الفصل الاول

1671 Words
مريم ، هيا أفيقي .. كاد المنبه أن يتحدث يا ابنتي ، هيا كي لا تتأخري علي مرضاكٍ ، الذين ينتظرون أمام عيادتك ، حسناً يا أمي . هذا هو روتين يومي ، أستيقظ علي صوت أمي ، توقظني كل صباح ، وتذكرني بأن لديّ عمل ، ولابد الاستيقاظ له مبكرا ً .. ولكن أنسي جميع هموم الدنيا حين أري ضحكة طفل شُفي بفضل الله ثم بفضلي .. أحب مهنتي كثيرا ، كوني أحب الأطفال وأحب أن أري ابتسامتهم .. كان حلماً لي منذ صغري ، حين كنت أري أختي الرضيعة ، لا تتوقف عن البكاء ، بجانب بكاء وسهر أمي بجانبها طوال الليالي ، ولا كنا ندري ما بها ، إلي أن توفاها الله ! والآن أصبحت ( طبيبة أطفال ) ناجحة ومشهورة ، ساعية لرسم ضحكة وحياة جديدة ، ليس لطفل فقط ، ولكن لأسرة كاملة . اليوم هو يوم مولدي ، وها أنا قد أتممت السابعة والعشرون من عمري . . أتتني الكثير من الهدايا والرسائل ، إحتفالا بي من أصدقائي وأفراد عائلتي . . أجبت علي جميع الرسائل المرسلة لي ، احتفالا بي بمنتهي السعادة ، شاكرة الله عز وجل علي وجود جميع هؤلاء الناس في حياتي ، وحبهم وامتنانهم بي . . ثم اتجهت إلى الغرفة ، لأنهي ليلتي وأخلد الى النوم ، حتي أستطيع أن أستيقظ باكرة لعملي وعيادتي الخاصة . . وأطفالي . . وإذ فجأة ! ! وأنا أغمض عيني ، سمعت صوت رسالة علي هاتفي . . وقبل أن أمسك هاتفي ، بدأ قلبي ينبض بشدةة وكأنه يشعر بأن هذه الرسالة منه . . من أحمد ! وإذ بيدي ترتجف ، وأنا أمسك هاتفي لأي مَن . . وإذ فجأةً وقعت عيني على إسمه ! ! كانت رسالته لي ، تقول كل عام وأنتي بقلبي يا مريم . ! لم أستطع حينها أن أتمالك نفسي ولا أسيطر علي رعشة يدي ، ولا أتحكم بنبضات قلبي . . قرأت رسالته كثيرا وكثيرا حتي أقنع نفسي بأنها حقيقة وأنه هو أحمد . . لا أعلم مدي شعوري إلي أين أخذني حينها ، ولكن نعم كنت أنتظره كنت أنتظر رسالته . . كنت أبحث عن اسمه ، بين تلك كل الرسائل التي وصلتني ، إلي أن أتاني رسالته منفردة ، كما يأتيني هو دائما منفردا ، بوجوده بداخل قلبي . ولكن ماذا أفعل الآن يا إلهي ! ذلك الحب الذي أغلقت بابه منذ سنوات ، هل أعيده ثانية ؟ ! هل أعطي لقلبي وحياتي أملاً لا رجاء فيه ؟ ! هل أستمع لقلبي وأُلبي أمنيته ، بأن أسترجع ذلك الحب ، الذي سيُحييني ؟ ! لم أتردد كثيرا ، وفي الحال أجبت عليه وأخبرته ، بأنه مازال هنا في قلبي تماماً ، كما كنتي في قلبه .. وحقاً أصبح اليوم هو يوم ميلادي ، ومولدي برجوع أحمد بحياتي .. كان يكبرني سنة واحدة ، ونحن جيران منذ صغرنا . . أحببنا بعضنا كثيراً ، لا نعرف كيف ولا متي ، ولكن وجدنا أنفسنا نكبر وحبنا يكبر معنا .. يمر يوم والآخر وننجذب لبعض أكثر ونحب بعض أكثر وأكثر .. إلي أن جاءت مرحلة الجامعة ، ودخلت أنا كلية الطب ، وأحمد دخل كلية الآداب .! هنا لم أشعر بأي فارق بيني وبينه ، لم أكن أنظر لعلاقتنا تلك النظرة التي ينظرها لنا من حولنا ، ألا وهي أنني أكبر وأعلي منه مستوي ، لم أكن أرانا سوي حبيبين يجب أن يجمعهما بيت دافيء ، ليكملا بعضهما البعض !! مرت مرحلة الجامعة ، واتفقنا أن تسير الأمور كما يريد الله أن يحدث ، ولكن الحقيقة أننا كنا نبعد خطوة ، ونعود ألف . . تعلقت به كثيرا ، أردت ألا يغادر أبدا ، ولكن ماذا نفعل ! في الآونة الأخيرة ، اتفقنا على أن نتوقف عن الكلام سويا ، إلي أن يبحث عن عمل حتي يتقدم به لخطبتي ، وألا تعود إلي أن يجد عمل . مرت الأيام والشهور والسنين ، إلي أن عاد وعادت معه الحياة ، عادت معه بهجة أيامي وفرحة نبضاتي .. حقاً أنه يوم مولدي يوم رجوعنا .. نعم لقد بدأت حياتي من جديد ، ولكن بدأت معها حيرتي ، وقلة حيلتي ، وكثرة أفكاري . . هل سيقبل والديَّ بنا ؟ ! بل على سيقبل بنا المجتمع ، وأنا طبيبة مشهورة ، وأحمد يمتلك محل حلويات ؟ ! يا إلهي اختر لي ولا تخيرني ، فإني لا أحسن الاختيار ، ولا التدبير !! مع كل يوم يمر علينا ، تزداد فيه حيرتي ويزداد معه قلقي وخوفي ، من فقدانه ورفض المجتمع الاجتماع به .. مرَّ شهر من رجوعنا سوياً ، وأنا جالسة بعيادتي الخاصة ، وإذ فجأةً يرن هاتفي . . إنها أمي ولكن ولكن ماذا تريد مني ؟! لم تتصل بي من قبل ، في مثل هذا الوقت ، وأنا منشغلة بعملي ! نظرت إلى هاتفي بخوف ، خشية أنه قد أصيب أحد من أهلي بمكروه .! حين فتحت الهاتف ، وإذ بصوت أمي يعلو قائلة . . مريم يا مريم .. أبشري ألم أقل لك إنه معجب بكي ، وسيأتي لطلب يد*كي ، يا لفرحتي يا إبنتي .. مهلاً مهلاً يا أمي من هذا ؟ . من هذا ؟! يا لذاكرتك التي تشبه ذاكرة السمك ، كيف أصبحتي طبيبة أنتي ؟ ! إنه سيف يا مريم الطيار سيف .. الطيار سيف ؟ ! منذ أن سمعت إسمه ، حينها لما أشعر بنفسي ، حينها كاد قلبي أن يَكُف عن النبض .. أغلقت الهاتف مع والدتي ، وعقلي بدأ يدور فجأة ، كأن كل الكون توقف أمامي عن الحركة ، يا إلهي ماذا أفعل الآن ؟ ! إنه مناسب وأمنية لأي فتاة ، ولكن .. ولكن أي فتاة أخري غيري ! لا أحد يستطيع أن يسكن قلبي ، ويأخذ مكان أحمد ، مهما كان هو طيار أم سفير ، ولكن كيف أواجه والدي ، وأمي ، كيف أخبرهم بأني لا أريد الطيار الفرصة الكبري المناسبة لي ، من وجهة نظر الجميع ، مقابل حياتي ووجودي بجانب قلبي أحمد ؟! إنتهت ساعات عملي ، ونزلت في طريقي إلى البيت ، لم أكن أري أمامي غير حيرتي ، وقلة حيلتي ، ووقف عقلي عن التفكير . وفي النهاية وصلت إلى المنزل ، وها أنا أفتح الباب ، وإذ بأمي تفاجئني ، وأنا لم ألحق أن أخطو خطوة واحدة ، حتي إلي البيت ، وجدتها تقابلني بالزغاريد والأحضان والقبلات ، بدلاً من أن تقابلني بكلمة طيبة وجملة : . ( هيا يا مريم بدلي ملابسك ، لأعد لكي الطعام ) كالمعتاد . وفوق كل هذا بسمة أبي ، والفرحة بعينيه ، وشعوره بالرضا والقبول والسعادة ، دون أن ينطق كلمه واحده . لم يكن يعلم أحد ، أن كمّ هذه المشاعر والفرحة ، التي يظهرونها تقا**ها رفض وكره واعتراض شديد ، بداخلي ولكن كيف أتحدث وأواجه .. لم يَطُل هذا النزاع الداخلي طويلا ، وفجأة قاطعت فرحة أمي ، وقبول بأبي بكلمة نشرت ال**ت في جميع أركان البيت .. وهي بأنني غير موافقة علي سيف ، غير موافقة .! فجأة عَمَّت الدهشة والحيرة وال**ت في جميع أرجاء البيت ، ولكن لم يطل هذا طويلاً ، وإذ بصوت أمي يعلو قائلة ( ماذا تريدين أنتي ، أخبريني هل يوجد نصيب أحلي من سيف .. سيف ماذا اسمه الطيار سيف ، طيار يا دكتورة هياخدك وتطيري فوق .. فوق فوقنا جميعا يا إبنتي ، ولكن يتضح إنك مُحِبَّة للفقر ، وألم القلب والحنين للحبيب الأول ، الذي سيهلك قلبك ، ويأخذك معه للأرض بدلاً من التقدم والعُلوّ والتحليق فوق السماء ) . لم تُطل دهشتي وصدمتي كثيراً ، وإذ صوت أبي قاطعنا جميعاً وعَلا وعَلا أكثر وأكثر ، فوق صوتنا بكلمة واحدة فقط ! أسكتتنا جميعاً وهي ( الحبيب الأول ماذا ؟ ! ماذا تقول والدتك هل كلامها صحيح ؟ هل يوجد حبيب أول هيا أجيبي هيا !! ) حينها كأن سكون العالم اجتمع بقلبي ، كأن شيئا سميكا أمسك بل**ني ، وأعجزني عن الحديث . . لم أتفوه بكلمة واحدة ، حتي لم أستطع ، أن أبرر كلام أمي ولا إعتراضي على شئ . لم يكن أمامي سوي الدخول لغرفتي ، دون النطق بكلمة واحدة !! لم أرى أمامي سوي إمساكي بهاتفي ، وبدأت في الانهيار ، وانا أحدثه ويزداد بكائي وتكراري له ، بأني لا أريد أن اخسره ولا أريد غيره .. طمأنني كثيراً بل كأنه اجتمعت طمأنينة العالم بداخلي فقط ، حين سماع صوته فقط اهتدى قلبي لطريقه . نمت هذا اليوم ، وأنا آخذة قراري بإختياره هو اختيار أحمد .. ولسوء حظي كان اليوم التالي هو يوم الجمعة ، بمعني أنه يوم إجازة ، بمعني إنه سيعتبر يوم المواجهة ، بما أننا جميعاً في المنزل . إستيقظت علي صوت أمي ، توقظني وتقول لي هيا أفيقي والدك يريدك .. نهضت من علي سريري وأنا خائفة ، وقلبي يرتجف ، ولكن ولكن قراري واضح لا رجوع فيه .. استعذت بالله من الشيطان الرجيم ، وخرجت لوالديَّ الذي لا يظهر علي وجوههم سوي الضيق والحزن .. سمعت صوت والدي يقول لي اجلسي هنا .! فجلست بجانبهم وقال هيا أخبريني .. ترددت كثيراً ، ولكن أتتني الجرأة أخيرا ، لا أعرف كيف فعلتها ، ولكن فجأة خرج من فمي ، بأني قلبي مرتبط بقلب شخص جاري ، يدعي أحمد ! لا أريد سواه .. لم ينطق أبي بكلمة ، ولكن عيناه كادت تتحدث ، وتقول لي هيا أكملي قبل أن أُفلت أعصابي عليكي . فجلست بجانبهم وقال هيا أخبريني .. ترددت كثيراً ، ولكن أتتني الجرأة أخيرا ، لا أعرف كيف فعلتها ، ولكن فجأة خرج من فمي ، بأني قلبي مرتبط بقلب شخص جاري ، يدعي أحمد ! لا أريد سواه .. لم ينطق أبي بكلمة ، ولكن عيناه كادت تتحدث ، وتقول لي هيا أكملي قبل أن أُفلت أعصابي عليكي . تواصل حديثي عنه ، وعن مهنته التي ارتعش ل**ني كثيرا ، وانا أنطقها ليس لأنها سيئة ، ولكن لأنه لن يستطيع أحد أن يفهم مشاعري ، ولا تغاضيّ عن مهنته مقابل سعادتي معه .. وأخيراً أكملت حديثي وأخبرتهم ، بأنه يعمل بمحل حلويات .. في هذا الوقت ، انقطع صوت والدي تماما ، وإذ بصوت أمي يعلو وكادت تصرخ في وجهي قائلة : أفيقي إلي نفسك ، هل تستمعين إلي حديثك ؟! هل مرَّ حديثك علي أذنك قبل أن يخرج من فمك ؟ سأعتبر بأنك لم تقولي شيئاً ، ولأنني أنا ووالدك لم نسمع شيئاً . لم أتحدث ولا أقاطعها ، وإذ بأبي يقول ستخسرين يا إبنتي ، إن الحب لا يكفي .. ينبغي أن يكون هناك توافق بينكما في كل شيء .. لا أريدك أن تجربي تجربتك بنفسك ، لأن النهاية معروفة لا أريد أن يؤلمك قلبك يا إبنتي ........
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD