- المقدمة :

4989 Words
إنتصب بهيئته الشامخة داخل الغرفة المكيفة أمام النافذة المغلقة ذات الإطار المصنوع من الألمنيوم و الذي يحوي زجاجا فضيا شفافا عا**ا للصورة بحيث يمكنه رؤية الخارج بوضوح و الذين في الخارج لا يمكنهم رؤيته ، يبدو في مزاج هادئ و لا ينطبع على وجهه أية ملامح بينما يحدق في الخارج و هو يفكر بعمق دون توتّر ، مركّز في تفكيره بثبات دون تشتت ، بالرغم من أن هذه العملية خطيرة و يمكن أن تتعرض للفشل و رجاله سيقعون في ورطة و لكن هذا لا يشكل له مشكلة لأنه ملك الغابة و ملك الغابة يبقى دائما مسيطرا على الأوضاع التي تدور من حوله بسيطرة تماثل قوة إسمه تماما .. هذا اليوم مشمس و الحرارة شديدة في الخارج ، عينيه مغلقة قليلا بفعل أشعة الشمس التي خرقت النافذة و ع**ت فيهما بينما ضاقت حدقتيه و أشتدّ بريق لون عدسته الحاد ، فمه محكم الإغلاق و فكه مشدود بينما هو ينظر إلى انعكاس وجهه في الزجاج دون تعبير . رفع يده اليسرى ببطء ثم وضعها في جيب سرواله الأ**د الأنيق بينما قام برفع يده الأخرى ليقرّب السيجارة الكوبية لفمه و قام بإمتصاص النوكتين داخلها على مهل مهله ثم زفر الدخان من فمه ببطء ، لم يستهوي إهتمامه أي شيء في الشارع الذي يراقبه ، لا أحداث فيه و لا مشاهد تستدعي انتباهه ، لا أحد يمر على جوانبه و لا سيّارة تعبر منتصفه ، لقد إختار مكانا يكاد يكون خاليا من البشر بسبب مبانيه القديمة التي تفتقر إلى العناية و التشييد منذ الإستعمار الفرنسي .. رفع رأسه قليلا و أعدل وقفته إذ به يندهش و تتسع حدقة عينيه ، تأمل المشهد الذي أمامه لبرهة مضيّقا جفنيه ليدقق الرؤية أكثر فلمح حركة غير عادية في الطابق الذي يقابل نافذته في نفس الشارع .. - سنيور آرورا ، ماذا سنفعل الآن ؟ .. لم يرد عليه لأنه في الحقيقة لم يسمعه فالمشهد الذي جذب نظره هو من جذب تفكيره إليه و قام بتعطيل بقية الحواس الاخرى فأعاد رفع يده من جديد و امتص عمود السيجارة و هو يتابع المشهد الذي امامه بكل إهتمام . يوجد صالة رقص تفتح على الشارع الذي يفتح بدوره على المكتب الموجود فيه ، تقبع فوق جدار هذه الصالة لافتة مكتوب عليها بالحروف الفرنسية كلمة " الحورية " ، لولا الستائر الاسبانية ذات اللون العنابي التي فتحت على جانبيها لم يكن سينتبه إلى تلك العروس الحمراء التي تتحرك أمام عينيه الآن ، كذلك النوافذ الزجاجية الشفافة هي من سمحت له برؤية تفاصيل القاعة من الداخل بكل وضوح .. كانت القاعة كبيرة، مستطيلة الشكل و تنقسم إلى أربعة حيطان و أربعة زوايا فارغة ، تحتوي هذه القاعة على بلاط أرضية أملس مصنوع من الخشب البليت المصقول يسهل عليه الرقص و التحرّك بسهولة كما تتواجد فيها مرايا فضية مثبتة على طول الحائط أما عن الحائطين الاخريين فثبتت عليهما وسائد خشبية للباليه يستخدمها الراقصون للدرس و التحمية أمّا في آخر القاعة فرصفت فيها أدوات رقص الباليه بينما احتلت خزانة الملابس زاويتها . كانت القاعة فارغة تماما يهيمن عليها حضور ساحرة فقط تتفنن بأداء حركاتها الاحترافية و هي تتقدّم و تتراجع بخطوات مدروسة و تدور في المكان و كأنها ملكته ، رأسها مرفوع و ذقنها منتصب باستعلاء بينما تقوم بتحريك جسدها بخبرة ، فهي تملك جسدا شديد الإغراء، شديد الف*نة مما يجعل جميع رؤوس الرجال تنحني إليه متوسلة للحصول عليه .. تلك الفتاة يافعة الجمال ، ناضجة الجسد، ترقص بعنفوان و استسلام لأحاسيسها المتوهجة ، فتاة تملك جميع مقومات السحر لشدة ف*نتها ، ترتدي ثوبا حريريا أحمر اللون يضيق على جسمها العلوي وصولا إلى وركيها فأوضح إليه كل تفاصيل جسدها المغري الذي لم يخفي عنه مدى الإثارة التي تملكها ، إذ إنها تمتلك تقوسا في ظهرها بما يقارب خمس و أربعون درجة مما أدى إلى بروز مؤخرتها المشدودة ، هذا هو التفصيل بالذات الذي يفضله و يرضي رجولته بالكامل .. بقي مشدوها بحركاتها ، بتفاصيل جسدها المرن و نسي بالفعل موقعه ، نسي حضوره و حضور الناس المحيطين به ، فقد انتباهه لأي كائن غيرها لأنه لم يعد واع بأي حديث يدور من حوله، لأن انتباهه مسلط فقط على ذلك الجسد الذي يتمايل أمامه و الذي يتحرّك بمرونة مع شرائط ثوبها التي تتراقص مع تراقص خصرها تماما . لعن في نفسه دون شعور : - من هذه ؟ من أي كوكب نزلت ؟ ،ا****ة على ما يحصل لي ! .. لم يستطع أن يتبيّن ملامح وجهها لبعد المسافة التي تفصلهما ع** تباين جسدها أمامه ، جسمها المتناسق ، خصرها و المنحنيات التي تحدد وسطها جعلوا لبه يسلب بالكامل و لكنه رغم ذلك واصل متابعة فنها بكل إنتباه و تركيز لديه. أدارت جسدها للنوافذ بعدها تقدّمت خطوتين ثم رفعت يدها اليسرى أمام ص*رها العارم و قامت برفع اليد الاخرى أمام وجهها بعدها قبضت اصابعها على كفيها وكأنها تمسك أحدا ما فحرّك حاجبيه مستغربا من حركاتها الغريبة التي أثارت فيه الدهشة مما جعلته يصيب نفسه العديد من اللعنات : - بحق الجحيم هل ترقص مغمضة العينين و كأنها .. ا****ة أريد أن أفهم ما الذي يحصل .. توقف عن الهذيان غير مستوعبا لما يحصل معه . توقّف عقله معها تماما .. فهو لم يحصل له يوما أن يقع في سحر راقصة ترقص امامه بهذه المثالية ، ترقص مغمضة العينين و تتحرّك و كأنها م**رة و كأنها تسرد قصةً و تحاكيها بجسدها ، واضح له من خلال حركاتها بأنها رقصة كلاسيكية، رقصة التانغو بالذات و كيف لا يتعرّف على اسمها و هي نابعة من جذور أرضه و كيف لا تجذب انتباهه بهذا الشعر العسلي الطويل ، إنه أفضل شعر يلمحه في حياته ، أملس ، كثيف و طويل جدا قامت برفعه في شكل ذ*ل حصان و ربطته بشريط أحمر حريري بينما كان مشدوها بالمشهد الانثوي الساحر أمامه. توقفت الفتاة فجأة و فتحت عينيها ليتوقّف قلبه معها على الفور و يتصلّب جسده غريزيا توتراً دون شعور فاتسعت حدقة عينيه ذهولا و كأن هذه الفتاة شدّته بالجرم المشهود و هو يراقبها بكل هذا التمعّن و الذهول و لكن الزجاج الذي يشاهدها من خلاله لا يع** الصورة في ضوء النهار و هذا كان في صالحه ، لم يحصل له من قبل أن يستسلم لأحد او يستسلم لأنثى بالذات ، لم ينحنى لأي ف*نة امرأة خلقت على وجه هذه الأرض و لكن هذه الفتاة ليست مثل أي فتاة .. إنها طاقة من العنفوان .. إنها كتلة من اثارة متنقلة ، إنها قوة و **ود .. إنها كتاب يجب أن يفتح ، إنها جسد غامض يجب أن يدرس تفصيلا تفصيل ، إنها لغز تضم عالما أجمع فبالمختصر المفيد يجب أن يكتشفه عن قرب و هو الوحيد من سيقدم على هذه الخطوة حتى يُُمنح إليه هذا الشرف .. هل يعقل من عدة حركات قامت بها أن يتوصل الى استكشاف كل خفاياها ؟ نعم ، عالمها يكمن بين حركة و حركة ، بين تمايل على اليمين و تمايل على اليسار ، بين عزم و تراخي ، و كأنها تصارع تارة و تستسلم تارة ، و كأنها تتمرّد تارة و ترضخ تارة ، إنها تحارب نفسها و لا ترقص و هذا بضبط ما وضّح له من تقييمه لها و هذا ما يريده منها بالضبط .. العنفوان .. قامت بإنزال ذراعيها و سمحت لنفسها بالتنفّس بسرعة حتى تستجمع طاقتها من جديد أمام عينيه التي تبصر وكأنها بهذا الفعل سمحت له بتأملها بكل حرية و إستمتاع ، خفقة واحدة قوية فقط قد خفقها قلبه إثر مشاهدته لها ، هيئتها تسحر العين و تستسلم لها النفس دون وعي فبشرتها البيضاء الحليبية حرّكت فرشات معدته و أيقظت غريزته ، رقصتها الغامضة اثارت فضوله نحوها بشدة ، جمالها الفاتن ، سرها ، عالمها الذي تحياه داخلها و رشاقة جسدها ، كل هذه التفاصيل الأنثوية خلقت فيه الرغبة في أن يملكها و تصبح له ، تخصه لوحده دون غيره، تلك التونسية تحمل سحرا خاصا جدا ، ف*نة مميزة و جمالا استثنائيا يختلف عن غيرها النساء الاتي مررن على حياته .. إنه يريدها حقا ، يريد اكتشافها عن قرب ، يريد التمرّغ في عالمها و استطلاع كل صفحاته ليتعرف عليها كما يجب .. امتص آخر عمود السيجارة الذي تبقى منها و هزّ أكتافه منتصب الرأس فألتوت شفتيه قليلا لتظهر على وجهه ابتسامة غامضة تخفي ما ينتويه اتجاهها فتوهجت عينيه الداكنتين ببريق مظلم يع** المخطط الذي عزم عليه ، مخطط دقيق و محكم الت**يم سيقوم على تغيير تفاصيل حياتها بأكملها حينها سيتم انقلاب السحر على الساحرة فمن الآن و منذ هذه اللحظة أقسم بينه و بين نفسه أن حياتها بكل تفاصيلها و بكل كينونتها ستكون ملك له ، ملك فقط لملك الغابة الذي يحكم العالم السفلي و العلوي بسيطرته ، عندها ستكون مستسلمة لقوانينه ، لقواعده و أحكامه بكامل إرادتها ، الصورة التي تقبع أمامه الآن سيبقى يتذكرها لآخر يوم في حياته و شخصيا سيعرف منها ما سر ذلك السحر الذي تحمله ؟ ، ما سر وراء ذلك الشرود ؟ ، ما السر وراء عنفوانها ذاك ؟.. إلتوت شفتيه أكثر و ظهرت على وجهه ابتسامة جانبية خبيثة قبل أن يحرّك جسده و يتلفت على جنب حينها وجد جميع رؤوسهم موجهة إليه و علامات الانشداه تملئ ملامح وجههم جميعا بينما التساؤلات تملئ نظراتهم كلها لكنه لم يكن يكترث لهم و لم تظهر عليه أي خطوط او قسمات تدل على تأثرّه .. ابتلع أحد منهم ل**به و سأله بريبة : - سنيور آرورا ما رأيك في الاقتراح ؟ ، هل أعجبك ؟ ، نحن ننتظر ردّك سنيور .. أبقى نظراته المه***ة عليهم جميعا ثم أجابه بصوت ثابت : - لقد تغيّرت الخطة ، قوموا بتحضير إقامتي في القصر الموجود هنا ، سآخذ شيئا يخصني و من ثم سنغادر بعدها ... *** في الحاضر ، بعد عام ، - أف ، غير معقول ، بحق الله ما الذي يحدث لي ؟ هل أصبحت أتوهم مثل المجنونة أو بالفعل هنالك من يراقبني مختفيا !! ، إنني سأجن عن قريب هنا يا الله ، متى سأصل إلي البيت ؟.. تمشي وسط الشارع و هي تتكلّم مع نفسها كالمجنونة لكنها حقا ستجن لغرابة الأحداث التي حصلت معها في الأيام الأخيرة و هي تحرّك في أقدامها بصعوبة لتشنّج جسدها كما أن الخوف يعتري قلبها من شدة الهواجس التي تشغل بالها هذه الفترة كما أنها لم تلتفت أبدا طوال الطريق خشية من الضلال التي تتبعها لأنها لا تريد أن يتم كشف أمرها و تقع في ورطة لا خروج منها لكن قلبها بالفعل يكاد أن يقع من شدة القلق .. إستنشقت كل الهواء الدائر في الجو المحيط بها إلى أن تقدّم ص*رها إلى الأمام ثم زفرت بقوة من فرط التوتر ، إنكمشت أصابعها على الأكياس المليئة بمحتجات المطبخ بعدها أخذت تتأمل الشارع من كل جوانبه و تنظر للأسفل لعلها تكشِف ظل أحدهم يتبعها من الوراء لكن و لحسن الحظ لا يوجد شيئ يدعي للهروب لكن عقلها يأبى التوقف عن التفكير فأسرعت في السير لتصل إلى شقتها في أسرع وقت ممكن .. حين وصلت أمام باب الإقامة التي تسكن فيها إنحنت لتضع الأكياس على الأرض و أخرجت المفاتيح من حقيبة اليد ، قامت بتأمل الشارع من كلا الجانبين و عندما لم تبصر أحدا فيه تنفسّت الصعداء ثم فتحت القفل و دلفت إلى الداخل .. - يا إلهي لم أتصوّر يوما أن هذا سيحدث لي ، أقسم لك أن هنالك حركات غريبة تحصل بالقرب مني يا نورهان ، إني غير مطمئنة لما يجري من حولي مؤخرا ! .. مستندة على طاولة المطبخ و هي تتحدث بإقتضاب في مواجهة شقيقتها المنشغلة بتسخين العشاء على الغاز بينما ملامح القلق تشوب وجهها لكن نورهان أنصتت إلى شكاويها المعتادة بتركيز تام دون أن تقاطعها أطفئت النار و أدارت جسدها إليها ثم صارحتها بإستنكار و هي تحرك حاجبيها بعدم تصديق: - صدقيني ، أنت تتخيلين في أشياء غير حقيقية نيرمين !! ، ما معنى الذي تقولينه بحق الله ؟ ، هل يعقل أن تسمعي خطوات من ورائك و عندما تلتفتين إلى الخلف لا تجدين أحدا ؟ ، هل أصبحت الأجساد غير مرئية فجأة !! ، بالله عليك قولي لي ، هل كل سيارة تمر من أمامك يعني أنها تتبعك !! هذه فعلا تسمى هلوسة بأتم معنى الكلمة ، أنت فقط تقومين بإزعاج نفسك لا غير أيتها المهووسة .. إزداد حنق نيرمين حينها فردّت بصراخ محرّكة يديها بإنفعال : - ما معنى الكلام الذي قولتيه لي للتو ؟ ، هل تراني مجنونة قد فقدت عقلها أمامك ! ، قوليها و إرتاحي ، هذا ما كان ينقصني فعلا !! زفرت بقوة لتهدئ من روعها قليلا ثم واصلت حديثها بنبرة أقل عصبية و هي تلوح بيدها أمامها: - هل يقودون الأناس الشعبيون الذين مثلي و مثلك سيارات سوداء ذات زجاجات سوداء و يكون كل شيء فيها أ**د ؟ ، قولي لي ! و هل البدلات السوداء يرتادوها الرجال الطبيعيون ؟ ، و هل النظارات السوداء يرتادنوها الرجال العاديون أيضا ؟ ، هل مرور هذه السيارات أمامي كل يوم يمثل أمرا عاديا بالنسبة إليك ؟ ، شغّلي عقلك قليلا أيتها الذكية ! خاطبتها ببطء حتى تجعل شقيقتها تستوعب خطورة الوضع الذي هي فيه و لكن هيئات و كأنها تخاطب حائطا سميكا امامها فازداد التشنّج بينهما .. كانت نورهان في حالة إنزعاج من علو صوت شقيقتها الكبرة فهدرت بنفس الإنفعال : - لماذا تصرخين علي ؟ ، ما دخلي أنا في ما يحصل لكي ها ؟ ، و ما أدراك أنتِ بتلك السيارات إن كانت لأناس طبيعيين أو قد تكون لرجال الشرطة ؟ ، أ لا يملكون رجال الشرطة سيارات مشابهة ذات نوافذ سوداء ايضا ؟ أسكتي .. أسكتي .. لقد انتفخ رأسي من سماع نفس الموال كل يوم ، لقد سببت لي صداعا بسبب خوفك المفرط هذا !! .. إرتفع حاجب نيرمين بتضايق و كوّرت شفتيها ثم مطّتهم مردفة بحنق : - و هل رجال الشرطة يملكون سيارات « Rolls Royce » أيضا يا ذكية ؟ إرتفع حاجب نورهان بالمثل و ردت عليها باستهزاء : - ها و تعرفت على نوعها أيضا ! ، صدقا لهذا القول ، لا يقدر عليك غير الله يا أختي .. إزداد التواء حاجبي نيرمين و هي ترد على شقيقتها : - هل أصبحت تسخرين من كلامي الآن ! ، ماذا تريدين مني أن أفعل في هذه الحال ؟ ، نعم، لقد تأكدت من نوع السيارات بالفعل و أؤكد لك أن هؤلاء الذين يراقبوني هم أتباع أحد عصابات المافيا .. أغمضت نيرمين عينيها ثم تن*دت و هي تقول بآسى .. - لا يشعر بالجمر إلا من يدهس عليه حقا " ما إيحس بالجمرة كان الي يعفص أعلاها : مثل شعبي تونسي " .. لقد غضبت جدا من برود شقيقتها الصغرى معها فتحركت من مكانها و أخذت كرسيا لتجلس عليه ثم وضعت مرفقها على الطاولة و مررت أصابعها المرتعشة على شعرها بعدها قامت بوضعه على كتفها الأيمن و هي تقول بصوت يائس : - لم أتوتر هكذا من قبل يا إلهي ، أشعر و كأن شيء ثقيل يكبس على ص*ري هنا ... أشارت بيدها إلى أين موضع قلبها ثم رفعت بصرها إلى شقيقتها و حادثتها بصدق : - أنتِ لازلت صغيرة يا نورهان ، لا تدركين الخطر الذي يمكن أن نتعرض له في أي دقيقة و ساعة و يوم في هذه الحياة ! ، فإذا لم تحذري ، إذا لم تشكي ، إذا لم تنتبهي ، إذا لم تقسي و تكونين قوية و لد*ك شخصية صعبة لتضع الناس عند حدودهم سيدمرونك لضعف شخصيتك و هشاشة موقفك أمامهم ، لن يرحمك أحد يا نورهان ، إنهم متعقبون ، متلصصون ، فضوليون ، حاقدين ، لا يريدون الخير إلا لأنفسهم و إذا شعروا بضعفك و خوفك لن يتهاونوا على سد الض*بة إليك و أحيانا تكون الض*بة مميتة لكِ يا عزيزتي ... أومأت برأسها و هي تحرّك حاجبيها الأيمن بينما تقول بآسى : - العالم ليس آمنا ، أختي العزيزة ، صدقيني ، خوذي نصائحي بجدية أنا شقيقتك الكبرى و أكثر منك وعيا ... ما إن انتهت من كلامها أخفضت رأسها على الفور و ظلت تنظر للأسفل بشرود لأن كل كلمة قد تفوهت بها تحمل ذكرى محددة قد تركت في ذاكرتها و في قلبها أثرا عميقا يصعب نسيانها. مطت نورهان شفاهها و تن*دت بعمق قبل أن تأخذ من جانبها كرسيا و تجلس عليه ثم أدارت جسدها إليها و أمسكت يد شقيقتها قائلةً بصدق : - أختي إنني قلقة عليك حقا و لكن ... رمقتها نيرمين بحدة قبل أن تنتفض من الكرسي واقفة بعصبية ثم سارعت بالقول حتى لا تنفجر في وجهها ، صدقا من شدة الانفعال الذي كبتته طوال هذه المدة : - سأذهب الى النوم ، لا فائدة من الحديث معك أنتِ بالذات . نهضت نورهان بلهفة لتوقفها و نادت عليها مترجيةً : - ِأختي ، إنتظري أرجوك .. إلتفتت اليها نيرمين على الفور و هي تجيبها بنفاذ صبر : - ماذا ؟ إلتويت شفتي نورهان بعبوس و هي ترد عليها : - أختي سأسألك سؤالا منطقيا و أجيبيني بكل صراحة . ثم سألتها بحيرة : - هل المافيا أو العصابات يتعقبون الشخص لأيام او لأشهر دون أن يفعلوا له شيئا ؟ ، أعلم أنهم يخ*فونه مباشرة و ينتهون من الأمر ! هذا المنطق أ ليس كذلك ؟ أجابتها نيرمين بصدق : - صحيح أكملت نورهان : - سأنتقل إلى السؤال الثاني ، ألا تشكين بأحد الرجال الذين رفضتهم من قبل ؟ أطلقت نيرمين ضحكة مستنكرة ثم ردت عليها بسخرية : - شقيقتي العزيزة ، انتِ فعلا سخيفة لأن الرجال الذين مروا بحياتي لا يستعلمون هذا الأسلوب و لا يلتجئون إلى التعقب لجلب إنتباهي فهم يواجهوني مباشرة دون مقدمات ، فلذا إحذفي هذا الإحتمال من بالك نهائيا ... لم يظهر أي تعبير على وجه نورهان و أبقت نظراتها الجامدة على عيني شقيقتها ثم قالت : - نيرمين ، أختي الحبيبة ، لنقطع الشك و نقوم بإخبار الشرطة و ينتهي هذا الموضوع ... لم يتحسن مزاج نيرمين فأختارت أن تدير ظهرها للحائط حتى تستند عليه قائلةً بسخرية : - الشرطة نعم ، أنهم أو*د البشر ، يماطلون في أداء واجبهم أو يتجاهلوك من الأول ، هاتان مهماتهما الرئيسية ... إبتسمت باستنكار و هي تضيف بحزن : - أشعر بظواهر غريبة تحدث من حولي منذ السنة الفارطة مثل هذا الشهر و ليست في هذه الفترة فقط ، أشعر و كأن شيئا مريبا سيحصل لنا عن قريب يا نورهان ! ... زفرت نورهان بقلة حيلة و هي تعلق على كلام شقيقتها : - نيرمين ، انتِ من أكثر البشر تعقيدا بصراحة ، لم أستطع أن أفهمك أو أتفهمك أو أتوصل الى معرفة كيف تفكرين صدقا ! نظرت لها نيرمين بوجه عبوس ثم أجابتها : - حسب ظنك يا أختي العزيزة ، ما الظواهر التي تشهدها الراقصة مثلي كل يوم ، قولي لي ! ؟ تن*دت نورهان و كتّفت يديها ثم لوت شفتيها على جنب بينما تقول بوجه مكشر : - نعم ، أعلم ، لطالما إشتكيتِ من أفعال الذكور المزعجة لكِ و هذا بالذات ما أريده أن أوصله إليك يا شقيقتي العزيزة . أخفضت رأسها مفكرةً ثم رفعت حاجبها قليلا و سألتها بتشكك : - نيرمين ، أعلم أن ل**نك حاد جدا و تقولي الصراحة أمام الوجه مباشرةً و لا تخشين أحدا فصارحيني ، هل أزعجت أحد المتحرشين بك أو شخصا يريدك بقوة فقمت بإحراجه بوقاحة ل**نك كالعادة ؟ ، لهذا وضعك في رأسه و قام بتعقبك . رفعت نيرمين رأسها إلى الأعلى و هي تعض طرف شفتها السفلى لتفكر في كلام شقيقتها بتمعّن فحرّكت مقلتيها على كلا الجانبين لعلها تحصل على نتيجة و لكن ذاكرتها خانتها للأسف فأقرّت بإستسلام : - لا ، لا يوجد أختي ، لم أعد أتعرض إلى إزعاجات مثل قبل ! أرجعت بصرها إلى شقيقتها ثم أفصحت : - أختي ، لم يعد الرجال يترددون إلي كثيرا و لم أعد أرى إصرارهم على مواعدتي أو الإرتباط بي كالسابق ، أصبحت أكثر تحررا الآن ، أظن أن صدي لهم قد آتى بنتيجة ! ظلت نورهان صامتة بحيرة أما نيرمين ف*نهدت قائلة بتعب : - إلهي لقد تعبت من التفكير حقا ... تن*دت نورهان مثلها ثم قالت و هي تتأخذ وضع الجدية : - كفاك تفكيرا إذن و هيا لنجهز طاولة العشاء. تنحنحت نيرمين و أجابتها بفتور قبل أن تغادر المطبخ : - لا أريد ، لم يعد عندي شهية لأي شيء ، سأذهب الآن لأقيم فروض الصلاة التي فوتها طيلة اليوم .. إستدارت نورهان و هي تقول بإستسلام : - حسنا كما تشائين ... دخلت نيرمين لغرفتهما و أغلقت الباب ثم توجهت مباشرة إلى الفراش و نزعت معطفها الكشميري الأ**د ثم إنحنت حتى تنزع فستانها الأ**د مثله مثل سواد ذكرياتها أيضا ، إنتهت من نزعه و نظرت للمرآة المعلقة على الحائط ، حدقت بجسدها و بتعاليمه بجمود و هي لا تزال تحمل فستانها في يدها ثم إستدارت لتطالع تلك الفراشة السوداء المرسومة في منتصف أسفل ظهرها ثم همست بيأس : - كيف سأتخلص منك و من أين سأجلب الخمسة عشر ألف دينار لأزيلك ، لأنك نحس علي من اليوم الذي وشمتك فيه ... بالرغم من أنها تكاد أن تنسى شيئا إسمه بكاء منذ سنين و لكنها لم تستطع أن تمحي نظرة الألم في عينيها مهما حاولت ، ذلك البريق الذي تطالعه الآن يحمل الكثير من الذكريات البائسة لها و ذلك الذي جعل عشرات الرجال يقعون في سحره اللعين فهم لطالما قالوا لها : " عينيك ف*نة لمن ينظر إليك " قبل خمس سنوات ، ارتمت على الرصيف بجانبه و هي تضحك بسعادة ثم ألتفتت له و هي تصرح ببهجة مشعة من عينيها الفضيتين : - حبي ، إني أعد لك مفاجأة. لمعت عينيه بفرح ليسألها بفضول : - و ما هي هذه المفاجأة يا ترى ؟ أرجعت رأسها الى الخلف الى ان تمددت رقبتها و ضحكت بقوة مبتهجة من الأفكار التي تراود بالها دون أن يعرف و هي تنظر إلى السماء الصافية مبتسمة براحة و هي تتساءل : - هل أنت تحبني بالفعل ؟ إعتدلت في جلستها و هي تنظر عميقا إلى عيني الشاب الذي يقا**ها فقرّب وجهه لها إلى أن تلامسا جبينهما و ارنبة انفهما ببعضهما البعض ثم همس لها بصوت يملئه الهيام : - بل أهيم في عشقك يا ساحرتي الجميلة ... إزداد إتساع إبتسامتها أكثر فأكثر و قالت بمرح : - حان موعد إعلان المفاجأة إذن .. قطب جبينه بفضول بينما هي إنحنت على جنب و رفعت حقيبتها من الأرض ففتحتها ثم رفعت أمامه رزمة أوراق نقدية حينها فأتسعت عينيه ذهولا و هو يسألها بإستغراب : - من اين لك بهذا المال يا فتاة ؟ رفعت يديها الى فوق و بدأت تحرّك خصرها و هي ترقص في قعدتها بينما تجيبه : - إنني سأفعل ذلك الوشم ، سأفعله ، سأفعله ، سأفعله و أخيرا .. أنقلبت ملامحه فجأة و صرخ في وجهها بغضب : - كفي عن الدندنة و أجيبيني ، من أين لك بالمال ؟ توقفت عن الغناء و قامت بإنزال يديها ثم طالعته ببرود و هي ترد ببعض من الحدة بينما هي ملتفتة له على جنب: - هذا لا يعنيك هذا أولا و ثانيا صوتك العالي إحتفظ به لنفسك لأنني سأقوم بالمثل و سأصرخ إذا أعدت هذه الكرّة مرة ثانية ، فلذا لا تجعلنا نصل لذلك الحد من العلاقة ، رجاءا .. نهضت من مكانها ثم إنحنت الى الحقيبة لترجع فيها المال متجاهلة إياه بينما هو ينظر لها و قلبه يتقطع من الداخل ، هذه الفتاة تمثل له نقطة ضعفه ، كل ما يخصها يؤثر فيه بشدة و من أهمها تلك الشخصية المميزة التي تملكها فسألها بحيرة مقطب الحاجبين بعد أن استكنت ملامحه : - هل أنت جادة بخصوص ذلك الوشم ؟ ... نظرت له نظرة يملئها الت**يم و إبتسمت له قبل أن تنحني عليه و تجذبه من يده ليقف أمامها ، إنه يفوقها طولا و لكنها تحب هذه الصفة به لأنه كل ما يريد محادثتها يخفض رأسه إليها و يضع أنفه على أنفها ليحادثها و هو يطالع عينيها بكل صدق ، هذه طريقتهما الخاصة بهما: - عينيك ف*نة لكل من ينظر إليك حبيبتي ... أجابته و هي تطالعه بحب : - لكنني لا أريد لأحد أن ينظر إلي ما عداك .. إرتفعت زوايا فمه إلى فوق و إبتسم على جنب ثم أجابها : - إنها أمنية مستحيلة يا ساحرتي إلا إذا قمتي بتغطية نفسك عن الجميع ، هذا هو الحل الوحيد لنا.. رفع عينيه اإى شعرها الذي يتماثل لونه بلون الكراميل اللذيذ ثم قال بتحسر : - هل إجتمعت كل الفواكه في جسدك يا فتاة ؟ ثم أضاف و هو ينظر لعينيها بهيام معلن : - لما لا تمنحيني حق تذوق شفتيك و لو لمرة واحدة على الأقل ؟ إبتسمت له قبل أن ترد عليه بجدية تناقض تعابير وجهها : - هل تريد تذوق دمائك حبي لأنني سأقوم بلكمك حينها ! إنتفضت و إرتعش صوتها عند سماعها لأذان صلاة العشاء فصدمت بتلك اللمعة الفضية التي تملع في عينيها من جديد و همست لنفسها : - يقولون أنني غامضة ، ربما نعم أنا غامضة و لكن عندما يكتشفون سر تلك اللمعة الحزينة عندها سيكتشفون كل أسراري المدفونة خلفها ... تراجعت إلى الخلف ثم إستدارت رامية فستانها على الفراش و إتجهت إلى الخزانة و فتحتها ثم قامت بإخراج سروالا بيتي منها لتلبسه و قميصا قطنيا معه ، إرتدهما بسرعة ثم خرجت من الغرفة عائدةً إلى المطبخ لتتعشى ... في الصباح ، فتحت عينيها ليقا**ها سقف الغرفة الرمادي الفاتح ، طالعته لبرهة ثم قامت بالتثاءب فوضعت يدها على فمها قبل أن تنهض من فراشها ، نظرت إلى الساعة الموضوعة على المنضدة فوجدتها قد تجاوزت السابعة صباحا ثم ركزت بصرها على إطار الصور الموضوع بجانبها و مدّت يدها إليه و رفعته هامسةً بصوت حزين بينما تلامس الصورة بأصابعها : - إشتقت إليك أبي ، إشتقت إليكِ أمي ، إشتقت إلى حياتنا السابقة ، الحياة أرهقتني من بعدكما و الآن أتحسر بشدة على حياتنا السابقة التي أفتقدها بشدة من بعدكما ، لقد إفتقدت إلى ذلك الأمان الذي كنتما تمنحانه لي ، من سيحميني الآن من بعد رحيلكما ؟!!... مررت إبهامها على وجه أبيها القمحي و أردفت بحسرة: - أبي ، لو كنت موجودا معنا الآن لنجرأ أحد عن الإقتراب مني و لكن مع هذا لا تخف ، أنا أعدك بأني سأبقى قوية و سأنجح في حمايتي و حماية شقيقتي الصغيرة مثلما كنت موجودا معنا من قبل ، فليرحمك الله يا عزيزي و يرحم جميع المسلمين ... أرجعت الإطار إلى مكانه و نهضت ثم خرجت إلى الشرفة لتفتح يديها و تستنشق هواء الصباح المنعش إلى آخر نفس تستطيع إستنشاقه في رئتيها إلى أن ابتعدت قدمها من على الأرض و هي تهمس بإبتسامة مشرقة على وجهها : - أصبحنا و أصبح الملك للّه . رفعت جفونها لتفتح عينيها فأصطدمت نظراتها برجل يطالعها من الجانب الآخر للشارع ، رجل يرتدي بدلة رسمية في الأ**د و يضع نظارة شمسية سوداء على عينيه ، أغمضت عينيها لوهلة غير مستوعبة ما شاهدته ثم أعادت فتحهما من جديد و لكنها لم تجد أثره فشهقت جزعا قبل أن تهرع إلى الداخل و أغلقت باب الشرفة بعنف ثم أرجعت الستائر بسرعة فائقة ، أسندت رأسها على القماش تلهث بأنفاس منقطعة و وضعت يدها على ص*رها الذي يعلو و يهبط بسرعة ثم أستدارت تناظر شقيقتها النائمة في فراشها و أسرعت إليها ، إنحنت عليها و بدأت بتحريك كتفيها منادية عليها بإلحاح : - نورهان ، نورهان ، إستفيقي ، إستفيقي بسرعة . تذمرت أختها تحت غلاف النوم : - ماذا ؟، ماذا ؟، ماذا ؟. فتحت نورهان عينيها الناعستين ثم رمقت شقيقتها بحدة قائلةً بإنزعاج : - هل هكذا الناس يوقظون أخواتهم ؟ جذبتها نيرمين من يديها و حثتها من خلفها على السير بينما تقول بلهفة: - تعالي معي و أنظري بعينيكِ مثلي. وصلتا إلى النافذة و جذبت نيرمين الستارة قليلا دون أن تعرض نفسها للشبهات و أخذت تبحث عن الرجل بعينها من جميع الجهات لعلها تجده . - أختي ما بك ؟ ، إلى ماذا تنظرين ؟ سألتها شقيقتها بإستغراب فأجابتها نيرمين و هي تشير بأصبعها : - إنه كان هناك ، إنتظري معي لعله يرجع .. إمتعضت نورهان ثم قالت بإنزعاج : - إنتظري ماذا و يرجع ماذا ؟ ، أنت تزدادين غرابة يوما بعد يوم ! ، أف من هوسك المريض هذا ! ... تأففت ثم إلتفتت لترجع إلى فراشها و لكن نيرمين أمسكت يديها تمنعها من المغادرة قائلة بإلحاح: - نورهان ، صدقيني ، لقد كان هناك رجل واقف في الناحية الأخرى من الشارع لمحته يراقب شقتنا ثم إختفى فجأة ، أقسم لك أن ما شاهدته كان حقيقة ! تركت نيرمين يد شقيقتها ثم رفعت إصبعها لتشير إلى وجهها لتقول بجدية : - أنظري إلى وجهي جيدا ، هل ترى ملامحه عادية ؟ ، أنظري إلى يدي أيضا ، هل رعشة يدي تبان لك عادية ؟ أسبلت نورهان جفونها و هي تصارحها بإمتعاض : - إسمعيني جيدا ، إذا أصابنا أي مكروه فسيكون هذا بسببك لأن كبريائك الغ*ي يمنعك من طلب المساعدة ، أتركيني الآن لأرجع الى فراشي و أنام ... تركتها نورهان بعد أن انتهت من حديثها و رجعت إلى فراشها ثم أرجعت الغطاء على وجهها بينما ظلت نيرمين واقفة في مكانها و القلق يغلف قلبها ، إلتفتت إلى النافذة ثانية و جذبت الستارة لتشاهد الشارع الذي يخلو من المارة و هي تتن*د هامسة بشك: - لابّد أنني اتخيل فقط ، لا يوجد شيء هنا يدعى الى القلق صحيح .. ارجعت الستارة على النافذة ثم تحركت من مكانها مغادرة الغرفة و هي تقول لشقيقتها : - أنا سأذهب إلى العمل ، أحكمي إغلاق الباب و لا تنسي وضع رذاذ الفلفل في حقيبتك قبل أن تغادري الشقة ... ردّت عليها نورهان من تحت الغطاء : - حسنا ، إذهبي في امان الله و إلى اللقاء ... قضت يومها بين تدريب المبتدئين و تدريبها على عرضها القادم التي ستعرضه في باريس في آخر هذا الشهر ولكن فكرها ظل مشغولا طوال اليوم و لم تستطع أن تتنسى هيئة ذلك الرجل ... - حسنا ، يا جماعة لقد إنتهى التدريب يمكنكم المغادرة ... صفقت بيديها و هي تطالع الراقصين و عندما غادر الجميع و أغلقوا الباب خلفهم تنفست الصعداء ثم إستدارت و هي تنظر إلى أرجاء القاعة فأغمضت عينيها و إبتسمت لأنه خيل لها وجهه يطالعها بعيون عاشقة ، تلك العيون البندقية الحادّة لطالما آسرتها و هو يمدّ لها يده محرّك أصابعه لتنظم إليه فذهبت إليه و مسكتها ثم جذبها إليه إلى أن إصطدمت بص*ره الصلب و دفعها إلى الخلف ليتقدّم هو بينما هي تتراجع ، وضع يده الأخرى على خصرها و جعلها تتمايل على جنب و يتمايل رأسها على الجانب المعا** ثم قدّم ركبته إلى الامام لتدخل بين ساقيها في حين بدأ خصرها يتمايل يمينا و يسارا و ساقيها تتقدّم و تتراجع لتشاركه رقصة الباتشاتا و هو يحرّكها بكل مرونة و سلاسة. جذب وجهها ليقبّل شفاههاو لكنها صدّته حينها ضيّق عينيه بإبتسامة شقّت وجهه ثم قال : - إنك فتاة متلاعبة يا ساحرتي .. الطرق على الباب إنتشلها من ذكرياتها ففتحت عينيها على إتسعاها و هي تجد نفسها تلهث و ليست في المحل الذي كانت فيه فأجالت نظرها على كل القاعة بينما تشعر بأن العالم يدور بها و هي ليست واقفة على الأرض حاليا ... أعيد الطرق على الباب ثم سمعت صوت الرجل ينادي من خلفه : - نيرمين ، هيّا اسرعي في الخروج إننا سنغلق الصالة ... أخذت نفسا طويل ثم أجابته متن*دة بخفوت: - حسنا ، سأخرج بعد دقائق ... تن*دت و هي تهمس لنفسها بمرارة : - من بعدك مات الحب يا حب عمري ، لأنني لن يجد أحدا بذات القيمة التي تمنحني إياها... بعد ساعة ، نزلت من الحافلة لتتوجه إلى الإقامة التي تسكن فيها بينما تتجول وسط الشارع شاردة في الكثير من الأحداث التي صارت لها مؤخرا ، هذه المرة لم تسمع صوت التصفير و كلمات التحرّش البذيء ، لم تمر من أمامها السيارات السوداء و ذلك الرجل لم يعد يظهر ، أدارت رأسها لكل الجهات تبحث بأنظارها عن أوليائك الرجال المريبين و لكنها لم تلحظ أي حركة غير عادية تحدث من حولها فهدئت قليلا ولكن شعور القلق في قلبها يأبى ان يتوقف .. تنفست الصعداء ثم دخلت الإقامة و صعدت الدرج نحو شقتها ولكنها توقفت عند الباب تنظر إلى صندوق كبير موضوع على الأرضية أمامه فرفعت رأسها إلى فوق لتطالع الطابق الأعلى و لكن لا يوجد أحد و لا توجد أي حركة تدعي إلى سرقة الإنتباه حينها حرّكت شفاهها بتعجب و حملت الصندوق لتقرأ اللافتة اللاصقة عليه " مرسل إلى نيرمين بن عطية " حملته ثم فتحت الباب و دلفت إلى الداخل منادية على شقيقتها : - نورهان ، يا نورهان .. أجابتها من وراء باب الحمام : - إنني أستحم هنا تقدمت نيرمين إلى الداخل بعد أن أغلقت الباب ثم جلست لتفتحه و لكنها صدمت بصندوق آخر يوجد داخله عندها تكلمت بسخرية : - ما هذا الهراء ؟ أعادت فتحه لتجد صندوق ثالث داخله فتكلمت بانزعاج : - أف ، من هذا المعتوه الذي يستعمل هذا الأسلوب ؟ وصلت إلى حد الصندوق الخامس و فتحته حينها وجدت علبة حمراء مغلفة بقماش مخملي و عندما فتحت العلبة تعجبت من القلادة الموجودة فيها كما وضح لها من لمعانه أنها مصنوعة من الألماس الخالص الذي يتميز بقوة بريقه . مدّت أصابعها للقلادة و رفعتها مستغربة من شكل الفراشة المألوف لها لأنها تماثل تماما الوشم المرسوم على أسفل ظهرها و عندها لمح بصرها ورقة مطوية وسط العلبة قطبت حاجبها لغرابة الأمر فوضعت العلبة على الطاولة و رفعت الورقة ثم فتحتها بإستغراب ، لم يمر زمن قليل و إنتفضت كمن لسعها عقرب ، توقفت أنفاسها و تسارعت دقّات قلبها و إزداد شحوب وجهها ، نظرت للقلادة بجزع ثم تكلمت بصوت منخفض : - لا غير معقول ، كيف يمكن أن يحصل هذا ؟ *** نهاية الفصل
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD