الفصل الثالث معدل

4345 Words
في مكان ما خارج مصر , يجلس رجل غزي الشيب رأسه , ولكنه ما زال محتفظ بقوته البدنية , يظهر عليه القوة والشدة , من ينظر له يرتعب من الوهلة الأولي , ولكن ما خفي كان أعظم , كان ذلك الرجل يجلس على كرسيه الخاص في حديقته الواسعة بأشجارها العالية المحلقة في السماء , والأرض الخضراء ونسمات الهواء العليل . دقائق قليلة وتوجه ناحيته رجل ذو قامة طويلة , ووجه مخيف رغم وسامته ولكن نظراته الباردة والحادة دائما ما ترعب من حوله , ابتسم ذلك الرجل الضخم بخفة بينما يتقدم من رئيسه قائلا : صباح الخير يا بوص . رد عليه قائلا : كويس يا زين , قولي عملت ايه في الموضوع الي قولتلك عليه , ايه أخر الاخبار ؟ . رد عليه زين قائلا : اطمن يا بوص متقلقش كلو تحت السيطرة , بس ...... قطب جبينه قائلا : بس أي ! . تن*د زين قائلا : الياس لسة بيدور وراك عايز يمسك ليك أي نقطة ضعف , يستغلها ضدك . تحولت نظراته للبرود قائلا : يا شيخ افتكرت هتقول حاجة مهمة , متقلقش مش هيعرف يلاقي نقطة ضعف ليا , مش رأفت الجندي الي حد يقدر يلوي دراعه , أما بالنسبة لالياس فهو مجرد رئيس المافيا الأمريكية يعني نفوذه محدودة , ولو حاول يلعب بديله , ساعتها هعرفه عقاب الي يلعب مع المافيا الروسية ايه . نهض زين من مقعده قائلا : طول عمرك جامد يا بوص , همشي انا بقي اتابع الشغل . رأفت : تمام , وابقي عرفني أخر الاخبار . أومأ له زين ثم التفت مغادرا القصر بخطوات واثقة بينما شرد رأفت يتذكر شخصا ما , محدثا نفسه بشرود قائلا : قريب هنتلاقي تاني , قريب أوي . في منزل حازم استيقظت ملك فوجدت حازم يحتضنها بشدة كأنه يخشي أن يفقدها مجددا , شقت ابتسامة عابثة وجهها , اقتربت من أذنه ببطء ثم صاحت بصوت عال قائلة : حااااااااااااازم . انتفض حازم من نومه فزعا ينظر حوله بتوهان قائلا : ايه , مين , فين . لحظات قليلة واستوعب ما فعلته تلك الشقية التي تبتسم وتراقص حاجبيها له باستفزاز محبب لقلبه , نظر له بحنق قائلا : أشوف فيكي يوم يا ملك يا بنت ام ملك , قطعت الخلف بسببك يا شيخة , كانت ملك تبتسم بسعادة بينما تري حنقه من فعلتها , نهضت هي الأخرى واحتضنته بحب قائلة : وحشتني اوي اوي اوي يا حازم . ابتسم حازم محتضنا إياها أيضا قائلا بمشاغبة : ايه ده بس يا أستاذة مينفعش كدة , أنا راجل متجوز وبحب مراتي , ولوعرفت الي عملتيه ده هتعمل من فخادنا شاورما , اصل بيني وبينك هي ست مفترية . ضحكت بشدة من حديثه ثم نظرت له بقوة قائلة : بقي كدة هي ست مفترية . شا**ها بعبث قائلا : احلي مفترية شافتها عيني . لم تدم لحظتهم طويلا لأن تلك الشقية فرح تطرق علي الباب بإلحاح قائلة : يا ماما , افتحي يا ماما , انتو بتضحكو من غير فرح , كدة هزعل . ابتسمت ملك ثم نهضت من الفراش وفتحت الباب ملتقطة طفلتها بحنان بين ذراعيها تقبلها بحب كبير قائلة : حبيبة ماما وقلب ماما , ربنا يخليكي ليا , وبعدين احنا منقدرش يا باشا علي زعلك ده . توجه حازم اليهم بابتسامة , والتقط فرح بين ذراعيه , يحتضنها بحنان أبوي قائلا : انت فروحة قلب بابا , أنا وماما منقدرش على زعلك , قول يا باشا الي انت عايزو . ضحكت فرح بسعادة قائلة : وانا بحبكوا اوي اوي , وعايزة العب معاكو النهاردة طول اليوم , عشان ماما وحشتني اوي اوي . اختفت ابتسامة ملك لثوان , ولكنها عادت تبتسم بخفة من جديد , تناظر ابنتها بحنان قائلة : طيب ينفع نأجل اللعب شوية , ماما عندها مشوار مهم جدا لازم تعمله . قطب حازم جبينه باستغراب بينما نظرت لها فرح بحنق وضيق قائلة بنبرة أوشكت علي البكاء : انت عايزة تمشي وتسيبي فرح تاني , انت مش بتحبيني يعني , مش عايزة تلعبي مع فرح . دهشت ملك من كلام طفلتها , ولكنها لن تلومها , وهل ينبغي لها أن تلومها , وهي من ابتعدت عنها لشهور بسبب أناس انتزعت من قلوبهم الرحمة , وكم المها كلام طفلتها الصغيرة ومزق قلبها , نظرت لها ملك بأسف ثم احتضنتها قائلة : غصب عني يا روح ماما ده شغل . لم تلن ملامح ابنتها الحانقة بل أوشكت علي البكاء , فطالعتها بابتسامة خفيفة قائلة بسرعة : طب خلاص خلاص عشان خاطر الاميرة فرح ماما هتقعد معاكي ومش هتروح في حتة , ها مبسوطة كدة يا هانم . قبلتها فرح بسعادة , ثم صرخت قائلة بحماس : تعيش ماما تعيش . ضحكت ملك مقبلة وجنتها الممتلئة , بينما أنزلها حازم من حضن والدتها قائلا : طيب يا أستاذة فرح اسبقينا على الجنينة واحنا هنيجي وراكي , جهزي اللعب زي ما علمتك . أومأت فرح بطاعة قائلة : اوكيه بابي . عقب ذهاب الصغيرة نظرت ملك لحازم المقطب الجبين باستغراب قائلة : في أي يا حازم , فيك حاجة ! . تشدق حازم بحنق قائلا : لا أبدا ولا أي حاجة يا ست هانم , واحدة كانت مخطوفة وهتموت , وربنا سترها معاها ولسة راجعة امبارح , والنهادرة اتفاجأ بيها بتقول عندها مشوار , وانا معرفش هي هتروح فين ولا هتعمل ايه , فعلا حاجة متضايقش خالص , هكون متضايق ليه يعني . طالعته ملك بثبات قائلة : انا اسمي ايه يا حازم ؟ . حازم : نعم ! , يعني ايه اسمك ايه . نظرت له بنفس ثباتها قائلة : انا اسمي ملك الشافعي يا حازم , يعني مش أي حاجة تهزني , والمشوار الي انا رايحاه ده تبع شغلي عشان اعرف مين ورا الي حصلي , ولا انت عايزني أقعد احط ايدي على خدي واعيط , وابكي على الاطلال . غضب حازم من أسلوبها قائلا بغضب ظاهري : وانا حازم السيوفي يا مدام ملك , ولو نسيتي أفكرك , ومش هقبل ان مراتي تعرض نفسها للخطر تاني , وده كلامي الأخير . طالعته ملك بحنق ولكنها أردفت بثبات قائلة : حازم انت متجوزني وانت عارف انا مين , فمتجيش تعترض دلؤتي , شغلي ومش هسيبوا , وانت عارف السبب كويس , فبلاش كل شوية نفتح الموضوع ده , ونرجع نتخانق تاني , ونزعل من بعض , ويالا ننزل عشان فرح مستنية . أنهت حديثها وكادت تخرج من الغرفة ولكنها تجمدت مكانها حينما سمعته يقول : لحد امتي يا ملك تفضلي منشفة دماغك كدة , افرضي المرة الجاية خ*فوا فرح , ويا عالم هيقتلوها علي طول ولا هيسوموكي بيها , لو انت عرفتي تهربي منهم , فرح مش هتقدر , فكري في حياة بنتك يا ملك . التفتت له ملك ترمقه بنظرات شرسة قائلة : ميقدروش يمسوها بسوء ولا أي حد يخصني , عشان عارفين ان مش هيطلع عليهم شمس , هخليهم يتمنوا الموت ومش هيطولوه , الموت بالنسبة ليهم هيبقي رحمة . تشدق حازم بسخرية قائلا : بلاش الغرور الي انت فيه ده يا ملك , انت مهما روحتي ولا جيتي فانتي واحدة ست , وقبل ما تتعصبي وتتكلمي في حقوق المرأة ولا انا قوية مش ضعيفة , فأنا الوحيد الي عارف قد أي انت ضعيفة . طالعته ملك بنظراتها الثاقبة قائلة : ده مش غرور يا حازم ، دي ثقة ، وانا واثقة في نفسي ، اني اقدر احمي بنتي كويس اوي ، ومحدش هيقدر يمسها بسوء طول منا عايشة ، سامعني . نظر لها حازم بسخرية قائلا قبل ان يغادر : واضح جدا ، بأمارة الي حصلك وقدروا يخ*فوكي ، بل كمان كانو هيقتلوكي ، لولا ستر ربنا قدرنا ننقذك في الوقت المناسب . ظلت ملك واقفة في مكانها قليلا بعد مغادرة حازم ، تفكر في حديثه ، لا تدري ما الذي يجب عليها فعله ، فهي واقعة بين نارين ، نار وظيفتها التي ستودي بحياتها وحياة عائلتها الي الموت ، وبين هدفها الذي تريد ان تصل له بعملها في الشرطة وتحقيق العدالة ، اه يا الهي ، لما يجب عليها ان تختار ، كلا الاختيارين له عواقب وخيمة , يا الله فلتساعدني لأختار الطريق الصحيح . قضت عدة ثوان تحاول تجميع شتات أفكارها ثم لحقت بحازم وفرح لتقضي معهم وقت جميل في الحديقة , وكم اشتاقت لقضاء مثل تلك الأوقات مع عائلتها الصغيرة , حينما وصلت للحديقة وجدت حازم يركض خلف فرح , وسط ضحكات تلك الصغيرة التي أطربت أذنيها بعذوبة نغماتها , توجهت نحوهما وانضمت اليهم في اللعبة , ليزيد المرح ويعيشون لحظات مسروقة من السعادة , من يعلم فربما لن تتكرر تلك اللحظات مرة أخري . في مستشفي الخانكة للأمراض العقلية بعد انتشار خبر موت المدير , حالة من الهرج والمرج انتشرت في أرجاء المشفي , وقد سيطر الذعر عليهم بعد معرفتهم بأن المدير مات مقتولا , توجه نظر الجميع نحو ذلك الذي يدخل من باب المشفي يسير بكل ثقة , شاب يبدو في أوائل الثلاثينات من عمره ذو بنية عضلية ضخمة , يرتدي نظارة شمسية أضافت له هالة من الغموض , وقف ذلك الشاب في منتصف قاعة الاستقبال الخاصة بالمشفي , ينظر للجميع بتفحص قبل أن يخلع نظارته فظهرت عينيه الحادة , ينظر للجميع مبتسما بخفة بسخرية قائلا : أحب أعرفكم بنفسي أنا داغر جلال أبو النجا , مقدر صدمتكم محدش يعرف ان جلال كان ليه ابن , بس ده ميهمنيش في حاجة , المهم انكم تعرفوا اني المدير الجديد للمستشفي , أظن كلامي واضح . أنهي داغر حديثه ثم ارتدي نظارته مجددا وسار حتي وصل للمصعد فاستقله , وصل الي الطابق الأخير قاصدا مكتب والده سابقا , بمجرد دخوله نزع نظارته راميا إياها على المكتب , ثم جلس على الكرسي ناظرا نحو ذلك الملف الموضوع علي الطاولة بشرود قائلا : اما نشوف حكايتك ايه يا صفاء انت كمان . بينما كانت صفاء تمر على المرضي وتتابع حالتهم جاءت صديقتها بسمة مسرعة ناحيتها تنادي عليها بصوت عال قائلة : صفاااااااء , بت يا صفاااااااء . توقفت صفاء في منتصف الممر تنظر نحوها بحنق قائلة : في ايه يا بسمة , عرفتي قصة حياة حد من المرضي وجاية توجعيلي دماغي بيها , لو ده الموضوع حلي عن دماغي وسبيني في حالي , أنا ورايا هم ما يتلم . طالعتها بسمة بسخط قائلة : ايه , ايه , حيلك سبيني على الأقل أقول الكلمتين الي عندي . تأففت صفاء قائلة : اديني سكت يا ستي احكي وخلصيني . اقتربت منها بسمة تتحدث بصوت منخفض قائلة : مش جلال الله يجحمه مطرح مراح طلع ليه ابن اسمه داغر , وابنه جه من شوية وقف في نص المستشفى يقول انو بقي المدير الجديد , بس ايه يا بت ليه هيبة وكاريزما تخليكي تعمليها على نفسك . وقع عليها الخبر كالصاعقة , فما الذي يعنيه هذا الكلام , ارتجفت اوصالها رعبا وقلقا فهل ذلك الداغر على معرفة بقصة ملك , والاسوء ان كان يعمل مع والده وعلى دراية بأعماله القذرة , حينها حقا ستتحول حياتها الي جحيم مستعر , يا الله لما كل تلك المصائب تلاحقني , هل انا مغناطيس أجذب المصائب والمشاكل فقط . طال **ت صفاء ونظراتها أصبحت تائهة فلكزتها بسمة في ذراعها بخفة قائلة : ايه يا حجة مالك سرحتي فين ! . نظرت لها صفاء بحنق قائلة : أشوف فيكي يوم يا بسمة على طول تجبيلي أخبار منيلة , مفيش مرة تقوليلي خبر عدل . أنهت حديثها وسط استغراب بسمة من حديثها ثم رحلت تتمتم بكلمات غير مفهومة , بينما راحت بسمة تض*ب كف على كف باستغراب من حالة صديقتها , التي على ما يبدو خائفة من شيء ما , هناك بالتأكيد موضوع تخبئه عنها , موضوع يخص جلال وابنه داغر . بسمة : اقطع دراعي ان مكنش الموضوع في انه , وراكي حكاية كبيرة يا صفاء , بس على مين هعرفها يعني هعرفها . حينما أنهت صفاء عملها وكانت على وشك الخروج من المشفي وجدت من يمر بجانبها وتوقف , ثم مال ناحية أذنها قائلا بصوت منخفض بفحيح أفعي : انا هعرفك يا صفاء يعني ايه تلعبي بديلك مع جلال أبو النجا , هتشوفي الي عمرك ما شوفتيه . أنهي داغر حديثه ثم غادر المشفى , بينما وقفت صفاء في مكانها متسمرة , وكأن قدمها التصقت بالأرض , زاغت عينيها لا تستوعب حديثه منذ قليل , يا الهي اذن هو على علم بقذارة والده وحقارته , بل ويعمل معه كذلك , اه يا ويلك يا صفاء , لقد وقعت في غابة الوحوش ولن تجدي من ينقذك من براثنهم , يا الله ماذا سأفعل الان ؟ , فلتعينني يا الله . خرجت صفاء من شرودها ثم أكملت سيرها مغادرة تلك المشفى , أثناء سيرها كان داغر يراقبها من نافذة سيارته الفارهة بينما يدخن سيجاره الفخم , ثوان ونظر للرجل الجالس بجانبه قائلا ببرود : عملت الي قولتلك عليه ؟ . أجاب عليه ذلك الرجل قائلا : حصل يا باشا , هتروح هتلاقي الهدية مستنياها . ابتسم داغر ببرود ثم أمر ذلك الرجل بمغادرة السيارة , فنفذ طلبه على الفور , ثم أغلق داغر نافذة السيارة وانطلق بالسيارة بسرعة عالية مخلفا خلفه غبار كثيف , بينما على الجانب الأخر في منزل صفاء , عادت الي منزلها أخيرا بعد يوم عمل شاق وطويل , وتلك الاحداث الجديدة التي ستقلب حياتها رأسا على عقب , تن*دت بتعب ناظرة الي غرفة أخيها يوسف , اه يا أخي أعلم اني مقصرة بحقك ولكن ما بيدي حيلة , توجهت ناحية الغرفة تفتحها ببطء خشية أن تقلق منامه , ولكنها سرعان ما أطلقت صرخة عالية حينما وجدت أخيها غارقا بدمه على سريره , توسعت حينها ذعرا , وتنفسها بدأ يثقل , تحركت بخطي بطيئة ناحية الفراش , قدميها لا تحملها , بمجرد وصولها سقطت أرضا على ركبتيها تتطلع نحوه , فقد ذ*ح بكل قسوة , طفل بريء لم يتجاوز العاشرة من العمر قتل بتلك البشاعة , عينيها لم تتوقف عن ذرف الدموع , بالكاد خرج صوتها ضعيف تناديه بترجي أن يفيق . لفت نظرها تلك الورقة الموضوعة في يده التقطتها بأيدي مرتجفة فكانت الورقة ملوثة بقطرات من دماء أخيها , صدمت من المكتوب بالورقة فكلماتها خطت من حروف من نار تكوي روحها من بشاعة وقسوة صاحبها , فكان مكتوب : دي كانت اول قرصة ودن عشان تعرفي انت بتلعبي مع مين . قرأت الورقة مرات عديدة تحاول فقط فهم ما يحدث فقد توقف عقلها عن العمل , ولكن سرعان ما توسعت عينيها صدمة فذلك كلام ذلك الداغر , اذن هو من فعل ذلك بشقيقها الصغير , صرخت بكل قوتها بنحيب بينما تسيل دموعها بغزارة قائلة : يا ولاد الكلب , اه ه ه ه ه ه ه ه , يوسسسسسسسف , يا رب , يا ا ا ا ا ا ا رب . رمت الورقة واحتضنت جثة أخيها قائلة بنحيب شديد : قوم يا يوسف , أنا أسفة والله يا حبيبي مش هسيبك لوحدك تاني , قوم يا يوسف , حقك عليا أنا , معرفتش أحميك منهم , سامحني , سامحني يا حبيبي , يا رب , يا رب , يا رب . بعد وصلة بكاء طويلة نظرت صفاء الي اخيها يوسف بأسف ، وحزن كبير ، تطلعت الي يديها الغارقة بدماء اخيها ، نهضت سريعا من جلستها تبحث عن هاتفها الذي يرن ، وما زالت دموعها تسيل علي خديها ، بينما يص*ر منها شهقات متقطعة ، بعد القليل من الوقت وجدته فأجابت بدون معرفة هوية المتصل ، قائلة بشهقات متقطعة : ا .... الو . وصلها صوت الطرف الاخر بقلق والذي لم يكن سوي حاتم قائلا : مالك يا صفاء ، انت كويسة ! . بكت صفاء اكثر قائلة بصعوبة من وسط بكائها : قتلوه .... ، قتلوا اخويا يوسف ، ا ... انا ، انا ، انا مش عارفة ، يوسف . لم يفهم حاتم منها حرفا ولكن ما علمه ان هناك شيء سيء حدث لها ، حدثها سريعا قائلا : طب اهدي يا صفاء ، انا جايلك علي طول ، مش هتأخر . انهي حديثه مغلقا الهاتف سريعا وخرج من ذلك المصنع المهجور ، ركب سيارته الاخري ، وانطلق بها بسرعة كبيرة ، بعد القليل من الوقت تمكن من الوصول لمنزل صفاء ، بعد ان كاد يتسبب بعدة حوادث بسبب سرعته العالية ، ولكن لم يهمه ذلك ، فكل ما يشغل باله ان يصل لصفاء بأسرع وقت . ترجل من سيارته سريعا ، يلتهم الدرجات ، حينما وصل الي باب المنزل طرق عليه مناديا بصوت عال قائلا : افتحي يا صفاء ، ده انا حاتم . ثوان ووجد صفاء تفتح له الباب ، صعق من منظرها فكانت ملطخة بالدماء ، دموعها تغرق وجهها ، عينيها حمراء ، دخل الي المنزل مغلقا الباب خلفه سريعا حتي لا يراها احدا ما بتلك الهيئة المزرية . تطلع لها حاتم باندهاش قائلا : ايه الي حصل يا صفاء ! ، وايه الدم ده ! . لم تتحدث بكلمة فقط دموعها تسيل ، نظرت له بخواء وكأن رحها غادرت جسدها ، ثم اعطته ظهرها تسير الي غرفة اخيها يوسف ب**ت مميت ، فتبعها حاتم ب**ت ، حتي وصلو الي الغرفة ، وهاله ما رأي من منظر ب*ع يقطع نياط القلب ، يا الله كيف يمكنهم فعل ذلك بطفل صغير ، هل انعدمت الرحمة من قلوبهم لهذه الدرجة ، نظر لها حاتم ولم يعرف ما يقول ، فهو وعدها بالحماية في سبيل مساعدتها له ، ولكنه فشل في مهمته ، وكانت نتيجة فشله ، مقتل اخيها بتلك القسوة والبشاعة . تطلع لها حاتم بقلة حيلة قائلا : صفاء ، انا .... لم تدعه يكمل ، وقاطعته قائلة بنبرة جامدة : انت وعدتني تحميني وتحمي اخويا ، بس اخويا اتقتل ، انت خلفت وعدك معايا ، قولتلك دول ناس مبيرحموش ، دول ملهمش عزيز ، دول يمحونا في ثانية ، قولتلي متخافيش يا صفاء ، انتو في حمايتي ، محدش هيقدر يقربلكوا ، واديني طلعت صح وانت غلط يا سيادة الظابط ، اخويا الي لسة مكملش عشر سنين ميت قدامي مدبوح . نظر لها حاتم بضيق من نفسه ، فقد خذلها ، ولم يوفي بوعده ، اقترب منها قائلا : انا عارف ان كل كلمة قولتيها صح ، ومن حقك تغضبي ، بس انا مش هسكت وهجيب حق اخوكي ، روحي بس قوضتك شيلي الدم ده عشان نعمل اللازم وانا هكلم البوليس عشان نحقق في القضية ، ونجيب الي عمل كدة . ضحكت صفاء باستهزاء قائلة : وانت فكرك هتوصل للي عمل كدة بجد ، اكيد هيلبسوا القضية لواحد والسلام ، واهو ظلم جديد ، متوعدش بحاجة تاني وانت مش هتقدر توفي بيها يا ساعة الظابط . انهت حديثها ثم غادرت لغرفتها تستعد لدفن اخيها العزيز الغالي ، كم هو صعب فراق الاحبة ، جالت بأنظارها في الغرفة حتي وقعت عينيها علي صورة ابيها وامها ، نظرت لهما بخزي قائلة : سامحوني ، مقدرتش احافظ علي الامانة الي سبتوهالي ، للأسف كانو اقوي مني ، ليه سبتوني لوحدي طيب ، طب كنتو خدوني معاكو ، ليه مقولتوليش ان الدنيا وحشة اوي كدة القوي بياكل الضعيف ، سبتوني في غابة كلها وحوش ، اه ، يا رب ، يا رب . انهت حديثها ثم توجهت لدولابها ، مخرجة ثياب نظيفة ، ثم توجهت للحمام لتغتسل ، وتستعد للدفنة ، بينما في الخارج اتصل حاتم على الشرطة والطب الشرعي حتي يتم التحقيق في تلك القضية ، اقسم ان يأتي بحق تلك المسكينة هي واخاها ، ذلك الطفل الذي قتل غدرا . في منزل حازم وملك أنهت ملك لعبها مع ابنتها الصغيرة , ولكن ما زال حازم يتجنب الحديث معها , أخذت ملك ابنتها وقامت بتحميمها ثم وضعتها في سريرها , وظلت بجوارها حتي نامت , نهضت ملك من جوارها ووجدت حازم ينتظرها علي باب الغرفة , فنظرت له برجاء ان يوافق على خروجها , ولكنه أشاح بوجهه بعيدا عنها . اقتربت منه ملك تنظر له بلطافة في محاولة منها لتؤثر به قائلة : يا حازم عشان خاطري بقي وافق , انت عارف القضية دي مهمة عندي قد ايه , لازم اوصل للناس دي بأي تمن . طالعها حازم بحدة قائلا : حتي لو كان التمن ده حياتك او حياتي او حياة بنتنا فرح . غضبت ملك من حديثه ناظرة له بحدة قائلة : حازم , ايه الكلام الي بتقولو ده , انت عارف انكم اهم حاجة عندي ويستحيل أعرض حياتكم للخطر . حازم : انت حياتنا يا ملك , لو عرضتي حياتك للخطر يبقي بتعرضينا كلنا للخطر , سيبي الشغل ده خالص وخلينا نعيش حياتنا في هدوء . استنكرت ملك حديثه قائلة : انت بتقول ايه يا حازم ! انت عارف كويس اوي انا أبقي مين والشغل ده بالنسبالي ايه , فبلاش نفتح الموضوع ده تاني . انتفض حازم غاضبا قائلا بحنق : ايه كل شوية انت عارف انا مين , انت عارف انا مين , الي اعرفه انك ملك مراتي وام بنتي الوحيدة وانا مش مستعد أخسرك عشان ماضي مش هيتكرر تاني وخلصنا منو خلاص . ملك : يا حازم افهمني أنا ..... قاطع حديثها رنين هاتفها برقم حاتم فردت سريعا قائلة : الو , ايه يا حاتم في ايه ؟ . حاتم : قتلوا اخو صفاء الممرضة الي ساعدتك يا ملك , دبحوا طفل صغير بريء . بهتت ملك ولم تعرف ماذا تقول , ولكنها سرعان ما استجمعت شتات نفسها قائلة بثبات حاولت اظهاره في نبرة صوتها قائلة : ربنا يرحمه يا رب , تأكد اني مش هسيب دمه يروح هدر , وحقه هيرجع يعني هيرجع . أنهت ملك حديثها مغلقة المكالمة ثم نظرت الي حازم قائلة : اديهم قتلوا أخو الممرضة الي ساعدتني , لسة عايزني اقعد واستني لما يأذوا حد فيكو تاني , ويا عالم المرة الجاية هيأذوا مين . نظر لها حازم بحنق قائلا : ومالو يا ملك روحي واقفي قصادهم وحاربيهم عشان المرة دي يا يقتلوكي يا يقتلوني أنا وبنتك . أكمل حازم صارخا : كل حاجة زفت الشغل الشغل , افضلي حافظي علي شغلك واحنا نولع عادي , الي المفروض يجيب حقك ويتصرف هو انا يا هانم مش انت , انت مش متجوزة سوسن عشان تجيبي انت حقك , وده أخر كلام يا ملك حقك انا هرجعه وبعدها مش عايز اسمعك بتقولي شغلي ومش شغلي , متخليش حازم بتاع زمان يرجع تاني لأن انت الي هتخسري . أنهي حديثه الغاضب وخرج من الغرفة مغلقا الباب بقوة , بينما ملك أغمضت عينيها بحزن علي ما وصل اليه الأمر , تعلم أنه محق في غضبه وقد تمادت تلك المرة , ولكن ما عساها تفعل في طبيعتها المتمردة والعاشقة لعملها , لديها هدف ويجب عليها الوصول اليه فزوجها العزيز ما زال لا يعلم قصتها كاملة . وقف حازم في حديقة المنزل يتحرك يمينا ويسارا بعصبية وغضب لعل تلك النسمات الخفيفة من الهواء تقلل من غضبه حتي لا يصعد وي**ر رأس زوجته العنيدة , لحظات قليلة وأتاه اتصال هاتفي من صديقه أدم . حازم : الو , انجز يا أدم عرفت ايه . أدم : اي يا عم براحة عليا مش كدة و مالك يا صاحبي . مسح حازم وجهه بيده بغضب مكبوت مكملا : أدم أنا علي أخري انجز وقول عرفت اي . أدم : ماشي يا صاحبي , بص بقي يا سيدي الراجل الي اسمه جلال أبو النجا كلم أبنه داغر في نفس اليوم الي عرف ان ملك فاقت قبل ما يموت طبعا الله يجحمه هو والي زيو . حازم بنفاذ صبر : انت هتحكيلي قصة حياته قول المهم . أدم : منا جايلك في المهم اهو , ابنه بقي ده يا سيدي ما شاء الله رجل مافيا قد الدنيا شغال قتل وتهريب سلاح وم**رات وعنده الخير كتير يعني , وبسلامته لما عرف الي حصل لأبوه خد الموضوع علي ص*ره أوي واعتبره ان كدة كرامته اتهانت ازاي حد يقتل أبوه وهو موجود , عشان كدة نزل بسرعة وحالف ليخلص علي كل الي كان السبب في قتل ابوه الطاهر , بس خد عندك دي بقي هو مش شهم اوي للدرجة دي يعني , ده مستغل الفرصة وهيدخل شحنة م**رات في وسط المعمعة دي . حازم : بعيدا عن أسلوبك الساخر بس انت لفت نظري لحاجة مهمة , ان كل الي يهمه ان يدخل الشحنة دي مصر واكيد عايز يعمل شوشرة بحكاية انتقامه لأبوه . أدم : لا يا حازم احنا ملناش في الشغل ده . حازم باستغراب : شغل اي يا ابني الي ملناش فيه . أدم : ما انت هتقولي هنساعده يدخل الشحنة في مقابل يسيبكم في حالكم ومينتقمش لأبوه الطاهر ابن الطاهر . تنفس حازم ببطء ليهدء من روعه ثم اجابه قائلا : وانت وصلت لاستنتاجكك ده بذكائك مش كدة , بقولك اي يا أدم انت يستحسن متفكرش تاني يا حبيبي , شحنة اي الي هنساعده يدخلها يا متخلف . أدم : أومال يعني هتستغل النقطة دي ازاي يا فالح . حازم : بكل سولة هنحاول نبوظلوا الشحنة دي فيتشغل بيها نكون احنا رتبنا لخطوتنا الجاية يا أذكي اخواتك . أدم : اه وانت فاكر بكل سهولة تقدر تبوظلوا الشحنة مش كدة , حازم ده تاجر م**رات وأسلحة مش تاجر لعب . حازم : ادم انت لي محسسني اني مراهق في ثانوي , انا حازم السيوفي يا أدم مش اي حد ومتنساش انا زمان كنت اي . أدم : يا عم مش القصد بس أد*ك قولت كنت زمان انما دلؤتي لا , دلؤتي بقيت طيب مش شرير . حازم : خلاصة الكلام يا أدم أنا هنفذ الي في دماغي , معايا يا صاحبي ولا لا . أدم : ودي محتاجة كلام , أكيد معاك يا صاحبي , مهما يحصل احنا واحد ومشاكلك هي مشاكلي . ابتسم حازم بخفة قائلا : تسلم يا صاحبي . أدم : بس وحياة أبوك الطاهر كفايا مشاكل ها . حازم : سلام يا أدم عشان مفقدش أعصابي عليك دلؤتي . أنهي حازم المكالمة ثم نظر للأعلي حيث شرفة غرفته فوجدها , معذبة قلبه , تلك المتمردة التي أوقعته في حبها بدون حتي أن تبذل مجهود تطالعه بثباتها المعتاد وتلك النظرة المتمردة تنطلق من عينيها **هام موجهه نحوه , يعلم تمام العلم انها لن تهدء ولن تستمع له مهما حاول اقناعها , ولكنه أقسم أن يفعل المستحيل حتي يحميها من كل خطر حتي من نفسها , بادلها هو الأخر بنظرة قوية تنم عن عدم التراجع بشأن قراره فقابلته بنظرة ساخطة قبل أن تغلق النافذة وتتوجه للداخل فابتسم عليها فمهما حاولت ان تظهر بمظهر الشجاعة القوية فدائما وأبدا ستظل طفلته . عقب دخولها توجه لخارج المنزل متوجها الي حاتم ليري أخر التطورات بعد أن هاتفه وأخذ منه عنوان بيت تلك الممرضة صفاء , بعد القليل من الوقت وصل الي بيت صفاء فوجد سيارات الشرطة , توجه للأعلي وحينما وصل الي الشقة المنشودة وجد حاتم يقف علي الباب ويظهر علي وجهه الحزن الشديد والذي حالما رآه توجه ناحيته مسرعا ينظر خلفه بتساؤل سرعان ما أفصح عنه قائلا : أومال ملك فين يا حازم مجتش معاك ليه . تن*د حازم قائلا : من النهاردة تنسي حاجة اسمها ملك يا حاتم , من هنا ورايح انا الي هتابع معاك القضية دي مش ملك . استنكر حاتم حديثه قائلا : وده ازاي بس يا حازم , انا مقدر خوفك عليها بس صدقني ملك الوحيدة الي تقدر تخلص القضية دي بالذات . غضب أهوج انتشر في أوردته بسرعة البرق قائلا بعصبية : واشمعنا ملك بس الي تقدر تخلص القضية اي مصر مبقاش فيها رجالة يحموها عشان نخلي الستات هما الي يحموها , ما تعقل الكلام قبل ما تقوله يا حاتم . حدثه حاتم بهدوء قائلا : يا حازم مش قصدي كدة خالص بس ملك ....... كاد حاتم أن يكمل جملته الا أن قاطعته ملك قائلة بقوة : ومالهم الستات يا أستاذ حازم , مش هما جزء من الدولة دي برضو ولازم يحموها هما كمان , ولا اي يا حاتم ما تقول حاجة . حاتم : طبعا طبعا هو انت بتقولي حاجة غلط يا ملك .
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD