الفصل الرابع

1569 Words
وأخيراً انتهت رحلتي وعُدت إلي منزلي , الحقيقة لم أكن سعيدة أبدا بعودتي , كنت أعلم أني عائدة إلي غرفتي وأفكاري واكتئابي , ولكن بالإضافة كنت عائدة كُلِّي طاقة وحيوية , شعرت بأن زيارتي للكعبة وربي ، أثرت كثيرا في شدَّتي هذا , آااه آاااه يا ربِّي ! شدَّتي ! وأيُّ شدَّة يا إلهي ! فأنا فقدت فيها حبي وسعادتي وحياتي .. الصبر الصبر يا إلهي الصبر ... وأخيراً عدُّت إلي منزلي , وجدت أسرتي يستقبلوني بمنتهي الترحيب والسعادة والشوق ، كأنهم يعتذرون لي عما بدر منهم ، أي أنهم كانوا السبب في فقداني لأحمد , كانوا يستقبلونني بسعادة وفرحة ، حيث من البداية لم يعترض أحد علي سفري وخروجي وبياتي خارج المنزل ، لأنهم كانوا يعلمون أن كل ما حلَّ بي كان بذنبهم ... فاستقبلتهم أنا أيضا بترحيب وشوق وسعادة ، كأن لم شيئاً يكن , ففي الحقيقة كنت قد اشتقت إليهم , قضينا معا سهرة جميلة ، ثم بعد يومٍ شاق طويل ، دخلت إلي غرفتي بل الي خُلوَتي وأفكاري ... في الحقيقة لم أُفكر كثيراً ، فقدت كنت متعبة كثيراً ودخلتُ في نومٍ عميق ... كنت أظن حينما اعود سأكون فاقدة للشغف ، ولكل شيء ولكن حدث ع** هذا , فقدت صَحوْت من النوم وكُلِّي نشاط وحيوية وطاقة ، واستعنت بالله في كافة أمور حياتي ، ثم طلبت من الله كثيرا أن يسامحني ويعفو عني ، وعن عائلتي لما بدر منا في حق أحمد ، ولما تسببنا فيه من جَرْح قلبه , ثم تمنيت من الله أن يعوضه بأحسن مني ويرزقه السعادة في الدنيا والآخرة ... نعم لم أُغلق الموضوع نهائيا , فقد كنت أراه في كل مكان , وقد كنت أتذكره في كل وقت , وقد كان قلبي يحن إليه في جميع الأوقات , بل كان ينطق بإسمه ويشم رائحته ويسمع صوته ... كان صعباً كثيراً أن أخرجه من قلبي وحياتي هكذا بسهولة , فقد أخبأته بداخلي وخبأت ذكرياته وكل شيء متعلق به بداخلي .. ثم خرجت للعالم الخارجي وكأن لم شيء يحدث ولكن هذا من الخارج فقط , فقد حدث كل شئ بداخلي .. إبتديت أسبوع جديد من حياتي وبدأت أذهب إلى عيادتي وإلي مرضاي مرة ثانية ، وإنتبهت لحياتي مثل الأول .. مَرَّ يوم واثنين وأسبوع واسبوعين وشهر وشهرين وثلات ... مَرَّت الكثير من الأيام ولكن لم ينساه قلبي لثانية , لم يمل قلبي لحظة واحدة من ذكر اسمه بيني وبين نفسي , لم تَكُف نفسي عن إحساسي بالذنب تجاه وجُرح قلبي ... كنت غارقة في أفكاري ، وشتات أمري حتي أفقت وصحوت علي رنة هاتفي ، فوجدت أمي هي من تطلبني , فتحت الهاتف وأجبت " نعم يا أمي " , فقالت أمي لي " كيف حالك يا حبيبتي يا طبيبتي , مريم ! سأدخل في الموضوع فوراً .. هناك عريس إليكي يا ابنتي يريدك ، يريد أن يتزوجك ويريد أن يأتي إلينا اليوم .. أرجوكي آجوكي يا إبنتي فَكِّري كثيراً قبل أن ترفضي هكذا ، مثل كل مره منذ نهاية موضوع أحمد , أرجوكي يا إبنتي فأنني في الطريق إلي الثلاثون سنة , نحن في مجتمع شرقي يا إبنتي ينظر إلى الفتاة المتقدمة في العمر ، والغير متزوجة بنظرة مختلفة حتي يظنوا أن بها شيء .. أرجوكي يا إبنتي الفرص لا تتكرر , إنه عريس مناسب جداً إليكي ، وأنتي تعرفينه وهو يعرفك ويحبك ويريدك , جَهزي حالك الليلة سيأتي , أراكي هذا المساء يا مريم " ثم أغلقت أمي الهاتف وانهالت عليّ جميع الأفكار والتساؤلات والدهشة والخوف ، وكل شيء يربكني .. كيف وماذا ومن وأين ومتي , ثم وَجهت الكلام لنفسي قائلة " ماذا أفعل يا إلهي؟ ! هل حقاً أنا كبرت وسيفوتني القطار؟! هل أستمع لأمي واقبل وأكمل حياتي بدون أي مشاعر ؟ ! هل أتغاضي عن كل ما بداخلي ؟ !! أنهيت مكالمتي مع والدتي وأغلقت الهاتف ، وفي قلبي أحمل حيرة الدنيا .. لا استوعب ما حدث ، بل لا استوعب حتي الآن أنه لا يوجد أحمد ، وسيحل محله آخر , انتفض قلبي لمجرد التخيل فقط , ارتعشت يداي بل لم تكن تستطيع قدماي أن تحملاني ، من مجرد فقط التخيل ! انقضي اليوم ، وعُدتُ إلي منزلي وكُلي حيرة وخوف وقلق ، وجميع مشاعر الدنيااا المختلفة ، مجتمعة بداخلي هكذا كإنسان عجوز تائه ، حيران بلا مأوى .. دخلت إلي المنزل ووجدت أمي وأبي ينتظراني ، وفي أعينهم أمل كبير جدااا بسمع كلمة موافقة مني .. حين أغلقت باب المنزل قال لي والدي " يا ابنتي لا أريدك أن تستعجلي امرك ، لا أريدك أن تأخذي الموضوع هكذا ، توافقي عليه بمجرد إفراحنا , نحن سنفرح أكثر وأكثر لرؤيتنا لسعادتك ، ورضاكِ يا حبيبتي , خذي وقتك ، ولا تستمعين لكلام الناس ولا للحاجة فاطمة أي أمك , استمعي لقلبك يا ابنتي ، ووفقك الله في اختيارك أياً كان " لا استطيع ان أنكر أن كلام والدي إليّ بعث في قلبي ، بعض الطمأنينة بغض النظر عن نظرة أمي إليه بغضب ، ورفض وهو يتحدث .. ثم أوطأت برأسي لأبي وحضنته وضممته الي ص*ري ، وقبَّلت يديه ورأسه قائلة له " أدامك الله لنا يا خَيْرِنا ، بل أدام عليك السعادة والرضا وأرضاك بي أنا وأخي .. أحبك كثيراا " ثم دخلت إلي غرفتي ، وأغلقت الباب ثم استبدلت ملابسي ، ولم أجد مفر ولا ملجأ ينجدني من موقفي هذا ، غير ربي .. ربي يا إلهي من لي سواك ومن سواك يري قلبي ويسمعه ، ومن لي ألوذ به إياك يا سندي ... لم أستطع أن أُنكر إطلاقا بأن شَتَّي تفكيري وقلبي وعقلي ، بل وكلكي يفكر بأحمد .. ولكن , ولكن لا ملجأ ولا مفر من القدر والنصيب , لا يوجد أي اختيار آخر غير إخراجه خارج حساباتي وتفكيري ، الآن حتي استطيع ان اهتدي للاختيار الصواب المُوفَّق .. وصرت أحدث نفسي قائلة .. إخراجه الآن ؟ ! الآن فقط ؟ ! الآن ماذا يا مريم أفيقي ! لا بد من إخراجه إلي الأبد لا بد .. سيسامحك الله وسيسامحك أحمد ,، لأن الله يعلم ما بداخلك ويعلم نواياكي له ... وأولاً واخيرا بل في كل وقت لجأت إلى ربي ، وتوضأت وفرشت مصليتي متجهة لربي ، وكلي يقين بأنه لن يخيب ظني دعوت دعوت كثيراااا ، وتوسلت إلي ربي سبحانه وتعالى , كثيرًا ما يحتار الإنسان في بعض أمور الدنيا ؛ كأن يقبل بأمر ما أم يرفضه ، أو يحتار في الاختيار بين شيئين ، ولا يعلم أيهما خير له .. ولذلك علمنا رسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم ، علمنا صلاة الاستخارة .. والاسْتِخَارَةُ هي طلب الخيرة في شيء ، أي طلب خير الأمرين لمن احتاج إلى أحدهما . « ابن حجر : فتح الباري في شرح صحيح البخاري » أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الاسْتِخَارَةَ سُنَّةٌ ، وَدَلِيلُ مَشْرُوعِيَّتِهَا ، مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه « اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ » الحديث . إذا تعرض أحدنا لأمور يتحير منها وتتشكل عليه ، يحتاج للجوء إلى خالق رب السموات والأرض ، وخالق الناس ، يسأله رافعاً يديه ، داعياً مستخيراً بالدعاء ، راجياً الصواب في الطلب ، فإنه أدعى للطمأنينة وراحة البال ، فعندما يقدم على عمل ما ، كشراء سيارة ، أو يريد الزواج أو يعمل في وظيفة معينة ، أو يريد سفراً فإنه يستخير له . يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : ما ندم من استخار الخالق ، وشاوو المخلوقين ، وثبت في أمره ، وقد قال سبحانه وتعالى : « فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ ، لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ ، لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ ، وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ، فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ » سورة آل عمرا ن : 159، وقال قتادة : ما تشاور قوم يبتغون وجه الله إلا هدوا إلى أرشد أمرهم .... والاستخارة مع الله ، والمشاورة مع أهل الرأي والصلاح ، وذلك أن الإنسان عنده قصور أو تقصير ، والإنسان خلق ضعيفاً ، فقد تشكل عليه الأمور ، وقد يتردد فيها فماذا يصنع ؟ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : يُعَلِّمُنَا الاسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا ، كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ يَقُولُ : إذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ ، مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلْ : «اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلا أَقْدِرُ ، وَتَعْلَمُ وَلا أَعْلَمُ ، وَأَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ .. اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ ( توفيقي وهداي لاختيار شريك حياة مناسب ، تقي عفي يعرفك جيدا حق المعرفة يا الله ) خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي ، فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ .. اللَّهُمَّ وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الموضوع يكمن فيه الشَرٌّ لِي ، فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي ، فَاصْرِفْهُ عَنِّي ، وَاصْرِفْنِي عَنْهُ ، وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ، ثُمَّ ارْضِنِي بِهِ يا الله ، يا رب آاامين آاامين ... أنهيت حديثي ودعائي مع الله ، ثم لا أدري ما حدث بعدها ، حتي سجدت إلي ربي وانهمرت في بكائي وأظهرت ضعفي وقلة حيلتي .. أخبأت علي العالم كله ضعفي ، ولكن لا استطيع أن اخفيه عليك يا الله .. أستعين بك وألجأ وألوذ إليك ، فقوني بك واختر لي ولا تخيرني ، فإني لا أحسن الاختيار ولا التدبير .. وعوضني وعوض قلبي صبرا وخيراً يا الله ... ثم نهضت واستلقيت علي سريري وسلمت جميع أموري الي الله ، فهو وليها ومولاها قادر يبدل خوفنا أمنا وحزننا فرحا .. تبدل قلبي بين شمس وضحاها في غمضة عين ، إلي اطمئنان ورضا ويقين وراحة ، بعد حديثي مع الله ثم انغمرت في نومٍ عميييق ، وقلبي مليء براحة واطمئنان لم أشعر بهما منذ زمن .. استغرقت في نومي ، وكل أمل بأن اصحو علي يومٍ بل علي حياة جديدة مرضية لي ولقلبي , وكل هذا بسبب ثقتي في ربي فإني أحبه كثيرا " الله سبحانه لا إله إلا هو "
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD