الفصل الثاني

4439 Words
مرحلة جديدة و لكل مرحلة توجهاتها؛ يقولون ذلك بالتلفاز بتلك الأيام مراراً لتهيأتنا للإنتخابات الرئاسية القادمة, أبي يكره السياسة و يقول دائماً رداً على كل جدال سياسي يجر له عنوة بإعتباره طرف منخرط في النزاع الرئاسي لعمله بالجيش  – ربنا يولي الأصلح – من يا ترى الأصلح ؛ إمرأة ض*بت رجل حتى الموت أم إمرأة أماتته بأفعالها, قد تض*ب سارة أبي كذلك إثر أي نزاع و لكن أبي قوي للغاية فقد رأيته بمرة يحمل سيارة و يقلبها على جانب من الطريق بحمولتها من أقفاص الدجاج, كانت سيارة سوزوكي ربع نقل يقودها بلطجي أسمه عادل الحيوان . كنت بالتاسعة حينها أجلس على أريكة حارس ال*قار من أمام بنايتنا بينما أبي و العم عماد يقوما بغسل سيارة أبي القديمة, هوندا سيفيك كذلك و لكن موديل 98 رمادية بينما الحالية زرقاء. إنتهى أبي من غسلها و بدأ بتشميعها و حتى أمست تضوي من أسفل شمس العصاري تسر الناظرين الغائدين منهم و الرائحين . أنزلت لنا زوجة عمي عماد خالتي سلوى صفحة معدنية كبيرة تحمل الشاي و بعض البسكوت المنزلي الصنع و جلسنا جميعا للأريكة نتناول الطيبات فخالتي سلوى طهوها شهي كطهو جدتي عندما تأتي للمنزل بفترة إجازة أبي لتطهو لنا لأني أمي طهيها مروع كما يراه أبي فقد رأيته مقبول. جائت سيارة سوزوكي بسرعة جنونية و توقفت بجانب سيارة أبي و سائقها يقول : -        لا تسلم إيدك يا غلبان بقت أنضف من دماغك . أجاب أبي التهكم بهدوئه المسالم : -        إتفضل شاي يا أسطي عادل . تنخم الرجل ثم بصق من نافذته أرضاً مع ضحكة سمجة ثم قال : -        تخش معايا و نشوف مين يوصل بلبيس الأول ؟ -        و إحنا قدك يا أسطى عادل .. و بعدين لسه مشمع العربية خليها الأسبوع الجاي. -        بسيطة أعفرهالك . أدار السائق موتور سيارته مع الضغط على المكابح بشدة فدارت عجلات سيارته الأمامية بمكانها بسرعة عالية أهالت على سيارة أبي اللامعة أتربة الشارع و أوحاله و حينها جن جنون أبي و إنتفض عن الأريكة و هرول ناحية السيارة السوزوكي و أمسك بصندوقها الخلفي من الأسفل بينما هي دائرة المحرك,  رفع أبي السيارة للأعلى بعزم شديد و إلى أن أحالها لجانبها الأيسر بينما صراخ الرجل يهدر كما يهدر موتوره الضعيف فموتور أي سيارة لأبي يزأر كالوحوش الأسطورية. صعد أبي من أعلى السيارة النائمة على جانبها بقفزة واحدة كالأبطال الخارقين و جذب سائقها من النافذة و حتى أخرجه من سيارته بينما يقول بعصبية لم ألقاها من قبل : -        و الله لأمسح العربية بوشك يا حيوان يا إبن الحيوان . عادل الحيوان بلطجي عتيد عرف عن الإجرام و له عصبة و ع***ة كبيرة و أبي لم يجزع لذلك و سحبه من سيارته و حتى أنزله أرضاً وإستمر بسحبه حتى السيارة و بالفعل مسح عن السيارة الأوحال بوجهه فأمسى وجه البلطجي الأسمر مسود من الطين. ضحكاُ بلا هوادة فقد كنت طفلة و لا أعي حجم الكارثة التي إفتعلها أبي وقد كنت غاضبة أشد الغضب لأني عمي عماد يحاول أن يثني أبي عن ض*ب البلطجي و سحله أرضاً. إنتهى أبي من تنظيف السيارة بوجه البلطجي فتركه يطلق ساقيه للريح و لكن بعدما ركله بمؤخرته فضحكت أكثر حتى القهقة؛ حتى سقط عن فمي فتات البسكوت, حتى أدمعت عيناي و أبي يحب عيناي لأني أشبه جدي الكبير الشيخ الخطيب . ترك الغضب وجه أبي و سعد لضحكاتي, إقترب مني يربت على كتفي ويقول :  - إطلعي عند ماما يا سما. -        لاء . قال عمي عماد بعصبية : -        إطلعي يا بت العاركة هتقوم كمان شوية .. ثم توجه لأبي و قال : -        يا أخي محروقة العربية و ... قاطعه سباب أبي : -        تتحرق أنت في نار جهنم الحمرا.. و إطلع بيتك أنت راخر . قال عمي عماد بحرقة : -        لا إزاي .. لازم نيتّمم عيالنا سوا انهاردة عشان ترتاح يا وجيه . إبتسم أبي ثم قال لي : -        إطلعي يا سما عشان مزعلش منك . صعدت للبيت على محض لأني أردت أن أرقب العراك القادم عن كثب, أما أبي قاد سيارته و صفها من خلف البناية تخوفاً من تخربها بالعراك القادم بعدما يستدعي عادل الحيوان جماعته للإنتقام من أبي. دلفت من باب البيت سحبتني أمي و جدتي لإستبيان الحدث فأخبرتهم بكل شفافية الحال و حينها صرخت جدتي : -        يالهوي الجدع واقف لوحده .. هكلم إخواتك و ولاد عمك يجوله .  إنما إعترضت أمي قائلة بحدة كذلك : -         و هما مالهم .. خليه يتض*ب يمكن يعقل من الجنان اللي جاله من العربية اللي مضيع عليها فلوسه . قالت جدتي بحنق : -        ض*بة في قلبك تفرفرك . خاطبت جدتي أخوالي و أولاد العم و جميعهم لبوا النداء و لكن هاتفياً فقط, فلم يظهر منهم مخلوق من بداية العراك و حتى إنتهى اليوم. تركت عراك أمي و جدتي و هرعت للبلكون لما سمعت تصايح و سباب إستعلى من ناحية الشارع الساكنين به, تبعتني جدتي و أمي, الأولى تردد المنجيات و الثانية كانت باسمة للتهكم و تردد أن جبل الثلج لا يذيبه إلا سيارته الحريقة. نظرت عبر السور الحديدي للبلكون رأيت سيارة أخرى سوزوكي كذلك تحمل جمع من الرجالة؛ ع***ة البلطجي محملين بالعصيان الغليظة يهبطوا عن صندوق السيارة تجاه أبي الذي خلع عن الرصيف قالب كبير من الطوب و ألقاه على جمع من الرجال, أسقط القالب منهم العديد و من إنتبه و تحاشى قالب الطوب لم ينتبه لقبضة أبي التي إلتصقت بوجهه و أطاحته بالهواء و إلى أن رقد أرضاً بلا حراك, عمي عماد بعصاته الغليظة و التي تض*ب بقوة بالغة ظهور و أجناب البلطجية للألم و ليس القتل, ثوان وإمتلأ الشارع بالرجال المسالمين كأبي, تجمعوا على البلطجية و أحاطوهم و أذاقهم الأمريين, لكلاً منهم ثأر مبيت لدى عادل الحيوان و حان قصاصه عبر مبادرة أبي. إنتهى العراك بهرب البلطجية مرتعبين, تاركين سيارتهم و عصاينهم من خلفهم, الناس يصافحوا أبي و يشكروه لوضع حداً فاصل لتلك الفئة الإجرامية, أهتف بأسمه ينظر للأعلى و يلوح لي باسماً فأبادله الهتاف و قلبي ملآن بالفرح لبسالته, يصعد للشقة بأمان فأسابق الريح لألقاه على الباب بينما أقلده و أسدد اللكمات للهواء مثله و لما جاء ناولته بعض اللكمات بمعدته فسقط أرضاً متألماً بشدة ثم نهض و أنا محمولة على ذراعه و يناولني هو اللكمات المدغدغة. -        يا أخويا لما أنت بلطجي كده .. ما تروح تاخد حقك من أبوك .. بدل الفقر اللي عايشين فيه . قالت أمي بإستهترار عوضاً عن حمد الله على سلامة أبي و الإطمئنان على أحواله إن ما كان أصابه مكروه أثناء العراك, تستنكر على أبي سلميته و لنفس السبب تريد الإنتقال لشقة على البحر و أبي يخجل من طلب النقود من جدي لشأن مثل ذاك فقد إشتري جدي لأبي السيارة للتو. أنزلني أبي عن ذراعه و خاطب أمي :  -        فقر ؟!! قال يعني جايبك من قصر الدوبارة و كنت نايمة على ريش نعام مش بلاط غرباخة كله ماشي . قلما دافعت جدتي عن أمي مقابل أبي إنما هذه المرة قالت : -        و احنا مالنا و مال كله ماشي يا إبني .. ده أبوها كانت الناس بيض*بوا بيه المثل . -        بلاش يا حاجة أقولك كانوا بيض*بوا بيه المثل في إيه .. أذكروا محاسن موتاكم .. كفاية أنه مخلف تلات رجالة و انا اللي سديت دينه للقهوجي .. ده أنا إشتريت العربية مخصوص عشان أبطل أروح الموقف و أقابل اصحاب الديون .. اللهم بارك دفاتر يا خالتي . قالت أمي بتحرج : -        أد*ك ضيعت ثوابك . -        يغور الثواب من وشك .. عجبك كده كفرتيني .. اض*ب عشرين راجل أسبح ربنا و أحمده إنما كلمة منك تخسرني ديني .. أستغفر الله العظيم .   كان هذا أبي منذ سنوات عديدة إنما علته أن أمي تخرج شياطينه دون غيرها, إنما سارة تستحضر ملائكته كما يبدوا. لازلنا بمدينة الأل**ب الكبيرة , بحلبة صغيرة لكرة السلة, أبي يحمل الصغيرة لتضع الكرة من داخل السلة لأنها قصيرة عن باقي المشاركين بالماتش, باقي الأطفال بدى عليهم التملل فالصغيرة إقتربت من الفوز عليهم بمساعدة أبي و منهم من خرج من المباراة وعاد ببالغ قال لأبي : -        يا أستاذ ما ينفعش كده .. انت بتحبط الولاد . -        انا لما الاعب بنتي بحبط العيال ؟! -        ايوه لأنك بتشيلها و بتخليها تدخل الكورة  و تغلب الولاد اللي ما عندهمش حد يشيلهم عشان يجيبوا جون بالغش . -        غش  إيه .. دول عيال .. و بعيدن زعلان شيل ولادك زيي.. بدل قعدتك على دكة الاحتياطي . و ضحكت و سارة و أبي كذلك أما الرجل قال ذاجراً : -        واضح إن المستوى الثقافي بتاع حضرتك منخفض عشان كده مش مستوعب كلامي .. هحاول أفهمك بطريقتك .. المجتمع اللي فيه محمد رمضان الملك أنا مانع ولادي عنه و حضرتك هنا محمد رمضان .. بت**ب بنتك بالغش وجودك أصلا بينهم غلط و هيخليهم يحسوا أنهم منبوذين من أهاليهم .   تقدمت سارة تقول بحدة مضحكة للغاية فصوتها ينحف عن ذي قبل عند العصبية : -        و انا الالماني و هبعتر بكرامتك الأرض يا مثقف يا حلو إنت .    إمتد ذراع أبي أمام سارة فأظننها كانت تهم بض*ب الرجل أو شيئاً ما, أنزل أبي الصغيرة من يده ثم حمل كرة السلة عن الأرض و ناولها للرجل بينما يقول : -        إتفضل يا أستاذ.. أنا آسف . و خرجنا من حلبة كرة السلة مصغرين, توجهت سارة لأبي و قالت : -        هو عنده حق يعني عشان نمشي و نسيبله الماتش ؟ -        ايوه يا سارة عنده حق .. كان لعب عيال و انا إدخلت .. العيال التانية مش معاهم أهليهم و أكيد حسوا بغيابهم لما شافونا مهتمين بتوتو. و رغم عصبية سارة الفائرة تماثلت الهدوء لكلمات أبي و قالت بطواعية : -        طيب . خاطبني أبي : -        خدي توتو يا سما لعبيها إنتي .   لكم وددتُ مناقشة أبي و ع** نظرية هذا الرجل ال**ول المنشغل بجواله و تارك أطفاله و لما تحرك؛ تحرك للجدال ال*قيم و السباب المغلف بالكياسة  و لكن خجلت لأن سارة لم تجادل أبي قط رغم أن إبنتها من حرمت من اللعب. ألا تباً أين إبنتها المجنونة التي تركها أبي بعهدتي و ذهب مع سارة للجلوس مجدداً, تمازحه,  تذيب من بين حاجبيه الإنعقاد بسبتابتها, تخرج من حقيبتها شطيرة و تناولها لأبي, سارة أنور تحمل بحقيبتها شطائر و ليس منتجات تجميل يبدوا أن تحولها لزوجة منزلية عتيقة أقرب ما يكون. أبي يناديني فأذهب إليه و حينها يقول : -        تاكلي يا سما ؟ -        لا مش جعانة . قالت سارة : -        ده حاجة خفيفة جرليد ليفر. -        لا شكراً . أخرجت سارة من حقيبتها شطيرة أخرى لتوست محمص و ناولتها لي بينما تقول : -        بينت باتر و نوتيلا و جيلي بينز .. محدش يقولها لاء . بالطبع قبلتها فقد جمعت بها دعائم الحياة أجمع, جلست إليهما أتناول الشطيرة من النعيم, إستصغت الشطيرة أكثر عبر إبتسامة أبي لما إستشعر قبولي و لكن المبدئي لسارة. أخرجت سارة شطيرة مماثلة لشطيرتي لأبي لما أنهى الكبد المشوى فقال : -        لا ما بحبش الحاجات دي بحس اني باكل الجاتوه بالعيش . ضحكت سارة فإضطررت لمجاراتها فما قاله أبي ليس محض فكاهة. أنا لطيفة؛ أنا لطيفة, مثقفة و على ألا أنصاع للغيرة النسائية فلكلتانا مكانتين متجاورتين بقلب أبي, أنا إبنة و هي زوجة و كل ما يحدث بديهي أنا من فقط من عشت بين أغرب زوجين بالتاريخ؛ أمي و أبي. أين المجنونة الصغيرة لتأخدني عن الحبيبين فالحبيبة تستحلف أبي بتذوق الشطيرة بإلحاح مقيت تبعه أبي متضرراً و قضم قضمة واحدة من الشطيرة إنما لم يمضغها, يبدي إعجابه بقسماته لسارة و لأني إبنة بارة أناوله منديل ورقي في الخفاء يبصق به الشطيرة و أتناوله منه في الخفاء كذلك و أذهب للمجنونة الصغيرة.      ذهبت للعب مع الصغيرة و أصدقائها ولكن تفاجأت بالصغيرة تلقي أصدقائها الصغار من أعلى المزلجة بعدائية تحسبها مزاح و قد يصاب أحدهم بإصابات خطيرة فقد تبادلوا العدائية و راحوا يتصافعوا و يجذبوا شعور بعضهم البعض. فضيت النزاع بالكاد و أقمت المصالحات و السباقات الودية علهم يلتهوا عن العراك . أطفال كل شيء لهم لعب و عادوا للعب و أنا من بينهم, مرت ساعة كاملة حتى جاء أبي لتفقدنا و سعد للغاية لما رءاني منسجمة مع إبنة خطيبته و أضعها على فخذي و أتزلحق على مزلجة كبيرة حتى وصلت إليه . قامت الصغيرة عن فخذي و سارعت لأبي تتسلق ساقه للأعلى فحملها و وفر عنها العناء فكافأته بقبلة على وجنته المشجوجة ثم قالت : -   أوجي عايزة كوتن كاندي راسبري . -   و سنانك يا توتو .. السوسة هتاكلها و تقعدي تعيطي بليل . بالليل و ما أدراه بلياليها و لياليَّ خالية بدونه, وحيدة بغرفة مأجرة وسط صحبة مستأجرة كذلك حتى أمي . أخرجني أبي من نجواي لما سألني :   -   زهقتي يا سما ؟ إنتصبت واقفة أنفض عن بنطالي الأتربة إن وجدت بتملل : -   لا عادي . -   معلش خلي الشوبينج لبكرة سارة لازم ترووح . -   طب ما نعمل احنا شوبينج ؟ -   مش هعرف يا سما .. انتي دلوقتي محتاجة .. أنهيت عنه التحير قائلة : -   طيب يا بابا ماشي . عائلة لطيفة و أبدو فعل نشاذ بينهم بطولي الفارع و ملابسي الصبيانية, حتى لا أشبه أبي, و أمي ليست هنا لأنسب لها. التناغم كان لرجل باسم ملامحه متلونة بالفرح, زوجة جميلة تمسك بيده و إبنة صغيرة  يحملها على كتفه لا يسأله أحد متى أنجبها و هو بتلك السن الصغيرة .  كأنهم خرجوا للتو من جلسة تصوير لمجلة الأسرة المثالية فحتى ملابسهم متناسقة الألوان, جميعهم إنحازوا للأصفر بدرجاته, الصغيرة ترتدي جونلة صفراء ذا تقليمات بنية و سارة الأصفر القاتم و أبي جاكت رياضي من جلود الجمال الصحراوية, أظنني إن ظهرت بالمنتصف سوف أكون إشارة مرورية من جاكت أخضر مخملي وسروال أبيض بتضليعات سوداء, إذاً لأتبعهم من الخلف فلم يلحظ أحدهم غيابي بأي حال : -        مدي شوية يا سما . تذكرني أبي أخيراً و سارة لما قالت : -        اكيد عايزه تبص على المحلات خلينا شوية . لم ينحاز أبي لسارة و قال منبهاً : -        لازم ترووح يا عمو عشان الدوا .. صحيح فين الكالونا ؟ -        شيلتها . صاح أبي بسارة بين حضور كبير إلى حداً ما من البشر حاوطوننا بالمول للتأكد من كون سارة و خطيبها بالفعل من بينهم و يتشاجران بالعلن : -        ليه .. انتي مدمنة شكشكة ؟ تهمس له : -        لميت علينا الناس يا عمو . أبي المسالم نظر من حوله رأى الهواتف المحمولة في وضع التجهز للتصوير أو تُصور الحدث بالفعل مما أثار حنقه أكثر فصاح بهم : -        إإإإيه .. ما كل حي يروح لحاله . أبي لديه إصابة قديمة بحنجرته تجعل صياحه بوقع إنفجار القنابل اليدوية تهتز له الجدران, صوت مدوي جذع له جمع المتطفلين و سارعوا بالهرب عن وجهه متخطبين من الخوف, لو يعرفوه تمام المعرف ما هرع أحدهم للهرب بل كانوا ليضحكوا كما ضحكتُ و سارة بينما أبي قال متبرماً : -        يا رب دايما مبسوطين كده  . إبتهالات أبي صعدت للسماء سريعاً فلم نتوقف عن الضحك للحظة . رفع الصغيرة عن كتفه و وضعها على رقبته ثم أمسك بيدي و يد سارة و خرجنا من المول متخذين طريقنا للخروج بخطوات سريعة بالكاد نجاريها أنا و سارة. وصلنا للسيارة ففتحتُ الباب الأمامي ثم تذكرتُ أنه موقع الزوجة وحينها قررت العودة للخلف و لكن سارة قالت : -        إركبي في مكانك انا هركب ورا مع توتو. -        لاء .. ده مكانك إنتي. قال أبي : -        إركبي يا سما .. لازم سارة تركب جنب توتو عشان تسيطر عليها . -        انا هيسطر يا بابا أنا و توتو بقينا إصحاب خلاص . المجنونة الصغيرة تضمني من خصري و تقول بسعادة غامرة : -        صاحبتي. ا****ة أمست لصيقة بي أكثر من الأول لتص**حي الأخير, ركبت الزوجة بجانب الزوج إنما أنزلها الزوج من جديد و ترجل من سيارته إلى حقيبتها الخلفية, عاد بشيء يشبه الوسادة المزدوجة و لكن صغيرة, غطى أبي بها كرسيه الريكارو الفخم بالوسادة من المنسد الخلفي و إلى المقعدة لتجلس سارة من أعلاها و انا من تذمرت مراراً من جمود الكراسي و لم أجد مجيب إلا بأنني فلاحة كأمي لا أفهم شيء بالسيارات الفخمة . أدرات الزوجة مشغل الاسطوانات على أغنيتي المفضلة لمطربي المفضل و لم ينهرها أبي بل غنا معها و توتو, طفلة بالسادسة تسمع LP  و تحفظ عن ظهر قلب أغنية lost on you  . هذا المطرب خاصة لما رءاني أبي أشاهد فيديو غنائي له جن جنونه لأني أشاهد فتاة ع***ة الجزع , حتى لما بررت له أن من يغني رجل و ليس فتاة لذا من الجائز أن يغني عاري الجذع كما الهضبة و حماقي دقق بالنظر بالمطرب حتى تأكد من كونه رجل ثم قال مشدوهاً : -        ده شمال .. اوعي تتف*جي على الناس دول -        ده سترايت يا بابا و عنده جيرل فريند -        جيرل فريند ؟! يا بنت الــــ.. إسمعي مفيش الكلام ده و إلا مش هدفع إشتراك النت .. فاهمه ؟ إنما الآن يردد الأغنية باللحن و الكلمات مع زوجته ذو الصوت الجميل , أنظر له متعجبة فيقول متداركاً بعدما أدرك ما يجول بخاطري: -        سما برضة بتحب إل بي .. تأكلي إيه يا سما ؟ -        مش جعانة ؟ إنما الصغيرة نادت بكتناكي و أبي يكره تلك المطاعم و أنا بدوري حتى سارة و نهاية تجنباً لصراخ الصغيرة ذهبنا للمطعم . بأخر مرة زرت و أبي هذا المحال أصابنا مرض معوي و من حينها نحذره إنما الآن مستعدين للمجازفة من أجل إبنته الجديدة . للمرة الثانية أحمل طعامي بل و طعام الصغيرة أيضاً بينما أبي حمل له و لزوجته . ذهبت سارة لغسل يدها مع الصغيرة أما أنا إكتفيت بالمناديل المبللة بحوزتي كما أبي. العديدة من الحقائق إتضحت أمام عيناي و علي البوح بها قبل أن أخنق الصغيرة و أمها :   -        بابا انت كداب . -        انا يا بنت الرفضي ؟! -        أيوه كداب -        و كدبت عليكي في إيه إن شاء الله ؟ -        انت مجوز سارة و البنت المجنونة دي بنتك مش بنت سارة لوحدها و طول السنين دي بتضحك عليا و عايش معاهم. ظل يضحك للحظات و لما إنتهى قال : -        توتو مش بنت سارة دي بنت أختها الكبيرة .. سارة ماجوزتش قبل كده -        تبقى مجوز سارة و عايش معاهم في بيتهم .. توتو قالت إنك بتروح عندهم البيت على طول . -        سارة عيانة جدا زي ما قولتلك و انا بروح اطمن عليها و أجيبلها أدوية .. سارة بتتعالج بالدم عندها فقر دم شديد .. بيتنقلها دم بجيبه من زمايلي و انا اللي بوصله لما بكون في القاهرة .. و إحنا إصحاب يا سمايا و عمري ما أخبي عليكي حاجة أبداً . -        بس البت المجنونة متعلقة بيك أوي .. إزاي و انت تعرف سارة من كام شهر بس -        من أنتي عرفتيها من ساعة و لازقة فيكي .. هي بس وحيدة .. إتولدت و عمرها ما شافت أبوها عشان كده بتتعلق بأي حد. -        ليه أبوها ماله ؟ -        واطي إجوز و سابها. نظرت متكهمة مشيرة لمصيري القادم ففهم لأبي إلى أين ترمي نظراتي و قال : -        انا مش واطي و لا انتي شايفة إيه ؟ -        خلاص يا وجيه نتكلم بعدين عيلتك الجديدة جات ضحك من جديد  وهذه المرة ضمني إليه و قبل رأسي ثم قال : -        الله ريحة شعرك حلوة أوي . ضحكت أنا الأخرى لما تذكرت أن الديفا سارة أنور سر جمال شعرها هو الثوم و لكن من الصعب علي أن أنصاع لذلك و يشتمني الناس بالثوم, سوف أطلب من أبي الدواء التكميلي الذي تعلن عنه سارة على قناتها. من أبيع و من أشتري, أبيع أم مقابل مستقبل مبهم مع سارة , أم أُم أعرف عنها ما منعني من قول أمي منذ سنوات و لو أشرت لها و قلما ما يحدث ذلك أناديها بالدكتورة, لما ألحقني بمدرستي صرخت أمي بهلع و إتهمته بالسفه و الجنون و حتى لما ذكرها بإني إبنة وحيدة و سأظل وحيدة و لابد أن أنشأ على أفضل تقويم قالت : -        انت بفلوس تيرم واحد تخلف عيل كل سنة . -        لا يلدغ المؤمن من حجراً مرتين . أبي لم يرد حتى إنجابي إنما جدتي من ألحت عليه لتحدث بينه و بين أمي ألفة و قربة لم تمر على زواجهما قط . أنجبتني و لا أذكر حنان أو الرأفة و لو ناحيتي , ربتني جدتي, علمتني الأبجدية, لقنتني أيات القرآن الكريم بينما أمي منشغلة بدراستها و مراقبة زميلاتها يتزوجن من رجال أكثر ثراءً من أبي,  وفرن لهن الأعراس الضخمة و الشقق الفاخرة على البحر و يفتتحن لأجلهن العيادات بأفخر أحياء الزقازيق. أبي إعتاد جفاء أمي و أمسيت رفيقته الأقرب, يحدثني عن سفراته و طياراته و طلابه الأش*ياء, نقرأ سوية الروايات و الكتب الشعرية ولواء كبير له يرسل لي كتب في علم الإقتصاد و الإجتماع و أشعار لجبران؛ مهذب الحواس و لجبران مع أبي قصة لبيت شعر سمعه إعتبره نبوئة المستقبل السعيد بعدما حرم في الماضي من كل سعادة.  جدال أبي و أمي الدائم كان شيء بديهي لم أجزع له لأنه كل ما رأيته يدور بينهما حتى النهاية المنطقية الوحيدة ؛ الطلاق.  إنتهى الغداء و توجهنا لبيت سارة, تسكن بشارع يملئه المحال الجميلة المتنوعة, تسكن بناية فاخرة من أمامها تجلس إمرأة تدخن النارجيلة بوسط الشارع بلا خجل, لما رأت أبي يترجل من سيارته نحو البناية برفقتنا أنزلت اللاي عن فمها و قامت على الفور ترحب بأبي وحيد حيث قالت : -        إزي الصحة يا سي وجيه أوي ونبي . -        الحمد الله يا مدام . -        إتفضل .. الغدا جاهز . أجابتها سارة هذه المرة ضاحكة : -        متغدي يا بومة . -        خلاص يشرب الشاي و يحبس بحجر . ض*بتها سارة بيسراها على ص*رها فأجلستها على أريكتها من جديد ثم سحبت أبي لمدخل البناية و حتى المصعد الكهربائي و أنا و الصغيرة من خلفها . توقفت أمام المصعد و قالت لأبي بحدة : -        طول ما انت بتحترمها هتفضل تعا**ك . ضحك أبي ثم قال : -        طب إطلعي وشك عمال يصفر . -        مش انت اللي بتحرق دمي . فتح أبي باب المصعد و أدخل سارة بداخله ثم أمسك بيد الصغيرة ليدخلها كذلك و لكن سحبتني معها و رفضت ترك يدي رفضاً قاطعاً رغم حوار أبي المتعقل معها من شأن نزهة جديدة بالغد معي و نهاية بكت بإحتقان و لازالت يدها بيدي و أظافرها تحفر باطن يدي بعصبية. قاطع توسلاتنا للصغيرة صياح جاء من أعلى البناية ينادي بالمصعد المعلق بالطابق الارض فخرجت سارة من المصعد و أغلقت الباب ليثنى للسائل النزول. النازل كانت الأخت الثالثة معنفة الوجه للغاية حتى أن أبي لما أبصرها قال : -        انتي وشك ما بيخفش يا سيا ؟ نظرت لسارة بلوم فقالت سارة : -        أصلها صحيت من النوم إمبارح سكرانة فخبطت في باب الحمام . قال أبي : -        طب كفاية يا عم يا باب .. الموضوع خلص . أكدت سارة روايتها قائلة : -        بقولك الباب -        ما أنا عارف .. يايلا إطلعي  . لم تتركني الصغيرة أبداً و عادت للبكاء المرير الذي مس أوتار قلبي بالشجون و ذكرني بسفر أبي بالصباح الباكر لتجنب رؤيتي باكية رحيله. عرضت على الصغيرة على تعجب من أبي و سارة أن أمكث مع الصغيرة حتى موعد النوم إنما قال أبي : -         و انا يا سما هقعد فين الوقت ده كله ؟ تذكرت أنه زائر عتيد فقلت ببديهية : -        تعالى معايا . -        ما ينفعش يا سما . أصررتُ على قراري لعلة برأسي, أريد دراسة تلك السارة عن قرب فلازالت تض*ب البشر و وجه أختها خير دليل. ذهب أبي و لا أعرف أين سوف يقضي ساعاته حتى يقبل الليل و يأتي لأيصالي لبيت جدي و لكني أفعل ذلك لأجل حمايته. صعدت مع سارة لبيتها المريح الدافئ برفقة الصغيرة التي ترفض ترك يدي, تحسبني قد أهرب و أعود لأبي رغم وعودي إليها. يتسقبلنا صوت أمها الفاتر حيث قالت : -   حمد الله على السلام .. نولتي الرضا و القبول و لا ... خرجت صاحبة الصوت من ممر للغرف و لما أبصرتنا **تت للقليل ثم قالت : -   مين دي يا سارة ؟ صاحت توتو : -   صاحبتي أما سارة قالت : -   سما بنت وجيه . -   و دي خلفها إمتى ؟ أجبت سؤال الجميع تقريباً : -   بابا إجوز اول ما إتخرج من الكلية. إقتربت مني بعيونها عبرات للسعادة , ملامحها الحادة إرتخت بإنبعاث ضوئي فهي بيضاء للغاية أكثر من أمي و سارة فسارة مصفرة بعض الشيء كالأسيويين و قالت : -   ما شاء الله .. إزيك يا سما -   الحمد لله يا طنط -   لا طنط إيه قوليلي يا ميسو -   أوكيه . سلتت سارة يد الصغيرة عن يدي و سلمتها لأمها بينما تقول : -   خدي بنتك إعمللها شاور خربت الدنيا .. تعالي يا سما . و سحبتني سارة عن وجه الأخت الكبرى ذو العيون الرقراقة بالحب ناحيتي رغم أنها تراني لأول مرة. دلفت لغرفة الديفا سارة أنور اخيراً كما تمنيتُ بأحلامي, كنت أراها بالفيديوهات و حسبتها بلاتوه و ليس غرفة حقاً. حوائطها الأربع من أربع ألوان مختلفة؛ وردي, رمادي, نبيتي و نهاية أبيض, يعلو الحوائط صور لكل الصلعان يبدوا أنه ذوقها بالرجال و لذلك أحبت أبي. باقي أثاث الغرفة سريرين صغيرين , خزانة صغيرة للملابس, حامل كبير للملابس يضم كل ملابس سارة الجميلة التي تفصحتها بشغف فجاء صوت سارة يقول : -   لو عايز تجربي أي حاجة براحتك . -   بجد ؟! أومأت بالموافقة ثم تركتني و ذهبت لهاتفها لابد أنها سوف تحدث أبي, تطمئنه على حالي بينهن و تطلب منه أن يترك القلق لأنها لن تأكلني للعشاء كما قالت تحديداً. تركتُ عتاب الأحبة و تفحصت فساتين السهرة, الملابس النهارية , الليلية , الكنزات , القمصان , سارة ملكة القمصان الحريرية ثم أجمل فستان رأيته بحياتي و أبغضه كذلك فقد إرتدته سارة بيوم حادثها مع عمي وليد . وقفت أطالعه لوقتاً طويل, أراها من داخلة واهنة أختها تحملها من خصرها . -   إفتكرتك .. انت البنت اللي كانت في الكنترول روم . إقتربت مني سارة و أمسكتني من ذراعيّ و أردفت : -   قولتي لوجيه ؟ لحظات و حتى إتخذت القرار لأكذب : -   لاء و حينها تنفست الصعداء بينما تحمد الله ثم قالت : -   ناوية تقوليله ؟ -   انتي خايفة ليه ؟ انتي مش غلطانة عمي وليد الغلطان -   بصي انا عارفه إننا و لا إصحاب و لا زفت و لا عمرنا هنكون إصحاب .. بس أبوس إيدك .. بلاش تقولي لوجيه .. انا مستعدة أعملك أي حاجة إنتي عايزها .. أول أخلي وجيه يعملك أي شيء نفسك .... قاطعتها : -   انا مش عايزه حاجة ... خلاص مش هقوله . نظرت لي بغرابة و قالت : -   ليه ؟ -   أنا مش بف*ن على حد .. و كل الناس عارفه اللي حصل أصلا هقول تاني ليه . إبتسمت بأسى و قالت للتهكم : - انتي طيبة زي أبوكي ولا إيه ؟! - بابا كان كده كده هيجوز سواء منك و لا من غيرك و برضه لا إنتي و غيرك ممكن تغيروه من ناحيتي. جلست لسرير من إثنين و قالت : - أنا مش عايزه أغيره .. انا بحبه كده و بحبك إنتي كمان .. انا عمر ما حد طبطب عليا غيرك .. و وعد مني يا سما هدلعك دلع عمرك ما شفتيه .. يايلا بينا . - على فين ؟ لم تجيبني و خلعت ملابسها على المرآي بلا خجل و أنا من خجلت إنما ذهب الخجل و حل التعجب لما رأيت جسدها المش*ه فقد حسبتها تملك من الجمال كل شيء إلا تلك الندبات الداكنة عن باقي بشرتها البيضاء. ذهبت لخزانتها و أخرجت جونلة قصيرة و قميص حريري أزرق و راحت ترتديهما بسعادة لا أعرف سببها و انا من ظننتها تحولت للحشمة كما قال أبي. - بابا هيزعل لو عرف إنك بتلبسي قصير . - و هو هيعرف منين مش قولتي مش بتفني على حد ؟ أنا إبنة بارة و لذلك قررت من تلك اللحظة مساعدة أبي على ضبط جماح زوجته الجديدة بالحيلة . قلت : -  عارفه المهندسة هنا ؟ - دي حبيبتي, صاحبتي, وجيه عرفني عليها. - هنا بتقول المرأة بما ترتديه و ليس بما تخلعه .. دي غنية جدا ولفت العالم  و كل لبسها مقفل و شيك جداً . إنقلبت شفتاها بحنق ثم قالت بطفولية : - عندك حق .. ثم قالت بنبرة باكية قليلاً .. و لازم أتعود ألبس مقفل أصلاً عشان وجيه ما يزعلش . ذهب عن وجهها تعبيراته المتردية الغريبة و جذبتني من يدي لأجالسها على السرير و قالت بشغف : - مامتك كانت بتلبس إزاي ؟ عايزة ألبس زيها. و حينها ضحكت كما لم أضحك أبداً.    
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD