زائر الليل

1206 Words
بقوة لا تقبل التفاوض اوقفتها قبضته الحديدية التي ألتفت حول ذراعها مما ارسل موجة ألم في بدنها لم تعرها بالاً نظراً لحالة الهلع التي كانت فيها . حدقت في عينيه الغاضبتين والقاسيتين ، لم يكن ذلك الرجل يعرف معنى التسامح . خلال بعض لحظات اخذ اليأس منها مأخذه فأخذت تقول في نفسها انها النهاية، حتى ظهر و لرحمة القدر رجل كهل يقود دراجته مما صرف انتباه فادي المريب للحظات كانت كافية لرنيم كي تفلت من قبضته و تجري مختفية بين حركة الناس والزحام . نجت بأعجوبة . هكذا قالت لنفسها بينما هرولت الى منزلها و قد وعدت نفسها ان لا تكرر حماقة تصرف ،كاللحاق برجل خطير كفادي، مرة اخرى. بوصولها للمنزل كانت سمر تنتظرها بقلق " اين ذهبتِ في هذا الوقت من الليل يا فتاة ! لقد كنت قلقة بشأنكٍ" ردت رنيم بعد ان ألقت نظرة خاطفة على قريبتها التي كانت مستعدة للخروج مع حبيبها كما سرت العادة. " لا شيء يثير القلق، فقط قمت بجولة في الانحاء لاتنفس بعض الهواء النقي و لاصفي ذهني" ارادت بذلك صرف انتباه سمر لكن الع** هو ما حصل فقد جلست بجوار رنيم و هي تسأل بتوتر وتخوف " لماذا؟ هل عادت ذكريات الماضي لتعذبكِ من جديد؟ ألم اخبركِ مرارا ان تتركي الامر ورائكِ فهو لم و لن يستحق ما تفعلينه بنفسكِ" قاطعتها رنيم " سمر ..سمر لحظة من فضلكِ عزيزتي لقد فهمتِ الامر بطريقة خاطئة. اذا اخبرتكِ انني اردت ان اصفي ذهني فليس معناه انني امر بانتكاسه . اعدك لذلك لا تقلقي و تهولي الامر ، اذهبي لرامي او سامي او مهما كان اسمه فلا بد انه ينتظركِ" هي " اسمه رامي! انتِ محقة ، لم يتوقف عن مراسلتي منذ ساعة ، هذا الرجل لا يعرف معنى للصبر!" رنيم بنبرة مازحة كما هو دائما حالها " توقفي عن التذمر فأنتِ مجنونة به و هذا واضح بالفعل، لذا اغربي عن وجهي" نظرت بتفحص لوجه رنيم قبل ان تطمئن و تغادر على عجل . كانت سمر هي الشخص الوحيد المتبقي لرنيم والتي كانت تهتم لامرها حقا. بالرغم من انهما اختلفتا بالشخصية وبرؤيتهما للحياة الا ان صداقة عميقة تكونت بينهما عندما وقفت الى جانب رنيم في احلك اوقات حياتها بعد اجهاضها و طلاقها من زوجها، و لذلك فقد كانت شخصا غال و عزيز على قلب رنيم. كانت تشعر بها بع** والدتها واختيها اللاتي لم يعرن لألم ما مرت به بال و اخذن يدفعنها دفعا نحو بدء حياة جديدة و الزواج من شخص كانت ام رنيم تريده لها من قبل ان تعرف زوجها السابق. هكذا رنيم تركت منزل عائلتها و لجأت الى سمر التي يكرهها كل من في العائلة و يصفونها بالمرأة الفاسدة اللعوب. سمر التي تزوجت لثلاث مرات وجميعها انتهى بالفشل قررت ان تختار زوجها الرابع بعناية من خلال مواعدة الشخص لوقت طوسل كاف ليجعلها تعرف جوانبه السيئة و لكن للاسف كان ايضا كاف لجعل الجميع يحسب و يراقب جميع من عرفتهم ايضا مما ترك المجال لمخيلاتهم بنسج شتى انواع الروايات والقصص. لكن سمر التي كانت تعطي الجميع انطباعا بانها امرأة سوء بلباسها وانفتاحها ، كانت في الحقيقة امرأة بسيطة لاتعر بالا بأحد و تبحث فقط عن حب رومانسي يدوم للابد. ولانها كانت تنصدم بجفاء و جفاف الحياة الزوجية على ارض الواقع فقد كانت تنهي الامر دائما بالطلاق و الانسحاب م**ورة الفؤاد. كان هنالك اختلاف واضح بين سمر و رنيم فشخصية رنيم كانت الع** تماما من سمر . موت والدها الذي شكل صدمة لها وهي في اوائل سنوات دراستها الجامعية جعل منها شخصاً اكثر نضجاً و جعلها ترى الحياة والناس بشكل جدي يثير في قلب من يراها بنظراتها الثابتة الواثقة نوعا من الهيبة والوقار . كانت متزنة و تعرف ما تريد و كيف تحصل عليه. و في حال ان الحياة وضعت في طريقها العواقب ،كانت لا تكل او تمل حتى تتعداها. كانت معالجة نفسية كفؤة و ذات مكانة في دار الرعاية التي كانت تعمل فيه . كل شيء كان يسير على ما يرام ،رغم ان زواجها ظل طوال الوقت يعاني من الاهمال فقد قررت وزوجها غن يحاولا معا لاصلاح الامر و اصبحت حاملا بطفلتها التي احبتها بجنون من قبل حتى ان تراها ، ثم اتى ذلك اليوم المشؤوم الذي سقطت فيه واتصلت فيه لزوجها سلطان كي يأتي لنجدتها و هو بدوره كان في اجتماع عمل ولانه كان مهووسا بعمله قرر ان يكمل الاجتماع ثم ذهب الى زوجته ليجدها مغشياً عليها وتنزف ، و هكذاخسرا طفلتهما قبل ان تتمكن من رؤية الضوء. رنيم بعدها لم تتمكن من تخطي الامر او مسامحة زوجها ، فانتهيا بالطلاق رغم ان سلطان لم يرد ذلك و ظل يترجى رنيم كي يبدآ صفحة جديدة ،دون جدوى . و بذلك الحال اجتمعت رنيم بسمر ، خلال عامين تشاركت الاثنتين الحياة بحلوها و مرها . و وقفت كل منهما تدعم الاخرى . تجاوزت رنيم محنتها و تجاوزت الحادثة المريرة التي ألمت بها . بعدها قررت ان تتخذ في الحياة مسارا عمليا و ان تنسى مسألة ايجاد الشخص المناسب او فكرة تكوين عائلة من جديد . قررت ان تضع كل تركيزها في عمل الشيء الذي احبته و هو مساعدة المتأزمين نفسيا و عملها كمعالجة نفسية . بالرغم من انها برفضها انشاء عائلة جديدة كانت تعلم ان ذلك دليل على انها لا تزال تحتاج الكثير لتتجاوزه لتعود بخير من جديد ، لكنها قررت ان تترك عملا شاقا كهذا للزمن، مؤمنة ان لا جرح يدوم امام الوقت مهما عظم. ••••••••••••• في الشقة الواسعة الانيقة التي عاشت المرأتين المتناقضتين معا في احدى الادوار العلوية التي من خلال نوافذها كان بإمكانها رؤية المدينة كلوحة فنية جميلة ، اخذت رنيم تحدق في سماء تلك الليلة التي اضاء فيها قمر غير مكتمل سحابات زغبة تناثرت هنا و هناك لتعطي مشاهدها شعورا بالانشراح لسبب ما. كانت رنيم غارقة في تذكر اللحظات التي غنت فيها لابنتها - التي كانا قد اسمياها رهف- في كل ليلة وهما وحدهما في الظلام. و تلك الملابس الصغيرة التي كانت قد راكمتها و هي تنتظر اليوم الموعود للقاء بحماس .. كل ذلك كتب عليه ان يتبخر كما لم يكن . كان اكثر ما يؤلمها ان فلذة كبدها لم تحظ بفرصة لترى العالم لتلتمس دفء ص*ر امها او تكبر لتلعب و تتعلم وتدرس و تحب و تتزوج و تنجب هي الاخرى.. كل ذلك حرمت منه دون ادنى ذنب منها. ثم بعدها تتذكر ان الحياة بطبعها غير عادلة و اننا بتقبلنا الامر و بإيقاننا ان الله يفعل كل شيء لحكمة و ان له غاية في كل شيء ، توحد و تسبح لله ثم تقول مواسية نفسها " ربما ان عاشت لكانت توفيت لالف سبب اخر ، عندها كنت لاشعر بمرارة اعظم واكبر" ثم عادت تحدق في ملكوت الله. عندها رن جرس الباب و كم كان ذلك غريبا عليها ، فلم يكن لهما زوار مهما يكن وبالليل على وجه الخصوص. لم تكن قد طلبت طعاما او دعت احدا للزيارة لكن الجرس ظل يرن باصرار. توجهت و قد شعرت بشيء من التوجس و نظرت في العين السحرية عبر الباب لترى من هناك . لم يكن هنالك احد. حاولت ان تتجاهل الامر و تعود لغرفتها بينما قشعريرة اصابتها بمزيد من الخوف. لكن الجرس رن مجددا و مجددا . ذهبت لترى في ثقب الباب ولم يكن هنالك من احد مرة اخرى. صوت في داخلها اخبرها ان شيئا ما سيء جدا كان ليحدث لها اذا تجرأت و فتحت الباب لتعلم من يكون الطارق. و فكرة مخيفة جالت ببالها " هل يعقل انه لحق بي ؟ هل تمكن من معرفة مكان اقامتي فادي ذو العينين المخيفتين؟!" دق قلبها برعب ض*بات متتالية سريعة بينما انزوت رنيم في احدى الزوايا القريبة من الباب . و باصرار هادئ ظل جرس الباب يرن. ©ManarMohammed
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD