الفصل الثالث

1423 Words
مرّ شهر علي موعد خطوبتي لأحمد .. وأيضاً مرّ علي خضوع والدىّ ، وقبولهم بالخطبة وبأحمد نفسه .. نعم لم يكن القبول التام ، ولكن أستطيع أن أقول القبول بعض الشيء .. كنتُ في أتم السعادة معه وبجانبه .. كان هو أيضا سعيد للغاية .. لك أن تتخيل كيف يشعر القلب ، حين يلتقي بنصفه الآخر ، بل حين يلتقي بروحٍ له تحييه .. قضينا شهرين من خطبتنا كدنا فيها نحلق في السماء ، من فرط سعادتنا .. شهرين فيهما لم تري أعيننا سوي بعضنا ، وعُميت عن كل حديث عارض لعلاقتنا سويا .. ولكن لم أستطع أن اتغاضي كثيراً عن حديث الآخرون ! أسمع كثيرا خالتي تتحدث مع أمي ، متفاجئة كيف وافقنا علي أحمد ، وأنه شخص لا ينسابني مهما كان هو شخص جيد ، ولكن لابد من التساوي الاجتماعي أيضا ، وأنها علاقة لا تليق بالمجتمع ولن يُعترف بها أحد .. , يوما بعد يوم بدأت عيني تري ، وبدأ قلبي يسمع ، وبدأت مرآة الحب العمياء تنكشف .. في كل زيارة لأحمد لي في المنزل كان يجلب لي في كل مرة علبة من الحلويات كبيرة ، منقاة من يديه , كنت أفرح بها كثيرا .. ولكن , ولكن لم تكن تسلم أذناي من حديث أمي وأخي الأصغر , كانا في كل مرة يأتي بها أحمد حاملاً لي علبة الحلويات ، كانا يستهزئا بها وبه . . كنت أحزن كثيراً لحديثهما عن أحمد .. وفي يوم كان موعد أحمد معي في منزلنا ، ولكن لظرفٍ ما تأخر قليلاً , حتي ظننت أنه لن يأتي .. وإذ بي خرجت من غرفتي ، وجلست مع والديّ وأخي انتظره وإذ بأخي الأصغر يمزح بصوت مرتفع وبإستهزاء ويقول " ألم يأتي صاحب الحلويات بعد ؟ ! أم مازال يصنع الحلويات بمحله ، وهذا هو سبب تأخيره ؟ ! " , وتابعت أمي بعدها حديث اخي ، موجهة الكلام إليه قائلة " ماذا نفعل يا بني ! ربينا وكبرنا وفي النهاية نجلس وتجلس أختك الدكتورة مريم صاحبة أكبر عيادة في القرية ننتظر علبة حلويات تأتي .. يا للحظ " لم تسلم أذناي من التقليل الكبير ، هذا من شأن أحمد ، وإذ بي قطعت حديثهم بل سخريتهم قائلة " يكفي يا أمي يكفي هذا الكلام الذي لا فائدة منه ، نعم أعلم أنه أقل مني ، ولكن أحبه ماذا أفعل لا أفهم ؟! " مرّت ساعتين وأيضاً لم يأتي أحمد ! حتي تأخر الوقت كثيراً ، فعرفنا أنه لن يأتي هذه الليلة ، ولكن لم أكن أعلم أنه لن يأتي إلي الأبد ! هَمَّ أبي وأمي للنوم ، وهَممتُ أنا للدخول لغرفتي ، وإذ بأخي قال بأنه سينزل يَشتري شيئاً من السوبر ماركت ، وإذ به يفتح باب الشقة ، حتي وقعت عيني على كارثة كادت أن تصعقني ! يا إلهي أرجوك لا يحدث الذي ببالي ! يا إلهي أرجوك لاااا ... ! وقعت عيني علي علبة حلويات من أحمد ملقاه أمام باب الشقة ! معني هذا أن أحمد اتي إلي هنا , يا إلهي أيعقل أن قد يكون سَمِع حديث وسخرية أخي وأمي منه ، لذلك لم يطرق الباب ولم يدخل ؟ ! يا إلهي ارجووك لاااا شاهد أبي وأمي هذا المنظر ، فلم ينطقا بكلمة واحدة . . يا إلهي هذا يعني أن ما أفكر به صحيح ! ! يا لوجع قلبي وقلة حيلتي ! وقفوا جميعاً لم يتفوه أحد بكلمة واحدة ! حتي هَممتُ أنا بأخذ علبة الحلويات الملقاه على الأرض أمام باب الشقة ،وكلي هزيمة وقهر وحزن وان**ار , أخذتها ودخلت سريعا إلي غرفتي ، وأغلقت الباب حتي لا يتحدث أحد معي بكلمة واحدة ! وإذ بي فجأة سمعت صوت رسالة مرسلة إلي هاتفي , ارتعشت يدي وتجمد قلبي وشُلَّت حركتي عن إمساكي بهاتفي ، والنظر إلى من ارسل لي هذه الرسالة , كنت خائفة كثيراً كنت خائفة من أنها تكون من أحمد ، لاني اعلم انه سمعنا اقسم انه سمعنا , يا إلهي ماذا أفعل يا إلهي ساعدني ! ! لم يكن لدي خيار غير إمساك هاتفي وفتح رسالته , كان قلبي يرتجف بل يكاد يتوقف ، لم أستطع أن أفتح رسالته ولكن شاهدتها من الخارج فقط ، شاهدت كلمة كل شيء نصيب ! ! ماذا ؟ ! نصيب ماذا ؟ ! لم يكن لدي أي اختيار غير أني فتحت رسالته كاملة ، ووجدته يقول لي " لم أكن أتخيل كَم هذا التقليل من شأني ، لم أكن أتصور أبدااا اني غير مناسب لكِ بهذا القدر ! . أوجعتوا قلبي كثيراً ، لا أستطيع أن اصف شعوري الآن ، ولكن يشبه ب**ر وقلة حيلة ، وخيبة أمل ! لا أعلم ماذا اقول لكِ ولكن أقسم بأني أحببتك أكثر من أي شئ ، ولم أكن أطمع أبدا بشئ ملكك ، أنا أحببتك انتي وليس كينونتك ولكن حقا لابد من التساوي الاجتماعي ، كي احافظ علي كينونتي انا أيضا ! كل شيء نصيب يا دكتورة مريم . . حقا لم أكن اتمني نصيب غيرك أنتِ . . رزقك الله التوفيق والسداد في حياتك " لم أتمالك نفسي بعد قرائة كلامه ، وانهمرت في بكائي ، ودخلت في فترة اكتئاب حادة ، لم أكن أستطيع الخروج منها . . أهملت عيادتي وحياتي . . فقدت شغفي وقوتي تجاه كل شئ , تجنبت أهلي لإحساسي دائماً ، بأن لهم ذنب في فِراقي بروح قلبي ومهجة أيامي , لم أكن أعلم اي شيء ، ولا اشعر بشيء . . أردت أن أخرج بعيدا بعيدا عن العالم , لم أحاول الرجوع إليه مرة أخرى ، لاني أعلم مدي الإهانة التي سببناها إليه , لم أكن أعلم أن اجرحه أكثر ، ولا اوجع قلبه أكثر ، فقط أردت أن يسامحني فقط ! . قضيت فترة كبيرة في غرفتي ، متجنبة اسرتي كثيراً . . كنت انتظر اي لحظة تنتشلني من العالم بأكمله ! فجأة وخطر بخاطري فكرة ، سوف تساعدني بالخروج من كل شيء , أردت فقط الخروج والهروب واللجوء لربي . . لربي فقط . . فكنت أتصفح تطبيق الفيسبوك ، وإذ صادفني اعلان لرحلة الي العمرة ، وإذ فجأة بدون أن أشعر وجدت نفسي احجز مكان في الرحلة . . وأخبرت أسرتي فقط بموعد سفري . . اول مرة اروح عمرة . . كنت فاكرة بقي الكعبة زي اللي بتيجي 24 ساعة ع قناة السعودية ، قرآن وخلاص ، انا شايفها قدامي ف التلفزيون علطول . . اول ما روحت وقفت قدامها – زُهلت – ايه الحجم دا ! ! عيطت ف ساعتها عشان الاحساس اللي هتحسه ساعتها مينفعش يتوصف . . احنا ف بيت ربنا ! ! احنا فعليا عند الكعبة . . بتدعي ف البيت وانت مطمن ، ان الدعوة التي لا تُرد " بيت ربنا " نزلت كام خطوة . . بدأت اطوف . . حاولت اطوف لجوا ، عشان احاول المسها . هنلمس الكعبة ! لا مش هقدر شوية . . بقي عندي فضول كل مااقرب . . اتصدمت ان ال**وة اصلا مش سادة ومكتوب عليها . لحد ماجت الفرصة ولمستها . المفروض ساعتها تدعي ! بس انا تفكيري اتشل . . وفضلت ابكى ابكى من المنظر ال مش قادرة اوصفه بجد ، مش مصدقة نفسى انى فى بيت ربنا ، وانى انا لامسة الكعبة باايدى ، ياااااه على كرمك يارب ، قد ايه حاسة انى اسعد إنسانة فى الدنيا كلها ، وانا واقفة فى بيت ربنا ، مش قادرة اوصفلكوا المنظر هناك كان عامل ازاى . . بصيت لفوق . . عالية جداً مش مكعب صغير زي ما بيجي ف التلفزيون ، فوق اكتر . . في حمام ! ! و انا حرفيا تحت عرش ربنا !! احساس مهييب . . اول شوطين ف الطواف مكنتش بدعي .. قد ما كنت بعيط ، مذهولة بكل الل حواليا . هو إحنا فعلاً في بيت ربنا ! الهوا ريحته مختلفة ، صوت الدعاء خارج من كل حد حواليك . السما شكلها مختلف تماماً ، عن السما اللي عارفينها . جنبك حد متشعلق ف **وة الكعبة ، ومن قهرته بيقوله : سامحني . حد تاني قهرته اعلي : يارب اهديني انا تعبت . بتبدأ تستوعب ان دي الفرصة الاخيرة ليك . سجودك ف الصحن بيخليك عايز تموت هنا . . " انا عايز أموت هناك " .. احساس انك بتصلي وانت شايفها قدامك .. لحظة بلحظة .. انت مش بس ف خشوع ! انت من كتر هيبتها بتبكي بشكل لا ارادي ف الصلاة . " بتوحشك " هتحسها شخص بتحبه جدا كل ما تبعد عنه بتشتاقله . الغريب اني روحت عمرة تاني ، بعدين وكنت فاكرة الوضع هيبقي عادي .. لكن برضه لما طلّت – الكعبة – زي ما هي ، ولما لمستها تفكيري اتشتت . التجربة دي متتعوضش ، ومتتكررش ، ومتتقارنش .. الاحساس اللي هتحسه ساعتها عمرك ما هتحسه تاني .. واللحظة وانت واقف قدامها هتشوف نفسك ، وانت واقف بين ايدين ربنا متموتش ، قبل ما تشوف الكعبة وتلمسها ، وتتوضى هناك وتشرب من مياة زمزم .. وتمشي ع السيراميك الساقع ، وتصلي الفجر ورا ماهر المعيقلي ، وتسمع خطبة الجمعة ف الحرم .. وتجرب مشاعر مش هتحسها تانى ......
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD