العجلة الثالثة

1299 Words
توقف فجأة صوت الجرس " ماما ،لاتفتحي الباب" سمعت رنيم صوت ابنتها يحذرها، كانت تعلم انه صوت لا وجود له الا في رأسها و مع ذلك كانت لا تفتئ تنصت اليه بإمعان كما لو انه كان حقاً صوت ابنتها التي ماتت قبل ان تقول حرفاً او يسمع لها صوت. كانت بحكم مهنتها تعلم انه نوع من الهلوسات التي ابتكرها عقلها وقت الصدمة كنوع من المواساة لها ، و انها لن تكون حقا بخير حتى تتوقف عن سماعه و مع ذلك كانت تشعر بالسعادة ان تفكر ان روح ابنتها لا تزال حولها و تتواصل معها، و خصوصاً في تلك اللحظة التي كانت فيها مذعورة. بعد ان سمعت صدى صوت ابنتها المتوفاة ، قامت و نفضت عنها خوف الطفولة، و قررت التواصل مع امن المبنى. اتصلت بحارس المبنى الذي اجاب على تساؤلها " نعم سيدتي لقد اخبرني بأنه زميلك في العمل و انكِ اضعتِ هاتفك و هو وجده و اراد ان يعيده لكِ. لقد غادر لتوه سيدتي " تدافعت التساؤلات عن كيف ولماذا كان يقف ذلك الرجل امام بابها. كانت رنيم ترتعش دون شعور ، بالرغم من ان صوت الجرس قد هدأ. " كان كل ما اخبره للامن كذب و احتيال ، لكنها لم تستطع لوم الحارس لتصديقه كل ذلك الكذب، و كيف كان بإمكانه معرفة انه كان يتعقب رنيم و انه كان لا يقول الحقيقة عندما اختلق عذراً ليذهب الى شقتها. لكنها حرصت ان تخبره بأن لا يدع ذلك الشخص يدخل المبنى مرة اخرى تحت اي عذر كان. ذهبت لتجلس على الاريكة ، غير قادرة على الشعور بالامان . لا تملك ادنى فكرة لماذا جاء اليها و عمّ كان يريد قوله.. او فعله. ••••••••••••• في صباح اليوم التالي افاقت رنيم بعد ليلة صعبة لم تتمكن فيها من النوم حتى ساعات الفجر ، افاقت على نفس الهاجس الذي نامت عليه و هو فادي عوض. بعد اخذ بعض القسط من الراحة والنوم ، تمكنت من ان تبت في الامر بأن قررت انها لن تفسر في الامر كثيراً ، و عدى انها يجب ان تحاول تجنبه في المستقبل ، لم ترى انها احتاجت اجراء اخر لتتخذه بشأن ذلك الرجل . مر يوم و اثنين ثم ثلاثة وخمسة ، كانت لا تزال تراقب من نافذتها مجيء فادي و لا تكف تسأل نيرمين كل يوم عنه و تؤكد عليها بإنها يجب ان تخبرها فور مجيئه. ثم و في اخر يوم في الاسبوع عندما كانت رنيم تساعد قريبتها في اغلاق المحل اذا بسيارة مستوردة باهظة الثمن تجذب انتباه سمر بعد ان توقف امام البار المقابل . سمر " بقي لدي حلم ان امتلك سيارة جميلة كهذه لاشعر انني -" رنيم مقاطعة " لا تقولي سعيدة. اذا بقيتِ على هذا الحال تربطين سعادتكِ بما يمكنكِ ولا يمكنكِ شراؤه ، فلن تنتهي قائمة ماتريدين شرائه ولن تسعدي ..." تعلقت كلماتها في الهواء دون ان تنهيها لانها صدمت لرؤية فادي عوض يخرج من السيارة الفارهة ليفتح الباب لأمرأة شابة جميلة. تلك الشابة لم تكن سوى نيرمين التي صعدت على سيارة الرجل الذي ظلت تحذرها منه طوال الوقت دون اية مخاوف . شعرت بوجهها يحتقن غضباً صرخت بوجه سمر ان تسرع و ما ان وصلت مستغربة امر انفعال رنيم حتى امرتها بنبرة لا تفاوض فيها ان تقود بسرعة و تلحق بالسيارة الحمراء التي كانت قد بدأت تتحرك. نفذت سمر امر رنيم و هي تتذمر من ان رنيم تتصرف بغرابة مؤخراً. ثم اخذت تسأل رنيم عن السبب ، لكن الاخرى لم تكن تستمع حتى لكلامها ، فقد ركزت جهدها في ان لاتبعد نظرها عن السيارة كما لو انها تخاف ان تختفي من امامها و يتمكن فادي من فعل شيء سيء بنيرمين الحمقاء المسكينة. استمرت الملاحقة لربع ساعة تقريباً ، ثم اخذت سيارة فادي تبطئ لتدخل احد الاحياء المزدحمة القديمة ، كان ذلك مالم يدر في بال رنيم كأحتمالية. توقفت السيارة و خرج فادي و من ثم نيرمين و اخذا يتكلما للحظات ثم ودع الرجل نيرمين وفتح باب سيارته مغادراً ليرى رنيم التي انطلقت متجاوزة اياه كما لو انه لم يكن هناك وامسكت بنيرمين موقفة اياها و التي بدورها جفلت من المفاجأة . تكلمت رنيم بحنق " مالذي تفعلينه بعد كل ما حدثتكِ عنه بشأن هذا الرجل ؟ هل جننتِ؟ لابد انكِ تحاولين استفزازي لا غير!" تلعثمت نيرمين للحظة ثم أبعدت يد رنيم عنها و قالت " اعتقد بأنكِ تبالغين. انه شخص لطيف .. حتى انه اخبرني بأنه معجب-" اطلقت رنيم صرخة سخرية بينما ارمقت فادي الذي عاد ليرى ما يحصل نظرة استصغار و قالت " هل تقولين الان انكِ ستواعدينه؟ هل تريدين الموت؟ سأقتلكِ بنفسي ان بقيتِ بهذا الغباء!" قفزت سمر بين نيرمين و رنيم و اخذت تجر الاخيرة و هي تعتذر محرجة من كل من نيرمين و فادي . تلاقت نظرة رنيم بفادي الذي بدى مستمتعاً اكثر مما يجب و قال مستفزاً رنيم " ماذا؟ هل تريدين القدوم ؟" كان يقصد الموعد و رنيم ازاحت سمر عنها بصعوبة و وقفت بتحدٍ تخبره " بالطبع انا قادمة ، هل تظن بأنني سأدعك بهذه البساطة ؟" قال بنبرة متساهلة " غداً التاسعة مساء في مقهى فندق ساوث" ارتبكت المرأة للحظة و لم تكلمه بل وجهت كلامها لنيرمين تخبرها ان تدخل في الحال الى منزلها. و شاهدتها بهدوء تفعل ذلك ثم نظرت الى فادي و هي تقول متوعدة " لا تعتقد بأني لن آتي " اشارت بيدها لسمر بالمغادرة دون ان تنتظر اجابة ، فادي تكلم على اية حال " لا امانع الفواكة الناضجة فهي ألذ من اليانعة" كان ذلك كلاماً سوقياً من شخص اعتبرته رنيم بدائياً و لم تكلف نفسها عناء اجابة بذيء مثله. عادت المرأتين للسيارة و سمر في حالة من الدهشة فقد كانت تلك المرة الاولى التي ترى فيها رنيم تتصرف بمثل تلك الطريقة الجنونية و المقامرة ! ••••••••• في مساء اليوم التالي قررت رنيم التوجه مبكراً الى مكان اللقاء و التربص بالاثنين. وقفت وراء احدى اعمدة الفندق الضخمة في الردهة و اختبأت منتظرة بصبر، لم يكن قد اتى فادي او نيرمين رغم ان الساعة كانت التاسعة بالفعل . ألتفتت على احدهم نكزها على كتفها ، نظرت اليه فإذا به فادي و قد اكتشف غطاءها بالفعل . " هل هوايتك الترصد بالاخرين ام انكِ مهووسة بي دون سواي؟" شعرت بالحرج للحظات ثم قررت ان لا تفعل.نظرت نحوه نظرة لا مبالاة و نفاذ صبر و كان ذلك كفيلاً لاجابة سؤاله. " هلاّ شرفتيني؟" اشار بيده لتتبعه نحو طاولة امام منظر اشجار مطلة على حديقة المكان. ففكرت رنيم ان لا بأس بالجلوس الى حين انضمام نيرمين لنا . ما ان جلست حتى علق بدهشة "لم اصدق بأنكِ ستأتين حقاً؟ الا تخجلين من كونك العجلة الثالثة؟" رنيم ببرود و هي تنظر نحو الاشجار " لا ، لست اخجل " فادي تكلم مما استرعى انتباه رنيم لما قاله " لماذا انتِ تلحقين بي بلا هوادة؟ انا محتار في امركِ جداً! في بادئ الامر ظننت بإنكِ جاسوس لاخوتي او انكِ ضمن احدى الخطط الخبيثة لهم.. اعني كيف لأمرأة لديها حس سليم ان تلحق برجل؟ .. حتى انني اتيتِ الى منزلكِ لاخيفك دون ان ينجح الامر معكِ! انتِ جداً مختلفة ! لكن بالنظر في الامر لم اجد سوى احتمالين اما انكِ وقعت في حبي منذ اول نظرة و هأنتِذا مهووسة بي او انتِ فقط طبيبة مجانين مجنونة ، اخبريني أيهما الاجابة الصحيحة؟" استفزها انه يعلن انه تحرى بأمرها ليعرف معلومات شخصية عنها . وبوصفة المتخلف بالمعالجة النفسية بطبيبة مجانين ،لكن ذلك لم يكن لينفع معها و اسلوبه العدائي في الكلام لم يكن الا ليستدرجها لتفقد هدؤها فهي كانت اولاً و اخيراً دارسة لعلم النفس و تعلم اكثر منه في مجال التلاعب و الاستفزاز. نظرت اليه مباشرة في عينيه بتحدٍ و قالت " اعتقد ما اردت ، و رجاء توقف عن الكلام معي " هو بحماس " انتِ محقة ، يكفينا كلاماً مملاً . نيرمين لن تأتي و انا اعلم ما تريدين فلا داعي للمقدمات. لقد حجزت جناحاً هنا، سيعجبكِ. لكنني سأعجبكِ اكثر" مرر اليها مفتاحاً و غمز بعينيه بينما علت وجهه ابتسامة م***فة " لم تتمالك هنا رنيم نفسها و اخذت كوب الماء ورمته عليه ،ليس فقط الماء بل و كوبه كذلك. مما جعله يجفل و يجلب نظر الجميع اليه ، بينما مشت مغادرة تلعنه .
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD