شخصيتها أمام والدهم فهي الزوجة
الريفية التي لم تكمل تعليمها ومن البداية اختارتها والدته له لقلة حيلتها وحتى يستطيع تطويعها
على حسب طباعه.
عبثت الأخت الكبرى بهاتفها حتى وصلت لقائمة البيانات وأمسكت بقلم وورقة ،خطت بها أرقام
صديقات أختها واسمائهن ،ثم مدت يدها حاملة الورقة معطية إياها لوالدتها .
خرجت الأم مسرعة حيث يجلس زوجها يطلق العنان للأدخنة المتصاعدة من لفافة التبغ بفمه
تاركا الشيطان يتلاعب بأفكاره ويتوقع من ابنته ما ليس بها .
لحقتها ابنتها منتظرة ماسيفعله والدهم ،ولم يخرجهم من هذا ال**ت غير اهتزاز هاتفها بيدها
معلنا وصول اتصال من رقم غير مسجل ........
انتفض قلبها وكأنه يشعر بماستتضمنه تلك المحادثة ضغطت زر الرد رافعة هاتفها إلى أذنها
بأيدي مرتعشة مرددة :
_ السلام عليكم
رد عليها الطرف الآخر السلام مكملا :
_أنا المستشار إيهاب رضوان أختك اديتنا رقمك هي في مستشفى..........
هبة بفزع:
_ اختى ما...........
ما أن سمع والدهم ذكر إبنته بشئ حتى جذب الهاتف من ابنته مكملا الحديث:
_ أيوة إنت مين ؟وبنتى فين؟
رد إيهاب في محاولة منه لبث الطمأنينة في قلب الوالد:
_ إهدى يا أستاذ،بنتك هنا في المستشفى ،وتقدر تيجى حالا تشوفها .
وأبلغه بمكان المشفى ورقم الغرفة .
رد الأب بلهفة وبداخله تشتعل براكين الفضول حول سبب وجود ابنته بالمشفى :
_ أنا جاي علطول .
لم يرد إيهاب إخباره بما حدث لابنته هاتفيا وإفزاعه وفضل أن يعلم بعد رؤيتها ،ربما حالها الآن
يهون عليه مصيبته فيما حدث..
ألقى الوالد الهاتف لابنته والتى بالكاد إلتقطته قبل أن يصطدم بالأرض وأسرع يرتدى ملابسه
لتوقفه زوجته ببكائها ونحيبها مصاحبا لحديثها:
_ خدني معاك يا حاج أطمن على بنتي أنا مش هقدر أستنى هنا لحد ماترجعوا ،وإلا تكون بنتي
ماتت والراجل ده مش راضي يقول.
أشفق الزوج على حالها وتحدث بلهجة آمره:
_ البسي عبايتك بسرعة وإلا همشي وأسيبك.
ثم أكمل حديثه لابنته:
_ وانتي اتصلي بأخوكي بسرعة ،قوليله يسيب شغله ويحصلني على المستشفى.
نفذت هبة ماقاله والدها وأسرعت بمهاتفة أخيها فهي على يقين أن أخيها الوحيد القادرعلى ردع
والده عن غضبه وسوء تصرفه، فهو الابن الأكبر والولد الوحيد ودائما والدهم يفتخر به ويتباهى
برجولته في المواقف وثقافته ورجاحة عقله.
وصدق حقا فى هذا فهو كان لهم دائما نعم الأخ والسند ولوالداه خير عون ،بع** والده العصبي
الذي لا يتفاهم ورأيه نافذ دائما.
وماهي إلا ثواني وأجابها أخيها :
_هوبة حبيبتي، بتكلمينى فى الشغل ليه ؟ياترى عاوزة إيه اجيبهولك وأنا راجع ؟.
هبة ببكاء:
_ محمد بابا بيقولك حصله على مستشفى..........
محمد بفزع:
_ ليه ياهبة بابا تعب ،وإلا ماما رجعتلها أزمة القلب.
هبة بخوف على أختها :
_ ماما وبابا كويسين، سما هي اللي في المستشفى.
ابتلع كلماتها بألم يعتصر كيانه فكيف له ألا يتذكرها وهي لم تهاتفه كعادتها حينما تنتهي من
مدرستها ودروسها لتطمئنه، كيف إنشغل بعمله عن صغيرته .....
سمائه....نعم هي سمائه وجنته ....
هي من ولدت على يده ،هي من أعتنى بها مع أخته هبة ،ويعتبرها إبنته وليست أخته الصغرى
أعاده صوت أخته لواقعه وهي تردد :
_ محمد ....محمد ....محمد إنت سامعني ؟!!
رد محاولا تمالك رباطة جأشه :
_ أيوة ياحبيبتي أنا معاكي، طيب انتي متعرفيش جرالها إيه ؟
ردت نافية:
_لأ اللي كلمنا ماقالش حاجة ،بالله عليك تلحقها إنت عارف بابا كويس وأكيد هتكون محتجالك.
محمد بأسى على حال أختيه:
_ حاضر ياهبة ما تقلقيش أنا قفلت مكتبي وهاتحرك حالا ،هبة خليكي أنتي فى البيت علشان لو
احتجنا حاجة أكلمك تجيبيها .
ردت باستسلام :
_ حاضر، ربنا يسترها ويعديها على خير.
أبلغت هبة والدها أن أخيها أغلق عمله وأنه سيلحقه بالمشفى،خرج كل من الوالدين مسرعين
إلى أقرب سيارة بالأجرة تقلهم حيث مكان تواجد المشفى.
وبنفس الوقت كان محمد أيضا بطريق آخر لاحقا بوالداه .
وصلا أخيرا إلى مكتب الاستقبال فقام الوالد بسؤال الموظف المسؤول :
_ أنا بنتي جت عندكم ومش عارف هي حادثة وإلا إيه اسمها سماء إبراهيم الخولي.
نظر الموظف بالأوراق الموضوعة أمامه وبحث بكشف المتوافدين للمشفى اليوم ثم رفع نظره
لوالدها مجيبا سؤاله:
_ أيوة يا أستاذ بنتك هتلاقيها في العناية المركزة بالدور الثاني على إيدك اليمين.