أخبرته آنچل أنها ستدخل دورة المياه لتبدِّل ثيابها، ولكنها ربما قصدت بقولها الاستحمام، وحتى إن كانت تستحم فلن تستغرق ساعة ونصف الساعة.
هذا ما جعل زين يشعر بالملل مع القليل من الغضب، فوقف أمام الباب يطرق عليه بمللٍ قائلًا:
«آنچل، يا امرأة ماذا تفعلين بالداخل؟ أتغيرين ثيابكِ في ساعة ونصف؟»
لمْ يتلقَّ الرد منها وكأنه لم يقل شيئًا، فقد كان الهدوء يعمُّ المكان سوى من صوت سقوط المياه بالداخل، ف*نهد بمللٍ وخرج صوته حادًا أكثر:
«آنچل وا****ة لمَ لا تجيبين؟ ماذا تفعلين بالداخل؟»
«أستحم.»
أتاه صوتها من الداخل أخيرًا تجيب ببساطةٍ وهي نائمةٌ بحوض الاستحمام الممتلئ وتستمتع بالفقاعات حولها، فصرَّ أسنانه بغضبٍ يطرق الباب بقدمه متسائلًا بانفعالٍ:
«لقد مرت ساعة ونصف على استحمامكِ، ما كل هذه النظافة؟»
«لمَ أنت متضايق الآن؟»
«متضايق لأنني أيضًا أحتاج لآخذ حمامًا دافئًا، فعندما استيقظتُ لم آخذ حمامي بسببكِ.»
أجابها بيأسٍ ومسح على وجهه، فنفخت الفقاعات بيديها لتطير بالهواء حولها مجيبةً بعدم اكتراثٍ:
«اذهب وخذ حمامك في مكان آخر، أنا سأتأخر قليلًا.»
«ستتأخرين أكثر من هذا؟ ماذا ستعتقد أمي إن رأتني آخذ حمامي بغرفةٍ أخرى؟»
سألها متسع الحدقتين بضيقٍ وطرق الباب مجددًا، فتأففت بانزعاجٍ منه تصرخ مجيبةً:
«وما شأني أنا باعتقادها؟ هذه غرفتي وهذه دورة مياهي وسأتأخر فيها كيفما أشاء.»
«ما هذا الهراء؟ هذه أيضًا غرفتي ودورة مياهي.»
هتف بسخطٍ وشد شعره للخلف بغيظٍ، فابتسمت بانتصارٍ في الداخل وكأنها تراه تجيبه ببرودٍ:
«كان هذا في الماضي عزيزي، إن كنت قرأت بقية الشروط ستعرف أن هناك شرطًا يذكر انفرادي بدورة المياه وعدم إزعاجك لي وأنا بها.»
«ا****ة على هذه الشروط اللعينة، فلتضعيها في مؤخـ..»
«أأأأ انتبه لما تقوله سيد مالك، فهناك شرط آخر يمنع تلفظك بالألفاظ الب**ئة أمامي، وشرط آخر يمنع سبك لي أو غضبك عليّ.»
ونقطة لصالح آنچل؛ فقد استطاعت الانتصار في هذه الجولة واستطاعت استفزازه حينما ض*ب وجهه بالباب وأطلق صيحةً عاليةً تدل على نفاذ صبره، أخذ ثيابه وخرج ليستحم بدورة مياه أخرى، بينما ابتسمت هي بانتصارٍ وهي نائمةٌ في حوض الاستحمام تمضغ العلكة وبيدها هاتفها تراسل والدته نصيًا تخبرها بما تقوله لزين.
حينما أنهى استحمامه ارتدى بنطالًا من القطن وترك ص*ره عاريًا، ثم خرج متسللًا من الغرفة الأخرى التي يتشاركها مع چاسمين متجهًا لغرفته مع آنچل خفيةً حتى لا تراه والدته، وما إن دخل الغرفة وأغلق الباب حتى سمع صوت صراخ آنچل من خلفه:
«ماذا تفعل يا هذا؟ لمَ لا ترتدي قميصًا؟»
نظر لنفسه لبرهةٍ، ثم رفع نظره لها بعدم فهمٍ يسألها:
«ولمَ أرتدي قميصًا؟»
«لأن هذا شرط من شروطي وهو عدم ظهورك أمامي عاري الص*ر أو بدون ملابس حتى.»
«تمزحين؟»
«بالطبع لا.»
هل يقتلها الآن ويتخلص منها ومن شروطها اللعينة؟ هذا ما تساءل به في نفسه وهو يحاول تنظيم أنفاسه حتى لا يتهور ويخنقها، ولكنه تن*د بقلة حيلةٍ وذهب للخزانة يُخرج قميصًا قطنيًا له، ثم ارتداه وسط نظراتها الهادئة يقول:
«أريد النوم قليلًا قبل المساء.»
«حسنًا لقد جهزتُ لك الأريكة لتنَم عليها، وأنا أيضًا سآخذ قيلولة على الفراش، وإياك ثم إياك ثم إياك عشرين مرة أن تفكر حتى في الاقتراب من الفراش وأنا نائمة!»
رفع حاجبه وظل يقترب منها ببطءٍ أثناء تحدثه؛ ليشغلها عن ملاحظة اقترابه:
«ولمَ لا أفكر في الاقتراب من الفراش؟ أنا مهذب ولن أفعل شيئًا أثناء نومكِ.»
قلبت عينيها بمللٍ تشبّك ذراعيها على ص*رها، وارتفعت زاوية شفتيها في تلك الابتسامة الساخرة تجيبه باستهزاءٍ:
«أوه حقًا؟ السيد مهذب مالك يتحدث، وكأنني لا أعرفك زين، أخبرني بشيءٍ عنك أنا لا أعرفه وحينها سأصـ..»
ابتلعت بقية عبارتها؛ حينما انحنى فجأةً ليصل لمستواها القصير، ثم وضع يده خلف رقبتها يدفع وجهها للأمام حتى التقط شفتيها في قبلةٍ تلذذ بها، بل واستطاع ترويضها بالقبلة حينما استسلمت له وأغمضت عينيها تذوب في عالمه اللذيذ.
أطال القبلة عمدًا وابتسم أثناءها حينما شعر بتأثيره عليها، ولكنها أدركت نفسها أخيرًا لتضع يديها على ص*ره، ثم دفعته للخلف بقوةٍ هاتفةً بضيقٍ:
«ماذا فعلت يا هذا؟ إياك أن تقترب مني مرة أخرى!»
رمش بجفنيه ببراءةٍ يسألها مدعيًا عدم الفهم:
«وماذا فعلتُ أنا؟»
«أنت.. أنت قليل أدب، لا تفعلها مرةً أخرى!»
«أوه.. هل تقصدين هذه القبلة؟»
أنهى جملته وانحنى يُقبّل شفتيها مرةً أخرى وذراعه تلتف حول خصرها، ولكن هذه المرة كانت قوية، فعضّ بأسنانه على شفتيها حتى سالت الدماء منها لتص*ر هي أنينًا خفيفًا جعله يزيد من قوة القبلة أكثر.
لم يبتعد عنها إلا حينما شعر بحاجتها للهواء فقد ذاب جسدها بين يديه، نظر لها وابتسامة خبيثة تحتل شفتيه:
«لا زال تأثيري عليكِ قائمًا رغم الشروط.»
وكأنه بتلك الجملة قد صفعها يعيد لها تركيزها لما حدث، فزمت شفتيها بضيقٍ تنظر له بغضبٍ قائلةً:
«أنت لعين، فلتنعم بالغرفة بمفردك، سأذهب لأكون مع طفلتي قليلًا، أفضل من البقاء معك في غرفةٍ واحدة.»
بصقت الجملة في وجهه وخرجت من الغرفة تغلق الباب خلفها بقوةٍ جعلته يتن*د بضيقٍ وعلامات التضايق من حديثها كانت واضحةً على وجهه ليهمس لنفسه بحنقٍ:
«لستِ الوحيدة القادرة على وضع الشروط آنچل، أنا أيضًا لديّ شروطي وستنفذينها رغمًا عنكِ، ولنرَ من منا ستكون كلمته هي الأقوى.»
مع جملته ونبرته التي تحمل التهديد تمدد على الفراش واضعًا ذراعيه أسفل رأسه وعيناه تنظران للسقف بشرودٍ، بينما هي قد خرجت من الغرفة تدبدب على الأرض بحنقٍ حتى وصلت لغرفة والدته، فترددت في البداية لطرق الباب ظنًا منها أنها قد نامت لتريح جسدها من تعب السفر.
زفرت بضيقٍ ونزلت للأسفل، ثم دخلت المطبخ تصب لنفسها كأسًا من عصير التفاح الذي تعشقه لتجلس خلف طاولة المطبخ تشرب الكأس ورأسها مطأطأ للأسفل بمللٍ.
رفعت رأسها فجأةً وارتسمت ابتسامة شيطانية على شفتيها، لو كنا في أفلام الرسوم المتحركة لظهر مصباح مضئ فوق رأسها؛ حينما خطرت تلك الفكرة الخبيثة على بالها لتنهض من مكانها.
أخرجت هاتفها من جيبها وتسللت تخرج من المنزل بهدوءٍ، ثم سارت للحديقة الخلفية لتجلس أسفل السقف الخشبي في الحديقة مثل استراحات الملوك.
دوّنت رقمًا في الهاتف ووضعته على أذنها، فلم تنتظر طويلًا حتى جاءها الرد من الطرف الآخر بنبرةٍ مضجرةٍ:
«ماذا تريدين؟»
قلبت عينيها بمللٍ وأخذت نفسًا عميقًا، ستضطر للتنازل عن كرامتها حتى تجيبه باشتياقٍ لتقول:
«مرحبًا عزيزي الجميل.. كيف حالك يا أفضل صديقٍ على كوكب الأرض وفي المجموعة الشمسية بأكملها؟»
«يا إلهي آنچل، ما المصيبة التي قمتِ بها وتريدين مساعدتي فيها؟ ولا تمدحيني هذا المدح مرةً أخرى، وكأني لا أعرفكِ يا فتاة!»
أتاها صوته اللطيف متذمرًا بخوفٍ، فابتسمت باتساعٍ حينما علمت أنها أصابت بطلب المساعدة تجيبه بمرحٍ:
«يا رجل أنت تفهمني دائمًا قبل أن أتحدث، لذلك هاتفتك يا وسيمي لتساعدني وتأتي إليّ اليوم مساءً.»
«في أحلامكِ الوردية، لن آتي إلى منزلكِ، فآخر مرةٍ جئتُ بها ض*بني زوجكِ حتى **ر لي ذراعي ولا زلتُ أتعافى حتى الآن.»
تأففت بضيقٍ، هذا الفتى صاحب العينين الزرقاوين يشعرها بالملل دائمًا، فقررت إنهاء الأمر بقولها:
«صفاء قادمة إلينا اليوم مساءً.»
«حسنًا سآتي، في أي ساعةٍ تريدينني أن أكون موجودًا بها يا أجمل ملاكٍ على كوكب الأرض والمجرة بأكملها؟»
«ها ها ها، انظر من منا يمدح الآخر الآن، آهٍ لو يعلم زين أنك تعشق أخته الصغيرة كل هذا العشق في السر، هذه المرة سي**ر جسدك بأكمله وليس ذراعك فقط.»
قهقهت ساخرةً ترجع خصلات شعرها الحمراء للخلف، فسمعت تنهيدته المتوترة يجيبها بخوفٍ:
«لا تخيفيني يا فتاة، أنا سآتي فقط من أجل رؤية صفاء وتأمُّل وجهها الجميل، ثم إنّ زوجكِ الأ**ق يظن أنني أحبكِ، لذلك هو يكرهني.»
«أنت بالفعل تحبني يا رأس البطاطا.»
«كنت.. كنت أحبكِ أيام الجامعة وأنتِ خنتِني وخنتِ هاري وفضلتِ ذلك الـ زين على كلينا، ثم إنّ صفاء أجمل منكِ يا حمراء الشعر؛ لذلك نحن أصدقاءٌ فقط وأخبري زوجكِ بهذا.»
استشعرت الحزن في نبرة صوته بقوله هذا، ف*نهدت بضيقٍ تنهي النقاش قائلةً بنبرةٍ لا نقاش فيها:
«لسنا أصدقاءً فقط يا وسيمي، أنت لا زلت تحبني وستثبت هذا أثناء وجودك.»
«مستحيل.»
«سأخبر صفاء بأمورٍ سيئة عنك.»
«حسنًا حسنًا أيتها الحمراء الخرقاء، سأفعل ما تريدينه حالما آتي وسأحضر معي رجال الإسعاف أيضًا.»
تمتم بقلة حيلةٍ؛ فلا زالت تستغل نقطة ضعفه بحبه لصفاء، وهو الآن نادمٌ أشد الندم على الإفصاح لها بسرٍ كهذا، ف*نهدت هي بهدوءٍ تجيبه:
«لا تقلق، زين لن يجرؤ على لمسك هذه المرة حتى، أنا مسؤولة عن حمايتك منه، ثق بي!»
«آخر مرةٍ قلتِ فيها "ثق بي!" قبضت علينا الشرطة وبحوزتنا كيلو من الم***عات واتهمونا في قضية قتل فتاةٍ شابة، ولولا وجود نايل كنا سنظل في السجن حتى هذه اللحظة.»
«أجل.. نايل، لقد ذكرتني به، اغرب عن أذني الآن حتى أهاتفه!»
قالتها آنچل بمللٍ لصاحب العينين الزرقاوين وأغلقت الهاتف بدون السماح له بإضافة حرفٍ واحدٍ، ثم دونت رقم صاحب العينين الزرقاوين الآخر تضع الهاتف على أذنها.
رنة.. اثنتان وخمسة حتى أجابها قائلًا بصوته الرجولي:
«مرحبًا آنچل، كيف حالكِ؟»
«مرحبًا نايل، أنا لستُ بخير أبدًا والفضل يعود لصديقك الأحمق.»
تمتمت باستياءٍ، ف*نهد الآخر بقلة حيلةٍ يجيبها:
«أجل لقد علمتُ بالأمر، وتفاجئتُ جدًا من زواجه الثاني، ولكنه يحبكِ أنتِ وسيظل يحبكِ للأبد.»
«لا تدافع عنه أمامي، ودعنا منه، هل أنت متفرغٌ في المساء؟»
تلاشت الحديث في هذا الأمر وكأنه ينقصها صديقٌ لزوجها يدافع عنه، ف*نهد بسخريةٍ يجيبها:
«أجل، لماذا؟»
«لقد عادت أمي تريشا من السفر اليوم وسوف تقيم حفلة؛ لذلك أنت مدعوٌ لها، وأحضر معك حبيبتك المجهولة؛ فأنا متشوقة لمعرفتها.»
«يا إلهي، هل عادت عمتي تريشا من السفر؟ أنا أشفق على زين المسكين، حسنًا سآتي ولكنني سأختفي ولن أظهر أمامها.»
«كما تشاء ولكنها في النهاية ستجدك.»
تن*د نايل بقلة حيلةٍ بعد قهقهتها المرحة تلك وظلّ يثرثر معها قليلًا حتى ودّعها وأغلقت الهاتف لتأخذ نفسًا طويلًا زفرته بقوةٍ، ثم همست بصوتٍ مسموعٍ:
«انتهيتُ من اثنين وتبقى واحدٌ وهو الأهم.»
انتهت آنچل بالفعل من اثنين، وتبقّى الأهم.. فمَن هو يا تُرى؟